سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية
۲۵ كانون الأول ۲۰۱۰
منذ بداية السبعينات تغيرت الأوضاع العالمية وبدأت الأزمات العالمية تتوالى، منها أزمة الغذاء ، وأزمة الطاقة، وأزمة المديونية، فضلا عن أزمة التنمية وأزمة الإيدلوجيات.الخ ومؤخراً الأزمات المالية العالمية حتى وصلنا إلى ما يسمى حروب العملات. وإذا كان العالم عرف في معظم أجزائه مشاكل عدة فمنذ السبعينات عمدت الدول الصناعية إلى إعادة النظر في هياكلها الاقتصادية والمؤسسية لاستعادة حيويتها ، وكذلك يوجد الكثير أيضاً من الدول من أغفلت مواجهة مشاكلها حتى تفاقمت بشكل كبير.
ودائماً هتالك سياسات في كل وقت لمواجهة المشكلات، ولكن التساؤل المطروح هو هل تستطيع السياسات الاقتصادية السائدة حالياً أن تكون أكثر نجاحاً في مواجهة هذه المشكلات؟ أو أن القوى الاقتصادية الفعالة عالمياً هي أكثر عجزاً وقصوراً عن المواجهة ؟
فعندما نتكلم عن الأزمات، فإننا نعني بشكل عام عجز الحلول والسياسات الاقتصادية وقصورها عن مواجهة تلك المشكلات. كما أن وجود المشاكل والتحديات الاقتصادية فهو قدر الإنسانية ولا مفر منه، حيث لا يعرف الإنسان ولن يعرف حياة اجتماعية من دون مشاكل. والجديد هو أن المشاكل الاقتصادية بدت مستعصية على السياسات القائمة، وظهرت بوادر فشل هذه السياسات وتفاقم المشاكل وعجز السياسات، ومن هنا الحديث عن عصر الأزمات. ومن هذه الأزمات والتي توالت الواحدة بعد الأخرى حيناً أو تداخلت فيما بين بعضها أحياناً أخرى.
فمع نهاية الحرب العالمية الثانية انشغل العالم بوضع قواعد جديدة لنظام النقد الدولي على ضوء التجارب الماضية. وفي الوقت نفسه كان الحنين لنظام ما قبل الحرب العالمية الأولى كبيراً، وبالتالي لم يكن من الغريب، أن يتجه واضعوا اتفاقية بريتون إلى الأخذ بنظام ثبات أسعار الصرف. وأن السبب في أزمة النقد الدولي، ترجع إلى أن النظام الذي تم اتباعه في ثبات أسعار الصرف كان قائم على عدم إخضاع الدول توازنها الداخلي للظروف الخارجية، وبالتالي لقاعدة الذهب بعكس ما كانت عليه الحال قبل الحرب العالمية الأولى. مما أدى إلى مواجهة النظام النقدي عقبات لم تعرفها قاعدة الذهب، ناهيك عن جمود أسعار الصرف الناتج عن النمو الكبير في حركات رؤوس الأموال، مما جعل القيمون على النقد يؤكدوا على التشدد في تغيرات أسعار الصرف تجنباً للمضاربة.
ونتيجة زيادة المعاملات الدولية، كان لا بد من توفير كميات كبيرة من السيولة الدولية وكان هناك عدة طرق للوصول لذلك :
1– عن طريق الذهب :
لكن إنتاج الذهب لم يكن كافياً لمواجهة احتياجات العالم من السيولة الدولية، كما إن فكرة رفع ثمن الذهب ومن ثم جمع السيولة الدولية لن تلقى القبول. إذ لأسباب سياسية ترفض بعض الدول منح الدول المنتجة للذهب مكاسباً مجانية كجنوب أفريقيا والاتحاد السوفياتي. كما أن منطق النظام القائم على ثبات أسعار الصرف بالنسبة للذهب كان يتعارض مع ترك ثمن الذهب يرتفع.
2 – الاتفاق على قيام سلطة دولية بإصدار نقود دولية.
3 – استخدام إحدى العملات الوطنية كنقود دولية.
ونتيجة للظروف التي لم تكن مؤاتية لإصدار نقود دولية، وعلى الرغم من أن كينز كان قد طرح هذا الموضوع في مشروعه، فلم يكن هناك مناص من استخدام إحدى العملات الوطنية كنقود دولية إلى جانب الذهب في تسوية المدفوعات الدولية، وكان الدولار انذاك هو أكثر العملات تهيئاً للقيام بهذا الدور. ونتج عن ذلك الوضع، أن حققت الولايات المتحدة وتمتعت بمكاسب احتكارية باعتبارها السلطة التي تصدر الدولار. حيث أن الدول لكي تحصل على الدولار لا بد بالمقابل أن تتنازل عن أصول مختلفة، في حين أن الولايات المتحدة لا تتكلف شيئاً في سبيل إصدار هذه الدولارات باستثناء تكاليف الطبع والإدارة فقط.
ومع مرور الوقت، أصبح هناك تعارض ما بين الدولار كعملة نقدية دولية وتداعيات ذلك من حيث اعتبارات المسؤولية الدولية، وبين احتياجات السياسة الداخلية الأمريكية. مما يؤدي إلى الارتباك، وخاصة مع تغليب المصالح الوطنية الأمريكية، الذي يؤثر على الاستقرار الدولي. ومن الافعال التي تعكس هذا الواقع، قرارات الولايات المتحدة ما بين 1968 و1971 التي إدت إلى منع تحويل الدولار إلى ذهب.
كما أن تطور الاقتصاد العالمي وظهور ألمانيا واليابان على الساحة الدولية الاقتصادية، طرح تساؤلات حول قيمة الدولار التي لم تعد معبرة عن حقيقة الاوضاع، مما أدى في عام 1972 إلى تشكيل اللجنة الوزارية لإصلاح النظام النقدي في جنيف. وبالرغم من الاستقرار النسبي نتيجة اتفاقية سميثونيان 1972، ولكن ما لبثت الأزمة أن تعود من جديد بفعل المضاربات، فاضطرت الولايات المتحدة بتخفيض الدولار عام 1973 وأدى ذلك للعودة إلى تقويم العملات.
ومع بروز أزمة البترول ونتيجة الضغوطات تم في عام 1976 في جامايكا تعديل اتفاقية صندوق النقد الدولي، لتصبح الدول حرة في اختيار نظام الصرف وهو الحل الوسط انذاك بين الطروحات الأمريكية والفرنسية. وأصبح النظام النقدي العالمي هجين غير معروف الهوية. فهو نظام قائم على الدولار، وهو نظام يعتمد أساساً على تعويم العملات، وهو نظام لا يضع ضوابط على الدولار الورقي بعد تحرره من القابلية للتحويل إلى ذهب . والاقتصاد العالمي حتى وقتنا الحاضر ما زال يعاني من وطأة هذه الإشكالية؟؟؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق