First Published: 2010-11-30
ميدل ايست اونلاين
www.middle-east-online.com/?id=100928
الربضي يدرس
إشكالية العلاقة
بين الدولة ورأس المال
كتاب في الاقتصاد السياسي
يتناول النفوذ العالمي للشركات عبر الوطنية
يتناول النفوذ العالمي للشركات عبر الوطنية
من خلال التعرف على العلاقة بين المنظور الكمي والظواهر الإنسانية
للمؤلف والباحث: سلام الربضي
دار المنهل اللبناني
بيروت
بيروت
إذا استطعنا التخلص، من المبادئ الميتافيزيقية والعامة التي تستند إليها من وقت لآخر سياسة الحرية الاقتصادية، القائمة على حرية الأفراد والمؤسسات في فعاليتهم الاقتصادية الليبرالية. وإذا تجاوزنا النظرة إلى الاقتصاد العالمي من منظار المناضلين المعادين لليبرالية، وأوهام الشيوعيين بشأن المجتمع بدون طبقات، فإن هذا الكتاب يفتح أمامنا مجالاً واسعاً لطرح جملة من التساؤلات قد لا يكون من الممكن الإجابة عنها بوضوح، لكنها تساؤلات تستحق أن تؤخذ من تفكيرنا الحيز الضروري لكي نخلص من ذلك إلى استنتاجات حان وقت الوصول اليها والاستفادة منها.
من أولى هذه التساؤلات :
إشكالية الأرقام والمعطيات التي تضلل أحياناً عند دراسة نشاط الشركات عبر الوطنية.
فكثير من الدراسات التي تتعلق بنشاط الشركات تحاول الربط بينها وبين أرقام ومعطيات عن الثروة، توزيع الدخل،الفقر،الجوع،ومقارنة دخول الشركات مع إمكانيات الدول والناتج الإجمالي لها. وهنا يجوز التساؤل عن المعيار العلمي والمنهجي الذي على أساسه يتم الربط فيما بينهما من خلال منهجية الاعتماد على المقارنة الإحصائية الظاهرية والصورية بلا تدبّر في المقدمات والحيثيات والدلالات العلمية والمنطقية؟ فهل هذا الربط يعني أن الشركات هي التي تتحمل مسؤولية كل ما يحدث في ظل العولمة من فقر وجوع وبطالة وخلل في توزيع الثروات؟ وهل يمكن القول إن لعبة الأرقام وربطها بمعطيات_التي تصب في اتجاه معين_ تعبّر عن مواقف مسبقة ذات أبعاد أيديولوجية؟
ومن التساؤلات التي تطرح أيضاً : إشكالية العلاقة بين الشركات عبر الوطنية والدولة؟
العلاقة التي على ضوئها يتم تحديد مدى تزايد نفوذ الشركات وسيطرتها أو مدى تراجع سيطرة وسيادة الدولة أم تغيّر في وظائفها ؟ وإمكانية تحديد الحد الفاصل بين مصالح الشركات ومصالح الدول؟ وهل استرتيجية الشركات قائمة على تجاوز الدول أم إنها ستبقى قومية المرتكز؟
والإشكالية الجوهرية التي تطرحها ظاهرة الشركات عبر الوطنية :
هي إشكالية الضبط والتحكّم سواء على الصعيد القومي أو العالمي؟
منهجية المؤلف سلام الربضي في معالجة الإشكاليات في الكتاب قائمة على جدلية المجتمع والسلطة.
حيث إن المبدأ العام في هذه العلاقة يرتكز على أن السلطة تنبثق من المجتمع، ويمكن التعبير عن هذا الواقع بمقاربتين الأولى: مصالح الدولة الخارجية واستراتيجيتها التي تعكس واقع مجتمعها، فإذا كانت الدولة تعبّر عن مصالح الشركات، فهل نحن أمام تراجع في سيطرة الدولة أم أمام ترابط في المصالح؟ أما المقاربة الثانية، فهي قائمة على طبيعة العلاقة داخل المجتمع وصراع السلطة. وفي هذا الجانب يمكن التساؤل عن القوى القادرة على وضع حد لسلطة الشركات وتزايد نفوذها أي جدلية السلطة والسلطات المضادة.
الدراسة في الكتاب قائمة على 6 فصول، تتناول نفوذ الشركات عبر الوطنية من خلال التعرف على العلاقة بين المنظور الكمي والظواهر الإنسانية، حيث إن استخدام المنظور الكمي في مقام التعامل مع معظم الظواهر الإنسانية، ومنها حقول التاريخ والاجتماع والسياسة والتنمية الإنسانية، أمر محفوف بالتحفظات والمحاذير. وذلك على خلاف، التقدم المذهل الذي نجم عن استخدام المنظور ذاته على صعيد الظواهر الطبيعة. فالإنسانيات، أكثر تعقيداً وأبعد عمقاً من أن تخضع للمعادلات الإحصائية الرقمية بكل جفافها وصرامتها، وهذا ما ينطبق على كيفية مقاربة ظاهرة العولمة بما فيها العلاقة بين الدولة وراس المال.
كذلك التعرف على استراتيجيات الشركات وتوضيح طبيعة العلاقة القائمة بين الشركات والأسواق المالية، والثورة الجذرية في عالم العمل والاستثمار الاجنبي المباشر، ومعرفة أين هي الشركات من المجابهة الضريبية والاتجاهات الحمائية، وكيفية تحول القوة الاقتصادية إلى ميزة سياسية غير متساوية، وتحول السلطة من أيدي الجمهور إلى المؤسسات التجارية. ومن هذا المنطلق يتطرق الباحث سلام الربضي، إلى إشكالية ما يعرف بضعف الدولة في ظل العولمة من خلال دراسة التدخل السياسي للشركات عبر الوطنية.
ويحاول المؤلف في هذا الكتاب أيجاد مقاربة لواقع استثمارات شركات الدول النامية، حيث هناك فصل من فصول العولمة يدور حالياً في أفريقيا، ويكتب هذا الفصل الصينيون المتواجدون في مختلف أنحاء أفريقيا. ولعل النفوذ الاستثماري الصيني في القارة الأفريقية هو بمثابة زلزال جيوسياسي وإنجاز من إنجازات العولمة قلب الموازين العالمية الاقتصادية والسياسية.
مما يجعل المؤلف في هذا الكتاب يطرح تساؤلات مشروعة حول الاستثمارات التي تقوم بها شركات الدول النامية :
هل هذه الاستثمارات تدخل في إطار التعاون وتبادل المصالح ؟ أم تدخل في إطار السيطرة والاستغلال ؟
ولماذا في حال شرّعت الدول النامية أسواقها أمام الشركات الغربية يعتير ذلك نوعاً من الاستعمار؟
وإذا شرّعت تلك الدول أبوابها للشركات من الدول النامية يصبح ذلك نوعاً من التعاون والتكامل ؟؟؟
الكتاب يحاول توجية الأنظار نحو تلك التيارات الجارفة الحاملة عناوين حرية التجارة الدولية، حيث يوجد سياسة حمائية واضحة مما يخلق تضارباً في السياسات والمصالح. وهو ما يلحق الضرر بمختلف الدول سواء كانت غنية أو فقيرة، ويطرح علامات استفهام حول حرية التجارة الدولية. وهذه السياسة لها آثارها على الدول الغنية والفقيرة. إلا أن تأثيرها يكون وقعه أكبر، على الدول الفقيرة، حيث هامش التحرك أمامها ضئيل، مقارنة بالدول الغنية. خاصة فيما يتعلق بالصادرات الزراعية والمنسوجات القادمة من الدول الفقيرة. إذ إن الموضوع بالمطلق يطرح جدليات التناقض بين مبدأ حرية التجارة والسياسة الحمائية التي تميز الاقتصاد العالمي في بداية الألفية الثالثة.
وحاول مؤلف الكتاب من خلال محاكاة الواقع العالمي المعاصر، الذي أصبح زاخراً بكثير من التطورات وعلى كافة المستويات، أن يلزمنا التوقف عند بعض المعطيات التي يمكن التعبير عنها بالسؤال الآتي :
هل ما زالت الدولة وحدها قادرة على تحديد العلاقات الدولية؟
الإجابة على هذا التساؤل تأتي في هذا الكتاب على طريقة المؤلف المعهودة، من خلال جعل القارئ يتساءل :
إذا، كان قد تم السير في اتجاه هذا النسق العالمي القائم على تخصيص الأمن لمصلحة الشركات الخاصة؟
أو التساؤل حول فيما إذا تم تبني مقترحات الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي، الداعي لربط مسألة التصويت لأعضاء الأمم المتحدة بمقدار مساهمتها في تمويل أنشطة المنظمة؟؟ ؟
الأمر الذي يطرح في المستقبل إمكانية احتلال مقاعد من قبل منظمات ومؤسسات وشخصيات معنوية لديها قدرة مالية كبيرة؟؟؟؟
كتاب النفوذ العالمي للشركات عبر الوطنية ... إشكالية العلاقة بين الدولة ورأس المال للباحث والمؤلف سلام الربضي هو عبارة عن محاولة أو دراسة توضع بين يدي القارئ عسى أن تساهم في فتح آفاق جديدة أمام الدارسين والباحثين .