سلام الربضي \ باحث ومؤلف في العلاقات الدولية
موقع خبرني الالكتروني - عمان
www.khaberni.com/home.asp?mode=more&NewsID=30254&catID=65
10-3-2010
يجمع علماء الأنتروبولوجيا على أن البلاد العربية تشكل أعرق بقعة حضارية في العالم، انتقل فيها الإنسان إلى العصر الحضاري في 1000 الخامس قبل الميلاد, وبالتالي يجب النظر إلى الحضارة العربية من منظارين، منظار تعددي ثابت، ومنظار متداخل متحرك.
أ- المنظار التعددي الثابت:
لقد توالت عى أرض العرب ثقافات متعددة أهمها :
أولاً ثقافة وادي النيل: وتميزت بنظرة روحانية وأخلاقية للوجود.
ثانياً ثقافات بين النهرين: واتصفت بنظرة قانونية وحقوقية للعلاقات الإنسانية .
ثالثاً ثقافات أخرى: منها العبرانية والفينيقية والآشورية، ولقد تأثرت بالحضارات التى سبقتها.
رابعاً: الثقافات المسيحية: وتأثرت بالروحانية المصرية، وتقسم إلى الثقافة المسيحية السريانية والثقافة المسيحية الهيلينية .
خامساً الثقافة الإسلامية: وتقوم على تراث العرب القبلي، تراث العرب المدني: أمويين، عباسيين إلخ، وتراث الشعوبيين كالفرس، الترك وغيرهم.
سادساً الثقافة الغربية: منذ بداية القرن التاسع عشر وهي ما زالت تؤثر في البلاد العربية في مجالات مختلفة منها المؤسسية والمعاملات والأخلاق العربية، ولقد وصلت الثقافة الغربية إلى الوطن العربى عبر موجات حضارية ثلاث: الثقافة الغربية الدينية, الثقافة الغربية الليبرالية، الثقافة الغربية الماركسية.
ب- المنظار المتداخل والمتحرك :
إن الحضارات التي سبق تعدادها لم تلتصق إحداها بالأخرى فحسب بل تداخلت وامتزجت واقتبست اللاحقة الكثير من السابقة لها وتطورت نتيجة لهذا الامتزاج والاقتباس ومجموع هذه الثقافات بتعددها وتداخلها وانصهارها الواحدة في الأخرى تشكل الحضارة العربية.
ويمكن توضيح علاقة الإسلام بالعروبة من خلال أربعة مراحل تاريخية وهذا التقسيم غايته التوضيح أكثر ما هو ترتيب زمني قاطع ذلك لأنه لا يمكن ضبط الحدود الزمنية ضبطاً دقيقاً بسبب تداخلها وتكاملها وتواصلها.
المرحلة الأولى الجزيرة العربيه والإسلام :
الجزيرة العربية بظروفها ومناخاتها الطبيعية والإنسانية هيأت لظهور الإسلام كما أن للقبائل العربية المسيحية واليهودية والوثنية بصماتها في الكثير من المواقف والتعاليم والعقائد التي تضمنها القرآن الكريم إذ نزل القرآن بلغتها ومن الجزيرة انطلقت الدعوة فإذاً الصلة بين الجزيرة العربية والإسلام صلة جذور ومصير ولولا الإسلام لما خرج العرب من الجزيرة العربية ولما اتخذت اللغة العربية حجمها الضخم.
وعندما ننظر لتعلق العرب المسلمين بدينهم، إنما نرى فيه كل تلك الخلفيات التاريخية العميقة إلى درجة المزج العضوى بين العروبة والإسلام بل إلى حد التوحيد بينهما.
المرحلة الثانية العهد الأموى والعباسي :
تميزت الدعوة الإسلامية بأنها كانت رفيقة العمل السياسي فكانت فتحاً دينياً عسكرياً ونشر معتقدات وبناء دولة، وتحولت فيما بعد إلى إمبراطورية عربية واسعة الانتشار وامتدت أيام الأمويين لتصل إلى أفريقيا والأندلس غرباً وإلى خراسان وما حولها شرقاً ومع هذا الاتساع برزت الحركات الدينية والأحزاب السياسية وأصبحت الخلافة وراثية وتأثرت الإدارة العربية بالإدارة الفارسية واليونانية والقبطية وأصبحت العربية ليس فقط لغة الدين بل أيضاً لغة الدولة والإمبراطورية وتم قطع عملة عربية إسلامية استبدلت مكان الدنانير والدراهم البيزنطية والفارسية.
ما يميز حكم الأمويين أن المسلمين من غير العرب لم يكن لهم حظ في الحكم ولا نصيب في الحياة الاجتماعية وعندما تسلم العباسيون الحكم بعد سقوط الأمويين تبدلت نوعية الحكم ونشأت أوضاع جديدة وهامة على صعد مختلفة أهمها التجزئة وتقلص الرابطة العربية لصالح الرابطة الاسلامية حيث استعان العباسيون بالمسلمين غير العرب في مختلف المراكز وأعلاها فضعف الدور الذي يلعبه العنصر العربى وزالت الرابطة الوثيقة التي كان يستند عليها في الحكم أبان الخلفاء الراشدين والأمويين إذ أن العامل الديني إن لم يكن مدعماً بعصبية قومية متحدة يضعف فعله وظل هذا الوضع على ما هو عليه حتى جاء المغول وأزالوا الدولة العباسية في المشرق كله .
وبالرغم من انحسار وضعف العنصر العربى فى الحكم إلا أنه تم التعويض عنه في العهد العباسي بقيام حركة فكرية زاخمة شارك فيها العرب وغير العرب من خلال اللغة العربية وجعلوا من ذلك العصر العصر الذهبي من تاريخ الفكر العربي _ على الرغم من أن تاريخ الفكر العربي يرقى إلى ما قبل العباسيين بوقت طويل _ حيث لمعت أسماء كبار العلماء والفلاسفة والشعراء والمؤرخين أمثال الجاحظ، الفارابي، الخوارزمي، الكندي، الرازي، ابن سينا، أبو العلاء المعري، جابر بن حيان، الغزاني، ابن طفيل، ابن رشد، ابن خلدون .
الإشكالية تكمن عندما يتم التساؤل حول ما يمكن تسميته فكراً عربياً أم فكراً إسلامياً؟
فهنا نواجه معضلتين فهذه الفلسفة مكتوبة باللغة العربية ولكن كثير من رجالها غير عرب بل هم ترك كالفارابي، وفرس كالغزالي، ويوجد عند الفرس والأتراك أساليب مختلفة للتفكير حسب بيئتهم، فكيف يحق لنا أن نسمي هذه الفلسفة عربية ورجالها أكثرهم من غير العرب، وإذا أردنا تسميتها إسلامية، فعلينا معالجة كل ما كتبه المسلمين في لغاتهم المختلفة : الهندية الفارسية ... إلخ ونحن لا نعالج إلا القسم المكتوب باللغة العربية فقط، كما أن هناك أفراد من غير المسلمين ساهموا في الفكر العربي من المسيحيين واليهود, ويلاحظ من استعراض المرحلة الثانية من تاريخ العرب والإسلام ملاحظات رئيسية مهمة جداً :
1- عملياً وبعد انتهاء العصر الأموي لم يعد هناك دولة عربية إسلامية موحدة.
2- من حيث العامل الديمغرافي يصعب القول أن العصر العباسي كان عصراً عربياً بسبب الاختلاط الكبير بين العرب وغيرهم.
3- انفتاح العرب والمسلمين ضمن ديارهم على الحضارات السابقة.
أن العرب والمسلمين في عصورهم الذهبية كانوا عنوان الانفتاح الفكري والثقافي ولم ينغلق العرب والمسلمين على ذاتهم ولم يدعوا يوماً أنه فى خزائنهم الروحية والفلسفية غذاء يكفيهم مؤونة الاتصال بالشعوب والثقافات الأخرى.
المرحلة الثالثة مرحلة الحكم العثماني عصر الانحطاط :
أسدل الستار على الحكم العربي بجميع أشكاله فدخل العرب عصر انكفاء سياسي رافقه انحطاط فكري حتى القرن العشرين حيث فقدت اللغة العربية دورها وزخمها وتدهورت العلوم والآداب والفنون وسائر النشاطات الفكرية ما عدا القليل منها، وعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون تأثر الكثير من العرب بالأفكار والمبادئ التي قامت عليها الثورة الفرنسية مما ساعد الكثير من العرب والأتراك على الانتصاب في وجه الاستبداد والنظام التركي وقد ظهرت أربعة اتجاهات سياسية تصادمت فيما بينها :
1- اتجاه عثمانى أو جامعة عثمانية.
2- الاتجاه التركي الجمعية الطورانية.
3- الاتجاه العربي.
4- الاتجاه الإسلامي.
المرحلة الرابعة اليقظة العرببه والإسلامية :
بعد زوال الحكم العثماني، نشأ في المشرق العربي حركة قومية متنامية برزت على الصعيدين السياسي، والفكري، فظهرت محاولات إقامة الدولة العربية الموحدة، قبل ترك الاستعمار الفرنسي والإنكليزي وبعد الحرب العالمية الثانية، واستقلال العرب اقترن ذلك بقيام الأحزاب وظهور المفكرين لنشر الوعي العربي وثم تمت الدعوة لإحياء دور الإسلام وتحديد دوره في العصر الحديث والبحث في علاقة الدين بالقومية وخاصة الإسلام بالعروبة.