سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية*
المقاربات العالمية للقضايا البيئية، بما تلقي من أبعاد وأضواء، على المؤسسات والاتفاقيات والمؤتمرات الدولية، تسعى إلى معالجة الضمير الأخضر للعالم، من أجل خلق نظرة شمولية، حول كيفية تعزيز وتعميق العملية السياسية والقانونية، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي. فالعجلة الملحة للمسائل البيئية، واحتمالات التدمير الناجمة عن عدم تخفيف حدة تغير المناخ، يستلزم إقرار جهود بحث وتطوير على نطاق العالم بأسره.
كما أن الوقت لا يزال مبكراً جداً، للإعلان عن الموت المفاجىء للاتفاقيات المناخية. فالفشل في اتخاذ القرارات الضرورية، يعتبر ضربة قاصمة للعملية البيئية، وهذا يستلزم جهداً سياسياً خارجياً متضافراً، من جانب جميع المعنيين بإحراز تقدم _ بخاصة الدول الصناعية _ وهذا العمل سوف يوسع من قدرات تلك الدول، إلى أقصى مدى. ويفضي أيضاً، إلى ثقة تنبعث فيها حياة بيئية جديدة.
وإدارة وزعامة الشؤون العالمية البيئية، يصعب تحقيقها والحفاظ عليها، وفقاً للأطر الكلاسيكية التقليدية. فهي تواجه عوائق شائكة، بسبب هياكل دستورية، وأفضليات في أسلوب الحياة، مما يجعل الزعامة البيئية في مثل هذه القضايا، غير محتملة على الإطلاق على مدى السنوات العديدة القادمة. وقد يكون لدى الإدارات العالمية فرصة لإثبات أنها نضجت، وخرجت من طوق العولمة الكلاسيكي ، لتصبح قائداً لسياسات عالمية مستدامة، تكفل بقاء البشر على مدى قرون قادمة. إذ إن سياسة المناخ، تعادل سياسة الأمن، وسياسات السلم.
فالنقص في المياه والغذاء، وارتفاع مستوى مياه البحار، والتغير بشكل عام في أنماط المطر، سيؤدي إلى هجرات واسعة وإلى زيادة كبيرة، في أعمال الحروب عالية أو منخفضة الكثافة والحدة، في أنحاء كثيرة من العالم. وسيؤدي هذا إلى صراعات متجددة بشأن الموارد، ويسبب أضراراً تلحق بالدول. وانطلاقاً من ذلك، تعادل سياسة المناخ، السياسة الخارجية للدول. ومن ثم، فإن الأمر متروك للقيادات السياسية، لكي تثبت الحنكة السياسية. وذلك، بعدم التدخل في هذا النطاق السياسي الحيوي بشكل سلبي، من أجل أن يمضي العالم، قدماً على طريق التعاون الأممي.
فقد يكون العالم بحاجة إلى زعامة رئيسية بيئية، كما هو الحال في الزعامة السياسية العالمية. ولكن، في شأن القضايا البيئية العالمية, قد يتعين تواجد عدة أطراف مختلفة ومتنوعة، ولكن يتطلب منها التعاون المثمر.وهذا، يتطلب التراجع خطوة إلى الوراء، فيما يختص بالبعد السياسي المحض، ليتسنى لإدارة عالمية مجتمعة تسلم ريادة القيادة، ومجلس الأمن بصلاحياته قد يكون مؤهل لهكذا دور، فيما إذا تحلى بشئ من الأخلاقية ؟
إذ تؤكد المناقشات المعاصرة حول البيئة, عدداً من المجالات الحيوية, التي لم يعد بالإمكان تجاهلها. ولا بد من البدء، برؤية كيف يجب على العلاقات الدولية، أن تحول السياسة بين الدول وداخلها، إلى عدم تجاهل دور البناء البيئي الثقافي في سلوك الدول. هذا لأجل، التقليل من التشديد المفرط،على القدرات العسكرية والتفوق الاقتصادي، والاستراتيجيات الأمنية، على حساب الجوانب الآخرى من الضمانات الإنسانية البيئية الإيكولوجية، كالملاءمة الأخلاقية للسياسات البيئية، التي تؤثر في الأمن العالمي .
فالمسألة البيئية تقدم زخماً للجهود السياسية والدبلوماسية التي تحاول أن تجد حلولاً مستنيرة للإشكاليات الإنسانية العالمية. والتنوع السياسي/ الاقتصادي/ الإيكولوجي/ في مختلف إنحاء العالم، سوف تسفر عنه بوضوح، عمليات إعادة تكوين مختلفة، وهي عمليات واعدة بإحداث تجديد إنساني، حتى تصبح الخبرة التنموية البيئية المستدامة، القائمة على مبدأ المشاركة المسؤولة، فوق كل الاعتبارات الأمنية والسياسية التقليدية.