د. سلام الربضي \ مؤلف وباحث في العلاقات الدولية
الميادين نت \ 13-2-2021.
وفقاً لجدلية المجتمع والسلطة، ثمة صعوبات منهجية تواجه كلّ مَن يريد تناول
معضلات السياسات الحكومية المتعلقة بأزمة جائحة "كوفيد-19" في العالم
العربي، والتي يمكن التعبير عنها من خلال التساؤل عن إشكالية معايير الفصل بين
السياسات العامة وثقافة المجتمعات. وبمعنى آخر، إشكالية التمييز بين العام والخاص،
والذي يمكن في ضوئه تقييم السياسات الحكومية في العالم العربي.
بادئ ذي بدء، وعملاً بالنصيحة
الديكارتية، علينا تفتيت الإشكالية التي تعد بطبيعتها ضبابية، وقد تدفعنا إلى
مفاضلات وهمية لا جدوى منها، فكل المقاربات التي تركز على الفوارق الشكلية أو
الوظيفية بين كل تلك الثنائيات لا تجدي نفعاً قبل طرح القضية الأساسية التي تتمحور
حول السؤال التالي:
هل هناك فوارق جوهرية بين ما يُرى من سياسات حكومية عقيمة وما لا يُرى من
عطب بنية المجتمعات العربية، من حيث الإطار الثقافي الذي يحدد طبيعة تلك السياسات
ويرسمها؟
بعيداً من التنظير، ولتوضيح هذه المقاربة، ما علينا سوى تتبّع مسار كيفية
التعامل مع الجائحة الصحية، سواء على المستوى الحكومي أو المجتمعي، لنجد، وبكل
وضوح، وجود تطابق كبير في ما بينهما، فالواقع العربي الحالي يؤكد بصورة صارخة أن
الأزمات الحالية بامتدادها وعمقها إنما هي أزمة مقومات أساسية، فالكل في أزمة،
والأزمة في الكل.
ما يُرى هو تقييم ونقد للسياسات الحكومية وتركيز على لعبة السلطة
والمعارضة، ولكن ما لا يُرى هو أن تلك السياسات قد تكون أخطر وأبعد من أن تكون
مسألة سياسية أو اقتصادية أو حتى صحية فقط، فمعظم الإشكاليات المطروحة، سواء كانت
سياسية (الديمقراطية، الحرية، سيادة القانون) أو اقتصادية (التنمية، توزيع الثروة،
تكافؤ الفرص)، ترتبط بشكل أو بآخر بعطب بنية المجتمع الثقافي.
لذلك، من الأولويات الملحّة إيجاد مقاربات نقدية جديدة، والتخلي عن الرؤية
التقليدية القائمة على تحميل السياسات الحكومية كامل المسؤولية، وهو ما يتطلب وجود
اجتهادات جريئة وخيارات استراتيجية على مستوى كيفية مواجهة الإشكاليات التالية:
1- استمرارية التمسك بربط
القضايا الحياتية والسياسات العامة بالقضية الإيمانية: إذ لا يجوز الاستمرار في تقييم
السلطة أو البحث عنها في عالم ما فوق الإنسان([1]). وبالتالي، إذا أراد العالم العربي النهوض، فعليه نسف الكثير من المبررات
الوجودية القائمة على ثنائيات تصادمية متناقضة ومرتبطة بفرضيات قدرية وثيوقراطية،
فإذا كانت بنية المجتمع ترتكز على خلفية ثيوقراطية أو ميتافيزيقية، فهذا يعني عدم
إمكانية إجراء التطوير أو التغير فيها، وهو ما يؤكد أهمية إيجاد مقاربات منطقية
تؤدي إلى عقلنة الفكر المجتمعي أكثر فأكثر، فالرؤية الثقافية العربية الكلاسيكة لم
تعد كافية، وباتت غير قادرة على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية([2]).
2- بقاء المجتمعات العربية
رازحةً تحت وطأة نسق ثقافي يتمحور حول الإرث الاستعماري: الذي يمكن أن يفرض على الوطن العربي آثاراً شديدة الخطورة
وتداعيات بغاية الأهمية، أقله على مستوى تشويه قراءة الكثير من الحقائق العلمية،
وهو ما يمكن استنتاجه بكل بساطة من خلال كيفية مقاربة العقل العربي لكل ما يتعلق
بتداعيات الجائحة، بدءاً من نظرية المؤامرة المرتبطة بأصل الفيروس، وصولاً إلى كل
الإشكاليات المرتبطة باللقاحات.
في ضوء ما تقدم، قد يكون من المستحيل حصول أي تغيير جذري ما دام كل ما يُرى
هو البحث في السياسات الحكومية الفاسدة، بينما يتم تجاهل ما لا يُرى، وهو عطب بنية
المجتمع الثقافية بحد ذاتها. وما دامت تلك البنية المجتمعية لم تتغير حتى لحظتنا
هذه، فالواقع العربي حكماً غير قابل للتغيير حتى إشعار آخر. وخير دليل على ذلك هو الحائط
المسدود الذي وصل إليه ما يسمى "الربيع العربي"، وللحديث بقية.