سلام الربضي*
http://www.khaberni.com/home.asp?mode=more&NewsID=28558&catID=63&writerID=774
7\ 2 \ 2010
اذا أردنا معرفة مدى تغلغل النفوذ الإسرائيلي في شمال العراق، فما علينا فعله سوى تتبع مسار العلاقات التركية الإسرائيليّة في الآونة الأخيرة، حيث أصبحت تركيا تنظر باستياء شديد لمدى تدخل وتكثيف الوجود الاستخباراتي، العسكري والاقتصادي الإسرائيلي في شمال العراق. وهذا ما قد صرّحت به الحكومة التركيّة على لسان رئيس الوزارء التركي أردغان منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق.
كما أنّ حقيقة المصالح الإسرائيليّة في دعم الأكراد تأتي من منطلق تشتيت القرار السياسي والأمني القومي في العراق، وتوزيع الامكانيّات الاقتصاديّة والعسكريّة على أكبر عدد ممكن من الجبهات لتبقى الجبهة الشرقيّة لإسرائيل أكثر أمنا. وتحاول إسرائيل من خلال التغلغل في شمال العراق سدّ الفراغ السياسي والأمني في حال لم تستطع الولايات المتحدة الأميركيّة السّيطرة على العراق أو فشل مشروعها فيه. ومن هذا المنطلق، يجب على إسرائيل أن تبحث عن خيارات وبدائل استراتيجيّة لها تحسّباً لأيّ مستجدّ، وهو ما تجده في كردستان، شمال العراق.
من منظور إستراتيجي أمني وسياسي، فانّ التواجد الإسرائيلي في شمال العراق يعتبر بمثابة ورقة ضغط على كلّّ من سوريا وتركيا وإيران، وخاصّة على المستوى العسكري والأمني حيث أصبحت عملية التجسّس الإسرائيليّة من خلال الأجهزة المتطوّرة أكثر خطورة على تلك الدّول، أو من خلال ما يمكن القيام به على صعيد اللّعب بالورقة الكرديّة سياسياً. وممّا لا شكّ فيه أنّ الوجود الإسرائيلي في شمال العراق يعزّز المصالح الإسرائيلية سياسياً وعسكرياً وأمنياً.
انّ تنامي الدّور الإسرائيلي عبر البوابة الكرديّة، والدّور الإيراني عبر البوابة الشيعيّة، يعني أنّ إسرائيل وإيران هما اللاعبان الأساسيّان في العراق، بعد الولايات المتحدة. واذا كانت إسرائيل تعمل في شمال العراق وفقاً لما يخدم مصالحها، والتي من الطبيعي أن تكون متضاربة مع المصالح التركية هناك
فهل سينعكس ذلك على التحالف الاستراتيجي التركي الإسرائيلي؟
وهل هذا الواقع سوف يجعل الولايات المتحدة مضطرة للاختيار ما بين مصالح إسرائيل في شمال العراق وبين تركيا، حليفتها الإستراتيجيّة؟
دائماً تطرح فكرة أن أمام أميركا خياراً واحداً فقط حين يتعلق الأمر بتركيا و كرد العراق. وهو أنه يجب أن تدعم تركيا على حساب الكرد. هذا الطرح يؤمن به كثيرون في تركيا والمنطقة عموماً والجدل حول هذا الموضوع لم يتوقف منذ قررت الولايات المتحدة إقامة الملاذ الآمن لكرد العراق في ربيع 1991 ودعمها الضمني لتحوله لاحقاً إقليماً لكردستان العراق خارج سلطة بغداد قبل أن يكتسب الإقليم الشرعية بموجب الدستور العراقي الذي أقرّه الشعب في استفتاء 2006. وهذا الجدل اكتسب طابعاً حاداً بعد رفض تركيا مرور القوات الأمريكية عبر أراضيها لاحتلال العراق.
وتجدد الجدل بهذا الشأن مع التصعيد بين أنقرة وكردستان وسط اتهامات تركية لإقليم كردستان بدعم حزب العمال الكردستاني التركي وتوفير الملاذ الآمن له . ومن دون الخوض في إشكالية علاقة الولايات المتحدة مع الأكراد وتركيا. فمن الخطأ تأكيد صحة الافتراض القائل أن التحالف الأمريكي التركي يجب أن يعني دائماً ضمناً أو مباشرة أنه على حساب كرد العراق, وبالتالي فإن أي استنتاج يقوم على هذا الافتراض قابل للنقاش.
أيضاً هذا لا يعني بالضرورة صحة افتراض معاكس مفاده أن مصلحة أميركا في التحالف مع الكرد على حساب تركيا. الأصح يتمثل في أن التحالف الأمريكي التركي يمكن أن يعزز أكثر المصالح الإستراتيجية للبلد في المنطقة إذا أصبح كرد العراق طرفاً ثالثاً فيه, والتقارب التركي مع حكومة إقليم كردستان مؤخراً عبر زيارة وزير الخارجية التركية محمد داوود اوغلو قد تندرج في هذا الإطار.
والأكيد فيها أن تحقيق الاستقرار والحدود الآمنة بين تركيا وكردستان يخدم مصالح العراق إذا أخذنا بالاعتبار الانعكاسات السلبية التي يسببها أي توتر بين تركيا والإقليم الذي هو جزء من العراق على العلاقات بين العراق وتركيا. وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي لها مصالح مشتركة وبعيدة الأمد في العراق ويهمها إقامة علاقات إستراتيجية بين العراق وتركيا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل يسمح إقليم كردستان لحزب العمال الكردستاني أن يقف عائقاً أمام تحالف ممكن مع تركيا وأميركا يخدم مصالحهما على المدى البعيد؟
من المؤكد أن أفاق مثل هذا التحالف تستحق من إقليم كردستان العراق تفكيراً براغماتياً وجهداً حقيقياً لإيجاد السبل الكفيلة بالوصول إلى هذا الهدف الإستراتيجي.
لكن كيف تقيّم إسرائيل ما يجري في شمال العراق من تقارب بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني على مصالحها الإستراتيجيّة وأمنها القومي؟
وكيف تقارب إسرائيل هذا الواقع على صعيد علاقتها مع الأكراد؟
أم أنّ الخطر الإيراني سيكون هو العامل الرئيسي في تحديد خيارات إسرائيل الإستراتيجيّة من تلك الأزمة؟
انها قد تكون لعبة تبدّل المصالح والأثمان ، حيث تتخوف إسرائيل من قدرة إيران على الخروج من أزمتها النوويّة مع مجلس الأمن والولايات المتحدة الأميركيّة بأقل الأضرار، مما يترتّب على إسرائيل ضرورة اتخاذ قرارات قد تكون صعبة للغاية. وفي هذا الإطار تحاول تحريض تركيا على إيران معتمدة على ملف الدعم الإيراني لحزب العمال الكردستاني من أجل أن تلعب تركيا دوراً في تسهيل ضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة.
* باحث في العلاقات الدولية