سلام الربضي \ باحث ومؤلف في العلاقات الدولية
مركز سباً للدراسات الإستراتيجية \ اليمن
مجلة مدارات استراتيجية
العدد الثالث\حزيران2010
العدد الثالث\حزيران2010
يوجد مصالح استراتيجية للدول الكبرى في المنطقة والعوامل الاقتصادية والأمنية والسياسية هي التي تحدد هذة المصالح ولكن يجب عدم أغفال العوامل الثقافية كقوة مؤثرة ودافعة لتلك المصالح سواء على صعيد النظرة الثقافية للدول الكبرى لمنطقة الخليج _علاقة الغرب بالإسلام_ أو على صعيد الواقع الثقافي لتلك المنطقة_ الواقع الإسلامي _ والذي يعتبر عاملاً مساعداً للدول الكبرى لتحقيق مصالحها .
أن عامل أو معيار البعد الثقافي في تحليل واقع مصالح الدول الكبرى في الخليج يمكن مقاربته من خلال شقين :
1- العلاقة بين الغرب والإسلام .
2- العلاقة بين التيارات الإسلامية .
الشق الأول : العلاقة بين الغرب والإسلام
لا يمكن اعتبار الأيديولوجية والاقتصاد وحدهما علامات أساسية للتنافس أو الصراع فالمصالح من أهم علاماتها الأساسية وأشملها وأعمقها تأثيراً هو الحقل الثقافي ، فكثير من النظريات تؤكد على أن المصدر الرئيسي للصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة سيكون مصدراً ثقافياً وليس أيديلوجياً أو اقتصادياً. فالثقافات هي الإطار المسيطرعلى العلاقات الدولية وتأكيداً على هذا الواقع يمكن العودة إلى تصريح الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في مؤتمر اليونسكو عام 2001 حيث قال "القرن التاسع عشر شهد صراع القوميات والقرن العشرين شهد صراع الأيديلوجيات، أما القرن الحادي والعشرين فسيشهد صراع الثقافات".من هذا المنطلق فأن التدخل الأمريكي في العالمين الإسلامي والعربي والخليج جزء منه ليس مشروعاً امريكياً فقط بل في الحقيقة يمكن اعتباره تصور الدول الكبرى– على الرغم من تمايزها- للسيطرة على المنطقة لعدة اسباب منطقية :
الإرهاب : محاولة لصق الإرهاب بالإسلام واعتبار منطقة الخليج هي مصدر الإرهاب فكرياً ومادياً وبالتالي فالعامل الثقافي هو الذي يحدد هذة الرؤية، وعندما نتكلم عن الإرهاب والنماذج التفسيرية لهذة الظاهرة من ثقافية، سياسية، أمنية، اقتصادية، استراتيجية. لابد من الاعتراف بان كل تلك التفاسير تصب بالدرجة الأولى في خانة المصالح .
الطاقة : وهي أساس الاعتماد المتبادل بين دول العالم بابعاده الاقتصادية والأمنية والقومية.
مشكلة العرب والمسلمين مع إسرائيل : وهذه المشكلة لها الأثر الكبير على الغرب, وهي مضطرة – أي الدول الكبرى- للتدخل فيها .
الجيوش الأجنبية : لا يمكن بقاءها في الخليج للأبد فمن هذا المنطلق لا بد لها من بناء انظمة جديدة للأمن والأمان ومشاريع الشرق الأوسط – والخليج جزء منها – نموذج عن هذا التصور.
كما أنّ المصالح الإستراتيجيّة الإسرائيليّة في المنطقة منذ ما بعد احتلال العراق قائمة على كيفيّة مواجهة التزايد في قوّة ونفوذ إيران. والمصالح الإيرانيّة قائمة على كيفيّة حماية مصالحها من الاستهداف الأميركي والإسرائيلي. فإيران وإسرائيل دولتان إقليميّتان تريدان حصّتهما في الاقتصاد والسّياسة العالميّة، وهذه الحصّة سوف تكون في الشرق الأوسط تحديداً، وكلاهما يحتاج إلى ضمانات سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة، وبالطبع هذه الضّمانات ليست ببعيدة عن النفوذ في المنطقة العربيّة وخصوصاً منطقة الخليج العربي.
الشكوك والمخاوف واضحة للعيان عندما يتم التكلم عن تصور الدول الكبرى للمنطقة بأكملها بما فيها الخليج العربي، ومشاريع الشرق الأوسط بأسمائه المختلفة تحمل في طياتها تصور كامل للمنطقة من جغرافي، سياسي، اقتصادي، أمني قائم على حزمة من الإصلاحات المتعددة التي يراد تعميمها والتي تحمل في مضمونها ابعاد ثقافية، تجعل من هوية تلك المنطقة عابرة للأيدلوجيات والدين والهوية القومية والحضارية، وهذا ما يطلق عليه حروب الهويات بين الهلال الإسلامي _ من المغرب حتى اندونيسيا _ وبين المشاريع الشرق أوسطية .
إذا كان التنازع بالدّرجة الأولى هو عبارة عن تضارب في مصالح تلك الدّول،ومن هذا المنطق الإستراتيجي يمكن التساؤل:
هل من الممكن أن تتقاطع المصالح الإستراتيجيّة بين الأطراف الثلاثة أميركا،إسرائيل إيران؟
هذا الطرح الإستراتيجي قد يكون وارداً، فلعبة المصالح لا تقف عند أيّ حاجز في علم السّياسة والعلاقات الدّوليّة. فالولايات المتحدة أصبحت مقتنعة واقعياً بأنّ المأزق العراقي يمرّ عبر بوابة إيران وسوريا، والغطاء الفكري لمثل هذا التقارب المستقبلي قد يكون قائماً على اقتناع الولايات المتحدة بأنّ الخطر الإرهابي السّني أشدّ وطأةً من النفوذ الإيراني الشيعي في المنطقة، وبالتالي قد تكون الصّحوة الشيعيّة هي السّدّ المنيع المراد منه الوقوف في مواجهة التطرّف الإسلامي السّني العربي ومن هذا المنطلق ينظر إلى إيران كحليف أو على الأقل كحالة يجب إعطاءها مساحة بحدّها الأدنى.
هذه السّياسة تساعد على نقل الصّراع والمواجهة فيما بين أميركا والغرب والإسلام إلى المواجهة فيما بين النفوذ الشيعي والنفوذ السّني. وهذا ما يستدل عليه من قراءة الإستراتيجيّة الأميركيّة في منطقة الشرق الأوسط من خلال تعاملها الدّاخلي في كل من العراق ولبنان.
الشق الثاني : العلاقة بين التيارات الإسلامية .
تكمن الخطورة في هذا الشق بأن تستطيع الدول الكبرى تحقيق مصالحها من خلاله، فالواقع الإسلامي والخليج نموذج عنه، تتجاذبه وتتصارع داخله تيارات مختلفة وواقع الخليج العربي يعكس كل تلك المتناقضات المتنوعة المختلفة والمتضاربة :
أ_ فكرياً : الإصلاحيين ، التقليديين ، الأصوليين ....الخ
هناك من ينادي بالإصلاح الكامل والتحرر وهناك من المفكريين الذين ينظرون للتحولات بمنظار تقليدي. وكذلك الأصوليين الذين يحاولوا الخروج عن كل ما هو مألوف وإنساني أي التطرف الأعمى، وهذا الحراك السياسي والاجتماعي يلقي بظلاله على امكانية الدول وقدرتها على الحفاظ على كيانها من جهة ومصالحها من جهة أخرى، وفي المقابل يسمح للدول الكبرى التدخل تحت غطاء نشر الديمقراطية تارة وحقوق الإنسان تارة أخرى من أجل تحقيق غايتين :
الأولى: الضغط على تلك الدول لتحقيق مصالحها تحت شعار الاستقرار والحفاظ على الانظمة.
الثانية: استغلال هذا الحراك لبناء نموذج حضاري ثقافي جديد يخدم مصالحها وتطلاعاتها.
ب- مذهبياً : سني ، شيعي ، علوي ، وهابي ، حوثي، أشوري، ماروني ، قبطي .....الخ
الخلاف المذهبي في العالم الإسلامي دخل في أصول القناعات الدينية بعد خروجه من عباءة المصالح السياسية، وهناك سعي نحو فرز واصطفاف يلعب فية الموروث الطائفي دوراً حيوياً في تثبيت ركائز ما هو قادم والعراق نموذج صارخ لهذا الواقع . فمن نتائج احتلال العراق في عام 2003 احداث تغيّرات استراتيجيّة في المنطقة، فبعد أن كان الواقع قائمًا على مفهوم مصالح الدّول الآن هذا الواقع أمام نفق لم تعد الصّورة واضحة المعالم فيه.
معطيات المنطقة وتحديداً منطقة الخليج العربي تشير الى أننا أمام نظام جديد وخطير للغاية، يشبه واقع الدّول الأوروبيّة ما قبل توقيع معاهدة وستفاليا1648، والرّهان على الوقت قد لا يمكن أن يستمرّ طويلا في ظل البيئة الاستراتيجيّة الخطرة التي تعاني منها المنطقة في ظل القوّة المسيطرة على هذه البيئة وهي أميركا وإسرائيل، إيران وحركات المقاومة. وهذه المعطيات يمكن استغلالها والتلاعب على تناقضاتها من قبل الدول الكبرى على صعيدين:
1- داخل كل دولة على حدة كالخلافات المذهبية داخل اليمن، البحرين، الكويت، السعودية، إيران،العراق، مصر،.....الخ.
2- بين الدول فيما بينها : كالعلاقات العربية الإيرانية أو العربية العربية. وهذا ما كان عبر عنه أكثر من زعيم عربي حول ولاء الشيعة أو حول الهلال الشيعي أو ازدياد النفوذ الإيراني .وقد تكون القمة العربية التي انعقدت في ليبيا 2010 تعبر عن هذا الواقع وخاصة فيما يتعلق بايجاد المقاربة الاستراتيجية في كيفية التعاون مع إيران، وهذه المعطيات يمكن مقاربتها من خلال طرح الإشكاليات التالية :
هل تستطيع الولايات المتحدة والغرب من استغلال هذه المخاوف القائمة على ابعاد مذهبية في معالجة ملف إيران النووي من خلال دعم ما بات يسمى الانظمة المعتدلة السنية لها ؟
وهل يعقل ان ترتكز قاعدة واستراتيجية الأمن القومي العربي على ابعاد مذهبية وطائفية ؟
المنطقة أمام تناقض خطير جداً، عربياً أصبح هناك وبلحظة ما من يرغب أن ينقل الصّراع في الشرق الأوسط من صراع عربي إسرائيلي استراتيجي، إلى صراع عربي إيراني ممّا يطرح تساؤلات إستراتيجيّة بامتياز عن أولويّات تحديد الأخطار وكيفيّة مواجهتها ؟
ومن المستغرب هذا التحوّل في النظرة العربيّة للمصالح الإستراتيجيّة العربيّة، وما هي منطلقات ودوافع تلك المصالح غير المتفق عربياً عليها أصلاً من حيث غياب الاجماع العربي, ومن المؤسف جداً أن تتخذ العلاقات العربيّة الإيرانيّة طابعاً مذهبياً، في حين نجد أنّ الضّغوطات والمفاوضات الدّولية مع إيران وتحديداً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تخرج عن هذا الإطار المذهبي، بينما نجدها في وضع مختلف داخل منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط .
منذ احتلال العراق التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج مفقود وهذا التوازن بالاصل محكوم بعوامل خارجية وداخلية، ولقد أصبحت منطقة الخليج مصدراً للقلق والتوتر وتواجة مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر ومليئه بالتوقعات خاصه في ظل اوضاع العراق الصعبة. كما اننا أمام تناقض صعب في الخليج،حيث المعادلة الصعبة تلعب فيها الدول الكبرى دور الاعب الأساسي الذي يحارب إيران سياسياً ويدعمها إستراتيجياً في ذات الوقت. والتطورات في الخليج تلك المنطقة الحساسة صاحبة الخلل في موازين القوى بحاجة لرصد وبحث ومراقبة لمحاولة ايجاد مقاربة تعيد التوازن الإستراتيجي المفقود في منطقة حيويه من العالم العربي والإسلامي. هذه المقاربة لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا في حال كانت عملية إعادة التوازن الإستراتيجي قائمة أقله على أساس موازين تبادل المصالح وليس موازين القوة حتى أشعارً اخر, فالحوار الإيراني الأمريكي والإيراني الأوروبي حول الملف النووي أو الوضع في العراق قد يكون بمثابة صورة عن مستقبل تلك المنطقة؟
يبقى التساؤل مطروح اين العرب من هذا الواقع؟ وعلى أية قاعدة يمكن لنا بناء الأمن القومي : القاعدة المذهبية أم قاعدة توازن القوة المادي _المفقود حالياً _ أم قاعدة تبادل المصالح؟؟؟