2020-09-02

حركات المقاومة بين الحروب الإسرائيلية وحروب الأسئلة العربية

 

Movements Of Resistance To Occupation

Between The Israeli Wars And Arab Questions Wars



د. سلام الربضي \  باحث ومؤلف في العلاقات الدولية*

صحيفة السبيل الأردنية \ 31\8\2020

https://assabeel.net/451752


من خلال محاكاة واقع الانتصارات العسكرية لحركات المقاومة على إسرائيل، فإنه لا يجب أن يثار أي سؤال بمنطق إشكاليات التصنيفات الزائفة، فمثلاً إذا كانت مقاربة بعض الدول العربية لحرب تموز عام 2006 قائمة على أساس الصراع مع الجمهورية الإيرانية أي إشكالية العلاقة السنية الشيعية، ولكن كيف يمكن مقاربة حروب غزة (2009 وما بعدها) بما أن حركة حماس والجهاد الإسلامي ليست سوى جزء من حركة الإخوان المسلمين السنية المذهب؟

يتضح أن تلك المقاربة قائمة على منطق سطحي يتناغم إلى حد ما مع الأهداف الإسرائيلية، ويأتي كرد فعل سلبي على نجاح محور المقاومة في تطوير منطقه الإستراتيجي سواء على مستوى الفكر أو الممارسة. وبالتالي هنالك بارقة أمل نحو المواجهة العقلانية بعدما انهزمت إسرائيل وعجزت عن تدمير محور المقاومة وتقليص النفوذ الإيراني. وبناء على ذلك يبدو بات على إسرائيل القيام بحروب جديدة لإعادة هيبتها العسكريّة المفقودة، خاصة بعد فشلها الذريع في حربها غير المباشره على سوريا منذُ العام 2011، حيث انتصرت سوريا في الحرب العالمية التي شُنت عليها خدمة للأهداف الإسرائيلية بالدرجة الأولى. وانطلاقاً من ذلك تدور حالياً تساؤلات استراتيجية حول الحرب القادمة فيما إذا كانت ستكون ضدّ لبنان أو ربما تكون حرب مباشرة ضدّ سوريا أم هي حرب في غزّة والضفة الغربية، أو ربما المغامرة بشن حرب إقليمية ضد إيران.

وفي هذا السياق، من الضّروري التمييز بين ما تريده إسرائيل وما تقدر عليه، فليس كل ما تريده يمكنها الحصول عليه، وبالتالي ووفقاً لمبدأ المساءلة الذاتية، يمكننا القول أن المعضلة في الضعف العربي لا تكمن بتفوق إسرائيل عسكرياً، وإنما بالدرجة الأولى تكمن في غياب منطق المصالح العقلانية وتضاربها عند العرب، مقابل قرار إسرائيلي يرتكز على قناعات قابلة للتعديل بما يتوافق مع واقعها الاستراتيجي.  

ووفقاً لهذا النمط العربي من التفكير غير العقلاني، لا بد من التطرق لجدلية العطوبية الاستراتيجية وحروب الأسئلة العربية، فمن حيث المبدأ الحروب تأتي استكمالاً للسياسة، ولكن في إسرائيل تبقى الحرب هي القاعدة والسياسة هي الشواذ، وفي مقابل ذلك تشتعل حروب الأسئلة العربية على ذاتها المقاومة، أكثر من أسئلة الحروب مع إسرائيل. وإذا ما تم الغوص في محيط تلك الأسئلة، يمكن التساؤل:

هل كان لمسار المفاوضات والتسوية العربية الإسرئلية أية جدوى تذكر حتى يتم منطقياً توجيه النقد لخيار المقاومة الناجح في مسعاه محاربة الاحتلال؟

هنالك تطورات إستراتيجية حصلت جراء هزائم إسرائيل على يد محور المقاومة، والتي تتطلب مراجعة جذرية لكيفية التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي، ومنها على سبيل المثال:

1- السعي لنقل القضية الفلسطينية من كونها قضية تحرير أرض إلى مجرد صراع إقليمي مع إيران.

2- فشل معظم خيارات ما يسمى محور الاعتدال العربي.

4- الدخول في الفراغ العدمي لجدلية التضارب بين خيار المقاومة وخيار التسوية؟

فالمسألة من حيث المبدأ تكمن في عطوبية الخيارات الاستراتيجية العربية، بفعل وجود تصدعات فكرية قابلة لاستقطاب كل ما هو عدائي، ناهيك عن عطوبية المراهنة على الشارع العربي الذي لا يبحث في تساؤلات ماهية العجز، والتي ستؤدي حكماً إلى التصادم مع جدلية ماهية السلطة في العالم العربي ومنطق مساءلتها. فثقافة المجتمعات العربية تفتقد لوجود منطق إستراتيجي يرتكز على أي نوع من المراجعات الرصينية، فرغم كل النكسات والانكسارات بل والانتصارات في بعض الآحيان، نجد هنالك غياب لأي تقييم موضوعي، بل أكثر من ذلك بات كثير من العرب لا يعترف بهزائم إسرائيل العسكرية والسياسية في حربها مع حركات المقاومة، رغم اعتراف إسرائيل نفسها بذلك. وبالتالي هنالك حاجة ماسة إلى أحداث نقلة نوعية على مستوى تحديد الخيارات وإتباع سياسة توزيع الأدوار بدلاً من تنازعها، ناهيك عن أهمية صياغة رؤية حضارية للقضية الفلسطينية، بعيداً عن أي تمذهب ديني أو طائفي.

فبناء على منطق المساءلة الذاتية الغائب، يمكن التساؤل عن جدوى ثبات العرب العقيم على خيار الحرب فقط ثم الاتجاه نحو خيار السلام الوحيد، فهذا النمط من ثقافة الخيارات يفتقد للعقلانية ويزيد من احتماليات الارتهان للآخرين. فوتيرة تسارع الأحداث لم تعد تسمح للعرب بانتظار خيارات الآخرين، فهنالك حاجة ماسة لإيجاد مقاربة جديدة ترتكز على كيفية إدارة العرب لمقومات القوة التي يمتلكونها ولكن للأسف ليس لديهم الإرادة على استخدامه. وبالتالي هنالك الكثير من الخيارات عوضاً عن التلاهي بقضايا المجوس والفرس(وحالياً الترك)، إذ أثبتت الإستراتيجيّة الإيرانيّة في كيفيّة تعاملها مع التحديات، أنّ الرّضوخ ليس الخيار الوحيد، والسياسة الإيرانية في إدارة ملفها النووي وزيادة نفوذها الإقليمي نموذجاً يحتذى به.



في المحصلة يمكن القول، أن بعض الدول العربية تحاول اعطاء انطباع أنها تعمل على مواجهة النفوذ الإيراني من خلال معاداتها لحركات المقاومة، وهذا المنطق في بعض جوانبه من حيث الجوهر يخدم الاحتلال الإسرائيلي أكثر من التصدي للنفوذ الإيراني، ناهيك عن أن هذا الموقف يأتي في وقت تعاني فيه إسرائيل من فقدان أهمّ عناصر الرّدع لديها والقائم على مبدأ حصر الحروب على الأراضي العربية، فكل الوقائع تشير إلى تآكل وعطوبية الدولة العبرية، وإن أي مواجهه عسكرية جديدة ستكون معقدة وستصل إلى كل رقعة في إسرائيل نفسها. وإلى أن يأتي أوان تلك المواجهة يحق التساؤل حول بقاء العالم العربي منقسم بين عرب الاعتدال وعرب التطرّف، وهل بات يستوجب فض جدلية فيما إذا كان الصراع مع إسرائيل قائم على أساس حرب وجود أم حرب حدود؟

jordani_alrabadi@hotmail.com*



For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com