2015-12-10

الإشكاليات الديمغرافية الأوروبية





سلام الربضي : باحث ومؤلف في العلاقات الدولية \ اسبانيا

واقع انقراض الشعوب والثقافات والحضارات عملية ليست مستحيلة بل ممكنة وهي ثابتة تاريخية. وهذه الفكرة لا بد من استحضارها عند محاولة مقاربة إشكالية انخفاض معدل المواليد في أوروبا  إلى ما دون مستوى الإحلال. إذ يجب محاولة الكشف عن الديناميات والنتائج من جراء هذا التحول الدراماتيكي في المشهد الديموغرافي الأوروبي. فهنالك قدراً هائلاً من التحولات في السلطة والمعايير التي من شأنها أن تعمل على إعادة تشكيل المستقبل والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع المسار الشائك لقضايا:
أ- المساواة بين الهجرة والاندماج والتضامن الاجتماعي.
ب- الإرهاب والأمن القومي.
ج- التعددية الثقافية وحقوق الإنسان. 
د- الديموغرافيا ودولة الرفاه.

وبناءاً على كيفية التعامل مع العلاقات المتداخلة بين كل من الديمغرافيا والسياسة والثقافة والاقتصاد والأمن وحقوق الإنسان يمكن لنا طرح الإشكاليات التالية: 
1-       لماذا بعض الدول الأوروبية على استعداد لقبول مستويات عالية من الهجرة عندما لا يكون في مصلحتهم القيام بذلك؟ هل يشكل هذا التدفق تهديداً للمؤسسات السيادية ولمبدأ المواطنة؟ وهل ينبغي أن ينظر للهجرة في المقام الأول باعتبارها قضية أمن ثقافي أم مسألة تنافس اقتصادي؟ وكيف يمكن بناء مجتمع متنوع داخل الدول الأوروبية في ظل هذه الاشكاليات؟ فأين حدود الأمن الديمغرافي الثقافي؟ وأين تبدأ حدود المصالح الاقتصادية وأين تنتهي؟ وهل تتجه الهويات الثقافية انطلاقاً من البعد الديمغرافي لتغدو وكإنها إستراتيجيات أو أسلحة في المنافسات على السلع الاجتماعية النادرة؟
  
2-    أي نوع من "ثقافة الترحيب بالمهاجرين" تحتاجها أوروبا؟ وما الذي يجب تغييره في تعاطي السلطات الأوروبية مع المهاجرين؟ وهل ينقص أوروبا على المستوى العام نظام مركزي موحد للهجرة؟ وهل أوروبا على استعداد مستقبلاً لتقبل فكرة أو ثقافة إعطاء الحقوق للإقليات التي تتكون وتتضح معالمها الثقافية يوماً بعد يوم مع ازدياد نسبة المهاجرين ؟ وهل تضمن أوروبا عدم زعزعة أمنها القومي والسياسي عن طريق استغلال هذه الأقليات من قبل استراتيجات دول أخرى تربطها بها صلات ثقافية أو دينية أو مصالح سياسية واقتصادية؟
 
3-     وهل يمكن استخدام سياسات التعددية الثقافية بأنشطة سياسية مؤثرة قادرة على أضعاف سلطات الدول الأوروبية؟ على سبيل المثال لا الحصر: كيف يمكن التعامل مع إمكانية استخدام تركيا لمثل هذه السياسية مستقبلاً تجاه ألمانيا نتيجة تواجد جالية تركية كبيرة من أصل تركي؟ أو كيف تستطيع فرنسا مواجهة عصيان الضواحي الباريسية مرة أخرى في المستقبل ولكن مع فارق احتمالية اختراقها مخابراتياً من قبل دول أخرى وبشكل أمني عسكري إرهابي كما حدث مؤخراً في باريس ؟

4-     هل ستكون الأزمات الاقتصادية والديموغرافية التي تؤرق أوروبا بمثابة حجر الأساس لما يمكن تسميته بنظرية الصحوة الدينية نتيجة إحياء الأسرة باعتبارها البديل الاستراتيجي الأكثر واقعية ؟
 
5-     لماذا البعد المعياري، هو الغائب الرئيسي عند مناقشة قضايا التعددية الثقافية في الدول الأوروبية؟ ولماذا معظم الأدبيات الأكاديمية الأوروبية، التي تتناول العلاقة الديناميكية بين الأقليات المهاجرة وأكثرية المجتمعات الأصلية ذات توجه تحليلي اقتصادي أكثر منه توجه استراتيجي سياسي ثقافي أمني جوهري على نحو مباشر؟



أمام هذا الوضع الديمغرافي المستجد يصبح من اللازم التفكير في استنباط نظريات جديدة على صعيد قضية الهجرة والديمغرافيا والتعددية الثقافية لأن عملية استيعاب المهاجرين واندماجهم في المجتمعات الجديدة يضع كثير من النماذج والأفكار محل جدل واقعي جراء ما يمكن تسميته: التعقيد الديمغرافي.  وهكذا فإن إشكاليات الديموغرافيا وما تحتوي من معضلات جديدة لأوروبا لا يمكن فهمها دون وجود نوع جديد من التحليل السياسي. والتي من خلالها يمكننا أو قد نستطيع معرفة:كيف ستواجه النخب الأوروبية كل هذه المعضلات؟

2015-11-30

2015-11-05

الأمن الحقيقي لإسرائيل والحرب على سوريا






سلام الربضي : باحث ومؤلف في العلاقات الدولية \ اسبانيا

صحيفة البناء \ بيروت \ 3-11-2015



إنطلاقاً من مجريات الأحداث في جنوب سوريا والقنيطرة تحديداً، لا يمكن لنا تجاهل دور تل أبيب 
الإستراتيجي الداعم للمنظمات الإرهابية منذ العام 2011، من خلال:

 1-  التدخل العسكري المباشر لصالح المجموعات الإرهابية عبر الضربات الجوية المباشرة .

2-  التنسيق والتعاون مع الإرهابيين في مجالات عدة منها الاستخباراتي واللوجيستي والصحي. 

 3- التسهيلات التي تقدمها للإرهابيين على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة والجولان السوري.



      فإذا أردنا الغوص في حيثيّات الحرب على الدولة العربية السورية لا يمكننا فصلها عن  المشاريع الشرق أوسطية التي كانت مطروحة سابقاً. فمشروع الشرق الأوسط ذائع الصيت سيكون لزمن غير قصير وسيبقى الخيار الثقافي الدّولي الذي ترغب الدّول الكبرى في جعله برنامج عمل وتنفيذ لدول المنطقة _ على الرغم، من كل تلك التغيرات في الدول العربية _  وهو المشروع الذي سيصبح ضرورة دوليّة سياسيّة، ثقافيّة اجتماعيّة اقتصاديّة وأمنيّة بأمتياز في المنطقة الأكثر اشتعالاً في العالم، للألتفاف على التغيرات العربية المجتمعية النسبية الإيجابية، وكل ما يليها مستقبلاً. وإذا كان هذا المشروع قد نال أول هزيمة له في الحرب الإسرائيلية على المقاومة اللبنانية في العام 2006، فإن الحرب الدائرة حالياً على سوريا، تعتبر الامتداد الطبيعي لإعادة الأمل لتحقيقه.
     
      وبغضّ النظر عن التسميات والأحجام لهذه الحرب ومدى إمكانية تحقيق أهدافها مستقبلاً، فإنّ إسرائيل تحتل موقع المحور والقاعدة الإستراتيجيّة فيها حيث تكمن مصالحها في كل طيّاتها. فهي ترى ومنذ بداية الحرب أنّ انخراطها في هذه الأزمة سيعود عليها بفوائد سياسيّة جمّة. ومنها على سبيل الذكر لا الحصر:

1- فتح المجال أمام  إسرائيل التخلص من سوريا الدولة والرقم الصعب والمحوري في معادلة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
2-  الخروج السوري من الملف الفلسطيني،على الصعيد الأمني والسياسي. وبالتالي، سيمكّنها من تدوير الزوايا الحادّة في القضايّا المصيرية : القدس،اللاجئين وحق العودة.
3- الفوز في هذه الحرب سيكبح مسار فكرة التكامل العربي، حتى ولو، من باب التمني.
4- الانخراط في إطار متعدّد القوميّات وعلى نحو متكافئ مع الهويّات الأخرى ليعطي الدولة العبرية شرعية على أساس كونها دولة يهودية. ويسهل قيامها بعلاقات طبيعية مع جيرانها
5-  سوف تصبح إسرائيل جزءًا من الأمن الإقليمي، بدلاً من كونها خطراً وعدواً له.
6- التقاطع والتوافق التام مع سياسات كثير من الأنظمة العربية، والتي تأخذ – وبكل أسف - موقف عدواني تحريضي ضد الدولة العربية السورية.

ويبدو أن، المصالح الإستراتيجيّة لإسرائيل ومنذُ الحرب الأميركيّة على العراق في العام 2003، تتجلى في الدّرجة الأولى، بالعمل على تفتيت الدول العربية، من قناعة لا ريب فيها أنّ أمنها لا يمكن أن يتحقق على المدى البعيد، بما أنّ لهذه المنطقة هويّتها العربيّة. وطالما أيضاً، وجدت دول كبيرة نسبيّاً كالعراق وسوريا ومصر. مما يقتضي تغيير هويّة المنطقة الثقافيّة الحضاريّة السّياسيّة إلى "شرق أوسطية". وبالتالي، لا بدّ من تغيير تركيبتها الاجتماعيّة إلى فسيفساء طائفيّة وإقليميّة. ففي حال، بقيت المنطقة عربيّة، ستبقى إسرائيل غريبة فيها، أمّا إذا أصبحت هويّة المنطقة أوسطيّة أي أصبح وضع كل المنطقة شاذاً، فإنّ وجود إسرائيل سيصبح طبيعيّاً. 

والتطورات في المنطقة بداية من حرب تموز 2006 ووصولاً إلى ما يسمى بالربيع العربي 2011، وتحديداً الحرب على سوريا حالياً، جاء ليصبّ في هذه الخانة إلى حد ما. فإسرائيل ترى بأنّ  الوطن العربي المقسّم والمفتّت، إلى مذاهب وطوائف ودويلات متعدّدة، هو النموذج والبداية، لما يجب أن تكون عليها المنطقة بأسرها مستقبلاً من أجل خلق فراغ إقليمي يسمح لها لعب الدّور السّياسي الاقتصادي الثقافي الأمني الذي تطمح له. وبالتالي، خلق محيط تابع تستمدّ منه القوّة وتحوله إلى مجال حيوي استراتيجي.

 والوثيقة الإسرائيليّة التي وضعتها المنظمة الصهيونيّة العالميّةWorld Zionist   Organization في الثمانينات، والتي ترجمها البروفيسور إسرائيل شاحاك، تعكس رؤية إسرائيل الشرق أوسطيّة للمنطقة برمّتها. والتي تختصر الكثير من التحاليل، وتغني عن محاولة بذل الجهود، في التأكيد على واقع تغلغل إسرائيل في  الحرب على سوريا. ومن المقتطفات الرئيسيّة في هذه الوثيقة التاريخيّة الاستراتيجية :
مصــر:
إنّ تفكيك مصر إقليمياً، إلى مناطق جغرافية متمايزة، هو الهدف السياسي لإسرائيل في الثمانينات على جبهتها الغربية. فإذا أسقطت مصر، فإنّ دولاً مثل ليبيا والسودان، وحتى الدول الأبعد لن تتمكن من البقاء بشكلها الحالي، وسوف تلحق بسقوط وانحلال مصر. أنّ الرؤيا التي تتمثل بدولة قبطية مسيحيّة في أعالي مصر، إلى جانب عدد من الدول الضعيفة ذات السلطات المحليّة، التي لا ترتبط بحكومة مركزيّة، هي مفتاح التطور التاريخي، الذي أجّله فقط اتفاق السّلام، والذي سوف يتبدّد حتميّاً على المدى الطويل.
سـوريـا :
سوف تتناثر بالتطابق مع تركيبتها الإثنيّة والدينيّة إلى عدد من الدول. بحيث يكون هناك دولة شيعيّة علويّة على السّاحل ودولة سنّيّة في مناطق حلب ودولة سنيّة أخرى في منطقة دمشق تعادي جارتها السّنيّة في الشمال. أمّا الدروز، فسيكون لهم الدولة الخاصة بهم أيضاً ربّما حتى في الجولان وبالتأكيد في منطقة حوران وأجزاء من شمال الأردن. وهذه الحالة سوف تكون ضمانة الأمن والسّلام في المنطقة على المدى البعيد.
العــراق :
غني بالنفط من جهة والممزّق داخلياً من جهة أخرى مضمون كمرشح لأحد أهداف إسرائيل. إن انحلاله أكثر أهمية بالنسبة لنا من انحلال سوريا. فالعراق أقوى من سوريا وعلى المدى القصير تشكل القوّة العراقية الخطر الأكبر على إسرائيل وكل خلاف عربي داخلي سوف يساعدنا ويمهّد الطريق لتحقيق الهدف الأهم أي تحطيم العراق إلى طوائف كما في سوريا ولبنان. أن تقسيم العراق إلى أقاليم على أساس خطوط إثنيّة دينيّة كما كان الحال في سوريا خلال الزّمن العثماني، هو أمر ممكن وهكذا ستقوم ثلاث دول أو أكثر حول المدن الأساسية الثلاث: البصرة، بغداد والموصل. وستنفصل المناطق الشيعيّة في الجنوب، عن السّنة والأكراد في الشمال، ومن الممكن أنّ المواجهة العراقية – الإيرانية الحالية قد تعمّق هذا التبلور.
السعوديـة :
الجزيرة العربية بأسرها مرشحة طبيعياً للتفكك بسبب الضغوطات الداخليّة والخارجيّة، وهذا الأمر محتوم خاصّة في السعودية وبغضّ النظر عمّا إذا بقيت قوّتها الاقتصاديّة أم تضاءلت فإنّ الانشقاقات الداخليّة والانهيارات ستكون تطوّراً طبيعياً وماثلاً في ضوء التركيبة السّياسيّة الحاليّة.
الأردن :
إنّ الأردن يشكل هدفاً استراتيجياً آنياً على المدى القصير ولكن ليس على المدى الطويل. فالأردن لا يمثل خطراً جدّياً بعد انحلاله ونقل السلطة إلى الفلسطينيين. وليس هناك أيّة فرضيّة لاستمرار الأردن بتركيبته الحاليّة مدة طويلة. وسياسة إسرائيل في الحرب والسّلام يجب أن تتوجّه نحو تصفية الأردن بنظامه الحالي، ونقل الحكم للأغلبيّة الفلسطينيّة وتغيير النظام شرق النهر فيكون الأردن لهم والمناطق غرب النهر لليهود. وسيكون هناك تعايش وسلام حقيقيين فقط عندما يفهم العرب أنه بدون حكم يهودي بين النهر والبحر لن يكون لهم أمن ولا وجود فإذا أرادوا دولة وأمناً فإنّ ذلك سيكون لهم في الأردن فقط.

وفي هذه الوثيقة أيضاً، هنالك تصوّر من النمط التفكيكي ذاته، عن دول المغرب العربي والبربر وعن السودان وجنوبه وعن لبنان وطوائفه.

فهل هنالك شخص ما، ما زال غير مقتنع بالأبعاد التدميرية للحرب التي تشن على الدولة السورية وما مدى التورط الاستراتيجي الإسرائيلي بها؟



For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com