‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاقتصاد العالمي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاقتصاد العالمي. إظهار كافة الرسائل

2025-05-17

Homoploutia: ما بين الفكر السياسي والفكر والاقتصادي

 


د. سلام الربضي

تثير التغيّرات العالمية السياسية والاقتصادية والتكنولوجية العديد من علامات الاستفهام حول إشكالية العلاقة بين عالم العمل والتنمية المستدامة ورأس المال. على سبيل المثال، واقع الاقتصاد الزراعي بات مرهون للاستثمارات في الأراضي الشاسعة واﻻﺑﺘﻜﺎرات اﻟﺘﻜنولوجية اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ الشركات عبر الوطنية، أي أنها عملية الإلغاء التدريجي لنسق الإنتاج الزراعي التقليدي، حيث يخسر المزارع هويته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية كمنتج وكعامل، ليتحول لمجرد مستهلك. وهذا الواقع يستوجب طرح التساؤل التالي: 

هل سيؤدي تطور الاقتصاد والتكنولوجيا إلى تحقيق التنمية المستدامة المجتمعية الجوهرية؟

من حيث المبدأ، المفهوم الواسع للعمل لا يقتصر على الوظيفة، بل يتجاوزها إلى تعميق الصلة بمفهوم العمل المستدام القائم على توسّع سياسات فرص العمل وصون حقوق العمال ورفاهيتهم ، والتي تكون قادرة على مواجهة التحديات المرتبطة بجدلية الفجوة بين رأس المال وفقر العمال أو بإشكالية العلاقة بين الرأسمالية والبروليتاريا، حيث باتت الشكوك تزداد فيما يتعلق بإمكانية تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. وانطلاقاً من ذلك، لم يعد مقبولا ً التعاطي مع الواقع المتأزم لأسواق العمل، من منطلق الرفض القائم على اعتبارات أيديولوجية  فقط، دون وجود رؤية عملية. فأكثر ما يقلق قوى السوق هو اضطرارها إلى تحديد موقف من مشروع عالمي مستدام اجتماعياً.

 في هذا الإطار، هنالك تحركات عمالية واجتماعية ذات تأثير وتعمل على مواجهة المنظومة الرأسمالية وخلق حالة من الاستقلال النسبي عن قوى رأس المال. على سبيل المثال، يمكن اعتبار المفاوضات المستمرة داخل منظمة التجارة العالمية المتعلقة بمنح عمال الدول النامية حرية تنقل أكبر في أسواق الدول المتقدمة، خطوة إيجابية على صعيد :

  1. ترسيخ حقوق العمال وزيادة مكاسبهم.
  2. إعادة التوازن بين رأس المال وعالم العمل.

 على الرغم من أنه لم يتبلور حتى هذه اللحظة أي بديل استراتيجي يمكن أن يقارع النمط الرأسمالي السياسي والاقتصادي السائد، لكن يمكننا القول أن هامش الحركة المتاح للمجتمع هو دائماً أوسع بكثير من ذلك المتاح للاقتصاد. فالتأثير الاقتصادي في تكوين وتكييف المجتمع منطقي وفاعل بشكل كبير، ولكنه حتماً لا يستطيع أن يحدّده. وبالتالي يمكن إعادة بناء المجتمعات وفقاً لرؤية سياسية واقتصادية مستدامة، تكون بالحد الأدنى قادرة على الإجابة عن التساؤلات التي تدور حول جدلية: 

 لماذا هنالك الكثير من الأفكار عن كيفية توزيع الدخل وليس عن كيفية توليد الدخل؟

 في هذا السياق، حتى إذا قررنا تجاوز جدلية كيفية توليد الدخل وحاولنا تبني اطروحة توزيع الدخل، فأننا لا نستطيع تجاهل إشكاليات عدم المساواة الحديثة القائمة على:

1-        توسع حجم رأس المال الخاص وزيادة دخل الأغنياء بشكل غير متناسب. فالفجوة بين هؤلاء وبين طبقة العمال عميقة للغاية وهنالك صعوبة في ردمها.

2-       عدم المساواة النظامية : "Homoploutia"  حيث بتنا نلحظ اتساع نطاق شريحة الرأسماليين الأثرياء والعاملين بأجور مرتفعة(مثل الرؤساء التنفيذيين، محللين ماليين، أطباء، رياضيين، مشاهير، أشخاص ورثوا الكثير من الأصول...الخ). إنها نخبة رأسمالية جديدة وهي من بين أغنى الرأسماليين وأغنى العمال كذلك.

 منطقياً، من غير المحتمل أن يتم تقليص تلك الفجوات بسهولة نتيجة التطورات الحاصلة على صعيد الذكاء الاصطناعي التي تؤدي إلى تقليص العمالة وزيادة الحصة المتراكمة في رأس المال. وإذا كان الحل الوحيد لتلك المعضلات يكمن في توزيع أكثر عدالة لرأس المال الخاص عن طريق زيادة نسب الضرائب المرتفعة أو الالتزام برفع معدل تشغبل الأيدي العاملة. ولكن عملياً على المستوى السياسي لا يوجد أي تحرك ملموس في هذا الاتجاه سواء في الاقتصاديات المتقدمة أو حتى الناشئة. وهذا الواقع، يستوجب يطرح علامات استفهام حول:  

 كيف يمكن سياسياً الاستفادة القصوى من الفرص الاقتصادية والتقدم والتكنولوجي بطريقة تلفت الانتباه إلى مصلحة المجتمعات والفئات المحرومة؟

 إذ إن التحديات الساسية تكمن في كيفية غربلة الأغنياء ومواجهة الفجوات التي تمتاز بها الاقتصادات، وهنا يستوجب الاعتراف بأنه لن يتم القضاء على الفقر دون وجود فكر سياسي، إذ أن طبيعة المنظومة الاقتصادية تتأثر بشدة بالاستراتيجيات السياسية القادرة على تغيير هيكلية الأسواق بشكل جذري، والذي يمكن أن يسمح بالحد من تلك الفجوات وتحقيق المساواة، وبالتالي تمكين جميع الطبقات والمجتمعات الاستفادة من النمو الاقتصادي المستدام.

 على نور ما تقدم، يتضح أن التعامل مع قضايا التنمية المستدامة من قبل الاقتصاديين والتكنوقراط على أساس أن لا علاقة لها بالأفكار السياسية وفلسفة الحكم، وكأنها ليست أكثر من تمارين في الاقتصاد التطبيقي، أمر في غاية الخطورة. فقد حان الوقت كي يتم الجمع بين الفلسفة السياسية والاقتصادية، وذلك من أجل أن تصبح الدول أكثر إنتاجاً لجودة المجتمعات المستدامة بشرياً بدلاً من تنمية الأشياء. وفي المحصلة، وانطلاقاً من مبدأ التفاعل النقدي مع الليبرالية الاقتصادية والتطور التكنولوجي لا بد لنا من طرح الإشكالية السياسية الجوهرية والقائمة على التساؤل التالي:

 كيف يمكن مكافحة الوجود الفعلي والارتجاعي للفقر واللامساواة بدلاً من التلطي وراء بيانات واحصاءات مالية جافة تشير إلى الفوائد المزعومة للنمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي؟

 


2023-05-03

الفلسفة السياسية ورأس المال ومفهوم العمل المستدام


د. سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

 تثير التغيّرات العالمية السياسية والاقتصادية والتكنولوجية العديد من علامات الاستفهام حول إشكالية العلاقة بين عالم العمل والتنمية المستدامة ورأس المال. على سبيل المثال، واقع الاقتصاد الزراعي بات مرهون للاستثمارات في الأراضي الشاسعة واﻻﺑﺘﻜﺎرات اﻟﺘﻜنولوجية اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ الشركات عبر الوطنية، أي أنها عملية الإلغاء التدريجي لنسق الإنتاج الزراعي التقليدي، حيث يخسر المزارع هويته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية كمنتج وكعامل، ليتحول لمجرد مستهلك. وهذا الواقع يستوجب طرح التساؤل التالي:

 هل سيؤدي تطور الاقتصاد والتكنولوجيا إلى تحقيق التنمية المستدامة المجتمعية الجوهرية؟

 من حيث المبدأ، المفهوم الواسع للعمل لا يقتصر على الوظيفة، بل يتجاوزها إلى تعميق الصلة بمفهوم العمل المستدام القائم على توسّع سياسات فرص العمل وصون حقوق العمال ورفاهيتهم ، والتي تكون قادرة على مواجهة التحديات المرتبطة بجدلية الفجوة بين رأس المال وفقر العمال، حيث باتت الشكوك تزداد فيما يتعلق بإمكانية تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. وانطلاقاً من ذلك، لم يعد مقبولا ً التعاطي مع الواقع المتأزم لأسواق العمل، من منطلق الرفض القائم على اعتبارات أيديولوجية  فقط، دون وجود رؤية عملية. فأكثر ما يقلق قوى السوق هو اضطرارها إلى تحديد موقف من مشروع عالمي مستدام اجتماعياً. 

في هذا الإطار، هنالك تحركات عمالية واجتماعية ذات تأثير وتعمل على مواجهة المنظومة الرأسمالية وخلق حالة من الاستقلال النسبي عن قوى رأس المال. على سبيل المثال، يمكن اعتبار المفاوضات المستمرة داخل منظمة التجارة العالمية المتعلقة بمنح عمال الدول النامية حرية تنقل أكبر في أسواق الدول المتقدمة، خطوة إيجابية على صعيد :

  1. ترسيخ حقوق العمال وزيادة مكاسبهم.
  2. إعادة التوازن بين رأس المال وعالم العمل.

 على الرغم من أنه لم يتبلور حتى هذه اللحظة أي بديل استراتيجي يمكن أن يقارع النمط الرأسمالي السياسي والاقتصادي السائد، لكن يمكننا القول أن هامش الحركة المتاح للمجتمع هو دائماً أوسع بكثير من ذلك المتاح للاقتصاد. فالتأثير الاقتصادي في تكوين وتكييف المجتمع منطقي وفاعل بشكل كبير، ولكنه حتماً لا يستطيع أن يحدّده. وبالتالي يمكن إعادة بناء المجتمعات وفقاً لرؤية سياسية واقتصادية مستدامة، تكون بالحد الأدنى قادرة على الإجابة عن التساؤلات التي تدور حول جدلية: 

 لماذا هنالك الكثير من الأفكار عن كيفية توزيع الدخل وليس عن كيفية توليد الدخل؟

 في هذا السياق، حتى إذا قررنا تجاوز جدلية كيفية توليد الدخل وحاولنا تبني اطروحة توزيع الدخل، فأننا لا نستطيع تجاهل إشكاليات عدم المساواة الحديثة القائمة على:

1-        توسع حجم رأس المال الخاص وزيادة دخل الأغنياء بشكل غير متناسب. فالفجوة بين هؤلاء وبين طبقة العمال عميقة للغاية وهنالك صعوبة في ردمها.

2-       عدم المساواة النظامية Homoploutia. حيث بتنا نلحظ اتساع نطاق شريحة الرأسماليين الأثرياء والعاملين بأجور مرتفعة(مثل الرؤساء التنفيذيين، محللين ماليين، أطباء، رياضيين، مشاهير، أشخاص ورثوا الكثير من الأصول...الخ). إنها نخبة رأسمالية جديدة وهي من بين أغنى الرأسماليين وأغنى العمال كذلك.

 منطقياً، من غير المحتمل أن يتم تقليص تلك الفجوات بسهولة نتيجة التطورات الحاصلة على صعيد الذكاء الاصطناعي التي تؤدي إلى تقليص العمالة وزيادة الحصة المتراكمة في رأس المال. وإذا كان الحل الوحيد لتلك المعضلات يكمن في توزيع أكثر عدالة لرأس المال الخاص عن طريق زيادة نسب الضرائب المرتفعة أو الالتزام برفع معدل تشغبل الأيدي العاملة، ولكن عملياً لا يوجد أي تحرك ملموس في هذا الاتجاه سواء في الاقتصادية المتقدمة أو الناشئة. وهذا الواقع، يستوجب يطرح علامات استفهام حول: 

 كيف يمكن سياسياً الاستفادة القصوى من الفرص الاقتصادية والتقدم والتكنولوجي بطريقة تلفت الانتباه إلى مصلحة المجتمعات والفئات المحرومة؟

إن التحديات الساسية تكمن في كيفية غربلة الأغنياء ومواجهة الفجوات التي تمتاز بها الاقتصادات، وهنا يستوجب الاعتراف بأنه لن يتم القضاء على الفقر دون وجود فكر سياسي، إذ أن طبيعة السوق تتأثر بشدة بالاستراتيجيات السياسية، التي تستطيع تغيير وبشكل جذري هيكلية الأسواق بما يمكن أن يسمح بالحد من تلك الفجوات وتحقيق المساواة وتمكين جميع الطبقات الاستفادة من النمو الاقتصادي المستدام.

 على نور ما تقدم، يتضح أن التعامل مع قضايا التنمية المستدامة من قبل الاقتصاديين والتكنوقراط على أساس أن لا علاقة لها بالأفكار السياسية وفلسفة الحكم، وكأنها ليست أكثر من تمارين في الاقتصاد التطبيقي، أمر في غاية الخطورة. فقد حان الوقت كي يتم الجمع بين الفلسفة السياسية والاقتصادية، وذلك من أجل أن تصبح الدول أكثر إنتاجاً لجودة المجتمعات المستدامة بشرياً بدلاً من تنمية الأشياء. وفي المحصلة، وانطلاقاً من مبدأ التفاعل النقدي مع الليبرالية الاقتصادية والتطور التكنولوجي لا بد لنا من طرح الإشكالية السياسية الجوهرية والقائمة على التساؤل التالي:

  كيف يمكن مكافحة الوجود الفعلي والارتجاعي للفقر واللامساواة بدلاً من التلطي وراء بيانات واحصاءات مالية جافة تشير إلى الفوائد المزعومة للنمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي؟

 

 


2022-12-17

كريستيانو رونالدو وكرة القدم والحوكمة المستدامة

 


د.سلام الربضي \ مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

 لقد تخطّى واقعنا المعاصر المعايير الكلاسيكية التي تتّسم بها أطر العمل السياسي والاقتصادي والثقافي، وذلك نتيجة طبيعة المعضلات العالمية البالغة التعقيد، والتي لم يعد ممكناً إيجاد الحلول لها من خلال مفاهيم وآليات الحوكمة المستدامة التقليدية. وبناء على هذا الواقع يمكن طرح الإشكالية التالية: هل يمكن على صعيد الحوكمة المستدامة إيجاد نسق ثقافي جديد يساعد على خلق آليات ضغط وتأثير تكون قارة على المساعدة في مواجهة التحديات العالمية المعاصرة ؟

من الواضح أن القضايا العالمية بأبعادها الإنسانية والسياسية والاقتصادية باتت بحاجة لوجود نسق ثقافي جديد، الذي يجب أن يرتكز على القواعد التالية:

1-      تغيير طريقة فهم سلطة وسيادة الدولة.

2-      العمل على إيجاد تأثير سياسي ملموس.

3-      خلق ضغط اقتصادي حقيقي ومباشر.

4-      إيجاد سلطة فعلية للأفراد الفاعلين.


وعليه، هذا النسق الجديد الذي يرتكز على محورية الفرد، يجب أن  يكون أداة تحفيز تساعد على أدراك أن الالتزام الأخلاقي ضرورة ملحة للغاية، حيث أصبحت الصورة والسمعة الأخلاقية أحد أهم الأصول الثابته وأكثرها حساسية على مستوى رأس المال البشري والاجتماعي. وبالتالي هذا يستوجب من القوى السياسية والاقتصادية إعادة تقيّم سياساتها بما يتلائم مع الحوكمة المستدامة الأكثر إنسانية. ولتوضيح مدى قدرة الأفراد على إحداث نوع من التغيير الذي يمكن الاستفاده منه على مستوى الحوكمة المستدامة، يمكن الإشارة إلى التأثير العالمي للاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو، والذي يُعتبر نموذج يؤكد على إمكانية الأفراد المؤثرين وضع كثير من القوى في موضع المساءلة والمحاسبة. وهنالك الكثير من الأمثلة التي تؤكد ذلك، ومنها:


1-      في بطولة أوروبا لكرة القدم عام 2020 ، أزال رونالدو في مؤتمر صحافي مشروب كوكا كولا (الراعي الرسمي للبطولة) من أمامه للتشجيع على شرب الماء للحفاظ على الصحة. مما أدى إلى انخفاض قيمة أسهم الشركة وتعرضها لخسائر بلغت نحو 4 مليارات دولار.

2-      تعرضت أسهم نادي مانشستر يونايتد في البورصة إلى خسائر مالية نتيجة التصريحات الناقدة بشدة لأدارة النادي من قبل كريستيانو رونالدو في تشرين الثاني 2022، ناهيك عن اهتزاز صورة وسمعة النادي مما أدى إلى تصريح مالكين النادي عن وضع فكرة بيع النادي ضمن أولوياتهم.

3-      ارتفاع قيمة أسهم نادي مانشستر يونايتد في البورصة بما يقارب 212 مليون جنية استرليني بمجرد الأعلان عن التعاقد مع كريستيانو رونالدو في آب 2021

4-      لقد اختيرت جزيرة ماديرا مسقط رأس كريستانو رونالد باعتبارها "أفضل جزيرة في أوروبا" بين عامي 2013 _2021 (باستثناء عام 2015) ، بالإضافة إلى "أفضل جزيرة كوجهة سياحية في العالم" في الفترة 2015 _2021. وذلك نتيجة التأثير الإيجابي لشهرة الاعب البرتغالي على السياحة. حيث ويتضح أن الفترة الزمنية التي حصلت فيها ماديرا على هذه الجوائز تتزامن مع زيادة كبيرة في عدد متابعي CR7 على شبكات سائل التواصل الاجتماعي.

5-      الحسابات الشخصية لكرستاينو رونالدو هي أكثر الحسابات تأثيراً ومتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي من حسابات المؤسسات والحكومات أو القيادات السياسية أو حسابات الشركات والمنظمات الخاصة. فمثلاً، مع نهاية تشرين الثاني من العام 2022، تخطى عدد متابعي كريستيانو رونالدو عن نصف مليار نسمة على منصة الانستغرام فقط.


انطلاقاً من ذلك، ووفقاً لإستراتيجية واضحة المعالم، يمكن أن تتعاون الدول والأمم المتحدة وكافة المؤسسات والمنظمات المعنية بالحوكمة المستدامة مع كريستيانو رونالدو، وجميع الأفراد الأخرين المؤثرين، وذلك عن طريق استغلال تاثيرهم ونفوذهم على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل الوصول إلى المزيد من الحوكمة المستدامة الأكثر فعالية. بما في ذلك تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 (SDGs) التي تشمل تحقيق السلام والعدل وبناء المؤسسات القوية، مكافحة التغير المناخي والقضاء على الفقر، الحد من أوجه عدم المساواة،...الخ.


وفي هذا السياق، يبدو أن أكثر ما تخشاه قوى الفساد والاحتكار حالياً هو مواجهة ذلك النسق من المعايير الجديدة التي تتجاوز رتابة وعدم فعالية المعايير السياسية التقليدية. فإذا كانت القوى السياسية غير قادرة أو عاجزة بقصد في مواجهة نفوذ تلك القوى، يمكن للأفراد، كمستهلكين وكمستثمرين وكمواطنين، فعل ذلك وعلى نحو عملي وأكثر إيجابية، مقارنة بما تستطيع السلطات السياسية فعله أو ربما عدم رغبتها في فعله. ولأن شبكات التواصل الاجتماعي باتت تشكل إحد أهم مميزات العصر الحالي على صعيد التأثير والضغط العابر للحدود، فهذا يؤكد على أهمية الاستفاده من دور الأفراد المؤثرين على مستوى إمكانية تحقيق الحوكمة المستدامة بكافة تجلياتها. إذ أن تأثير هؤلاء الأفراد سيكون حتماً في المستقبل جزءاً مهماً من المشهد الثقافي والسياسي والاقتصادي العالمي.


وبالتالي، وفي إطار التحولات الجذرية الحاصلة على مستوى  المعايير وأكثر الأساليب السياسية تأثيراً، وفي مقدمتها سيطرة أيدلوجية الأعلام والشهرة، يجب عدم الاكتفاء باستخدام المصادر التقليدية للحصول على النفوذ والتأثير. فهنالك المصادر الناعمة -إذا جاز التعبير- التي بات لها قدرة كبيرة على التوجيه والتأثير. وربما تكون هنا كرة القدم من أكثر المجالات الناعمة قدرة على صناعة التأثير على المستوى العالمي.


على نور ما تقدم، وانطلاقاً مما تحمله كرة القدم من إرث ثقافي شديد التعقيد على صعيد اتساع الترابط بين كرة القدم والقضايا السياسية والثقافية المعيارية وارتفاع وتيرة وحدة التحديات الجيوسياسية بين الدول، لا بد من طرح كثير من علامات الاستفهام حول إن كان هنالك ما يمكن تسميته ”الرياضة البحتة” البعيدة عن أي هيمنة أيدولوجية، بما في ذلك محاولة ترويج أجندة ثقافية وسياسية بل ومحاولة فرضها على كافة المجتمعات. وهذا فعلاً ما يمكن استنتاجه بكل سهولة من خلال تتبع جنيع  الإشكاليات الثقافية والسياسية التي رافقت استضافة قطر لكأس العالم في تشرين الثاني| نوفمبر 2022 .


الخلاصة أن التنافس الجيوسياسي القائم حول كرة القدم سيظل قائماً لاعتبارات كثيرة وثيقة الصلة ببنية النظام العالمي الراهن، ومحاولة الغرب عموماً إثبات مكانته. وبالتالي، وفي خضم صيرورة الشكوك الديمغرافية والاقتصادية والثقافية التي باتت تحيط بكثير من معالم النظام العالمي التي لن تقف عند التخوم السياسية وحسب، بل ستصل حتماً إلى عالم الرياضة، وعلى وجه التحديد في كرة القدم. وهنا لا بد من التساؤل:

  ما مدى إمكانية حصول حوكمة مستدامة على الصعيد الرياضي العالمي وتحييده عن التاثيرات السياسية؟

إلى إي مدى يمكن أن يتحمل الأفراد المؤثرون المسؤولية الأخلاقية ويتبنوا أفكار الحوكمة المستدامة، بدلاً من الاندماج في منظومة استثمارية وتسويقية عالمية لا غاية لها سوى تحقيق الأرباح المالية ونشر ثقافة الاستهلاك وتشيء الأشياء؟




2021-09-28

الحوكمة المستدامة ومكانة الدولة: إشكالية التناقض في تطوّر الاقتصاد والسياسة

 



د. سلام الربضي

من الواضح أنَّ الكثير من التطورات المتعلقة بجائحة "كوفيد - 19" أدى إلى تغيير المعطيات والحقائق الاقتصادية والسياسية المرتبطة بجدليات مكانة الدولة والحوكمة المستدامة ودور الأفراد، وهي القضايا التي تتمحور في مجملها حول جدلية التناقض الأساسي بين عالمية الاقتصاد من ناحية، وقومية السياسة من ناحية أخرى، والتي يمكن التعبير عنها بالتساؤل الإشكالي التالي: 

ما مدى إمكانية الحفاظ على مكانة الدولة ووظائفها؟ وما مدى إمكانية تحقيق الحوكمة المستدامة؟

من حيث المبدأ، يمكن القول إنَّ من أكثر المعضلات التي تحول دون الوصول إلى الحوكمة المستدامة، ما زالت مرتبطة بدرجة كبيرة بإشكالية التناقض في تطور الاقتصاد والسياسة، فالاقتصاد تقنياً (إلى حد ما) يتجه دائماً نحو العالمية. أما السياسة، فهي لا تزال تمارس (في الدرجة الأولى) محلياً أو قومياً. 

وهنا، منطقياً، تنفصل العلاقة بين السلطة والمسؤولية والمساءلة، بحيث نجد أنَّ هناك سلطة اقتصادية عالمية مقابل مسؤولية سياسية وطنية محلية يتركَّز فيها استخدام السلطة. هذا التناقض حتماً يعوق بدوره إمكانية الدولة وفعاليتها في القيام بوظائفها، ويحول دون ترسيخ مبادئ الحوكمة المستدامة على كل المستويات. 

وبالتالي، من أجل التوفيق بين تناقضات السياسة والاقتصاد، فإنَّ نقطة التوازن بينهما يجب أن تكون قائمة على ما يُعرف بالحوكمة المستدامة، والتي ترتكز على مبدأ الترابط بين المفاهيم السياسة والاقتصادية من جهة، ومبادئ الشفافية والمساءلة من جهة أخرى.

وانطلاقاً من ذلك، يستطيع الفرد (كمواطن ومستهلك) أن يرجّح كفة الميزان لمصلحة تحقيق التوازن المفقود على صعيد الحوكمة المستدامة، إذ إنَّ كلاً من القوى السياسية والاقتصادية تحاول استمالة الأفراد إلى جانبها، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، فالفرد هو من جهة ناخب سياسي، ومن جهة أخرى مستهلك اقتصادي. 

في المجال الاقتصادي، وعلى الرغم من غياب المساواة وعدم عدالة التوزيع، فإنَّ الفرد المستهلك لا يزال يمسك بزمام المبادرة على المستوى الاقتصادي، انطلاقاً من كونه أساس القوى التجارية وهدفها ومرجعها. إضافةً إلى ذلك، الفرد المواطن هو أساس السلطة السياسية، وفقاً لمبادئ العملية الديمقراطية والتصويت الانتخابي، إذ ما زال له تأثير كبير على صعيد تحديد التوجهات السياسية. 

وبناءً على ذلك، على الأفراد (الذين ترتكز عليهم النظم السياسية والاقتصادية) تحمّل المسؤولية والانخراط في عملية خلق ذلك التأثير والضغط لمواجهة احتكارات وسيطرة النخب الرأسمالية والأمنية والسياسية والإعلامية، وحتى الأكاديمية، لكي يكونوا الدعامة الأساسية في تحقيق سياسات المساءلة والشفافية، والتي تركز عليها الحوكمة المستدامة. 

لا يجب أن تقتصر سياسات الحوكمة على الإصلاحات الهيكلية أو الاحتجاج في الشوارع أو الاعتراض في صناديق الاقتراع، بل لا بدَّ من دعم ديمومتها وصيرورتها عن طريق مساءلة قوى الاحتكار مباشرة، من خلال ثقافة الاستهلاك، إذ إنَّ إنفاق المال أو توفيره قد يؤدي إلى الغايات المرجوّة. وقد يكون هذا المنطق أو الاتجاه من العمل المباشر أفضل وأنجع من الأشكال التقليدية في التعبير السياسي والاقتصادي. 

في ظلِّ محاولة الأسواق العالمية التملّص من قواعد المحاسبة وقيودها، يظهر دور الفرد (المستهلك) كقوةٍ لا يستهان بها. منطقياً، لم يعد بالإمكان تجاهل أنَّ الأفراد في جميع أنحاء العالم يتّجهون حالياً نحو التسوّق السياسي أكثر من الاتجاه نحو التصويت الانتخابي، فالمشاركة في عملية المقاطعة الاستهلاكية والاتجاه نحو التسوّق السياسي هما مؤشر إيجابي يدلّ على أنَّ نشاط الفرد (كمواطن ومستهلك) بدأ يصبّ في الاتجاه الصحيح، إذ بات واضحاً أنَّ النفوذ المتزايد للقوى الاقتصادية وما يقابلها من إرادة سياسية غير حاسمة ينتج إدراكاً متزايداً بأنَّ التسوّق السياسي صيغة أكثر فعالية على صعيد إيجاد حوكمة فعلية وعملية. 

يبدو أنَّ ثقافة التسوق السياسي للأفراد بدأت تحلّ مكان المواطنة التقليدية، على اعتبار أنها الأداة التي تمكّن الأفراد من فرض المساءلة وتصحيح السياسات العامة بشكل أكثر جدية؛ ففي ظلِّ الجشع المالي وعدم الاكتراث السياسي وغياب المسؤولية عند الكثير من النخب التكنوقراطية وقوى السوق، يستطيع الأفراد تحمّل المسؤولية والمبادرة عن طريق اعتماد سياسات التسوّق السياسي كاستراتيجية أو صيغة جديدة للحوكمة. 

عملياً، وفي حين أنَّ العقد الاجتماعي الذي يربط بين الشعوب والحكومات يزداد هشاشة، يبدو أنَّ ضغط الأفراد ونفوذهم بات يحدث أثراً في مواجهة قوى الاحتكار والفساد، والتي لا تستطيع الحكومات أو بعض المؤسَّسات العالميّة أن تأتي بمثله، والتي ربما تكون من الأساس غير راغبة فيه.

2021-05-02

"كوفيد-19" وإشكالية العلاقة بين الاقتصاد العالمي وسوق العمل

 


د. سلام الربضي


وفقاً لتقارير منظمة العمل الدولية،  تسبب وباء "كوفيد-19" في أضرار بالغة على قطاع العمل، حيث هنالك خسارة ما يزيد عن 250 مليون وظيفة، ناهيك عن تأثير الجائحة السلبي على صعيد إبطاء أو عكس اتجاه ارتفاع الأجور في جميع أنحاء العالم، مما أثّر على أصحاب الأجور المنخفضة،  بالإضافة إلى تفاقم عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء وازدياد معدل الفقر[1]. وبالتالي، يجب الاعتراف بحقيقة أن التطورات الاقتصادية الراهنة وسيرورة نمو التجارة الحرة، ما زالت تنمو بعيداً عن سوق العمل، وتترك تأثيراً سلبيياً على مستوى المساواة والعدالة الاجتماعية. وفي هذا الإطار، علينا أدراك حقيقة أن الإشكالية الأساسية في عالمنا المعاصر على مستوى العلاقة بين التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، هي إشكالية  الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وهذا يستوجب طرح التساؤل:


هل نحن نعيش في عصر الاقتصاد من أجل الاقتصاد وليس من أجل المجتمع؟


تبقى الحقائق المبنية على المصلحة العامة هي المعيار الأساسي لتقييم السياسة الاقتصادية الناجحة. وعليه، بعيدًا عن التنظير ووفقًا للإحصاءات والبيانات الخاصة بالفجوة الاقتصادية وإذا أخذنا في الاعتبار أن النسبة الأكبر من المواطنين هم عمال أو موظفون يعملون بأجر، يمكننا القول أن الاقتصاد لم يعد يعمل لصالح المجتمعات. حيث بات من الواضح، أن الفجوة بين أصحاب الثروات من ناحية ورواتب العمال من ناحية أخرى، تزيد الشكوك حول سلامة المجتمع. لذلك، إذا كانت حرية التجارة ورأس المال وتحقيق أهداف منظمة التجارة العالمية القائمة على إلغاء القيود الكمية وجعل العالم منطقة تجارة حرة، هي التي تؤمن النمو والرفاهية، هنا يجب الاستفسار:


هل ستؤدي هذه السياسات والأهداف إلى تعميق أزمة سوق العمل؟ أم أنها ستكون نقطة تغيير وتحول إيجابي؟

 

لقد بات من المنطقي القول، أن هذه الأهداف بالدرجة الأولى زادت من حدة المنافسة بين الدول (سواء الصناعية أو النامية) والتي أدت إلى نتائج كارثية على مستوى ارتفاع معدلات خفض الأجور وتآكل قيمتها الشرائية، حيث أن كل الجهود المبذولة للعثور على بدائل لفرص العمل الضائعة، لم تحقق النتائج المرجوة. فكلما ازدادت وتيرة النمو التجاري، تزداد المصاعب على مستوى سوق العمل، حيث هناك تقليص وترشيد يؤديان إلى فقدان العمل البشري قيمته. وفي هذا السياق، لا بد من ملاحظة إنه لم يكن هنالك عولمة حقيقية فيما يتعلق بسوق العمل.


وانطلاقاً من ذلك، لم تؤدي كثير من السياسات المتبعة إلى زيادة الرفاهية، بل فاقمت من وتيرة جمود الوضع الاجتماعي والفجوة بين الأغنياء والفقراء. فعلى سبيل المثال، ينعكس الانخفاض في الأجور في أسعار السلع أيجابياً بالدرجة الأولى وبشكل مباشر على المستهلك الغني الذي لم يفقد شيئاً من دخله نتيجة خفض تكلفة الإنتاج. في المقابل، فإن الطبقات الدنيا هي التي تفقد جزء كبير من دخلها وتتأثر سلباً أكثر. وعليه، ووفقاً لتداعيات"كوفيد- 19" الاقتصادية، لا يمكن تجاهل البحث في معضلة:


من يتحمل الأعباء الاقتصادية أكثر: رأس المال أم العمال؟


بناءً على بديهيات السياسات الاقتصادية الحالية، يتضح أن الحكومات تزيد من الأعباء الضريبية على قطاع العمل، كما أن الإعفاءات والتسهيلات الضريبية التي تقدمها الحكومات للشركات عبر الوطنية، يؤدي إلى انخفاض إيرادات الدولة المالية التي سوف تعوضها عن طريق زيادة الضرائب على الطبقات الاجتماعية الأخرى، أو عن طريق تقليص الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية. وبالتالي يتضح أنه، إذا كانت المعادلة الاقتصادية والمالية السابقة، تعكس بشكل أكبر الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء، والتي تركز على مبدأ: الأغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقر، ولكن الآن في ظل الحقائق والتطورات الجديدة، لم تعد هذه المعادلة كافية لتوضيح التغيرات، فهنالك صيغة أو معادلة جديدة ترتكز على مبدأ:


الأغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقرا بوتيرة أسرع؟


حيث أنه ليس من المستغرب على الإطلاق، معرفة أن هناك سرعة عالية في توفير الأموال من أجل إيجاد حل لأي أزمة مالية أو اقتصادية عالمية، مقارنة بحقيقة أن هناك حذراً شديداً (بل وبخلاً) عندما يتعلق الأمر بالتمويل الإنساني والبرامج المتعلقة بانتشال المجتمعات الأقل حظًا (المحرومة والمهمشة) من الفقر والعوز. فعلى سبيل المثال، هنالك حاجة فقط إلى عشرات المليارات سنوياً للقضاء على الجوع وسوء التغذية في العالم بأسره( وقد أقرت الأمم المتحدة عدة برامج مختلفة لتحقيق هذا الهدف)، لكن هذه البرامج لا تزال على الورق فقط بسبب عدم توفر الأموال اللازمة.

 

إذ يجب إن ترتكز جميع الحلول الاقتصادية والسياسية  المرتبطة بتحديات بجائحة "كوفيد-19"، بالدرجة القصوى على إمكانية حماية ودعم كل السياسات المتعلقة بصون مصالح طبقة العمال والفقراء. إذ لا بد أن تكون القضية المركزية قائمة على الانتقاد المنطقي المتمثل بالوجود الفعلي والارتجاعي للفقر واللامساواة. وهذه الحقائق المأساوية وبعيداً عن الأبعاد الأيديولوجية في دراسة وتقييم الاقتصاد العالمي، تضعنا أمام التساؤل الاستراتيجي التالي:


هل المشكلة تكمن في الأولويات والخيارات الاستراتيجية للدول؟ أم تكمن في الإمكانيات الفعلية المتاحة للدول؟


خلاصة القول، إن إمكانية تحقيق نهضة فعلية تخفف من وطأة الفقر والعجز المادي تعتمد على نوع الفكر الاقتصادي الواجب اتباعه، فنحن بحاجة إلى رؤى جديدة تستجيب لاحتياجات وقدرات المجتمعات. وبالتالي، هذا يستوجب توجية النقد الفكري لكيفية التفاعل والتعامل مع مع الليبرالية الاقتصادية الحديثة، ذلك لأنه لم يعد من المنطقي والمقبول التعامل مع هذا الواقع على أسس أيديولوجية فقط (سواء كانت مع أو ضد) ، دون وجود برامج ومشاريع اقتصادية عملية، حيث بات من الضروري مواجهة جدلية أو إشكالية:


لماذا يوجد الكثير من الأفكار حول كيفية توزيع الدخل وليس حول كيفية توليد الدخل؟



[1]     See,"Covid-19" and the world of work:Updated estimates and analysis",Seventh edition, International Labour Organization Monitor(ILO), Geneva, January 2021. Look: https://www. ilo.org/wcmsp5/groups/public/@dgreports/@dcomm/documents/briefingnote/wcms_767028.pdf  Accessed on 04-25-2021.


2020-10-19

كوفيد 19 وإشكاليات مفهوم العنف إلسياسي

 



د. سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية


العنف هو أحد الوسائل المستخدمة في السياسة وذلك بغض النظر عن مشروعيته وأخلاقيته الفلسفية وبعيداً عن جدليات نظرية العقد الاجتماعي أو الطبيعة البشرية التي تتمحور حول الغريزة الإنسانية وصراع البقاء. وبالتالي مكن القول إن حيثيات العلاقة بين العنف والسياسية تثير كثير من الإشكاليات، فمن الناحية التحليلية هنالك صعوبة في إمكانية الفصل الدقيق والواضح بين العنف والسياسة، وهذا مردود واقعياً إلى الخلفية الثقافية والايدولوجية التي من خلالها يمكن الحكم على فعل أو تصرف ما بكونه يندرج في خانة العنف السياسي أو العكس من ذلك. فمثلاً، قد يكون العنف السياسي المرتبط بمقاومة الاحتلال وفقاً لثقافة ما فعل إنساني وقانوني مشروع، وبالمقابل ذات الفعل قد يكون وفقاً لثقافة أخرى عمل غير مشروع يندرج في خانة الممارسات الإرهابية.


ومن الجدير ذكره في هذا الإطار، صعوبة تحديد وحصر القضايا والأفعال السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى القانونية، التي يمكن وصفها بأنها ثمثل عنف سياسي. فعلى سبيل المثال، إلى وقتنا الحاضر لا يوجد اتفاق عالمي حول تعريف شامل وواضح للعنف السياسي المرتبط بالإرهاب، وكذلك الأمر فيما يتعلق بتعريف جريمة العدوان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، إذ ما يزال يحمل هذا التعريف في طياته الكثير من التفسيرات والاجتهادات. وفي هذا السياق المتعلق بإشكاليات مفهوم العنف السياسي تُطرح كثير من علامات الاستفهام والتي تتمحور حول:


1- كيفية تصنيف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها بعض الدول أو الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، فهل هي أفعال ووسائل سياسية عنيفة وغير إنسانية؟ أم هي عمل سياسي سيادي مشروع؟


2- كيفية تصنيف السياسات الإعلامية التي تشجع وتحرض على العنف، فهل هي تندرج في خانة التحريض على العنف السياسي ودعم الإرهاب؟ أم تندرج في خانة حرية التعبير؟


3- كيفية وصعوبة تصنيف العنف السياسي من حيث مصدره سواء كان صادر عن دول أو أفراد أو منظمات غير حكومية، ناهيك عن صعوبة الفصل بين كل منهم؟


4- كيفية تصنيف الفساد باعتبارة من أحد أخطر أشكال العنف السياسي بمفهومة المعاصر؟


5- كيفية تصنيف العنف المرتبط بالأمن الإنساني الشامل، كالعنف البيئي، الصحي، التكنولوجي، البيولوجي..الخ.


وانطلاقاً من تلك التساؤلات، يبدو بات هنالك حاجة ماسة لتوضيح فكرة مفادها أن العنف السياسي ليس مشروطاً فقط بالارتباط بالعنف الجسدي أو العنف المادي الملموس، فقد يكون هنالك عنف اقتصادي وعنف ثقافي أشد وطأة وتأثير في السياسة. بالإضافة إلى ذلك، ما يزيد الأمور تعقيداً على المستوى الفلسفي والواقعي، أن معظم النظريات السياسية التي ترتكز في تحليلها على فرضية أن الدولة كمؤسسة سياسية (والتي تمتلك مشروعية العنف داخل حدودها وخارجها) هي الفاعل الرئيس على المسرح العالمي، تم تجاوزها بشكل قاطع مع تزايد نفوذ الأفراد والمنظمات غير الحكومية والشركات عبر الوطنية..الخ. كما أن معايير القوة نفسها قد تغيرت ولم تعد تقاس فقط بمدى القدرة على استخدام العنف الشرعي المتمثل بالسلطة السياسية، ولم تعد كذلك محصورة في الشكل التقليدي المرتبط بالقوة الاقتصادية والعسكرية الكلاسيكية.  


ووفقاً لذلك وبناء على التطور في طبيعة القضايا الإنسانية المعاصرة، يجب العمل على إيجاد رؤية نقدية سياسية جديدة لكل ما يتعلق بالمعايير الذات صلة بكيفية فهم العنف السياسي بكافة أشكاله. ففي هذا الصدد تُلزمنا بما لا يدع أي مجال للشك، الإشكاليات الأخلاقية المرتبطة بقضايا التغير المناخي ومسألة البيئة وكل ما يتعلق بالثورة البيوتقنية والتلاعب بالجينات والذكاء الاصطناعي..الخ، بإعادة النظر بكثير من المفاهيم، خاصة مع وجود مصطلحات جديدة ترتبط بالعنف السياسي المعاصر، كالعنف البيئي والعنف التكنولوجي والعنف البيولوجي وعنف التحيز الخوارزمي..الخ.


وقد تكون من أكثر الأدلة سطوعاً على أهمية أيجاد رؤية نقدية جديدة لمفهوم العنف السياسي، هي تلك التطورات الحاصلة على صعيد الأمن الصحي العالمي الناتجة عن تداعيات انتشار جائحة كوفيد19 وما رافقها من مظاهر عنفية غير مألوفه ارتبطت بالقضايا الصحية(كتبادل الاتهامات حول أسباب حدوث الجائحة أو حروب الأقنعة والأجهزة الطبية..الخ)، والتي تؤكد على مدى التغيرات المستجدة على مستوى مفهوم ومعايير العنف السياسي.


وعلى نور ما تقدم يمكننا القول، أنه بالرغم وجود الكثير من المبادرات التي تحاول وضع رؤية نقدية منطقية حول كيفية مقاربة مفهوم العنف السياسي، ولكن للأسف فهي تقليدية وتمتاز بعطوبية عدم القدرة على وضع إطار فكري جديد لفهم الظواهر والممارسات المستجدة المرتبطة بفلسفة العنف السياسي، وكذلك تتجاهل إلى حد كبير معظم الإشكاليات والجدليات سالفة الذكر، إذ يبدو أنها ما تزال تدور في الفلك الكلاسيكي لعصر الحداثة الذي تم تجاوزه. فنحن حالياً في عصر ما بعد الحداثه وما بعد الحقيقة وما بعد الإنسانية، والذي أسقط كل المسلمات والبديهات، أنه عصر منهجية التشكيك والتفتيت التي نحتاجها على الرغم من كل ما تحمله من جدليات مؤشكلة.


For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com