2023-10-21

محور المقاومة وإشكاليات الأمن القومي الإسرائيلي

 


سلام الربضي : باحث ومؤلف في العلاقات الدولية \ اسبانيا

 

      من حيث المبدأ الحروب تأتي استكمالاً للسياسة، ولكن في إسرائيل تبقى الحروب على الإطلاق هي القاعدة والسياسة هي الشواذ. إذ يبقى منبع التناقضات هو غربة إسرائيل الجوهرية والجذرية عن المحيط العربي الذي فرضت عليه، فلا تستطيع أن تكون آمنة إلا بمراكمة وسائل القوة، الأمر الذي يعمق غربتها ويعزز استحالة القبول بها. وهذا أمر غير قابل للديمومة وذلك لا بمزيد من القوة ولا بمزيد من التحالفات (العلنية والسرية)، بما في ذلك توقيع اتفاقيات السلام العقيمة.

     حيث أثبت مسار التفاوض العربي الإسرائيلي منذ العام 1991 مروراً إلى اتفاقيات طابا واسلو ووداي عربه وصولاً إلى ما يسمى الاتفاقيات الإبراهيمية مع بعض دول الخليج عام 2020، عجزها الشامل عن ردع إسرائيل. حيث لم تؤدي سياسة التكيف أو التحالفات الأمنية وتعظيم التعاون الاقتصادي إلى أي نتيجة تُذكر على صعيد تغيير المواقف العدائية الإسرائيلية. بل على العكس من ذلك، لقد زادت من حدة تصلبها وتعنتها. حيث كانت وما تزال دولة الاحتلال تعالج إشكالياتها الأمنية من خلال إستراتيجية ترتكز على اللاءات المعهودة والتي تعكس ثوابتها الأمنية، والتي من أهمها:

-    لا للانسحاب الكامل إلى حدود 1967.

-    لا لدولة فلسطينية ذات استقلال كامل.

-    لا لإيقاف علميات الاستيطان وتفكيك المستوطنات.

-    لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين.

-   لا لامتلاك أي دولة عربية وإقليمية لبرنامج نووي.

-    لا لأي خلل في موازين القوى العسكرية .

       وبناء على ذلك لا يزال التفوق العسكري العنصر الرئيسي الذي ترتكز عليه دولة الاحتلال من أجل الحفاظ على وجودها. إذ يبقى تفردها في هذا المجال هو الدعامة الحقيقية لحمايتها حتى في حالة تحقيق السّلام. فنظريّة الأمن القومي الإسرائيلي ستبقى على الدوام قائمة على مبدأ أن كيان الاحتلال يقوم على مساحة محدودة جغرافياً. وبالتالي، طالما هنالك عطوبية على مستوى العمق الاستراتيجي لا بد من الاعتماد على قوّة ردع ضاربة، تحفظ لإسرائيل ديمومتها. ولكن ونتيجة للانتصارات الاستراتيجية لمحور المقاومة في حرب تموز 2006 مرروراً بحروب غزة (2008-2021) والحرب العالمية على سوريا(2011-2019) بات هنالك استحقاقات ينطوي عليها تهديدات مستقبلية على مصير دولة الاحتلال الإسرائيلية.

     وفي هذا الإطار لقد جاءت انتصارات المقاومة الفلسطينة في غزة في تشرين الأول 2023 امتداد لهذا النسق التصاعدي على صعيد إعادة التوازن والرعب الاستراتيجي بين محور المقاومة ودولة الاحتلال، التي تلقت عدة هزائم قاسية أوصلتها إلى مرحلة العجز المطلق. وهذا الواقع الجديد لا ينفصل عن صيرورة الانتصارات منذ حرب تموز 2006 وما تلاها والتي نتج عنها كثير من التطورات الجيوسياسية، التي تتعلَّق بتعاظُم قوَّة محور المقاومة: ومنها:

-  أكتساب تجربة قتالية غير تقليدية: حيث أصبح هذا المحور قادراً مستقبلياً على خوض معارك متعددة المستويات تتطلب تنسيقاً لوجستياً ضخماً.

-  تغير المفهوم العسكرى القائم على الاستنزاف والدفاع واستبداله باستراتيجية هجومية وقائية:  قائم على مبدأ التوغل إلى داخل الأراضي المحتلة، وشن غارات بالآف الصواريخ بذات اللحظة من عدة  جبهات مختلفة، وبالتالي تغيير معادلة الردع المتبادل مع إسرائيل بشكل جذري.

   وهذا بالفعل ما تم تجربته بشكل مصغر على أرض الواقع في حرب غزة عام 2021، حيث استطاع محور المقاومة عبر حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس من اعتماد هذه الاستراتيجية التي ثبت نجاعتها. حيث لم تستطيع القدرات العسكرية الإسرائيلية مواجهة واعتراض مئات الصواريخ التي تم إطلاقها من غزة في ذات اللحظة ومن مواقع مختلفة. وعليه، هذه التحديات تطرح علامات استفهام حقيقية والتي تدور حول التساؤل التالي:

هل دولة الاحتلال الإسرائيلية قادرة على مواجهة كل تلك التحديات في أي حرب مستقبلية؟

 

     من المنطقي القول أن طبيعة التحديات التي تواجهها دولة الاحتلال على مستوى بنية ومفهوم أمنها القومي قد تغيرت في شكل دراماتيكي وجوهري ، ومن تلك التحديات :

 

1-    أصبح لدى محور المقاومة قدرات تسليحية ضخمة تستطيع تغطية كل نطاق دولة اسرائيل.

2-     امتلاك الجيش السوري وحزب الله خبرة عسكرية هجومية نتيجة حرب العصابات مع الحركات الأرهابية المدعومة من الغرب وإسرائيل.

3-    تطوير محور المقاومة لاستراتيجيته العسكرية القائمة على ضرب تفوق إسرائيل الجوي والبحري.

    

     وهنا يجب الاعتراف بإن انتصارات محور المقاومة على إسرائيل في حروب لبنان وغزة وسوريا باتت تمثل تحدياً حقيقياً لقوتها الردعية هي منعطف استراتيجي ويزيد من تعقيدات عمل أجهزتها الاستخبارية. حيث أصبحت تعاني من فقدان أهمّ عناصر الرّدع لديها وإن أي مواجهه عسكرية جديدة ستكون معقدة وستصل إلى كل رقعة على مساحة إسرائيل نفسها.  فهي لم تكن في يوم من الأيام مُهددة مثل ما هو شأنها اليوم، نتيجة تطور ونضج تجارب محور المقاومة، الذي أثبت أنه بات يمتلك رؤية عسكرية وسياسية ذات نهج منطقي وعقلاني على مستوى الفكر والممارسة. فحروب إسرائيل الخاسرة وعجزها عن تحقيق أي من أهدافها في سوريا أو غزة أو لبنان، دليل قاطع على تفوق محور المقاومة على كافة المستويات.

 

     وفي هذا السياق يمكن التأكيد على أن الاحتمال المستقبلي الوارد هو حتماً خيار الحرب والمواجهة الشاملة، والتي لن تكون كما كان يحدث سابقاً كحرب تقليدية على أرض عربية يحسمها التفوق العسكري الإسرائيلي. بل على العكس من ذلك، ستكون حرباً  لا تملك دولة الاحتلال زمام المبادرة بها. إذ ربما تستطيع دولة الاحتلال أن تبدأ تلك الحرب ولكن الأهم من ذلك كيف تديرها وتنهيها؛ إذ بكل تأكيد لن تكون قادرة على حسمها، وستصل تلك الحرب إلى كل شارع داخل إسرائيل نفسها.


      فمبدئياً يمكن التأكيد على إمكانية وقدرة محور المقاومة على شن هجوماً شاملاً على إسرائيل(وليس فقط تبني سياسة دفاعية)، سواء عبر وابل من الطائرات المسيرة والصواريخ من جميع الجبهات(إيران، العراق، اليمن، لبنان، سوريا، غزة)، والذي سيكون مصحوب بهجوم إلكتروني بحيث تعجز منظومة الدفاع "القبة الحديدية" التصدي بشكل كامل لمثل ذلك النوع من الهجوم الواسع القادر على ضرب وتعطيل القواعد الجوية والبحرية ومراكز الجيش والبنية التحتية في كل إسرائيل. ناهيك عن تزامن ذلك مع هجوم بري عبر كل الحدود داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

     على سبيل المثال، ووفقاً للتقارير والدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث والمؤسسات العسكرية الإسرائلية فإن أقله لدى حزب الله تحديداً قدرات عسكرية ضخمة باتت تمكنه من احتلال منطقة الجليل شمالي إسرائيل ، وما إلى ذلك من عواقب وخيمة على الكيان الإسرائيلي. لذلك إذا تم مقاربة المعادلة التي ترتبط بالقدارت الصاروخية للمقاومة والتي تم تفعيلها في حرب تموز عام 2006 (حيفا وما بعد حيفا) وإذا تم إضافة معادلة الطائرات المسيرة والإمكانيات البحرية( كاريش وما بعد كاريش)، فإنه من المنطقي سوف تكون المقاربة المستقبلية القادمة، أقله وفقاً لمعادلة: الجليل وما بعد الجليل!!


For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com