2010-04-22

الدبلوماسية والاستراتيجية الدولية





سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية



عندما نتحدث عن الدبلوماسية والاستراتيجية يجب الأخذ بعين الاعتبار الفرق  بين الدبلوماسية والدبلوماسيين فمن الممكن أن تكون هناك دبلوماسية من دون دبلوماسيين (تغييب الدبلوماسيين في المشاركة باتخاذ القرارات أو المشاركة في العملية السياسية) كما حدث مثلاً مع الدبلوماسية الفرنسية في عهد الرئيس شارل ديغول. أو ما عبرت عنه النقاشات التي كانت دائرة في الولايات المتحدة الأمريكية مع بداية الاحتلال الأمريكي للعراق أقلها الرسالة الموجهة من قبل مجموعة من الدبلوماسيين الأمريكيين للرئيس جورج بوش انذاك، وهو ما حدث أيضاً في بريطانيا والتي تعبر عن تهميش الدبلوماسيين عند وضع الاستراتيجيات أو تنفيذها.
على صعيد الاستراتيجية الدولية يلاحظ أنه خلال 20 سنة الماضية تغير العالم تماماً: لقد تعولم العالم، انتقلنا من مرحلة الحرب الباردة ومن نظام القطبين (الاستراتيجيتين) إلى نظام عالمي قد يكون أحادي (استراتيجية واحدة) إلى حد ما. إذ جاءت أحداث 11/9 لتحمل معها استراتيجية مكافحة الإرهاب ولقد تغيرت وتعدلت المعطيات فتنامى الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول، وشهدت الساحة العالمية الصعود القوي وتزايد نفوذ بعض اللاعبين على الساحة الدولية عابري الجنسيات مثل الشركات عبر وطنية، المجتمع المدني العالمي، ومئات الألوف من المنظمات غير الحكومية الموجودة في المشهد الدولي، والتي لا يمكن للدول تجاهل عملها. كذلك طغيان مشاكل جديدة على الصعد الاقتصادية والصحية، والبيئية، وحقوق الإنسان، وظهور ظواهر جديدة، كالإرهاب والمافيا والهجرة. وكل تلك المعطيات بدأت تأخذ طريقها على الساحة الدولية وأصبح هناك تشابك في العلاقات الدولية مما انعكس على استراتيجيات الدول وأصبحنا أمام استراتيجيات مختلفة وفي هذا الإطار تطرح عدة إشكاليات :
1.  كيف يمكن للدبلوماسيين أن يتكيفوا مع هذه المعطيات أو الاستراتيجيات؟
2.  هل هذه المستجدات تفرض علينا الفصل ما بين الدبلوماسية والدبلوماسيين؟
3.  أين هي الدبلوماسية من تلك الاستراتيجيات؟
4. هل واقع عالمنا المعاصر أو عالمنا العربي يعكس واقع الخلل في    
    الاستراتيجية أم في الدبلوماسية؟
5.  هل الدبلوماسية أصبحت بحاجة لتوجه استراتيجي جديد؟
6. هل الاستراتيجية بحاجة لتنشيط الدبلوماسية العامة؟

كل تلك المتغيرات والمعطيات على الصعيد الدولي تضعنا أمام تساؤل حول نظرية الواقعية في العلاقات الدولية. فالواقعية ترى العالم على هيئة نظام تهيمن عليه الدول وتسعى هذه الدول بشكل أساسي لتحقيق الأمن والقوة والسلم. ولكن اليوم لم تعد الدولة هي محور نظام الحياة الدولية فقط، فهناك تزايد لنفوذ فاعلين غير دولتيين أصبحوا محددين رئيسيين للعلاقات الدولية. ومن هذا المنطلق نجد أنفسنا أمام نظامين متضاربين.

أ‌.  نظام يخضع لدوافع تقليدية في البحث عن القوة والمصالح والسيادة.
ب‌. نظام يخضع لدوافع الاستقلال وتجاوز الدول.

كما أن الرهانات الدولية في ظل العولمة أضحت مرتبطة بشكل أقوى بالقضايا الاجتماعية وأقل تفاعلاً مع الاستراتيجيات السياسية والعسكرية وهذا واضح من خلال الفاعلون الاجتماعيون حيث أن المجال الدولي لم يعد حكراً على الحكومات فقط بل أصبح فضاءاً عاماً يتدخل فيه كل من الأفراد والمنظمات غير الحكومية، والشركات غير الوطنية، ووسائل الإعلام، فالمشاكل العالمية تهم العالم ولم تعد حكراً على دول بذاتها وحكام معينين. ولدينا كثير من الأدلة التي يمكن ذكرها والتي تثبت أن الدول لم تعد وحدتها قادرة على تحديد العلاقات الدولية كما كان في السابق، فلنذهب إلى اجتماعيات منظمة التجارة العالمية لنرى ما هو مدى تأثير المنظمات غير الحكومية، كما أن مؤتمرات التنمية المستدامة ومنذ مؤتمر جنوب أفريقيا 2002 تعكس مدى هذا التأثير ناهيك عن كثير من الاتفاقيات العالمية الدولية التي لم يكن بالإمكان وجودها بدون القوى الفاعلة غير الدولتيين، مثل اتفاقية أو معاهدة حظر الألغام عام 1997 التي جاءت بعد حصيلة عمل للمنظمات غير الحكومية من خلال الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية 1992-1997. ومن الأمثلة أيضاً بروتوكول السلامة البيولوجية عام 2000، وتقرير اللجنة العالمية للسدود المعنون "السدود والتنمية" عام 2000 يعكس واقع العلاقات الدولية المعاصر، ما بين الدول والفاعلين الاجتماعيين خاصة على مستوى القضايا البيئية، كذلك الحملة العالمية لتخفيض أو لالغاء ديون الدول الفقيرة والتي حققت انجازات ضخمة جداً.

أمام هذين النظامين الذين يمثلان استراتيجيات مختلفة وفي ظل مناخ عالمي متأزم منذ تفجيرات النيويورك واقعنا قد يحتاج  أكثر من أي وقت مضى لدبلوماسية المواجهة. وأمام ظهور أشكال مختلفة – عما مضى – من الدبلوماسية القائمة على المؤتمرات والحملات والضغوط والسياسات الإعلامية والرأي العام العالمي ونشاطات مختلفة وكلها أشكال جديدة من العمل الدبلوماسي وجلها تأتي لتعبر عن جدلية مصدر السلطة العالمية وبالتالي طرح إشكالية التساؤل حول وضع الدبلوماسي :
 هل يشارك في وضع الاستراتيجيات الموجودة على المسرح العالمي من أمنية واقتصادية واجتماعية وبيئية؟
هل الواقع العالمي والذي أصبح قائم على استراتيجية مكافحة الإرهاب واعتبار الأمن كأساس للتطور الاقتصادي يعتبر بمثابة عودة مباغتة للدبلوماسيين؟ الذين يستطيعوا استخلاص _ من تناقضات الحياة الدولية_ السبب الذي يسمح بتنظيمها ؟
أم يعتبر بمثابة ضربة مباغتة للدبلوماسيين وفتح الآفاق الواسعة أمام ما يعرف بدبلوماسية العلاقات الخاصة؟

وإذا كانت معظم التقارير الدولية تشير إلى أن السواد الأعظم من النزاعات في عالمنا المعاصر تتم داخل الدول فما هو هامش الحركة المتاح أمام الدبلوماسية التقليدية في هذا المضمار؟ وهل يعتبر هذا الوضع الدولي بمثابة مؤشر يدعم نظرية تراجع الدبلوماسية التقليدية؟ حيث من الطبيعي – في النزاعات الداخلية داخل الدول – تراجع الدبلوماسية التقليدية من منطلق قاعدة عدم الاختصاص. وبما أن معظم النزاعات داخلية فإن أهمية الدبلوماسية ودورها يتراجعان؟

في النهاية لا بد من التسأول عن مستقبل الخريطة الدبلوماسية في حال تم الأخذ بمقترحات الأمين العام السابق للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي، الداعية لربط مسألة التصويت لأعضاء الأمم المتحدة بمقدار مساهمتها في تمويل أنشطة الأمم المتحدة، وهذا ما عاد وأكده أيضاً الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان أثناء مشاركته في مؤتمر دافوس الاقتصادي 2004 طالباً من المنظمات غير الحكومية  والشركات عبر الوطنية  تقديم الدعم المالي للمنظمة؟ 

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com