2022-03-09

المرأة بين الفلسفة والفكر الذكوريّ

 


د. سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

لقد باتت كثير من المكاسب التي تحققت على مستوى المساواة بين الرجل والمرأة معرضة للانتكاس، حيث يوجد الكثير من أوجه الخلل القائمة، والتي تزيد من تفاقم معاناة النساء لمجرد كونهن إناثاً. إذ ما زالت المرأة في جميع أنحاء العالم تواجه قوانين وأنظمة تقيد وتعيق فرصها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فوفقاً للتقارير العالمية يبدو أن هنالك كثير من التحديات الجديدة التي تتعرض لها المرأة على مستوى صحتها وسلامتها وأمنها الاقتصادي، إذ تتمتع النساء فقط بثلاثة أرباع الحقوق القانونية الممنوحة للرجال([1])ومن المؤكد عند محاولة تقييم تلك المعضلة ومقاربة واقع حقوق المرأة، لا بد من طرح الإشكالية التالية:

هل هنالك خلل فلسفي يحول دون تمكين المرأة من تجاوز تلك المنظومة الذكورية؟

 يبدو أن القمع الذكوري الأقصى الحقيقي، هو ما تعاني منه المجتمعات والحقول الفلسفية من نظرة انتقاصية للمرأة. وبالتالي، إذا كان هنالك من رغبة جدية للوصول إلى المساواة الحقيقة بين النساء والرجال، هذا يستوجب إعادة النظر، بكل ما له علاقة بثقافة المجتمعات، بما في ذلك ثقافة المرأة نفسها([2])، ناهيك عن مواجهة بعض التحديات على المستوى التنويري، والتي تتطلب أخضاع كلاً من الفكر الفلسفي والثقافي للفحص النقدي الصريح. حيث يتضح أن المرأة قد وضعت في رحم دوامة فلسفة مغلقة، تحتفظ بالأشكال التقليدية للأنوثة([3]). وفي هذا السياق، من المنطقي القول، إنه لا يمكن الوصول إلى المساواة المجتمعية الجنسانية دون وجود خلفية فلسفية تعمل على تنوير العقول وتحريرها من القيود الذكورية.

ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك التحرر والتنوير إذا كانت القيم الفلسفية نفسها تعاني مشكلة جنسانية وشوفينية بارزة، والتي ترتبط (للأسف الشديد) بدونية المرأة في عالم الفلسفة؟

 على سبيل المثال، أشهر الفلاسفة الإغريق (أرسطو، أفلاطون، سقراط) كانت رؤيتهم للمرأة بشكل عام لا تتعدى عن كونها لا تصلح إلا للإنجاب، وأنه لا يمكنها أن تمارس الفضائل الأخلاقية كالرجال، وهي أدنى من الرجل في العقل والفضيلة. وهذه الرؤية للمرأة في عالم الفلسفة القديمة لم تختلف كثيراً مع عددٍ من كبار الفلاسفة الحديثين(جان جاك روسو، كانط، نيتشه)، فالمرأة وفقاً لرؤيتهم لم تُخلق لا للعلم ولا للحكمة، وإنما لإشباع غرائز الرجل، كما أن عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل وهي ليست مصنوعة للتفكير، وهي مصدر كل الشرور وتتآمر مع كل أشكال الانحلال ضد الرجال([4]).

 يبدو من الواضح أن استمرار طُغيان الفلسفة الذكورية يعد عرضاً طبيعياً لذكورية الثقافة الإنسانية بشكل عام، والتي ما زالت مستمرة، على الرغم من المزاعم بالمساواة. وبالتالي، إذا كان هنالك من يعتقد أن هذه الاعتبارات الفلسفية الغارقة في الذكورية والمرتبطة بحقوق المرأة، لقد تجاوزها الزمن في ظل انتشار الايديولوجية النسوية، وتطور نسق الأفكار المتعلقة بالجنسانية. ولكن هنا، لا بد من طرح الإشكالية القائمة حول: هل تغيّرت فعلياً النظرة الذكورية تجاه المرأة على المستوى الفلسفي المعاصر، وهل هنالك حاجة ماسة للانتقال إلى المنظومة الفلسفية التنويرية الشاملة؟

بكل تأكيد عند محاولة الإجابة على تلك التساؤلات وتقييم تلك الإشكالية الهجينة (وفي حال تم تجاوز المنهج الاحصائي والكمي الذي يؤكد على قتامة المشهد) من أجل إيجاد تغيير جذري على مستوى الركائز الحيوية الضامنة لحقوق المرأة، يجب البحث عن الاسباب والخلفيات، التي تحول دون استطاعة المرأة حتى الآن، من ابتداع مدرسة فلسفية متكاملة أو إنشاء تياراً فكرياً يستطيع التأثير في الحقل الفلسفي. وعدم الاستطاعة هذا، حتماً سيؤدي إلى طرح التساؤل الجوهري حول:

هل فعلياً يوجد نساء فيلسوفات([5])؟

هنا لا محالة، سوف يتم الاصطدام بقساوة ووطأة الجدليات المرتبطة بأهمية ومكانة ودور المرأة في التفكير والتفلسف.



[1]  ناهيك عن تزايد العنف ضد المرأة ، بالإضافة إلى الوهن الاقتصادي وعدم الاستقلالية المادية إلى حد ما، بما في ذلك الحواجز التي تحول دون الالتحاق أو الحفاظ على الوظائف، وتواجه النساء أيضا من ارتفاع ملحوظ في العنف المنزلي وتحديات الصحة والسلامة..الخ. راجع تقرير البنك الدولي المعنون:"المرأة والأعمال والقانون في 2021". والتقرير متوافر على الرابط التالي: https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/35094/9781464816529.pdf

[2]  إذ من المتسغرب تقبل بعض النساء لتلك المظاهر، بحجة أنهن اعتدنا على تلك الممارسات. ومن المؤسف أيضاً أن الكثير منهنّ لا تعرف شيئاً عن مجرد استغلالها. وهنا قد تطرح كثير من علامات الاستفهام حول فيما إذا كان يحق للمرأة (انطلاقاً من مبادئ حقوق الإنسان) قبول انتهاك إنسانيتها؟

[3]  وانطلاقاً من ذلك، يجب التدبر في كيفية استخدام مصطلحات مثل الأنوثة والهوية والشرف والرجولة...الخ.

[4] ومن الجدير ذكره هنا أهمية عدم تعميم النظرة الذكورية للمرأة في الحقل الفلسفي، إذ على سبيل المثال قدم الفيلسوف العربي ابن رشد رؤيةً إنسانية لا تقل أهمية عن كل الطروحات المعاصرة المرتبطة بحقوق المساواة الجنسانية. حيث يؤكد على عدم وجود أي اختلاف بين المرأة والرجل سوى بالدرجة لا في الطبع(الاختلاف الجسدي)، وليس من الممتنع وصولُهن إلى الحكم، إذ أن المرأة والرجل نوع واحد، وأنه لا فرقَ بينهما في الغاية الإنسانية.

[5] فإذا تم منهجياً تجاوز تأثير الرأي العام غير المنطقي، وفي حال تم التدقيق العلمي في التاريخ الفلسفي (القديم والمعاصر) وفقاً لخصائص وشروط محددة،  فإننا لن نجد فيلسوفة واحدة.


For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com