‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحوكمة المستدامة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحوكمة المستدامة. إظهار كافة الرسائل

2025-05-17

Homoploutia: ما بين الفكر السياسي والفكر والاقتصادي

 


د. سلام الربضي

تثير التغيّرات العالمية السياسية والاقتصادية والتكنولوجية العديد من علامات الاستفهام حول إشكالية العلاقة بين عالم العمل والتنمية المستدامة ورأس المال. على سبيل المثال، واقع الاقتصاد الزراعي بات مرهون للاستثمارات في الأراضي الشاسعة واﻻﺑﺘﻜﺎرات اﻟﺘﻜنولوجية اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ الشركات عبر الوطنية، أي أنها عملية الإلغاء التدريجي لنسق الإنتاج الزراعي التقليدي، حيث يخسر المزارع هويته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية كمنتج وكعامل، ليتحول لمجرد مستهلك. وهذا الواقع يستوجب طرح التساؤل التالي: 

هل سيؤدي تطور الاقتصاد والتكنولوجيا إلى تحقيق التنمية المستدامة المجتمعية الجوهرية؟

من حيث المبدأ، المفهوم الواسع للعمل لا يقتصر على الوظيفة، بل يتجاوزها إلى تعميق الصلة بمفهوم العمل المستدام القائم على توسّع سياسات فرص العمل وصون حقوق العمال ورفاهيتهم ، والتي تكون قادرة على مواجهة التحديات المرتبطة بجدلية الفجوة بين رأس المال وفقر العمال أو بإشكالية العلاقة بين الرأسمالية والبروليتاريا، حيث باتت الشكوك تزداد فيما يتعلق بإمكانية تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. وانطلاقاً من ذلك، لم يعد مقبولا ً التعاطي مع الواقع المتأزم لأسواق العمل، من منطلق الرفض القائم على اعتبارات أيديولوجية  فقط، دون وجود رؤية عملية. فأكثر ما يقلق قوى السوق هو اضطرارها إلى تحديد موقف من مشروع عالمي مستدام اجتماعياً.

 في هذا الإطار، هنالك تحركات عمالية واجتماعية ذات تأثير وتعمل على مواجهة المنظومة الرأسمالية وخلق حالة من الاستقلال النسبي عن قوى رأس المال. على سبيل المثال، يمكن اعتبار المفاوضات المستمرة داخل منظمة التجارة العالمية المتعلقة بمنح عمال الدول النامية حرية تنقل أكبر في أسواق الدول المتقدمة، خطوة إيجابية على صعيد :

  1. ترسيخ حقوق العمال وزيادة مكاسبهم.
  2. إعادة التوازن بين رأس المال وعالم العمل.

 على الرغم من أنه لم يتبلور حتى هذه اللحظة أي بديل استراتيجي يمكن أن يقارع النمط الرأسمالي السياسي والاقتصادي السائد، لكن يمكننا القول أن هامش الحركة المتاح للمجتمع هو دائماً أوسع بكثير من ذلك المتاح للاقتصاد. فالتأثير الاقتصادي في تكوين وتكييف المجتمع منطقي وفاعل بشكل كبير، ولكنه حتماً لا يستطيع أن يحدّده. وبالتالي يمكن إعادة بناء المجتمعات وفقاً لرؤية سياسية واقتصادية مستدامة، تكون بالحد الأدنى قادرة على الإجابة عن التساؤلات التي تدور حول جدلية: 

 لماذا هنالك الكثير من الأفكار عن كيفية توزيع الدخل وليس عن كيفية توليد الدخل؟

 في هذا السياق، حتى إذا قررنا تجاوز جدلية كيفية توليد الدخل وحاولنا تبني اطروحة توزيع الدخل، فأننا لا نستطيع تجاهل إشكاليات عدم المساواة الحديثة القائمة على:

1-        توسع حجم رأس المال الخاص وزيادة دخل الأغنياء بشكل غير متناسب. فالفجوة بين هؤلاء وبين طبقة العمال عميقة للغاية وهنالك صعوبة في ردمها.

2-       عدم المساواة النظامية : "Homoploutia"  حيث بتنا نلحظ اتساع نطاق شريحة الرأسماليين الأثرياء والعاملين بأجور مرتفعة(مثل الرؤساء التنفيذيين، محللين ماليين، أطباء، رياضيين، مشاهير، أشخاص ورثوا الكثير من الأصول...الخ). إنها نخبة رأسمالية جديدة وهي من بين أغنى الرأسماليين وأغنى العمال كذلك.

 منطقياً، من غير المحتمل أن يتم تقليص تلك الفجوات بسهولة نتيجة التطورات الحاصلة على صعيد الذكاء الاصطناعي التي تؤدي إلى تقليص العمالة وزيادة الحصة المتراكمة في رأس المال. وإذا كان الحل الوحيد لتلك المعضلات يكمن في توزيع أكثر عدالة لرأس المال الخاص عن طريق زيادة نسب الضرائب المرتفعة أو الالتزام برفع معدل تشغبل الأيدي العاملة. ولكن عملياً على المستوى السياسي لا يوجد أي تحرك ملموس في هذا الاتجاه سواء في الاقتصاديات المتقدمة أو حتى الناشئة. وهذا الواقع، يستوجب يطرح علامات استفهام حول:  

 كيف يمكن سياسياً الاستفادة القصوى من الفرص الاقتصادية والتقدم والتكنولوجي بطريقة تلفت الانتباه إلى مصلحة المجتمعات والفئات المحرومة؟

 إذ إن التحديات الساسية تكمن في كيفية غربلة الأغنياء ومواجهة الفجوات التي تمتاز بها الاقتصادات، وهنا يستوجب الاعتراف بأنه لن يتم القضاء على الفقر دون وجود فكر سياسي، إذ أن طبيعة المنظومة الاقتصادية تتأثر بشدة بالاستراتيجيات السياسية القادرة على تغيير هيكلية الأسواق بشكل جذري، والذي يمكن أن يسمح بالحد من تلك الفجوات وتحقيق المساواة، وبالتالي تمكين جميع الطبقات والمجتمعات الاستفادة من النمو الاقتصادي المستدام.

 على نور ما تقدم، يتضح أن التعامل مع قضايا التنمية المستدامة من قبل الاقتصاديين والتكنوقراط على أساس أن لا علاقة لها بالأفكار السياسية وفلسفة الحكم، وكأنها ليست أكثر من تمارين في الاقتصاد التطبيقي، أمر في غاية الخطورة. فقد حان الوقت كي يتم الجمع بين الفلسفة السياسية والاقتصادية، وذلك من أجل أن تصبح الدول أكثر إنتاجاً لجودة المجتمعات المستدامة بشرياً بدلاً من تنمية الأشياء. وفي المحصلة، وانطلاقاً من مبدأ التفاعل النقدي مع الليبرالية الاقتصادية والتطور التكنولوجي لا بد لنا من طرح الإشكالية السياسية الجوهرية والقائمة على التساؤل التالي:

 كيف يمكن مكافحة الوجود الفعلي والارتجاعي للفقر واللامساواة بدلاً من التلطي وراء بيانات واحصاءات مالية جافة تشير إلى الفوائد المزعومة للنمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي؟

 


2025-02-03

رأس المال المعرفي العربي وإشكاليات الكتلة الحرجة

 



د.سلام الربضي

تواجه جميع الدول في عالمنا العربي على مستوى تكوين رأس المال المعرفي معضلات معرفية معقدة ومركبة. فعلى الرغم مما حصل من تقدم ملحوظ على صعيد مؤشرات نشر المعرفة في المجتمعات العربية، ولكن يجب عدم تجاهل كثير من الحقائق التي تستدعي قراءة دلالاتها بتأني وتروي. فوفقاً للتقرير الاقتصادي العربي (الصادر عن صندوق النقد العربي 2022)  تبلع  نسبة الأمية في العالم العربي بنحو 25% والتي تعتبر الأعلى في العالم( باستثناء أفريقيا جنوب الصحراء بنحو 34%)  حيث هنالك ما يقرب من 70 مليون أمي عربي، وهنالك ما يقرب من 15 مليون طفل خارج أي نظم تربوية.

وإذا أردنا تأطير واقع رأس المال المعرفي العربي بشكل أكثر دقة وعدم الاكتفاء بالمؤشرات الكمية فقط، هنا يجب علينا لفت الانتباه إلى المعضلات المرتبطة بكل من :

·         تخمة امتلاك تخصصات مقابل الشح في تخصصات أخرى(تحديداً العلمية منها).

·         الجدوى الفعلية لظاهرة انتشار وجود جامعات كفروع لمؤسسات تعليمية أجنبية.

     وبناء على ذلك، يمكننا طرح الإشكاليات المتعلقة باستراتيجيات التعليم القادرة على مواكبة متطلبات اقتصاد ومجتمع المعرفة، وذلك وفقاً للتساؤل التالي:

هل السياسات والمنهجية التعليمية في العالم العربي تستطيع تكوين الكتلة الحرجة من راس المال المعرفي القادر على تلبية الاحتياجات الفكرية والثقافية للمجتمع أو  الاحتياجات الاقتصادية لأسواق العمل؟

على الرغم من جميع الجهود المبذولة للنهوض على هذا المسار، وعوضأ عن الاكتفاء بتحسين المؤشرات الكمية فحسب، يبدو أننا لا نزال بعيدين بأشواط عن الاستجابة للمعايير العالمية لتكوين الكتلة الحرجة من رأس المال المعرفي النوعي. إذ هنالك شكوك عميقة حالياً حول القدرة على خلق فضاءات ديناميكية وابتكارية ونقدية نستطيع من خلالها تكوين تلك الكتلة الحرجة من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة أو الأزمات السياسية والفكرية المستعصية في العالم العربي.

     وعليه، من حيث المبدأ يجب الاعتراف بحقيقية أنه لا يمكن تكوين رأس مال معرفي رصين وراسخ، دون وجود رؤية واضحة لهوية ذلك المواطن العربي المراد تكوينه معرفياً. وهنا تبرز أهمية الدور القاطع للقيادات السياسية والنخب الفكرية الذي تستطيع القيام به لإعادة هيكلة جميع المفاهيم والاستراتيجيات والممارسات، المرتبطة بصيرورة إنتاج وتكوين الكتلة الحرجى من رأس المال المعرفي.

     وفي هذا السياق، للتدليل على مدى هشاشة استراتيجيات المعرفة العربية وغياب الرؤية على المستوى السياسي المرتبط بالأداء المعرفي، ما علينا سوى طرح المعضلات التالية:

-         ضآلة حجم الإنفاق العربي الحكومي على الأبحاث العلمية، والتي باتت جزء أساسي من قوة الدول الناعمة: فوفقاً لتقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ((UNESCO لا يتجاوز إجمالي الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي نسبة 0.59% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع المتوسط العالمي الذي يبلغ 2.3% تقريباً.

-         الشح في دعم إنتاج الكتب أو قرائتها: حيث يُنتج العالم العربي أقل من 1% من الإنتاج العالمي للكتب(على الرغم من أن نسبة السكان العرب تبلغ حوالي 5.5% من سكان العالم).

-         ضعف نوعية الكتب المنشورة ومحدودية قاعدة القراء الفعليين باللغة العربية: حيث للأسف الشديد يقرأ المواطن العربي فقط ما معدله 6 دقائق سنوياً، مقارنةً بـ200 ساعة سنوياً للفرد الأوروبي.

وبالإضافة إلى ذلك، ونتيجية البيئة السياسية والفكرية الغير قادرة على الحفاظ على المواهب والمبتكرين او استقطابهم، يوجد في العالم العربي أعلى النسب العالمية على مستوى هجرة العقول والمهارات، كما أن معظم الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى أوطانهم (خاصة أصحاب شهادات الدكتوراه).

وفي المحصلة، هذه المعضلات والإشكاليات تؤكد حتماً الحاجة الماسة لزيادة الاستثمار في الرأس المال المعرفي المرتبط بالبحث العلمي. وهنا علينا أيضاً أدراك خطورة الاقتناع بجدوى السياسات العامة المتعلقة باستيراد المعرفة والتكنولوجيا بالمال، دون وجود بيئة سياسية تمكينية مرتكزة في الأساس على:

1.       توطين الفكر العقلاني والنقدي.

2.       عوامل خلق الأبداع والابتكار.

     وبناء على ذلك، ستبقى الرؤى السياسية هي بالدرجة الأولى القادرة على خلق بيئة داعمة لتكوين وترسيخ الكتلة الحرجة النوعية من رأس المال المعرفي الحقيقي، والتي من حيث المبدأ يجب أن تستند على:

-         فلسفة العلم والعقد الاجتماعي الداعم لدولة القانون واحترام التنوع.

-         التحديث السياسي والثقافي والاقتصادي.

على نور ما تقدم، وبعيداً عن ولع المغلوب بتقليد الغالب، من الضروري التأكيد على أنه لا يمكننا تحقيق أي اختراق نوعي واستراتيجي على مستوى كيفية تكوين تلك الكتلة الحرجة دون وجود استراتيجية سياسية جادة تخولنا الانخراط والاستثمار في هذا النسق من رأس المال المعرفي الذي يكون قادر على استيعاب حاضرنا ومستقبلنا استيعاب عقلي ونقدي، والذي نستطيع من خلاله تجاوز تبعيتنا المعرفية، سواء كانت تكنولوجية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، وحتى ترفيهية ورياضية.

 


2022-12-17

كريستيانو رونالدو وكرة القدم والحوكمة المستدامة

 


د.سلام الربضي \ مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

 لقد تخطّى واقعنا المعاصر المعايير الكلاسيكية التي تتّسم بها أطر العمل السياسي والاقتصادي والثقافي، وذلك نتيجة طبيعة المعضلات العالمية البالغة التعقيد، والتي لم يعد ممكناً إيجاد الحلول لها من خلال مفاهيم وآليات الحوكمة المستدامة التقليدية. وبناء على هذا الواقع يمكن طرح الإشكالية التالية: هل يمكن على صعيد الحوكمة المستدامة إيجاد نسق ثقافي جديد يساعد على خلق آليات ضغط وتأثير تكون قارة على المساعدة في مواجهة التحديات العالمية المعاصرة ؟

من الواضح أن القضايا العالمية بأبعادها الإنسانية والسياسية والاقتصادية باتت بحاجة لوجود نسق ثقافي جديد، الذي يجب أن يرتكز على القواعد التالية:

1-      تغيير طريقة فهم سلطة وسيادة الدولة.

2-      العمل على إيجاد تأثير سياسي ملموس.

3-      خلق ضغط اقتصادي حقيقي ومباشر.

4-      إيجاد سلطة فعلية للأفراد الفاعلين.


وعليه، هذا النسق الجديد الذي يرتكز على محورية الفرد، يجب أن  يكون أداة تحفيز تساعد على أدراك أن الالتزام الأخلاقي ضرورة ملحة للغاية، حيث أصبحت الصورة والسمعة الأخلاقية أحد أهم الأصول الثابته وأكثرها حساسية على مستوى رأس المال البشري والاجتماعي. وبالتالي هذا يستوجب من القوى السياسية والاقتصادية إعادة تقيّم سياساتها بما يتلائم مع الحوكمة المستدامة الأكثر إنسانية. ولتوضيح مدى قدرة الأفراد على إحداث نوع من التغيير الذي يمكن الاستفاده منه على مستوى الحوكمة المستدامة، يمكن الإشارة إلى التأثير العالمي للاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو، والذي يُعتبر نموذج يؤكد على إمكانية الأفراد المؤثرين وضع كثير من القوى في موضع المساءلة والمحاسبة. وهنالك الكثير من الأمثلة التي تؤكد ذلك، ومنها:


1-      في بطولة أوروبا لكرة القدم عام 2020 ، أزال رونالدو في مؤتمر صحافي مشروب كوكا كولا (الراعي الرسمي للبطولة) من أمامه للتشجيع على شرب الماء للحفاظ على الصحة. مما أدى إلى انخفاض قيمة أسهم الشركة وتعرضها لخسائر بلغت نحو 4 مليارات دولار.

2-      تعرضت أسهم نادي مانشستر يونايتد في البورصة إلى خسائر مالية نتيجة التصريحات الناقدة بشدة لأدارة النادي من قبل كريستيانو رونالدو في تشرين الثاني 2022، ناهيك عن اهتزاز صورة وسمعة النادي مما أدى إلى تصريح مالكين النادي عن وضع فكرة بيع النادي ضمن أولوياتهم.

3-      ارتفاع قيمة أسهم نادي مانشستر يونايتد في البورصة بما يقارب 212 مليون جنية استرليني بمجرد الأعلان عن التعاقد مع كريستيانو رونالدو في آب 2021

4-      لقد اختيرت جزيرة ماديرا مسقط رأس كريستانو رونالد باعتبارها "أفضل جزيرة في أوروبا" بين عامي 2013 _2021 (باستثناء عام 2015) ، بالإضافة إلى "أفضل جزيرة كوجهة سياحية في العالم" في الفترة 2015 _2021. وذلك نتيجة التأثير الإيجابي لشهرة الاعب البرتغالي على السياحة. حيث ويتضح أن الفترة الزمنية التي حصلت فيها ماديرا على هذه الجوائز تتزامن مع زيادة كبيرة في عدد متابعي CR7 على شبكات سائل التواصل الاجتماعي.

5-      الحسابات الشخصية لكرستاينو رونالدو هي أكثر الحسابات تأثيراً ومتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي من حسابات المؤسسات والحكومات أو القيادات السياسية أو حسابات الشركات والمنظمات الخاصة. فمثلاً، مع نهاية تشرين الثاني من العام 2022، تخطى عدد متابعي كريستيانو رونالدو عن نصف مليار نسمة على منصة الانستغرام فقط.


انطلاقاً من ذلك، ووفقاً لإستراتيجية واضحة المعالم، يمكن أن تتعاون الدول والأمم المتحدة وكافة المؤسسات والمنظمات المعنية بالحوكمة المستدامة مع كريستيانو رونالدو، وجميع الأفراد الأخرين المؤثرين، وذلك عن طريق استغلال تاثيرهم ونفوذهم على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل الوصول إلى المزيد من الحوكمة المستدامة الأكثر فعالية. بما في ذلك تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 (SDGs) التي تشمل تحقيق السلام والعدل وبناء المؤسسات القوية، مكافحة التغير المناخي والقضاء على الفقر، الحد من أوجه عدم المساواة،...الخ.


وفي هذا السياق، يبدو أن أكثر ما تخشاه قوى الفساد والاحتكار حالياً هو مواجهة ذلك النسق من المعايير الجديدة التي تتجاوز رتابة وعدم فعالية المعايير السياسية التقليدية. فإذا كانت القوى السياسية غير قادرة أو عاجزة بقصد في مواجهة نفوذ تلك القوى، يمكن للأفراد، كمستهلكين وكمستثمرين وكمواطنين، فعل ذلك وعلى نحو عملي وأكثر إيجابية، مقارنة بما تستطيع السلطات السياسية فعله أو ربما عدم رغبتها في فعله. ولأن شبكات التواصل الاجتماعي باتت تشكل إحد أهم مميزات العصر الحالي على صعيد التأثير والضغط العابر للحدود، فهذا يؤكد على أهمية الاستفاده من دور الأفراد المؤثرين على مستوى إمكانية تحقيق الحوكمة المستدامة بكافة تجلياتها. إذ أن تأثير هؤلاء الأفراد سيكون حتماً في المستقبل جزءاً مهماً من المشهد الثقافي والسياسي والاقتصادي العالمي.


وبالتالي، وفي إطار التحولات الجذرية الحاصلة على مستوى  المعايير وأكثر الأساليب السياسية تأثيراً، وفي مقدمتها سيطرة أيدلوجية الأعلام والشهرة، يجب عدم الاكتفاء باستخدام المصادر التقليدية للحصول على النفوذ والتأثير. فهنالك المصادر الناعمة -إذا جاز التعبير- التي بات لها قدرة كبيرة على التوجيه والتأثير. وربما تكون هنا كرة القدم من أكثر المجالات الناعمة قدرة على صناعة التأثير على المستوى العالمي.


على نور ما تقدم، وانطلاقاً مما تحمله كرة القدم من إرث ثقافي شديد التعقيد على صعيد اتساع الترابط بين كرة القدم والقضايا السياسية والثقافية المعيارية وارتفاع وتيرة وحدة التحديات الجيوسياسية بين الدول، لا بد من طرح كثير من علامات الاستفهام حول إن كان هنالك ما يمكن تسميته ”الرياضة البحتة” البعيدة عن أي هيمنة أيدولوجية، بما في ذلك محاولة ترويج أجندة ثقافية وسياسية بل ومحاولة فرضها على كافة المجتمعات. وهذا فعلاً ما يمكن استنتاجه بكل سهولة من خلال تتبع جنيع  الإشكاليات الثقافية والسياسية التي رافقت استضافة قطر لكأس العالم في تشرين الثاني| نوفمبر 2022 .


الخلاصة أن التنافس الجيوسياسي القائم حول كرة القدم سيظل قائماً لاعتبارات كثيرة وثيقة الصلة ببنية النظام العالمي الراهن، ومحاولة الغرب عموماً إثبات مكانته. وبالتالي، وفي خضم صيرورة الشكوك الديمغرافية والاقتصادية والثقافية التي باتت تحيط بكثير من معالم النظام العالمي التي لن تقف عند التخوم السياسية وحسب، بل ستصل حتماً إلى عالم الرياضة، وعلى وجه التحديد في كرة القدم. وهنا لا بد من التساؤل:

  ما مدى إمكانية حصول حوكمة مستدامة على الصعيد الرياضي العالمي وتحييده عن التاثيرات السياسية؟

إلى إي مدى يمكن أن يتحمل الأفراد المؤثرون المسؤولية الأخلاقية ويتبنوا أفكار الحوكمة المستدامة، بدلاً من الاندماج في منظومة استثمارية وتسويقية عالمية لا غاية لها سوى تحقيق الأرباح المالية ونشر ثقافة الاستهلاك وتشيء الأشياء؟




For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com