2011-11-15

النزعة الكوزموبوليتانية في الحقل البيئي







سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية.

يجب إن لا تكون النزعة الكوزموبوليتانية في الحقل البيئي ، مجرد شكل من أشكال الأممية، تحت مقولة إنقاذ كوكب الأرض. فقد يؤدي ذلك، إلى تعارض مع مصالح النزعة المحلية، وقد لا يكون من الممكن إقناع أحد، بوجود اهتمامات يجب أن تكون لها الأولوية، أكثر بعداً من الناحية التجريبية.أيضاً، ذلك يصح بالقدر نفسه، في الحالات السياسية الثقافية، الأكثر صعوبة. والتي توجد فيها أنواع مختلفة من المخاوف البيئية، على اعتبار أن مسببات المشكلات البيئة، معقدة للغاية، ومفتوحة أمام اجتهادات الجدل والاختلاف.


وفي السياق العالمي البيئي،لا بد من طرح فكرتي المواطنة السياسية والحيز العام، وهذا يتطلب الحاجة إلى حلول سياسية شاملة، مما يطرح التساؤل:


عما إذا كان يتعين علينا، النظر إلى أنفسنا بصفتنا مواطنين عالميين؟ أم مواطني دولة قومية؟ أم يجب علينا التعامل مع الإشكاليات البيئية من منطلق واقع طبيعة القضايا المطروحة ؟



وفقاً لذلك، يمكن اعتبار الروابط المحلية والعالمية، تشكلان عناصر رئيسية، سوف تؤثر في فكر وممارسة، السياسة البيئية في العقود المقبلة.ومع أن هاتين الرابطتين تمثلان اتجاهات مختلفة في السياسات البيئية، فإنه يمكن توقع حدوث ثلاث تطورات :



أولاً : زيادة حدة الصراع والنضال من أجل الموارد على الصعيد المحلي. نتيجة لتعاظم توجهات السوق والدولة من أجل تنمية الموارد. ومع تكثيف المفاوضات حول قضايا الأرض، سوف تحتل هذه الاتجاهات موقعاً مركزياً على جدول أعمال السياسات البيئية.


ثانياً : مع زيادة حدة التنافس، يٌرجح تزايد توجه الفاعلون بالسوق والسياسة، نحو التفاوض والتعديل، في قضايا الاهتمام البيئي. فمثلاً، أعادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الدولي، تعريف سياساتها بصورة جوهرية، فيما يتعلق بمسائل الإقراض، وإعادة التوطين، بما يتلائم مع بعض المسائل البيئية. كذلك، نلاحظ ظهور ترتيبات مؤسسية بيئية عالمية، أمثال، اللجنة العالمية للسدود، حيث يجتمع الفاعلون في السوق والسياسة وهم:

1- شركات القوة الهيدروليكية الأساسية.


2- ممثلي الدول .

3- الفاعلين في الحركات البيئية.


للتفاوض حول أطر ومعايير مقبولة، لاستثمار موارد المياه وتنميتها. فالضغوط التي توضع على كاهل السياسة والفاعلين من أجل تعديل الاهتمامات البيئية، يمكن أن تسفر عن ظهور مؤسسات أفضل، لتقييم حجم المخاطر البئية وأثرها، فضلاً عن تخفيفها والتعويض عنها.

ثالثاً : يجدر توقع درجة معينة من النزعة المهنية، في القضايا والاهتمامات البيئية. فعلى الرغم، من دينامية القوة التي تستلزمها السياسات البيئية، في مواجهة المصالح المحلية. يمكن، رؤية التضافر بين الاهتمامات البيئية للمواطنين، على نطاق واسع، يتجاوز مجرد سياسة خطر فقدان موارد الرزق، إلى قضايا مثل: تلوث الهواء والمياه، وقضايا الصحة، والحق في الحصول على المعلومات، والحق في المشاركة.

رابعاً: عملية التفاعل التي تقع في المجتمع المدني وحركاته في مجال حقوق الإنسان، من المرجح، أن تغطي أوجه التشابه والمقاربات في الاتجاهات المستقبلية. وقد يثمر عن ذلك، تشكيل جماعات، تضم اهتمامات بيئية من منظور حقوق الإنسان.


تؤكد المناقشات المعاصرة حول البيئة، عدداً من المجالات الحيوية. فلا بد، من البدء برؤية كيف يجب على الاستراتيجية البيئية العالمية، من منظور كوزموبوليتاني، أن تحول السياسة الدولية والعلاقات بين الدول، وأيضاً داخلها، إلى عدم تجاهل دور البناء البيئي الثقافي، في سلوك الدول؟؟

وهذا يتطلب مستقبلاً من الناحية الاستراتيجية، التقليل من التشديد المفرط على القدرات العسكري، والتفوق الاقتصادي والسياسات الأمنية، على حساب الجوانب الآخرى من الضمانات الإنسانية البيئية الايكولوجية، والملاءمة الأخلاقية للقضايا العالمية، التي تؤثر في الأمن العالمي.

2011-11-01

الانعطافة الفضائيّة للثورات ومفهوم المواطن العربي الإنساني






سلام الربضي 

  باحث أردني في العلاقات الدولية مقيم في بيروت
   
صحيفة المدى \ بغداد
    30\10\2011


http://almadapaper.net/news.php?action=view&id=52260


توحي الثورات العربية والأحداث التابعة لها، بأن الانعطافة الفضائية - وإن  كانت من الممكن أن تكون ذات طابع مفهومي مجرد لدى بعض الدوائر الأكاديمية -  تعتبر عنصراً حاسماً في انبعاث التنافسات حول إنتاج الفضاء الفكري  للثورات. وبالتالي سوف تبقى فضائيات الجغرافيات الثورية، مهيأة لأن تكون  أكثـر الموضوعات الأكاديمية جاذبية. فالفكر الفلسفي، هو الأقدر على معالجة  الأسئلة المصيرية، من الهوية والتاريخ والدولة والسلطة، وهو قادر على تكوين  الرؤية الشاملة، للإنسان والحياة العربية.


وقد يقرأ البعض هذا المقال، على أنه مجرد استمرار للالتزامات الواضحة، التي ثابتها نزعة يوتوبية جديدة، ذات طابع مثير وإن كانت مبهمة. ذلك أن إطلاق العنان للخيال السياسي والشخصي، إنما يعبر عن رغبة في أن يجعل الشخص من نفسه، في وضع يسهل نقده، حيث يكتب بأسلوب غريب عن الواقع، ويترك نفسه غير محمٍ، بدرع الاستدلال التحليلي، حيث يطير بمظلة هبوط بعيدة كثيراً، عن أن تكون واقعية مقارنة بالماضي - وهذا صحيح جزئياً ولكن، الأمر أكبر من ذلك بكثير - إذ إن نقد ماضينا وواقعنا هو حاجة ماسة، لاكتشاف طرق خلاقة لإعادة فتح الطريق المسدود. ومنطقياً، يعتبر ذلك، إدراكا حصينا، يستجيب للمطالب الصاخبة والمتزايدة، التي تنادي بإيجاد البدائل. وإذا كان ذلك هو في الوقت نفسه، تكرارا لاهتمامات سابقة، ومساهمة مهمة في البحث الجمعي، عن لغة تحمل إلينا المستقبل المحتمل، بوصفه مشروعات فضائية رحبة، فمن هذا المنطلق، قد يكون مسار هذه الدراسة - ولو مؤقتاً - على الطريق الصحيح حتى إشعاراً آخر.

فمسألة كيف يمكن للتغير التاريخي الأساسي أن يحدث؟ هي المعضلة الكبرى بالنسبة للنظرية السياسية الثورية، ولعله، أمر مفهوم أن تتخذ تلك المسألة، صورة للنزعة التفاؤلية الحكيمة للعقل. فالتغير الجغرافي والتاريخي - وبعيداً عن إشكالية البيضة أم الدجاجة -  بإمكانه تحويل وعي المجتمع، ولكنه يلزمه حدوث تغير سياسي، في الأشخاص والجماعات، حتى يمكن صنع الجغرافيات الفضائية الجديدة. 

فالتغيرات الثورية الحالية كانت بدايتها، عبارة عن انتفاضات تلقائية، تعبر عن إرادة حركة واسعة المدى، من المقاومة غير العنيفة. على الرغم، من أن كيفية حدوثها على وجه الدقة، ظلت غير معروفة. ولكن، ثمة شيئاً واحدا واضحا، هو إنه رغم الهمسات التي تدور حول العكس، فلم تكن الثورات الأخيرة في الوطن العربي من تدبير منظمين ثوريين. فالتشدد في التعامل مع الثورة، يمكن أيضاً، أن يمثل انحناءة متواضعة لحقائق الحياة، والأمر يتطلب بكل تأكيد شحذ كل مهاراتنا وخيالاتنا، لكي نصوغ لغة، نستطيع من خلالها، أن نضع التغير الثوري داخل الإطار الفكري، ونظل مع ذلك موضع تصديق.

أليست الثورة هي مادة التواريخ الماضية، أكثر مما هي مادة جغرافيات المستقبل؟ فهل هناك فعلاً بديل؟ ولعل الحرج العام الحالي الذي يجد الخطاب الثوري نفسه فيه، مصدره ليس شيئاً من قبيل الاستحالة الفطرية لتحقيقه، بقدر ما هو في مدى نجاح الأيديولوجيات الجديدة للحرية، التي تم كشفها وتحديها؟

فالفضاءات الخاصة بهذا النوع من الثورات ليست جزءاً فارغاً - ولن تكون كذلك - إذ أن الأمور يمكن بالفعل أن تكون مختلفة جذرياً عما هي عليه حالياً. وهذا يمثل فضاءً للأمل حقيقياً للغاية. فليس أمامنا أي خيار، سوى أن نقيم داخل تلك الفضاءات، ونحن نبحث بكل قوة عن الوسائل، التي تتيح لنا أن نعيد ملء وتخيل اختراع، مستقبلاتنا العربية الخاصة. 

فمن عادات الثورات أن تطيح بالعقبات التي تقف في طريقها، وليس معنى ذلك بأي حال، أن الثورة أياً كانت، تقدم الخلاص الوحيد الممكن. بل على العكس من ذلك، فمن دون أن نضفي أي طابع رومانسي على الثورة، فإن تصور أن التغير الثوري، من شأنه أن يكون خيراً على نحو تلقائي، هو مسألة لا يمكن ضمانها، وأن الأمر يتطلب جهداً ضخماً لإطلاق العنان، للخيال الفضائي الفكري السياسي في هذا الاتجاه.

وإذا كان هذا هو الوقت الملائم لتبني أفكار إيجابية حول إمكانات التغير، فإن إطلاق الخيال حول التغير الثوري وحول كيفية تشجيعه، إنما هو بالتأكيد جزء من هذه العملية. فإنتاج الفضاء هو في حد ذاته، الشيء الرئيس الذي علينا أن نفعله بشكل مختلف في عالم ما بعد الثورات. 

وأياً كانت اللغة الفلسفية الغالبة، فإن تلك التنظيرات ذات الطابع الفضائي المستلهمة، هي لحظة فضائية، بقدر ما هي لحظة تاريخية- وإذا كان الاهتمام ما زال أكبر، في مجال السياسة، منه بالنسبة لمفهوم الفضاء - لكن كي نفهم عالمنا العربي الذي نعيش فيه الآن، علينا أن نتعامل مباشرة مع الدعائم النظرية المتنوعة، وتوجيه الميول الفلسفية والنوازع السياسية نحو اكتشاف الفضاء، في إطار عملية التنظير السياسي، للقفز إلى المستقبل المحتمل، في ظل حالة من الفوضى الثورية الشاملة.

ومحاولة استعادة مفهوم المواطن العربي الإنساني بوصفه المفهوم المركزي في مسألة البدائل السياسية، هي محاولة مختلفة تماماً لحل المعضلة الخاصة بالتغيرات الثورية. ويمكن القول، أن هذا المفهوم يتميز بشيء متعلق بتفاؤل العقل، ونقد مضمر للدعاوى المثالية، الخاصة بالمحلية، وأصبح أمراً لا بد منه، في النظريات الاجتماعية والثقافية والسياسية لمواكبة ومواجهة جنوح الثورات العربية، التي يلاحظ في سوريا - على سبيل المثال - تجاوزها الخطوط الحمر من خلال نشر ثقافة الكراهية والعصبيات الطائفية، مدعومة من نظم عربية أكثر تسلط من غيرها.

فالطبيعة الفضائية لمبدأ مفهوم المواطن العربي الإنساني، هي لحظة إنسانية، وليست لحظة نهائية أو لحظة وحي أو حقيقة مطلقة. بل هي بالأحرى، لحظة قرار وجودي، ونوع من التمتع بالوضوح الجذري، الممتزج بالفعل السياسي. ومفهوم المواطن العربي الإنساني، يزودنا بمدخل إلى البحث العلمي، فيما يجعلنا مواطنين، وإلى العلم بصورة أهم، من حيث هو يشكل الإطار للمستقبلات المحتملة. والمفهوم هذا، يخدم من ناحية أخرى، هدفاً هو موضع تساؤل بدرجة أكبر، فمع وجود مفاهيم سياسية كثيرة للغاية في كل مكان، تبرز الحاجة إلى إيجاد شيء ثابت في مكان ما - هذا إذا أردنا أن يكون لنا منظور ما -  ومثل هذا المفهوم، يزودنا أيضاً، بمكان نقف فيه، وسط حالة عدم اليقين التي لا تختص بالحاضر، بل تشمل المستقبل، وربما بدرجة أكبر.  



فالإنسان العربي المواطن، ضرورة ليس فقط، لأنه يصنع نوعه عملياً ونظرياً، وإنما أيضاً لأنه، ينظر إلى نفسه، بوصفه كلياً وبالتالي كائن حر. وليس ثمة شك في أن تحرير عاداتنا ومسلماتنا اليومية، من عنف ورتابة بعض التقاليد، وألوان أخرى من القهر، يحتاج إلى أجيال كي يتحقق. فقد أصبحت فكرة التغير الجذري، أكثر تجريداً مثلما أصبحت الحاجة إليها أكثر إلحاحاً. لكن بإمكان الأشياء أن تتغير فجأة، وهو ما يحدث فعلاً في عالمنا العربي. والثورات تعنينا هنا كثيراً، فالحركة المضادة للتسلط، ليس عليها فقط أن تتجاوز الدعايات الإعلامية، التي تعمل على طمس هويتها وانحرافها عن مضمونها السليم- وهو ما يحدث في سوريا حالياً- لتصبح حركة إصلاحية مقبولة، تتبنى حلول واقعية مريحة. بل عليها بالدرجة الأولى، أن تربط طموحها بإستراتيجية متخيلة من صنعها هي، لتبنى سياسات عامة واستراتيجيات تنظيمية، لإزالة كل تعديات السلطات. وذلك وفقاً لمبدأ الاختيار الديمقراطي، لا بمنطق الفرض واستدعاء الخارج، الذي لا يخدم سوى قوى داخلية أكثر ظلاماً من ظلام السلطات، وقوى خارجية، صاحبة معايير مزدوجة، لا تضع مكاناً لحقوق الإنسان وأوطاننا في أولوياتها، في ظل الحلف الخرافي مع إسرائيل المحتلة، للأرض والحقوق الفلسطينية والسورية واللبنانية.

وهذه التحديات المراد تجاوزها، بحاجة للتعبير عنها من خلال مفردات رصينة، تتعلق بمفهوم المواطن العربي الإنساني، في المجال الجغرافي والفضائي. فالتحرر وخلق المساواة على مبدأ المواطنة، هي نقطة الانطلاق التاريخية والجغرافية، التي لا مفر منها، ويجب وإن تكون هدف هذه الثورات بالمفهوم السياسي الشامل. فالثورات تفتح فضاءات الأمل والأبواب أمام الخيارات والبدائل السياسية، وتضيف الطابع الفضائي على الخيال السياسي، لإعادة افتتاح السياسة، باعتبارها نضالاً حول الفضاء، يفتتح بدوره إمكانات ثورية للتغير، قد لا تكون في نطاق توقعاتنا بالكامل، لكننا سنتقبلها بصورة تجعل تفاؤل العقل، يتحقق من تلقاء نفسه. ولا شيء من ذلك، يمكن أن يحدث من خلال قطيعة ثورية ما.

إذ ثمة ضرورة لإيجاد منظور لثورة طويلة المدى. وكل ما بوسع المرء أن يطمح إليه هو: أن يكون أداة تعويض، أو أن يكون طابوراً خامساً داخل النظام، متحفظاً بإحدى قدميه، مغروسة بثبات، في معسكر ما بديل؟

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com