سلام الربضي
باحث ومؤلف في العلاقات الدولية
صحيفة السبيل الأردنية
الإثنين, 28 آذار 2011
في ضوء الكشف عن الثروات الطائلة لبعض زعماء وقيادات الدول النامية والإشكاليات المطروحة في نطاق دراسة العلاقة بين الدول النامية والاستثمارالت الأجنبية المباشرة من الخطأ أن يصبح جذب تلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة هدف بحد ذاته، بل من الحكمة أن تسخّر الدول النامية إمكانياتها للاستفادة من تلك الاستثمارات في إطار سياسات التنمية الشامل. ولكن لا يمكن تحديد السياسات العامة الأكثر فعالية لتحقيق تلك الاستفادة بشكل مطلق، بل من الضروري استخلاص العبر من تجارب بعض الدول في هذا الصدد مع الأخذ بعين الاعتبار توخي الحذر عند التطبيق، من منطلق أن لكل بلد إطاراً اقتصادياً وتاريخياً وجغرافياً وثقافياً وسياسياً يختلف عن الآخر.
في سياق هذه الإشكاليات يمكن مقاربة الموضوع من خلال ثلاثة محاور:
أولاً: الدول النامية والقدرات التنافسية التصديرية
يترتب على زيادة القدرة التنافسية التصديرية الناتجة عن الاستثمار الأجنبي المباشر آثار هامة، والبلدان التي حققت أكبر المكاسب من حيث الحصص السوقية هي بصورة رئيسية بلدان نامية. وأصبحت تلك البلدان تنتمي بفضل ما اكتسبته مؤخراً من حصص سوقية إلى البلدان الـ20 الأكثر تصديراً في العالم. كذلك توجد 5 شركات مقارها في اقتصاديات نامية تحتل مكانة في قائمة أكبر 100 شركة في العالم. أي إن هنالك تغيّرات هائلة قد أخذت تحدث في تكوين التجارة العالمية. ويمكن اعتبار ذلك من المؤشرات التي تبعث على الأمل، وهناك إمكانية للتقدم في حال تم استغلال الظروف والإمكانيات استغلالاً جيداً.
احتدام المنافسة يجبر الشركات عبر الوطنية على البحث عن سبل جديدة لزيادة كفاءتها وإمكانياتها، بما في ذلك عن طريق توسيع نطاق وصولها إلى المستوى العالمي، والوصول إلى أسواق جديدة في مرحلة مبكرة وتحويل بعض الأنشطة الإنتاجية من أجل تخفيض التكاليف. وهذا يؤدي إلى اتخاذ أشكال جديدة للإنتاج على مستوى ترتيبات الملكية وترتيبات تعاقدية جديدة. كما أن سياسة الدول الرائجة في عصرنا الحالي من فتح الأسواق المالية والسماح بجميع أنواع الاستثمارات الأجنبية، تساعد الشركات على زيادة استثماراتها في الخارج. بحيث أتاحت استراتيجية الشركات وتغيير النظم الإنتاجية العالمية إمكانات جديدة للبلدان النامية للانخراط في نظم الإنتاج العالمية.
ويلاحظ أن الكثير من البلدان التي حققت تقدماً في الأسواق التصديرية كانت معتمدة اعتماداً كبيرا ًعلى الاستثمار المباشر. وهناك بعض الميّزات النسبية التي تتمتع بها تلك البلدان تلعب دوراً في استقطاب الاستثمار الأجنبي، فمثلاً تتميّز الصين بحجم اقتصادها، أما كوستاريكا وإيرلندا فتتميّزان باتباع سياسات وطنية قائمة على نهج استباقي لاجتذاب الاستثمار الأجنبي في مجال التكنولوجيا الرفيعة المستوى والارتباط بشبكات الموردين الدولية. أما هنغاريا والمكسيك وإيرلندا تتميّز بإمكانية وصولها إلى أسواق رئيسية وبشروط تفضيلية، فمثلاً ميزة المكسيك هي إمكانية التصدير إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفقاً لاتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، ما يجعل المجال كبيراً أمام الدول التي تفرض عليها الولايات المتحدة شروطاً في تجاراتها مثل أن تدخل إلى السوق الأمريكية عن طريق المكسيك وهذا ما تفعله اليابان. وذلك أيضاً ما يحدث في هنغاريا وإيرلندا اللتين كانت تتميزان بحصولهما على شروط تفضيلية في الأسواق الأوروبية، ما جعلهما محط أنظار الكثير من الشركات.
عملية اجتذاب أنشطة الشركات الموجهة للتصدير عملية تنافسية إلى حد كبير. والدول المتقدمة قد تجد صعوبة في إدامة قدراتها التنافسية عندما ترتفع الأجور وتتغير الأوضاع في الأسواق. وهذا ينطبق أيضاً على الدول النامية، فالهند التي استطاعت من خلال مجموعة من المميزات ومنها الأجور المنخفضة أن تكون مصدر جذب من الطراز الأول للشركات عبر الوطنية. ولكن فيما بعد ونتيجة ارتفاع الأجور فيها جعلها تتراجع لتصبح روسيا –محط الانظار– صاحبة الأجور المنخفضة أكثر من الهند.
فالفوائد المستمدة من التجارة المرتبطة بالشركات بدءاً بتحسين الميزان التجاري وتحسين العمليات التصديرية وإدامتها، تساعد على زيادة الصادرات. ولكن في المقابل فإن الشركات الأجنبية تستورد وقد تكون حصائل النقد الصافي بين التصدير والاستيراد صغيرة في بعض الحالات. وقد تكون قيمة الصادرات مرتفعة، ولكن مع تدني مستويات القيمة المضافة تصبح العملية مستقبلياً تحمل في طياتها مخاطر ذات نتائج سلبية.
إذ لا يمكن اعتبار المكاسب الإنمائية الناتجة عن ازدياد الصادرات نتيجة الاستثمار الأجنبي أمراً مسلّماً به، كما أن مسألة الفوائد المستمدة من التجارة المرتبطة بالشركات وتمتع تلك الاستثمارات بالديمومة والاستقرار مقولة قابلة للنقاش. ومن الخطأ أن يصبح جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هدفا بحد ذاته، بل من الحكمة أن تسخّر الدول النامية إمكانياتها للاستفادة من تلك الاستثمارات في إطار سياسات التنمية الشاملة، وفي كثير من الأحيان تتحمل الدول النامية مسؤولية فشل الاستثمارات في تحقيق نهضة اقتصادية نتيجة غياب التخطيط والسياسات العامة.
فالمسألة ليست في اجتذاب الاستثمارات بقدر ما هي كيف يمكن للبلدان النامية المضيفة أن تستفيد إلى أقصى حد ممكن من الأصول التي تتحكم بها الشركات؟
والأمر يعتمد على الاستراتيجيات التي تتبعها الشركات من جهة، وعلى ما يقابلها من قدرات السياسات العامة في البلد المضيف. إذ إن عدداً من المنافع المستمدة على المدى الطويل والتي يمكن عزوها إلى الشركات الأجنبية العاملة في التصدير قد لا تتحقق في البلد المضيف، بحيث من الممكن عدم قيام انخراط بين الشركات الأجنبية والاقتصاد المحلي، وبالتالي عدم قيام الشركات بتنمية المزايا النسبية الدينامية للبلدان المضيفة.
فهناك أولويات مشتركة بين البلدان سواء كانت غنية أم فقيرة أهمها تحسين الصادرات وإدامتها لكي تسهم في التنمية إسهاماً كبيراً. ويجب على البلدان النامية النظر في كيفية التحول في أي صناعة من الصناعات إلى أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى، وهنا يكمن التحدي في كيفية الاستفادة من إمكانيات الشركات لتحقيق التنمية المستدامة. ومن هذا المنطلق يجب أن تكون عملية اجتذاب أنشطة الشركات الموجهة نحو التصدير، تندرج على نحو راسخ في استراتيجية إنمائية وطنية واسعة النطاق، ولا بد من توافر السياسات المتناسقة التي تأخذ بعين الاعتبار أن لتلك الاستثمارات فوائد، إلا أنها تنطوي على تحديات وينبغي النظر إليها باعتبارها وسيلة لتحقيق غاية معينة وهي التنمية.
ثانياً: الدول النامية وجغرافية الاستثمار الأجنبي المباشر
قد يكون ظهور مصادر جديدة للاستثمار الأجنبي من الدول النامية ذا أهمية خاصة بالنسبة للبلدان النامية المضيفة لتلك الاستثمارات ذات الدخل المنخفض. وشركات اقتصادات الدول النامية هي الآن مستثمرة هامة في العديد من أقل البلدان نمواً. ومن تلك البلدان التي تعتمد أشد الاعتماد على الاستثمار الأجنبي المباشر من الاقتصادات النامية: بارغواي، الصين، تايلند، قيرغيزستان، وأيضاً البلدان الأقل نمواً في العالم وهي أثيوبيا وبنغلادش، تنزانيا، ميانمار. ومجمل الاستثمارات الأجنبية بين الدول النامية تتسم بطابع الاستثمارات داخل المنطقة. فمجموع الاستثمار الأجنبي الوارد إلى عدد من أقل البلدان نمواً من قبل الدول النامية يشكل ما يزيد على 40 في المئة من مجموع الاستثمار الوارد لتلك الدول. وحتى عام 1990 لم تكن سوى 19 شركة عبر وطنية من الاقتصادات النامية والانتقالية مدرجة في تصنيف مجلة "FORTANE 500" وما لبث أن ارتفع العدد بحلول 2010 إلى47 شركة.
والشركات الخمس عبر الوطنية من الدول النامية المدرجة على القائمة 100 شركة الرائدة في العالم مقراتها في آسيا وثلاث منها تملكها الدول وهذه الشركات هي :
1- هونغ كونغ Hutchison WhampoaSingtel 2- ماليزيا Petronas
3- سنغافورة
4- كوريا Samsung
5- الصين Citicgroup.
3- سنغافورة
4- كوريا Samsung
5- الصين Citicgroup.
يمكن ملاحظة درجة عالية نسبياً من ملكية الدولة في كبرى الشركات عبر الوطنية من الاقتصادات النامية. وكثير من الشركات الرئيسية التي تملكها الدول قد أخذت تتوسع في الخارج على نحو متزايد خاصة في بعض الصناعات ولا سيما المتعلقة بالموارد الطبيعية، كقيام شركة آرامكو السعودية بشراء حصة بنسبة 25 في المئة من مصنع تكرير النفط في فوجيان الصين، وشراء شركة اتصالات الكويت المتنقلة لشركة سيلتيل انترناشيونل الهولندية أو قيام شركة موانئ دبي العالمية بشراء شركة بي أند أو P&O البريطانية. والشركات عبر الوطنية من البلدان النامية والانتقالية الآن تتنافس نداً لند مع نظيرتها من البلدان المتقدمة في كثير من القطاعات النفط، الغاز، الصناعات التحويلية كالفلزات، الصلب، التعدين. وأيضاً الشركات عبر الوطنية من الدول النامية أصبح لها باع كبير في مجال الصناعات المختلفة كصناعة السيارات والأدوات الكهربائية، الالكترونية، قطاع الخدمات التكنولوجية.
كما أن نصف الشركات البترولية الخمسين الكبرى في العالم هي مملوكة لحكوماتها إما بشكل كامل أو بنسبة الأغلبية ومعظمها في الدول النامية. وتصنيف شركات النفط وفقاً لمعايير محددة يؤكد أن هناك 5 شركات من أصل 10 شركات كبرى في صناعة النفط هي شركات بترول وطنية لكل من السعودية، المكسيك، فنزويلا، إيران. وتقوم بعض الدول النامية بالاستثمار في الخارج أكثر مما تفعله بعض البلدان المتقدمة إذا قيس ذلك كنسبة من تكوين رأس المال الثابت الإجمالي، سنغافورة مثال على ذلك 36 في المئة، تشيلي 7 في المئة، ماليزيا 5 في المئة بالمقارنة مع الولايات المتحدة 7 في المئة، وألمانيا 4 في المئة، واليابان 3 في المئة.
فإذن هل نحن اليوم أمام جغرافيا جديدة لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على نحو قد يكمل الجغرافيا الجديدة للتجارة؟
وإذا كانت نسبة كبيرة من استثمارات الشركات عبر الوطنية من البلدان النامية تدخل في إطار الموارد الأولية فهل نحن أمام معادلة جديدة وهي حالة من التبعية المتبادلة، فتطلب الدول المتقدمه المواد الأولية من الدول النامية، مقابل ما تطلبه البلدان النامية من البلدان المتقدمة من السلع المصنعة والتكنولوجيا؟
ومن المتغيرات الملفتة للانتباه في الاستثمار الأجنبي المباشر، ظاهرة تدويل البحث والتطوير من جانب الشركات عبر الوطنية، وأصبح هناك توّجه الآن يظهر عدداً من السمات الجديدة في عملية التدويل وبصورة خاصة على صعيد أنشطة البحث والتطوير. فالشركات لأول مرة تقوم بإنشاء مرافق للبحث والتطوير خارج البلدان المتقدمة، وتذهب إلى أبعد من مجرد التكيّف مع الأسواق المحلية. فالنشاط في بعض البلدان النامية وبلدان جنوب شرق أوروبا وكومنولث الدول المستقلة، يستهدف على نحو متزايد الأسواق العالمية ويجري إدماجه في الجهود الابتكارية الأساسية التي تقوم بها هذه الشركات.
وعملية تدويل أنشطة البحث والتطوير في البلدان النامية هي أمر يمكن توقعه، وفي ظل زيادة الشركات لنشاطها في الدول النامية، يمكن توقع أن يلي ذلك قدر من البحث والتطوير من منطلق التكيّف. ونشاط البحث والتطوير يعد شكلاً من أشكال أنشطة الخدمات، فهو يتجزأ، ويمكن إجراء أجزاء معينة منه في الأماكن التي يمكن أداؤها فيه بأعلى كفاءة، وهذا ما تقوم به على سبيل المثال شركة موتورلا للبحث والتطوير في الصين، مركز تويوتا التقني في تايلند, مركز البحوث العالمي السادس لشركة مايكروسوف في الهند.
للإفادة من اقتصاد عالمي معولم ومترابط على نحو متزايد، يتعين على البلدان أن تعزز قدراتها على عرض خدمات تنافسية، وأهم إسهام للاستثمار هو جلب رأس المال والمهارات والتكنولوجيا، التي تحتاج البلدان إليها لإقامة صناعات ذات قدرة على المنافسة. وينبغي معالجة قضايا الاستثمار المباشر حسب ما تقتضيه الخصوصية، وليس على أساس مفاهيم مستعارة من نماذج أكثر تقدماً. وإن تقديم الضمانات القانونية، وتحرير الأسواق قد تحتوي وتنطوي على مخاطر. لكن إعادة ترتيب جذرية الأولويات الوطنية للبلدان وتخصيص الموارد وفقاً لزيادة الاستثمار، والعمل على تحسين ظروف الهياكل الاجتماعية على أساس الكفاءة والجدارة، قد يشكلان ميزتين أكثر ملاءمة وفعالية.
ويجب الحذر عند اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر، فالاستثمارات في بعض القطاعات كقطاع الخدمات، قد تكون احتكارات طبيعية كالمرافق العامة، وتكون عرضة لإساءة استعمال القوة السوقية، سواء كانت الشركات محلية أو أجنبية. من هذا المنطلق على البلدان ان تقيم توازناً بين الكفاءة الاقتصادية والأهداف الإنمائية الأوسع نطاقاً، ومحاولة إيجاد توازن بين المحافظة على تطوير واردات الدولة وبين تشجيع الاستثمار والاستفادة منه.
ثالثاً : الدول النامية والاستثمار المباشر وإشكالية الأولوية في التغيير
إن عملية جذب الدول للشركات للاستثمار المباشر، تختلف من الدول الغنية إلى الدول النامية، حيث تعمل الدول المتقدمة على تقديم ما يعرف بالهبات المباشرة في كثير من الأحيان. بينما تلجأ الدول الفقيرة إلى حوافز تخفيض الضرائب. كما أن هنالك ترتيبات تفضيلية، مثل اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع كثير من الدول والتي تعرف باسم اتفاقيات الشراكة، وكذلك مبادرة الولايات المتحدة لحوض البحر الكاريبي. وأيضاً قانون النمو والفرص في افريقيا الصادر عن الولايات المتحدة. ولكن يجب النظر دائماً إلى مثل تلك الترتيبات على أساس أنها منفذاً مؤقتاً وليس دائماً.
التحدي الأكبر يكمن في إمكانية تحقيق تلك الحوافز الفوائد المرجوة؟ وهل يؤدي ذلك إلى خطر إنفاق الأموال العامة؟ وهل هناك خطر من مدى القدرة على ضمان بقاء تلك الشركات في البلد المضيف؟ ومن يضمن بقاءها في حال انتهاء الحوافز أو توقفها؟ أو في حال لم يعد بإمكان الشركات الاستفادة من الترتيبات أو التفضيلات الممنوحه للدول من أجل تشجيعها؟
ومن الممكن استغلال منافع الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تضطلع به الشركات عبر الوطنية استغلالاً أكبر، فلقد بدأت التكنولوجيا تتغير، والعمليات والوظائف قابلة للتجزئة بصورة متزايدة، والحدود الفاصلة بين ما هو داخلي وما هو خارجي للمؤسسات تتبدل. والتحدي الذي تواجهة البلدان التي ترغب بالتطور والتقدم هو كيفية الاستفادة من تلك الشركات استفادة أكبر، وهنا تظهر أهمية السياسات العامة المعتمده من قبل تلك الدول.
ومقدار النجاح الذي يحققه البلد المضيف للاستثمارات أصبح يعتمد على قدرة البلد على تطوير القدرات المحلية، والدول الأكثر نجاحاً في مجال استقطاب الشركات عبر الوطنية هي التي لجأت إلى اتباع نهج ثنائي يستند إلى تنمية القدرات المحلية مع استهداف الموارد والأصول للشركات. والصين تعد من أكثر الدول المعتمدة على هذا النهج في استراتيجيتها لجذب استثمارات الشركات عبر الوطنية. ومن عناصر هذا النهج:
- توافق ما هو مستهدف في تشجيع الاستثمار مع الاستراتيجات الإنمائية والصناعية الأوسع نطاقاً للبلد المعني.
- توفير رزمة من الحوافز بطريقة مركزة لتشجيع الشركات عبر الوطنية على الاستثمار في الأنشطة الرئيسية.
- إشراك الشركات المنتسبة في تطوير لمستوى المهني والتكنولوجي للموارد البشرية.
- بنية رفيعة المستوى من قبيل مناطق التجهيز والمجمعات العلمية والمدن الصناعية بالإضافة إلى المناطق الحرة.
- توفير الدعم الهادف للشركات المحلية للانخراط في العملية الإنتاجية من خلال إدماجها مع الشركات وإعطائها زمام المبادرة في التصدير.
إن قدرة الدول النامية على الاستفادة من الفرص الجديدة الناشئة عن التنافس بين الشركات يعتمد إلى حد كبير على ما تتخذه بنفسها من إجراءات بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى ما تقدمه الدول المتقدمة من مساعدات سواء على صعيد تطوير القدرات المؤسسية، أو إزالة الحواجز أمام صادرات البلدان النامية، خاصة في ظل بيئة تنافسية عالمية تزداد حدة. كذلك من الضروري طرح دور منظمة التجارة العالمية، الذي من الممكن أن تلعبه لتشجيع الدول النامية على التصدير، والحد من سياسات الحماية المتبعة من قبل الدول الصناعية، كسياسات الدعم والإعانات المتخصصة، والتدابير الوقائية التي تقوّض فعلاً الفرص المتاحة أمام البلدان النامية لاستغلال ميزتها النسبية على أتم وجه.
ولكن الخوف لا زال مشروعاً فيما يتعلق بالمنافسة المحتدمة على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية بين الدول التي قد تؤدي إلى سباق نحو الحضيض من حيث المعايير الاجتماعية والبيئية، وسباق نحو القمة من حيث الحوافز. فالتفاوت في الموارد المتاحة بين الدول الغنية والدول الفقيرة يضع الآخيرة في موضع ضعف. فالكثير من الأفكار والنظريات تعتبر أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتمثلة بالشركات هي من سلبت خيرات وإمكانيات الدول النامية وأنها تبحث فقط عن مصالحها الخاصة، وجعلت الدولة النامية أكثر تبعية لها.
لكن في هذا السياق لا بد من التساؤل عن بعض التطورات الحاصلة في هذا الإطار:
هل كان بإمكان الصين الدولة العملاقة ودول أخرى كالهند وكوريا الجنوبية وإيرلندا تحقيق ما حققته في المجال الاقتصادي دون هذه الاستثمارات؟
وإذا كانت الدول النامية تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية فما هي طرق العلاج؟
وإذا كانت محصلة الأوضاع في كثير من الدول النامية سيئة جدا، فالحصول على شيء أليس أفضل من لا شيء؟
فمصر لا تملك أية قدرة على مستوى صناعة السيارات، والآن تمتلك مصانع لتجميع سيارات "BMW" وما نتج عن ذلك من انعكاسات على مستوى التصدير، وخلق فرص عمل واكتساب خبرات ومهارات في مجال صناعة السيارات. فهل كانت تستطيع مصر أن تكون قادرة على فعل شيء من ذلك دون الاستثمار المباشر الأجنبي لشركة "BMW"؟
بغضّ النظر عن مصالح الشركات عبر الوطنية، وفي حال تمت مقاربة أبعاد الاستثمار المباشر من زاوية البعد السياسي وما يتركه من آثار هيمنة وسيطرة على اقتصاد الدول النامية، وما يرافقه من تأثير على القرار السياسي لتلك الدول، لا بد من تحديد أولويات التغيير إذا كانت نسبة الاستثمارات الأجنبية والصافية أي مجموع هذه التدفقات إلى البلدان النامية لا تتعدى حوالى 5 في المئة من التاتج المحلي الإجمالي لها، وبالمقابل إذا علمنا أن نسبة الفساد الإداري تبلغ من إجمالي الناتج المحلي للدول النامية ما نسبته 5 في المئة وفقاً لتقارير الأمم المتحدة؟ وعندما تتكشف حقائق ثروات الزعماء العرب؟ ألا تطرح هذه المقاربة إشكالية الأولوية في التغيير والإصلاح؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق