2016-01-21

العرب وفلسفة السلطة بين عالم الإنسان والتفسيرات الثيوقراطية والميتافيزيقية





سلام الربضي: باحث في العلاقات الدولية \ اسبانيا

أن التحولات المفاجئة التي أوجدتها الثورات العربية أحدثت إنقطاعاً مع التصورات القديمة عن السياسة والدولة والمجتمع والذات والآخر والإرث الحضاري. وما يزيد الإشكالية تعقيداً وإلتباساً ويجعل الفكر حائراً هو التساؤل الفلسفي التالي:

لماذا إلى اليوم ما يزال الفكر العربي متمسكاً ولا يرى سوى أطروحة ربط فلسفة السلطة بالقضية الإيمانية، واعتبار التحرك الاجتماعي الإنساني مجرد قنطرة إلى الآخرة ؟

فلا يجوز الاستمرار بالرهان اليوم على استعادة الماضي الذهبي، والاقتناع بأن الماضي ممكن استعادته ويحب أن يستعاد يوماً. إذ أن تقييم السلطة وممارستها لا يمكن البحث عنها في عالم فوق الإنسان، فكل التفسيرات أكانت ثيوقراطية أم ميتافيزيقية قد فشلت في الوصول إلى نتيجة في موضوع البحث عن مصادر السلطة. فلماذا هذا التشبث من قبل الفكر العربي في البحث عن مصدرها في الغيب، عن طريق الإيمان أو في المبادئ الأخيرة للوجود عن طريق النظر الميتافيزيقي؟ 

فالبحث الصحيح عن مصادر السلطة وممارستها لا يقتضي أي نوع من الإيمان ولا يقتضي القفز فوق عالم الإنسان. ففي عالم الإنسان لا وجود لسلطة عليا شاملة تنبثق منها السلطات وتخضع لها خضوعاً كاملاً، ووحدانية السلطة في المجتمع تصور ينسجم مع فلسفة السيطرة، لا مع فلسفة السلطة. وهذه الرؤية تحتاج إلى اجتهاد واضح وجريء وعصري. فإذا كان كل ما يرى بسياسات الأنظمة والحكومات العربية هو التخبط والفساد وأغتصاب للسلطة، ولكن ما لا يرى هو أن كل تلك السياسات تعكس وتعبر عن واقع مجتمعنا الماورائي الألهي محتكر الحقيقة. وإذا أراد العرب أن ينهضوا ويتقدموا يتوجب عليهم نسف ومحارية الفكر الوجودي العربي التقليدي، وذلك لسببين:

أولاً: لأنه وجود متناقض قائم على ثنائيات تصادمية.
ثانياً: وهو الأخطر ادعاؤه بأنه مجتمع إلهي لا يمكن إجراء تغير فيه.



فقواعد الوجود العربي الفكري تشكل دستوراً لا يفرق بين الأمور الدنيوية والأمور الميتافيزيقية، وهذا أقرب ما يكون إلى أمر رمزي المقصود منه التأكيد على الهوية، وهذا نوع من هوية الموقف، وهوية الموقف لا تقل أهمية عن هوية الذات في المجتمعات غير الواثقة من ذاتها حضارياً في عالم تكون السيطرة والتفوقية للغير. فالإعلان على سبيل المثال في دساتير الكثير من الدول والمجتمعات العربية عن دين الدولة هو من باب هوية الموقف ولا معنى له إلا إذا أخذ رمزياً. فالدين مجموعة أفكار وأحكام معيارية وتعبدات، وهو ينسب إلى الفرد فقط ولا يستطيع أحد أن يقوم بالتعبد سوى الإنسان الفرد، بينما الدول هي هيئات اعتبارية. فكيف يكون للدولة دين وهي شخصية معنوية؟


إذاً علينا التوسع في نهج الحداثة السياسية وبعض مقتضياتها ليشمل مواضيع مختلفة خصوصاً الفكر الثيوقراطي وما يصدر عنه من ثقافة دينية، عندها يتعقلن الوجود العربي أكثر فأكثر وبالتالي يمكن الانطلاق إلى بناء مستقبل أفضل. نكون فيه متسلحين برؤية فكرية جديدة، تدعو إلى احترام كل آخر لا يشاطرنا نفس الرأي، والذي يذكرنا باستمرار أننا لا نملك كلية الحقيقة، ومن يدعي امتلاكها حكم على نفسه بالبقاء بعيداً عنها.

وعلينا أن نتمنى أن يكون الحنين إلى عصر ذهبي هذه المرة هو المستقبل الآتي وليس الماضي الذي انقضى، فالأجوبة القديمة على الأسئلة الجديدة لم تعد كافية. والاتجاه التاريخي لمسيرة الوجود العربي لا يمكن أن يكون إلا باتجاه الحداثة، وسيتمكن هذا الوجود من أن يقف على قدميه بعد أن وقف طويلاً على رأسه هذا إذا صح تعريف الإيديولوجيا بأنها وعي مقلوب يقف على رأسه.  



For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com