2010-07-29

المنافسة المحتدمة والإغراق الضريبي









سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية

صحيفة العالم \ بغداد

www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=14841

14\8\2010.
 

تحاول الكثير من الدول تبني سياسات تتوافق مع الأولويات الاستثمارية للرساميل العالمية، ولذلك لا يمكنها القيام بأي عمل قد يدفع أصحاب الرساميل لتحويل أموالهم إلى بلدان أخرى تقدم معدلات فائدة أعلى وعائدات أفضل. ولقد نتج عن ذلك مصاعب تواجهها الدول لدى وضعها السياسة الضرائبية لتحصيل الضرائب. وفي الوقت الذي تقدم فيه كثير من الدول تنازلات هامة للأجانب من أجل استقطاب الرساميل، ارتفع عدد الدول التي تقدم نفسها كمحمية ضريبية للمستثمرين، وارتفعت نسبة عمليات التهرّب الضريبي التي باتت أسهل في السنوات الأخيرة. وأمام ذلك لم يعد أمام الدول من خيار سوى تخفيض المعدل الضريبي بغية تحاشي هذا الهروب.

ونتيجة المنافسة المحتدمة بين الدول لاجتذاب الشركات والاستثمارات من خلال التنازلات الضريبية وخاصة على مستوى المؤسسات المالية لم يعد هناك فروقات كبيرة في السياسات العامة حيال رأس المال سواء كانت الحكومات يسارية أم يمينية. إذ ليس آخرها ما أقدمت عليه الصين من تعديل للدستور لتواصل تحولها الرأسمالي حيث تم إعطاء الشركات والأفراد حقوق ملكية متساوية مع الحقوق التي يتمتع بها القطاع العام الصيني الذي يسيطر عليه الحزب الشيوعي. ولقد تزايد عدد تزايد عدد الجنات الضريبية بأنواعها المختلفة، المتخصّصة والعامّة فمن الكاريبي إلى ليشنشتاين هناك ما يفوق 100 واحة ضريبية متناثرة في أرجاء المعمورة تدير منها المصارف وشركات التأمين وصناديق الاستثمار أموال زبائنها الأثرياء وتخلصها من قبضة وطنها الأم حيث تتميّز تلك المناطق بمعدل ضريبي منخفض جداً أو قد لا تفرض الضريبة بتاتاً على ودائع الأجانب.

من هذه الواحات جزيرة"Cayman"الكاريبة. ويوجد فيها أكثر من500 مصرف من المصارف العملاقة، وهناك لوكسمبورغ وليشنشتاين وجبل طارق التي تحتضن أكثر من100 ألف ثري، بالإضافة إلى وجود شركات عملاقة وظائفها تقديم كل التسهيلات والإرشادات التي يحتاج إليها المتهربون من دفع الضرائب.واستطاعت الشركات توريط كل دول العالم تقريباً بسباق التنافس الضريبي وكانت الولايات المتحدة أول من افتتح المزاد في عام 1986 حينما تم خفض الضرائب على عوائد الشركات المساهمة من46% إلى34%، وكان هذا أول مستوى عالمي للتخفيض.

والدول تتنافس فيما بينها لجذب الشركات من خلال تخفيف الأعباء الضرائبية عنها، ومن هذه الدول التي تتنافس في هذا الإطار الدول المنتمية حديثاً للاتحاد الأوروبي :أستونيا ,بولندا, تشيك, سلوفاكيا, لاتفيا, ليتوانيا, هنغاريا.وتعمل من أجل دعم جاذبيتها أمام المستثمرين المحليين والأجانب على تخفيض الضرائب على الشركات إلى مستويات تصارع تلك الموجودة في إيرلندا.

لقد توسعت رقعة المجابهة الضريبية في أوروبا وبات يشكل التسرّع في خفض الضرائب عن الأعمال التجارية في الدول الأوروبية الكبيرة انقلاباً حقيقياً في أنظمتها الضريبية. ولقد وصل معدّل الضريبة المفروضة على أعمال الشركات في الاتحاد الأوروبي مع بداية عام2008 إلى26% والمتوقّع أن يواصل هذا المعدّل القياسي تراجعه تراجع معدل الضريبة في بريطانيا من 30% إلى 28% في العام 2007 وفي ألمانيا انخفضت من 39% إلى 30% وفي فرنسا وصلت إلى ما يقارب 28%. وهناك حرب ضرائبية خاسرة لمصلحة الدول الأوروبية الشرقية. ففي بولندا خفضت الحكومة الضرائب من27% إلى19% واعتمدت سلوفاكيا ضريبة مسطّحة تصل إلى 19% بدلأً من 25%. أما هنغاريا فقد خفضت الضرائب من 18% إلى 16%.

لا شك أن هذه الضرائب المتدنّية تجذب الشركات. لذا سارعت شركة بيجو الفرنسية وسيمينز الألمانية إلى نقل بعض نشاطاتها إلى سلوفاكيا، وتبقى إيرلندا المغناطيس الضرائبي الذي جذب وأغرى شركات التقنية والمعلومات العملاقة مثل مايكروسوفت وأنتل وديل مما ساعد الاقتصاد الإيرلندي على النمو ثلاث مرات أكثر مقارنةً بوتيرة النمو المسجّلة في منطقة اليورو للعام2007.

قوانين التوظيف ومهارات القوة العاملة ومستوى المعيشة تلعب دوراً حاسماً في المنافسة بين الدول، فعلى سبيل المثال تجذب بولندا الاستثمارات نظراً لتدنّي تكلفة العمل لديها التي تساوي 3,80 يورو في الساعة مقارنةً بـ 27,9 يورو في الساعة في ألمانيا الغربيّة، وتستطيع الدول بكل سهولة تعويض خسارتها في الدخل الضريبي عن طريق زيادة أو فرض ضرائب جديدة. ولكن السؤال:
 على أية قطاعات سوف تفرض الضرائب؟
 ومَن يتحمّل هذه الأعباء الضّريبية؟

أن الضرائب على الشركات هبطت في ألمانيا بمعدل %50 خلال العشرين سنة الماضية بالرغم من ارتفاع أرباح الشركات بمعدل%90. فمثلاً تدفع شركة روبرت ميردوخ للأخبار ضرائب بمقدار%6 عبر العالم، هذا مع العلم بأنها حتى العام 1998 لم تكن تدفع شيئاً في المملكة المتحدة على الرغم من تحقيقها أرباحاً في بريطانيا تتجاوز المليار جنيه استرليني سنوياً. وفي ألمانيا أقرت الحكومة مشروع إصلاح الضريبة على الشركات الذي خفض أساس الضريبة على الشركات من %37,8، إلى29,8%, وهو أول تخفيض كبير من نوعه هدفه دعم موقع ألمانيا الاقتصادي والمالي في العالم ولتشجيع الشركات أكانت وطنية أم أجنبية لاستمرار عملها في ألمانيا بالإضافة إلى زيادة النمو الاقتصادي.

يترتب على اتجاه الدول لإلغاء أو خفض الضرائب من أجل جذب الاستثمارات وزيادة قدراتها الاقتصادية التنافسية آثار عكسية، إذ إن زهاء ثلث التجارة الدولية يجري فعلياً داخل نطاق الشركات عبر الوطنية. ويثير هذا الوضع مجموعة من القضايا على المستوى الضرائبي ومنها التسعيرة الإسمية داخل الشركة ومواثيق المحاسبة، وإجراءات الإعلان عن الضرائب والربح. وكل هذه القضايا لها أثر على إيرادات الدول.

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com