2010-09-28

النفوذ الصيني في أفريقيا يثير تساؤلات ومخاوف عند الغرب






سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية
islam times
 28 - 9 - 2010

فصل من فصول العولمة يدور حالياً في أفريقيا ويكتب هذا الفصل الصينيون المتواجدون في مختلف أنحاء أفريقيا حيث يعملون في قطاعات البناء والإنتاج والتجارة. والاستثمارات الصينية وسّعت نطاق أعمالها في أفريقيا وتسللت إلى حياة القارة الأفريقية اليومية. والصين تحتاج إلى المواد الأولية التي تزخر بها القارة السوداء، من نفط ومعادن وأخشاب، وثروة سمكية ومنتجات زراعية. ومعظم الاستثمارات الصينية في افريقيا تتجة نحو الاستثمارات النفطيه وهي تمد الصين بنحو 10% من حاجتها من الطاقة.

فاستراتيجية الشركات الصينية لا تخرج عن الأهداف الاستراتيجية التي تعتمدها الدولة الصينية. حيث تعمل الحكومة على تشجيع الشركات على تأمين مدخلات حيوية، مثل الموارد الخام للاقتصاد. والدولة الصينية تملك أو تدير معظم الشركات الصينية العاملة في القارة الأفريقية. والاستثمارات الصينية في القارة السمراء تعبّر عن بعد نظر الدولة الصينية، وعن تحقيق أهداف بعيدة المدى. فهي تحاول الاستثمار بالمواد الأولية الأفريقية، وتسوّق منتوجاتها البسيطة والزهيدة الثمن وتعيد ترميم وبناء شبكات الطرق والسكك الحديدية والمباني الحكومية والمستشفيات. وكذلك تستثمر الصين في بناء السدود المائية على أنهر الكونغو والسودان وأثيوبيا لتذليل مشكلات الطاقة، وتقيم شبكات لاسلكية وشبكات متطورة من الألياف الضوئية في كل أفريقيا.

فالتجاره بين الصين وافريقيا زادت خمسين ضعفاً ويبلغ عدد الشركات الصينية على الأراضي الأفريقية900 شركة ، حيث حلت الصين مكان فرنسا واحتلت مرتبة ثاني أكبر شريك تجاري لأفريقيا. ويبلغ عدد الصينيين في أفريقيا ما يقارب المليون نسمة وهم أكبر جالية أجنبية في القارة. وعلى أفريقيا اقتناص فرصة تعاظم إقبال الصين على التجارة معها وهي موطن  300مليون نسمة من فقراء العالم. وتكاد تكون الصادرات الأفريقية إلى آسيا تقتصر على موارد الطاقة والمعادن الثمينة و85%من صادرات أفريقيا إلى الصين مصدرها بلدان غنية بالنفط وهي أنغولا وغينيا الإستوائية ونيجيريا وجمهورية الكونغو والسودان. وقد ارتفعت صادرات أفريقيا إلى الصين حيث يبلغ حجم هذه الصادرات ضعفي الصادرات إلى الولايات المتحدة وأربعة أضعاف الصادرات الأفريقية إلى الاتحاد الأوروبي.      

إن عمل الشركات الصينية واستراتيجيتها لا يخرجان عن إطار الخيار السياسي للصين القائم على إيجاد شركات عبر وطنية تستطيع أن تجعل من الصين قوة اقتصادية عالمية وهذا ما كان عبر عنه الرئيس السابق للصين جيانغ زيمين منذ عام 2001 حيث أعلن عن سياسة التوسع الخارجي لتشجيع الشركات على الاستثمار في  الخارج . 

وهنالك تنافس أوروبي أميركي صيني داخل أفريقيا، وهنالك قلق أوروبي من زيادة قوة الصين الاقتصادية في القارة السمراء. فالنفوذ الصيني في أفريقيا يثير تساؤلات ومخاوف عند الأوروبيين ، حيث إن المؤسسات والشركات الصينية باتت تملك مؤهلات وامتيازات لمنافسة الشركات الأمريكية والأوروبية في عدة مجالات. وقد دعا الاتحاد الأوروبي الصين إلى حوار ثلاثي مع أفريقيا يخدم مصالحهما المشتركة، لتجاوز النظرة التقليدية وتفادي المواجهة في مجالات التنمية واستغلال الموارد الخام في القارة السمراء. ولهذه الغاية عقد في بروكسيل في صيف 2007 مؤتمر نظّمته المفوضيّة الأوروبية تحت عنوان"شركاء ومتنافسون" غايته أن لا يكون التنافس بين الشركات الصينية والأوروبية على حساب أفريقيا .

إذاً لا يمكننا تجاهل البعد السياسي والاستراتيجي في الانتقادات الأوروبية والأمريكية لاستثمارات الشركات الصينية في أفريقيا . وإذا كانت محاولة الأوروبيين انتقاد الاستثمارات الصينية في أفريقيا من زاوية إغفال تلك الاستثمارات لقضايا الفساد ومكافحتها، وإلى كيفية تدعيم التنمية المستدامة. ولكن أصبح مفهوم التنمية المستدامة، يكتسب "مطاطية عجائبية" حيث بات يصلح لأن يُحشى بكل ما هبَّ ودبَّ من المشكلات التي تعاني منها البشرية والكرة الأرضية، سواء من حيث الأخطار التي تهدد البيئة من تلوث وتصحّر، أو من حيث مظاهر البؤس التي كانت ولا تزال رفيق البشرية من فقر وأوبئة وسؤ تغذية. مما يفتح الباب على مصراعيه لطرح إشكالية مفهوم التنمية المستدامة واستغلالة من قبل الدول الصناعية المتقدمة؟

الاستثمارت الصينية في أفريقيا  تدخل ضمن الرؤيه الاستراتيجية للدولة الصينية. وهذه الاستثمارات لا تخرج عن حيّز المنافسة بين الصين والمجموعة الأوروبية والولايات المتحدة، ولعل النفوذ الاستثماري الصيني في القارة الأفريقية هو بمثابة زلزال جيوسياسي، وإنجاز من إنجازات العولمة، قلب الموازين العالمية الاقتصادية والسياسية.

ويبقى التساؤل مشروعاً حول الاستثمارات التي تقوم بها الشركات الصينية؟

هل هذه الاستثمارات تدخل في إطار التعاون وتبادل المصالح أم تدخل في إطار السيطرة؟ وعندما يتعهد الرئيس الصيني برفع الاستثمارات الصينية في أمريكا اللاتينية إلى100مليار خلال السنوات العشر القادمة، في أي إطار تدخل هذه الاستثمارات؟ هل تدخل في الإطار الاقتصادي أم تأخذ أبعاداً سياسية؟

وردود الفعل الأمريكية والأوروبية على تنامي النفوذ الاستثماري الصيني في أفريقيا ما هي أبعاده؟ وفتح كثير من الدول أبوابها أمام الاستثمارت الصينية بشروط أسهل مما يتم مع الشركات الغربية، أين يمكن تبويبه في خانة التعاون أم في خانة السيطرة؟وغض النظر عن تجاوز حقوق الإنسان من قبل الشركات الصينية في أفريقيا ما هي أبعاده؟

هل نحن أمام مقاربة أيديولوجية أم يجب أن تكون هناك مقاربه علمية، ومعايير واضحة قائمة على مصلحة الإنسان وتنميته عند تقييم أي استثمار، سواء كان مصدر هذا الاستثمار شركة من الدول النامية أو من الدول المتقدمة وسواء كانت الشركة مملوكة من قبل الدول أو كانت للقطاع الخاص؟


For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com