‏إظهار الرسائل ذات التسميات الصين. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الصين. إظهار كافة الرسائل

2025-05-22

السؤال المنطقي ليس ما إذا كانت الصين ستصبح القوة العظمى الأولى؟ بل متى؟

 



د.سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية.

     إذا كانت قد استطاعت حروب التعريفات الجمركية والمواد النادرة بين الصين والولايات المتحدة، أو حروب أوكرانيا وغزة ولبنان واليمن وسوريا، إعادة  طرح علامات الاستفهام حول موازين القوى العالمية، ولكن هنا يجب الأخذ بعين الأعتبار على عكس ما هو شائع لدى كثير من النخب الأكاديمية، بأن التغيرات في موازين القوى على مستوى العلاقات الدولية، لم تعد خاضعة إلى حد كبير إلى لعبة صفرية النتائج Zero-Sum Game بل على العكس من ذلك أصبحتNon Zero-Sum Game. بمعنى، أن زيادة نفوذ وسلطة وقوة دولة ما، لا تعني بالضرورة، فقدان الدول الأخرى لنفوذها. كما أن كون دولة ما، هي أقوى دولة  فهذا لم يعد يعني احتكارها للقوة بشكل مطلق. وبالتالي  تبقى جميع الطروحات التي تشير وتتنبأ بأفول أو صعود القوى العالمية، خاضعة للنقاش وعدم اليقين. حيث ليس هناك منهج علمي يسمح بتنبؤات دقيقة حول مستقبل النظام العالمي.

       وفي هذا السياق، يمكن لنا التطرق إلى إشكالية محاولة المقارنة بين قوة الصين المتصاعدة ومكانة الولايات المتحدة المتراجعة. وهنا يجب لفت الانتباه، إلى أن هذا التراجع يعود إلى التغير في طبيعة النظام العالمي، أكثر مما يعود إلى ضعف الولايات المتحدة العسكري أو السياسي أو الاثنيـن معاً، نتيجة حتمية نسق التغيرات العميقة الذي أصاب بنية المجتمع العالمي. حيث باتت العلاقات الدولية المعاصرة، ترتكز على نسق ذو قوة موزعة أكثر مما هي مركزة، إذ يوجد هنالك تقاطع وتشابك في النفوذ. ولكن ومع  كل تلك المعطيات، لا يمكننا تجاهل طرح إشكالية :

كيف إن النفوذ الحقيقي لقوة الولايات المتحدة، لم يدوم لأكثر من 25 عام؟   

كما أنه وفقاً إلى الاستنتاجات القائمة على استقراء حيثيات سقوط الامبراطوريات أو واقع السياسة العالمية الحالي، يتضح أن الانحدار النسبي لقوة الولايات المتحدة، سيبقى مستمراً  بغض النظر عن محاولات استدراكه. وبناء على ذلك، قد تكون أكثر التساؤلات المنطقية باتت تتمحور حول ليس إذا كانت الصين سوف تصبح القوة العظمى الأولى عالمياً، بل متى؟  وهل ترغب الصين أو تُفكر فعلياً بتولي مسؤولية قيادة العالم، وفي حال كانت لديها هذه الرغبة فهل هي جاهزة لفعل ذلك، وهل ذلك يخدم مصالحها الاستراتيجية في الوقت الراهن؟

 فانطلاقاً من تداعيات الحروب والنزاعات والأزمات الأخيرة على كافة الستويات (السياسية والاقتصادية والثقافية) يمكن تناول إشكاليات تصنيف النظام العالمي والمرتبطة بمصطلحات الأحادية القطبية أو الثنائية والتي باتت بلا معنى. حيث يبدو من الصعوبة بمكان ما، رؤية نظام عالمي يتحكم فيه قطب واحد أو حتى قطبين. وذلك بسبب عوامل نوعية كثيرة  سواء كانت عسكرية،اقتصادية،سياسية،ثقافية، بيئية،تكنولوجية..الخ، والتي أصبحت من أهم محددات العلاقات الدولية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1-      لا توجد دولة واحدة، تتمتع بتفوق في جميع عناصر القوة.

2-      تداعيات عصر المعرفة العابر للحدود السياسية والثقافية والأمنية.

3-      بروز ظاهرة الإرهاب بكافة تجلياتها.

4-      إشكاليات المسألة البيئية وقضايا الديمغرافيا والهجرة.

5-      وتيرة التطورات العلمية والكنولوجية على كافة المستويات.

6-      تشابك الاقتصاد العالمي، وتعدد نفوذ كثير من القوى بداخله.

7-      التحولات في معايير قياس القدرة العسكرية.

وبالتالي يمكن القول، إن عالم العلاقات الدولية خاضع اليوم لنظام عديم القطبية، نتيجة حتمية نسق التغيرات التي زادت من حجم التعقيدات المرتبطة بقضايا الإرهاب، والبيئة، والتكنولوجيا، والإعلام، المواد النادرة، الفيروسات الحقيقية والالكترونية..الخ. وهذا النسق يدعم النظام عديم القطبية، وفقاً لعدة اتجاهات، ومنها:

1-      كثير من التدفقات تتم خارج سيطرة الدول وبالتالي تحد من نفوذ  القوى الكبرى.

2-   بعض التطورات تخدم الدول الإقليمية وتزيد من هامش فاعليتها واستقلالها.

3-                         وجود ثروات هائلة تخضع لقبضة أفراد وقوى فاعلة جديدة.

وعلى نور ما تقدم، يجب التنبيه إلى أننا حالياً في عصر بعيد كل البعد عن التصنيفيات الكلاسيكية المرتبطة بمصطلح القطبية، ناهيك بصعوبة فهم التحولات البنيوية الضخمة على صعيد هيكلية الاقتصاد العالمي وواقع السياسة الدولية فهماً كاملاً. وبالتالي يجب الأخذ بعين الأعتبار، حتى لو كان نظام عدم القطبية حتمياً ولكنه يستوجب الحذر حيث قد يولد مزيداً من العشوائية وعدم الاستقرار. ومنطقياً الإشكالية تكمن هنا في كيفية إيجاد ذلك النوع من التوازنات حول تشكيل عالم عديم القطبية؟

فعندما نتحدث عن التوازنات نستحضر حقيقة أن نسق الانتظام لن ينشأ من تلقاء نفسه، وحتى في حال تم ترك النظام عديم القطبية يعمل وفقاً لعشوائيته، فذلك سيجعله أكثر تعقيداً ويتجه نحو المزيد من الفوضى.

     وبناء عليه، يجب توجيه النظر صوب المخاطر المحتملة، فالنظام العالمي عديم القطبية سيُعقد الديبلوماسية السياسية، وستفقد التحالفات الكثير من أهميتها، لأنها تتطلب وجود رؤية استراتيجية لمواجهة تهديدات والتزامات يمكن التنبؤ بها، وكل هذا من المتوقع ألا يكون متاحاً في عالم عديم القطبية. واستناداً إلى ذلك، من الصعوبة بمكان التنبؤ بسيناريوهات المستقبل السياسية والتي تبدو أنها مهمة علمية شاقة، مما يجبرنا تبني وطرح جملة تساؤلات حول طبيعة القوى القادرة على تولي زمام المبادرة  وتحمل مسؤولية القيادة العالمية في ظل نظام عديم القطبية؟


2021-02-04

كوفيد 19 والولايات المتحدة والصين: جدلية المستنقع الاستراتيجي في العلاقات الدولية

 



د.سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية


الميادين.نت \ 17-1-2021   \  https://www.almayadeen.net/articles/blog/1449503

 

 ليس هناك منهج علمي يسمح بتنبؤات دقيقة حول مستقبل النظام العالمي، وبالتالي فإن جميع الطروحات التي تشير وتتنبأ بأفول أو صعود القوى العالمية، تبقى خاضعة للنقاش وعدم اليقين. فإذا استطاعت أزمة جائحة "كوفيد 19" إعادة  طرح علامات الاستفهام حول موازين القوى العالمية، ولكن هنا يجب الأخذ بعين الأعتبار (على عكس ما هو شائع لدى كثير من النخب الأكاديمية)، بأن التغيرات في موازين القوى على مستوى العلاقات الدولية، لم تعد خاضعة إلى حد كبير إلى لعبة صفرية النتائج (Non Zero-Sum Game). بمعنى، أن زيادة نفوذ وسلطة وقوة دولة ما، لا تعني بالضرورة، فقدان الدول الأخرى لنفوذها. كما أن كون دولة ما، هي أقوى دولة في العالم، فهذا لم يعد يعني احتكارها للقوة، إذ بات من السهل بالنسبة للأفراد والجماعات أن يراكموا ويوظفوا قوة مؤثرة.

وفي هذا السياق، يمكن لنا التطرق إلى إشكالية محاولة النخب الفكرية والسياسية البحث في إشكاليات الواقع العالمي المستجد على ضؤ تداعيات جائجة كوفيد 19، والمتعلقة بجدلية المقارنة بين قوة الصين المتصاعدة ومكانة الولايات المتحدة المتراجعة. وهنا يجب لفت الانتباه، إلى أن هذا التراجع يعود إلى التغير في طبيعة النظام العالمي، أكثر مما يعود إلى ضعف الولايات المتحدة العسكري أو السياسي أو الاثنيـن معاً. إذ إن هذا النظام بات عديم القطبية، وذلك ليس ببساطة ناتجاً فقط عن تعاظم قوة دول أخرى وفشل الولايات المتحدة بإدارة النظام العالمي(التي ما زالت تشكل أكبر مجتمع منفرد للقوة)، ولكنه أيضاً نتيجة حتمية نسق التغيرات العميقة الذي أصاب بنية المجتمع العالمي. وبناء على ذلك، لقد جاءت كل تداعيات جائحة "كوفيد19"، لتؤكد على حقيقة وواقع هذه التغيرات.

وعلى نور ما تقدم، باتت العلاقات الدولية المعاصرة، ترتكز على نسق ذو قوة موزعة أكثر مما هي مركزة، والكثير من القوى تعتمد على هذا النسق في رفاهيتها الاقتصادية واستقرارها السياسي. لذلك، فهي لا تحبذ مواجهة وعرقلة نظام يخدم مصالحها، إذ يوجد هنالك تقاطع وتشابك في النفوذ. وبالتالي، هذا النسق التي ما زالت تؤدي فيه الولايات المتحدة دوراً مركزياً، يحتم الحد من صراع القوى، وهو الصراع الذي حكماً سيُنتج الحلول القائمة على المعادلات غير الصفرية. ولكن ومع  كل تلك المعطيات، لا يمكننا تجاهل طرح علامات استفهام حول:

كيف إن النفوذ الحقيقي لقوة الولايات المتحدة، لم يستقر لأكثر من 20 أو 25 عام؟   

وفقاً إلى الاستنتاج المبني على استقراء حيثيات سقوط الامبراطوريات وواقع السياسة العالمية، يتضح أن الانحدار النسبي طويل الأجل لقوة الولايات المتحدة، سيبقى مستمراً  بغض النظر عن محاولات استدراكه. وبناء على ذلك، قد يصبح السؤال المنطقي (على الأقل في نطاق البحث العلمي والأكاديمي):

ليس إذا كانت الصين سوف تصبح القوة العظمى الأولى عالمياً، بل متى؟

وفي المحصلة، إذا كنا منهجياً نحاول ألا ندخل المقاربة البحثية في مستنقعات التساؤلات الجوهرية الاستراتيجية، المتعلقة بالتنبأ بمستقبل القوى العالمية، لكن يبدو أنه لا مهرب لنا من الغوص في غمار تلك المستنقعات التي تحمل في كل من أعماقها متعة إضافية من متع استقراء مستقبل العلاقات الدولية. وبناء عليه وفيما يتعلق بالصين، وفي حال تجاوزنا بعض المفاهيم الأكاديمية سابقة الذكر، قد يكون المستنقع الاستراتيجي الأكاديمي العميق والأهم الواجب الغوص به( والذي تتجنب الكثير من النخب السياسية والأكاديمية، من الغوص في أعماقه)، هو:

هل ترغب الصين أو تُفكر فعلياً بتولي مسؤولية قيادة العالم، وفي حال كانت لديها هذه الرغبة فهل هي جاهزة لفعل ذلك، وهل ذلك يخدم مصالحها الاستراتيجية في الوقت الحالي؟

 

وهذا المستنقع الاستراتيجي، وفقاً لتداعيات جائحة كوفيد19 والتغيرات الحاصلة على مستوى العلاقات الدولية، يطرح الكثير من الإشكاليات التي تتعلق بمحاولة استشراق مستقبل السياسة العالمية والفاعلين الأساسيين فيها. وفي خضم هذا الواقع، يمكن تناول إشكاليات تصنيف النظام العالمي والمرتبطة بمصطلحات الأحادية القطبية أو الثنائية أو المتعددة الأقطاب..الخ، والتي باتت بلا معنى. ففي ظل واقع المقاربات الفكرية والواقعية، يبدو من الصعوبة بمكان ما، رؤية نظام عالمي يتحكم فيه قطب واحد أو حتى عدة أقطاب. وذلك بسبب عوامل نوعية كثيرة سواء كانت ثقافية أو اقتصادية أو سياسية، والتي أصبحت من أهم محددات العلاقات الدولية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1-      لا توجد دولة واحدة، تتمتع بتفوق في جميع عناصر القوة([1]).

2-      تداعيات عصر المعرفة العابر للحدود السياسية والثقافية والأمنية.

3-      بروز ظاهرة الإرهاب بكافة تجلياتها.

4-      إشكاليات المسألة البيئية وقضايا الديمغرافيا والهجرة.

5-      وتيرة التطورات العلمية والكنولوجية على كافة المستويات.

6-      تشابك الاقتصاد العالمي، وتعدد نفوذ كثير من القوى بداخله([2]).

7-      التحولات في معايير قياس القدرة العسكرية([3]).

وبالتالي يمكن القول، إن عالم العلاقات الدولية خاضع اليوم لنظام عديم القطبية، نتيجة حتمية نسق التغيرات التي زادت من حجم التعقيدات المرتبطة بقضايا الإرهاب، والبيئة، والتكنولوجيا، والإعلام، والفيروسات الحقيقية والالكترونية..الخ. وهذا النسق يدعم النظام عديم القطبية، وفقاً لعدة اتجاهات، ومنها:

1-      كثير من التدفقات تتم خارج سيطرة الدول وبالتالي تحد من نفوذ  القوى الكبرى.

2-   بعض التطورات تخدم الدول الإقليمية وتزيد من هامش فاعليتها واستقلالها([4]).

3-   وجود ثروات هائلة تخضع لقبضة أفراد وقوى فاعلة جديدة.

وعلى نور ما تقدم، يجب التنبيه إلى أننا حالياً في عصر بعيد كل البعد عن التصنيفيات الكلاسيكية المرتبطة بمصطلح القطبية، ناهيك بصعوبة فهم هذه التحولات البنيوية الضخمة في العلاقات الدولية على صعيد هيكلية الاقتصاد العالمي وواقع السياسة العالمية، فهماً كاملاً، إذ أن صيرورة النظام العالمي تواصل حركتها وتعقيداتها.

وبالتالي يجب الأخذ بعين الأعتبار، حتى لو كان نظام عدم القطبية حتمياً، ولكنه يستوجب الحذر، فقد يولد مزيداً من العشوائية. وبالتالي، منطقياً الإشكالية تكمن في كيفية إيجاد ذلك النوع من التوازنات حول تشكيل عالم عدم القطبية، والذي يحتاج إلى توافق عالمي؟

وهنا عندما نتحدث عن التوازنات في العلاقات الدولية، نستحضر حقيقة أن نسق الانتظام لن ينشأ من تلقاء نفسه. وحتى في حال تم ترك النظام العالمي(عديم القطبية) يعمل وفقاً لنهجه الخاص، ذلك سيجعله أكثر تعقيداً ويتجه نحو المزيد من الفوضى، وهذا أقله ما يمكن استنتاجه من التخبط في كيفية التعامل مع أزمة جائحة كوفيد19، وما يسمى حروب الأقنعة الطبية.

وبناء عليه، يجب توجيه النظر صوب المخاطر المحتملة، فالنظام العالمي عديم القطبية سيُعقد الديبلوماسية السياسية، وستفقد التحالفات الكثير من أهميتها، لأنها تتطلب وجود رؤية استراتيجية لمواجهة تهديدات والتزامات يمكن التنبؤ بها، وكل هذا من المتوقع ألا يكون متاحاً في عالم عديم القطبية. واستناداً إلى ذلك، تتطلب تلك المخاطر(على الرغم من وجود كثير من الإشكاليات والجدليات المطروحة على مستوى اتجاهات تطور النظام العالمي، والتي تجعل من التنبؤ بسيناريوهات المستقبل، مهمة علمية شاقة) طرح جملة تساؤلات حول طبيعة القوى القادرة على تولي زمام المبادرة  والغوص في أعماق تحمل مسؤولية قيادة السياسة العالمية



([1])  فإصطلاح الدولة العظمى الوحيدة، لم يعد ملائم في ظل واقع تعدد مراكز القوى الحالي. فمثلاً، أثبتت الصين أن الولايات المتحدة لا يمكنها التفرد بمعالجة الملف النووي لكورية الشمالية، وهي صاحبة التأثير الفاعل في هذه المسألة. كما أن قدرة الولايات المتحدة على الضغط على إيران تخضع بشكل كبير إلى عدم تعارضها مع المصالح الاسترايجية المباشرة لكل من الصين وروسيا.  

([2]) هذا ما تدل عليه حيثيات المفاوضات في منظمة التجارة العالمية، وصعوبة الوصول إلى اتفاقيات في جولة الدوحة منذ العام 2001.

([3])  على سبيل المثال أوضحت أحداث 11 أيلول  كيف أن استثماراً صغيراً من قبل أفراد يمكن أن يقلب موازين عالمية، على المستوى العسكري والأمني والسياسي وحتى الاقتصادي. وكذلك انتصار حزب الله في حرب تموز 2006 (التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي)، تثبت أن أكثر الأسلحة الحديثة تطوراً وتكلفة ليس بإمكانها حسم الحروب، إذ إن أعداداً مدربة من الأفراد المسلحين تسليحاً خفيفاً، يمكن أن يثبتوا أنهم أكثر من ند، لعدد أكبر من قوات جيوش أفضل تسليحاً.

([4])  فمثلاً استطاعت دول كالهند وباكستان (وإيران مؤخراً)، فرض دخولها إلى النادي النووي، كأمر واقع على المجتمع العالمي.




2015-07-13

الخــــليج العربي والبعد الثقافي كقوه مؤثرة في تحديد المصالح






سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية\ اسبانيا

المصالح من أهم علاماتها الأساسية وأشملها وأعمقها تأثيراً هو الحقل الثقافي. فكثير من النظريات، تؤكد على أن المصدر الرئيسي للصراع في المستقبل سيكون مصدراً ثقافياً، وليس أيديلوجياً أو اقتصادياً. فالثقافات، هي الإطار المسيطر على العلاقات الدولية، وتأكيداً على هذا النهج يمكن العودة إلى تصريح الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في مؤتمر اليونسكو عام 2001 حيث قال:"القرن التاسع عشر شهد صراع القوميات والقرن العشرين شهد صراع الأيديلوجيات، أما القرن الحادي والعشرين فسيشهد صراع الثقافات". وبناء عليه، يجب عدم أغفال العوامل الثقافية كقوة مؤثرة ودافعة لتحقيق المصالح، سواء على صعيد الرؤية الثقافية للدول الكبرى لمنطقة الخليج، أو على صعيد الواقع الثقافي بحد ذاته لتلك المنطقة، والذي يعتبر عاملاً مساعداً للدول الكبرى لتحقيق أهدافها. فلعبة المصالح لا تقف عند أيّ حاجز، في علم السّياسة والعلاقات الدّوليّة.  

وانطلاقاً من ذلك، فأن معيار البعد الثقافي في تحليل واقع مصالح الدول الكبرى في الخليج، يمكن لنا مقاربته من خلال شقين :
1-     العلاقة بين الغرب والإسلام .
2-     العلاقة بين التيارات الإسلامية .

الشق الأول: العلاقة بين الغرب والإسلام:   

يوجد مصالح استراتيجية سياسية واقتصادية وأمنية للدول الكبرى في المنطقة. ولكن تبقى في الحقيقة،الرؤية الثقافية للغرب حول العالم الإسلامي والخليج جزء منه هي التي تحدد اتجاه هكذا استراتيجيات – على الرغم من تمايزها في بعض الأحيان- للسيطرة على المنطقة وذلك لعدة أسباب منطقية. وهي كالآتي:

أ‌-     الإرهاب: اعتبار منطقة الخليج هي مصدر الإرهاب فكرياً ومادياً. وبالتالي، فالعامل الثقافي هو الذي يحدد هذة الرؤية.
ب‌- الطاقة : وهي أساس الاعتماد المتبادل بين دول العالم بأبعادها الاقتصادية والأمنية .
ت‌-  إشكالية علاقة العرب والمسلمين مع إسرائيل: وهذه المعضلة لها تداعيات خطيرة على الأمن العالمي، والدول الكبرى ملزمة التعامل مع هكذا مسألة معقدة .
ث‌-  الجيوش الأجنبية: لا يمكن بقاءها في الخليج للأبد. فمن هذا المنطلق، يجب بناء أنظمة جديدة للأمن والأمان. 

فالشكوك والمخاوف واضحة للعيان، عندما يتم التكلم عن تصور الدول الكبرى للمنطقة بأكملها، بما فيها الخليج العربي. ومشاريع الشرق الأوسط بأسمائه المختلفة(ومنها الربيع العربي) تحمل في طياتها، تصور كامل للمنطقة من جغرافي، سياسي، اقتصادي،أمني. وهو قائم على حزمة من التغييرات التي يراد تعميمها، والتي تحمل في مضمونها أبعاد ثقافية ومذهبية مقيتة. وهذا ما يطلق عليه حروب الهويات والثقافات في الشرق الأوسط. فالغرب أصبح مقتنعاً واقعياً، بأنّ الأوضاع المتأزمة في العراق وسوريا واليمن والسعودية ولبنان والبحرين، لا يمكن إيجاد حلول لها، إلا عن طريق التعاون والتفاهم مع إيران تحديداً. ولذلك، لا مفر أمام تلك الدول سوى البحث عن مسار للتلاقي مع الجمهورية الإيرانية.

ويبدو أن الغطاء الفكري لهكذا تقارب، قد يكون مرتكزاً على التسليم والاقتناع، بأنّ الخطر الإرهابي السّني (الوهابي) أشدّ وطأةً وفتكاً،ً من النفوذ الإيراني في المنطقة. وبالتالي، قد تكون القوة الإيرانية هي الوحيدة عملياً، القادرة على الأرض، مواجهة هذا الإرهاب الإسلامي السّني العربي ( ويمكن القول أن الدعم الإيراني الحالي المقدم للدولة العراقية في مواجهتها لإرهاب داعش يأتي في إطار التقاطع في المصالح، وأن كان بطريقة غير مباشرة). وبناء عليه، ينظر إلى إيران على الأقل كواقع يجب إعطاءه هامش للتحرك ولو بالحد الأدنى. وهذه السّياسة تساعد على نقل الصّراع والمواجهة من بين الغرب والإسلام، إلى المواجهة فيما بين النفوذ الشيعي والنفوذ السّني. وهذا ما يستدل عليه من خلال القراءة الإستراتيجيّة لكيفية تعامل الغرب، مع أزمات العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين.

الشق الثاني:العلاقة بين التيارات الإسلامية. 

وتكمن الخطورة في هذا الشق، بأن تستطيع الدول الكبرى تحقيق مصالحها من خلاله. فالمشهد الإسلامي، تتجاذبه وتتصارع داخله تيارات مختلفة. والواقع الخليجي والعربي يعكس كل تلك المتناقضات، المتنوعة والمتضاربة. والتي يمكن توضيحها، على الشكل التالي:

أ‌-     فكرياً: هنالك من ينادي بالإصلاح والتحرر، وهناك من ينظر للتحولات بمنظار تقليدي، ويوجد الأرهابيين الذين يحاولوا الخروج عن كل ما هو مألوف وإنساني. وهذا الحراك السياسي والاجتماعي، يلقي بظلاله على إمكانية الدول الخليجية وقدرتها، في الحفاظ على كياناتها ومصالحها.وفي المقابل يسمح للدول الكبرى التدخل تحت غطاء أمني وإنساني. ذلك من أجل تحقيق هدفين،الأول:الضغط على تلك الدول لتحقيق أهدافها تحت شعار الاستقرار والحفاظ على الأنظمة. الثاني: استغلال هذا الحراك لبناء نموذج حضاري ثقافي جديد يخدم تطلاعاتها.
ب‌-  مذهبياً: الخلاف الديني والطائفي في العالم الإسلامي(سني، شيعي، علوي، وهابي، حوثي، يزيدي، درزي، ماروني، قبطي..الخ)  دخل في عمق وجوهر أصول القناعات الدينية. فهناك سعي نحو فرز واصطفاف يلعب فية الموروث الطائفي، دوراً حيوياً في تثبيت ركائز ما هو قادم  في المستقبل. فواقع المجتمعات الحالي،في السعودية والعراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين ومصر، يبدو نموذجاً صارخاً لهكذا منطق.



وهذا الواقع يستغل ويتم التلاعب على تناقضاته من قبل الدول الكبرى على صعيدين:

1- داخل كل دولة على حدة كالخلافات المذهبية داخل اليمن، البحرين، الكويت، السعودية، إيران، العراق،  مصر، لبنان، تركيا، سوريا...الخ.
2-  فيما بين الدول: كالعلاقات العربية الإيرانية أو العربية العربية.  وهذا ما كان قد عبر عنه بعض الزعماء العرب حول ما يسمى الهلال الشيعي أو رفض مبادرة أمين عام الجامعة العربية السابق عمرو موسى عام 2010 التي تدعو لإجراء حوار استراتيجي مع إيران. ونستطيع القول أن الحرب السعودية على اليمن تأتي في نفس هذا السياق الفكري أيضاً.

فمن الجلي، أن هنالك رؤية فكرية سياسية قائمة على أحداث تغيّرات استراتيجيّة في المنطقة، لم تعد قائمة على مفهوم مصالح الدّول. فالآن نحن، أمام نفق لم تعد الصّورة واضحة المعالم فيه. إذ تشير المعطيات في العالم العربي وتحديداً في منطقة الخليج، إلى أننا أمام نظام جديد وخطير للغاية، يشبه واقع الدّول الأوروبيّة ما قبل توقيع معاهدة وستفاليا 1648. والرّهان على الوقت، قد لا يمكن أن يستمرّ طويلاً في ظل البيئة الاستراتيجيّة الخطرة، التي تعاني منها المنطقة بأسرها، والتي تسيطر عليها كل من الحركات الإرهابية المتطرفة، كالقاعدة وجبهة النصرة، وداعش والجيش السوري الحر(الجناح العسكري للأخوان المسلمين) المدعومة من قبل بعض الأنظمة الخليجية وتركيا وإسرائيل والغرب، لمواجهة النفوذ الإيراني والسوري وحركات المقاومة على المستوى الإقليمي، والنفوذ الروسي والصيني على المستوى العالمي.

فالمنطقة أمام تناقض خطير جداً. عربياً أصبح هناك وبلحظة ما، من يرغب بنقل الصّراع في الشرق الأوسط (بل بالفعل تم نقل هذا الصراع) من صراع عربي إسرائيلي استراتيجي، إلى صراع عربي إيراني. ومن المؤسف والمؤلم جداً، أن تتخذ العلاقات العربيّة العربية، أو العلاقات العربية الإيرانيّة، طابعاً مذهبياً مقززاً. ومن المستغرب هذا التحوّل في النظرة العربيّة لمصالحها الإستراتيجيّة. وهذه المعضلات والمعطيات، يمكن ملامستها من خلال طرح الإشكاليات التالية:

1- هل تستطيع (أو بالأحرى هل استطاعة) الدول الغربية من استغلال المخاوف العربية الثقافية والقائمة على أبعاد مذهبية لتحقيق أهدافها في المنطقة من تقسيمها لدويلات وفرق مذهبية؟ وهل تستطيع بالتالي تأمين حماية أمن الدولة العبرية؟

2- هل يُعقل أن ترتكز قاعدة واستراتيجية الأمن القومي العربي على أبعاد طائفية؟ ممّا يجعلنا نطرح تساؤلات إستراتيجيّة حول المصالح العربية القومية وأولويّات تحديد الأخطار وكيفيّة مواجهتها؟ فما هي منطلقات ودوافع تلك المصالح غير المتفق عربياً عليها أصلاً؟

لقد أصبحت التطورات في العالم العربي صاحب الخلل في موازين القوة مصدراً للقلق والتوتر. وهي بحاجة لرصد وبحث ومراقبة، لمحاولة إيجاد مقاربة فكرية تعيد التوازن الإستراتيجي المفقود عملياً منذُ زمن بعيد. هذه المقاربة، لا يمكن أن يكتب لها النجاح، إلا في حال كانت عملية إعادة التوازن مبنية على منطق تبادل المصالح. كما هو واقع الحوار والتفاهم الإيراني الغربي حول الملف النووي أو الوضع في العراق. والذي قد يكون بمثابة صورة ونموذجاً حقيقياً وعقلانياً عن مستقبل تلك المنطقة.

ولكن، يبقى التساؤل المؤلم والمقلق: أين العرب من كل هذا الواقع؟ وعلى أية قاعدة يمكن لنا بناء الأمن القومي العربي؟ القاعدة المذهبية المقيتة؟ أم قاعدة توازن القوى المفقود حالياً؟ أم قاعدة تبادل المصالح؟ فتحديد تلك القاعدة قد يمكن التماسها فقط، من خلال إعادة النظر بي موروثنا وواقعنا الثقافي، من قبل كل من القيادات والنخب والشعوب العربية. قبل أن يُصبح عالمنا العربي بين خياران لا ثالث لهما:أما القاعدة وأما داعش، وربما غداً أما طالبان وأما بوكو حرام؟

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com