2009-10-31

مرتكزات النظام السياسي اللبناني







سلام الربضي ........ باحث في العلاقات الدولية

مجلة صوت العروبة \ واشنطن \ 31.10.2009.


www.arabvoice.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=1726




كل نظام سياسي في الأصل إنما هو مجموعة من الحلول اللازمة للمشكلات التي يثيرها قيام الهيئات الحاكمة. وجعلها في هيئة اجتماعية وقانونية موحدة، متوازية تعرف بالدستور، حيث تقف عنده الجماعة في لحظة معينة. والنظام السياسي اللبناني منذ نشأته عام 1926 قائم على دستور يرتكز على الوفاق الوطني، والعيش المشترك.




قد تكون الاشكالية المطروحة هي أين التوقف ؟ 

في الداخل اللبناني من خلال طبيعتة الطائفية أم عند الدستور اللبناني بقواعده ؟؟؟
 

أم في الخارج حيث الوقوف عند الحدود الخارجية وتقاطعاتها الاقليمية والدولية ؟؟؟
 

والتسأؤل هل كان على لبنان أن يصبح مثل هؤلاء الآخرين؟


أو أنه كان على هؤلاء أن يصبحوا مثله؟
 

هل على لبنان، أن يقوم بالخطوات تجاه غيره؟


 أم أن على غيره أن يحذو الخطوات تجاهه؟

عند البحث في المرتكزات الأساسية للنظام السياسي اللبناني لابد من تتبع الأحداث، منذ إعلان الجمهورية ودستورها الأول. (1926) وتناول الاستقلال والميثاق الوطني. الدستور غير المكتوب1943ومعالجة دستور الطائف1990.



ومن البديهي على كل باحث، يرغب في دراسة النظام السياسي القائم في لبنان، أن يلقي نظرة على الماضي، بعيداً كان أو قريباً، نظرة فاحصة يمر بها خلال الأوضاع الدستورية المختلفة، والاحداث السياسية المتعددة التي تعاقبت على لبنان. ولأن تعاقب الأوضاع الدستورية، والحادثات السياسية على لبنان، قد خلقت تراثاً متميزاً، وخلقت تقاليد خاصة به، ومن خلالها نتمكن من إدراك وإيضاح التطور الذي حصل للنظام السياسي اللبناني .






1- الممارسة السياسية في عهد الاستقلال






إن الكيان اللبناني لم ينشأ بالصدفة، ولا هو مصطنع، ولا جزء من أي بلد عربي آخر، لأن الدول العربية كلها نشأت حديثاً كدول مستقلة، أما بالنسبة للبنان عرف في تاريخة صيغة استقلالية ذاتية، ضمن الإمبراطورية العثمانية، أولاً عبر نظام الإمارة (1516-1840) ثم عبر المتصرفية (1861-1915) الذي أنشأ نظاماً للحكم الذاتي، في وقت كان الجميع خاضعين لنظام الولاية العثمانية.
 



تم إقرار نظام جبل لبنان، وأهم ما يميزه آنذاك إصدار أحكام جبل لبنان لعام (1864) كالآتي:

أ- يتولى إدارة جبل لبنان متصرف مسيحي تنصبه الدولة العثمانية.
 

ب- يكون للجبل مجلس إدارة مؤلف من 12عضواً،أربعة موارنة،ثلاثة دروز، واحد سني، واحد شيعي، واحد روم كاثوليك واثنان روم أرثوذكس.
 

ج- قسم جبل لبنان، إلى سبعة أقضية وكل قضاء إلى نواحي، ويعين الحكام المتصرف




لقد تميزت الحقبة الممتدة من (1926) إلى (1943) بوجود حياة سياسية ذات مستوى متقدم، أولاً بسبب وجود قضية أساسية هي قضية إنشاء الوطن والكيان، وثانياً بسبب وجود طبقة من السياسيين الأكفاء والمثقفين، من كل الطوائف والمناطق، تعاطت مع الأحداث والتطورات على مستوى القضية الوطنية. وقد تجلت الممارسة السياسية الوفاقية في عام 1937 حيث أقدم رئيس الجمهورية أميل إده، على تعيين السيد خير الدين الأحدب رئيس للوزراء من الطائفة السنية، وأصبح منذ ذلك الوقت عرف وتقليد سار عليه النظام السياسي في لبنان وقد كان من عوامل ولادة الميثاق الوطني 1943.
 



وفي إطار التوافق حمل الدستور اللبناني عام 1926 في طياته، إشارة واضحة إلى حقوق الطوائف وحرياتها مما يترجم الوفاق. ومن تلك المواد في الدستور المواد من 7 إلى 15 خاصة المادة 9 حيث تنص على:
 

"حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال الله تعالى، تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام..." 


كذلك المادة 95 من الدستور حرصت على مراعاة حقوق الطوائف وتمثيلها في تأليف الوزارة والوظائف العامة.




الممارسة السياسية الفعلية بدأت بعد الاستقلال، وفقاً لمبادئ الدستور المعدل، الميثاق الوطني، وقبل الاستقلال لم تكن الظروف مؤاتية، إذ كان اهتمام السياسيين وعملهم منصب بشكل أساسي على الاستقلال، وكيفية التعامل مع الانتداب، وبالتالي فإن الممارسة السياسية تفاعلت بوتيرة عالية في ظل الدستور المعدل في عام 1943، الدستور الغير مكتوب، وهو الأرضية التي ينطلق منها النظام السياسي في لبنان.
 



إن إعطاء السلطة التنفيذية صلاحيات تفوق صلاحيات السلطة التشريعية، وفق الدستور، هذا مبدأ كان سائداً ومكرساً في النظام اللبناني السياسي. ولكن لم يستعمل بصورة يمكن فيها اتهام السلطة التنفيذية بأنها طغت على السلطة التشريعية. وبالغت في حل مجلس النواب، بل على العكس من ذلك. فإن وقائع التاريخ الاستقلالي لم يشهد، إلا ثلاث حالات من حل مجلس النواب. وبسبب قلة حالات الحل، لم يكن هناك نزاعات خطيرة أو جدية بين المجلس والحكومة تستوجب الحل، لأن الأكثرية الساحقة من القوانين التي كانت المجالس النيابية تقرها هي مشاريع قوانين، مقدمة من الحكومة.




على صعيد إقرار القوانين، فإن الغالبية الساحقة من النصوص التشريعية التي أقرت، على طول التاريخ الاستقلالي، إنما كانت على شكل مشاريع قوانين، سواء عادية، أو معجلة ذات أصل حكومي أو مراسيم اشتراعية. فعلى سبيل المثال بين عامي 1958 و 1976، خلال 18 عاماً تم إقرار 1955 نصاً تشريعياً بينها 188 نصاً فقط نتيجة مبادرات من أصل برلماني.
 

الحكومات كلها كانت تنال الثقة، لأنها كانت ولا تزال حكومات ائتلافية، تمثل الطوائف والمناطق والكتل البرلمانية، وبعض الأحزاب التي تنجح في إيصال عدد من مرشحيها إلى المجلس. والحكومات حين كانت تستقيل، فإن ذلك لم يكن يحصل بسبب فقدان ثقة المجلس فيها، بل لأنها كانت تنفجر من داخلها إثر خلافات واعتبارات خاصة بالحكومة ولأسباب أخرى.
 



المادة 58 من الدستور القانون المعجل,من أهم مواد الدستور، وأكثرها ابتكاراً. وهي بالذات كانت من صنع المشترعين اللبنانيين، وحدهم في تعديلات 1927.وهذه المادة تهدف إلى إيجاد وسيلة للحؤول دون تلكئ المجلس النيابي أو بطئه في إقرار القوانين، وكانوا المشرعين واعيين أشد الوعي لما يقومون به، وللانعكاسات المحتملة للنص على العلاقة بين السلطتين، لذلك يجب موافقة مجلس الوزراء على القانون المعجل قبل إحالته إلى مجلس النواب، ويوافق على إصداره قبل أن ينشره رئيس الجمهورية. إن التشريع بطريقة المعجل كانت صلاحية مهمة جداً في يد السلطة التنفيذية، ففي عام 1957، في عهد كميل شمعون، تم اللجوء للمادة 58 من الدستور 22 مرة، وفي عهد فؤاد شهاب 81 مرة. وبين عام 1959 و1981 تم وضع 557 مشروع قانون موضع تنفيذ 235 في عهد فؤاد شهاب و81 قانوناً وضعت في عهد الرئيس شارل الحلو و191 مرة في عهد الرئيس سليمان فرنجية. ولكن تم تقييد صلاحية المادة 58 في تعديل الطائف1990.




إذاً لم تكن هناك خلافات بين الحكومة والمجلس النيابي بصفتهما مؤسستين، وبالتالي إذا كانت الحكومات كلها حازت على ثقة المجلس بدون صعوبة أو عناء يذكر، ومشاريع القوانين العادية والمعجلة، لا تلقى معارضة من قبل المجلس النيابي. فلما تلجأ الحكومة إلى حل المجلس النيابي؟
  


منذ إعلان الميثاق الوطني، أصبح رئيس الوزراء يقوم عرفياً بالتوقيع مع رئيس الجمهورية على كل  
القوانين والمراسيم والقرارات المتخذة. وهذا العرف والتقليد السائد، الهدف منه التلاحم الوطني 
والحفاظ على التوازن الطائفي.




 

في الدساتير الحديثة ساد مبدأ فصل السلطات، وقد اخذ الدستور اللبناني بهذا المبدأ، وهو من مرتكزات النظام السياسي اللبناني. وتم فصل السلطات على أساس التعاون فيما بينها، إلا أنه بالواقع ميز بعضها بسلطان مستمد من النص الدستوري، وخولها حقوقاً خاصة، من شانها التأثير إلى حد كبير على أعمال إحدى السلطات.






 2- أزمات الحكم في ظل الدستور






إن النظام اللبناني قائم على الدستور والوفاق الذي تجلى عام 1943، حيث عمل على إقامة توازنات بين الطوائف ومشاركتها في عملية مباشرة السلطة في لبنان. كما إن صلاحيات رئيس الجمهورية مهمة ويجب أن يلجأ إليها في بعض الظروف، ولكن الإصرار على استعمالها غالباً قد يؤدي إلى إضعاف المؤسسة الرئاسية نفسها، حيث الرئيس يشكل دور الحكم والوسيلة الوحيدة لاستمرار اللعبة، في بلد تتعايش فيه وتضطرم ضمن نظام الحرية السياسية أشد النزاعات تناقضاً.


ومع مرور الزمن أصبحت عملية اختيار رئيس جديد للحكومة تتخذ أبعاداً داخلية وإقليمية متزايدة، وكان على رئيس الجمهورية أخذها بالحسبان، وفي هذا الصدد نشرت مرة إحدى الصحف اليومية عام 1973 رسماً كاريكاتورياً يظهر المدير العام السابق لرئاسة الجمهورية – بطرس ديب- يقول لرئيس الجمهورية سليمان فرنجية: "فخامة الرئيس هل تريد رئيساً للحكومة يكون صديقاً لليمين ولليسار، لسوريا وللعراق، للسعودية ولواشنطن، ولموسكو؟ فأجاب الرئيس في الرسم الكاريكاتوري قائلاً : "أخشى أن تكون أنت هذا الشخص يا بترو...".وبصرف النظر عن سخرية الرسام، إلا أنه في ذلك الوقت كان رئيس الجمهورية، بالرغم من حرية الاختيار مبدئيا،ً مضطراً لمراعاة العديد من الظروف السياسية، الداخلية، والإقليمية .
 

نتيجة لهذا الواقع يمكن التساؤل:


هل كان على لبنان أن يصبح مثل هؤلاء الآخرين؟


 أو انه كان على هؤلاء أن يصبحوا مثله؟

سؤال عميق لا بد أن يطرح لكل باحث يحاول أن يعالج قضية لبنان ونظامة، وأن يفهم أسباب الأزمات التي دارت فيه...


ففي 8 أيار عام 1958، تنادت المعارضة بقيادة صائب سلام وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وسواهم إلى إعلان الإضراب، وثم وقعت أعمال عنف ونشبت ثورة مسلحة في بيروت وطرابلس والشوف وصيدا، ومن دوافعها اتهام الرئيس شمعون بالسعي إلى تجديد رئاستة بعد أن سقط زعماء المعارضة في الانتخابات النيابية، وتعاطفه مع مشروع أيزنهاور. ورفضه عام 1956 قطع العلاقات مع فرنسا وإنكلترا بعد الهجوم والعدوان الثلاثي على مصر، فعملت الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) إلى مؤازرة المعارضة بالسلاح والمال، ومن الطرف الآخر أي الاتحاد العربي (الأردن والعراق) أيدا الشرعية المتمثلة بالرئيس شمعون، ونتيجة انقلاب 14 تموز في العراق، تخوف الغرب من تحول المنطقة ضد مصالحها، فأنزلت الولايات المتحدة بناء على طلب الرئيس شمعون، قواتها في لبنان وأرسلت إنكلترا قواتها إلى الأردن اتقاء لأي مد ناصري. وانتهت الثورة بانتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.





إن رضى الطوائف إنما شكل الأساس الذي تقوم عليه السياسة اللبنانية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وإن عدم مراعاة تلك الحقائق عرض الوطن اللبناني والنظام إلى هزات عنيفة مثل أزمة .1958 . كذلك الحال بالنسبة إلى أزمة اتفاق القاهرة 1996,وأن العوامل التي أدت إلى نشوء تلك الأزمة ظاهرة للعيان منها ما هو داخلي، وما هو خارجي.
 

وأتفاق القاهرة أسس لمشكلة كبيرة جداً، من جراء تشريع العمل الفدائي، والانفجار الكبير عام 1975. إذ استطاع الاتفاق نقل الأزمة أو أن يؤجل الانفجار، والتأجيل بحد ذاته حل، هذا ما كان يردده دائماً الرئيس شارل الحلو ، حيث تم توقيع الاتفاق في عهده. ومن المفارقة إن مجلس النواب اللبناني  أقر اتفاقية القاهرة دون أن يطلع على مضمونها.
 

وبما إن الشرق الأوسط كما لبنان كانا يمران في أخطر مرحلة، منذ حرب 1967 حتى حرب 1973، وبعد نكسة 1968 تحولت بيروت إلى مكان للتعبير عن مردودات الهزيمة العربية وانعكاساتها. وبما أن لبنان لم يشترك في حرب حزيران 1967، فإن بعض النقمة، عن كل ذلك الهيجان السياسي ارتدت ضده، خصوصاً وأنه كان أول المستفيدين من المقاطعة العربية لإسرائيل منذ 1948 ناهيك عن الاختلاف بين نظام الحكم اللبناني الديمقراطي والأنظمة العربية الأخرى .



إن الحرب في لبنان لم تكن طائفية في المبدأ، إنما اتخذت وبتخطيط من بعض المستفيدين في مرحلة من مراحلها الطابع الطائفي. إن السلوك الانقسامي لأهل الحكم الذي قدم لغياب الدولة، وأفقدها لصلاحياتها، وحيث تناسى رئيس الجمهورية في أكثر من وقت ومناسبة صفته كحكم، وجهر بسياسات فئوية، فكان الرد عليه من رئيس الحكومة، بأنه يمثل كذلك مجموعة معينة، متجاوزاً الثقة الممنوحة له من المجلس النيابي على اختلاف طوائف أعضائه. وكان لهذا المنحنى الانقسامي أثره البالغ على عمل المؤسسات ولاسيما العسكرية منها. لقد بدأت حالة من الإفلاس الوطني، مرافقة لها أزمة اقتصادية، ناهيك عن التشرذم الثقافي في مناهج تعليمية متناقضة.
 



وخارجياً، لقد كان التواجد الفلسطيني المسلح على الأراضي اللبنانية وارتباط الفلسطينيين مع الدول العربية المنقسمة فيما بينها. بالإضافة إلى التدخل الإسرائيلي عام 1978، 1982،تقاطرت مجمل تلك الأحداث، ليغوص لبنان والنظام السياسي فيه، بالمأساة الأطول في تاريخه.
 

إن الامتحان القاسي والأقسى للنظام السياسي اللبناني حدث في سنوات الحرب والمحنة. وهي تجربة حاسمة كان يمكن لها ان تعيد فيما بعد على إرساء الحل على القاعدة السلمية والسليمة . ولكن الممارسة السياسة الداخلية للبنانيين بالإضافة إلى الممارسة الاقليمية المتمثلة بالسعودية وسوريا لم تكن على مستوى تلك المحنة وأبعادها الخطيرة.






3- تعديلات الطائف في مضمونها الأساسي






كثيرة الأسباب التي دفعت بالنظام السياسي اللبناني إلى الطريق المسدود وقادت إلى انفجار الوضع، واندلاع الحرب التي هددت مصير الوطن اللبناني، ولكن أكثر الأسباب رجوحاً كانت طائفية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية وخارجية. فالدستور بالرغم من كل شيء، ومن حالات الخروج على الشرعية، بقي مرجعية محاطة بالهيبة، لأن اللبنانيين، شأنهم في ذلك شأن جميع الخائفين على مصيرهم ومصير بلدهم الصغير.ربطوا الدستور بكيان البلد نفسه، وبالتالي مرتكز النظام السياسي الأساسي، واعتبر أن تلك المرجعية، إذا تعطلت نهائياً، تعطلت أسس ذلك الكيان والنظام، وقد تحققت المخاوف التي عصفت بنفوس اللبنانيين في سنوات الحرب الطويلة.وبخلاف بعض الحلول التي وضعت للحروب الداخلية، المعاصرة الأخرى، وبالنظر تحديداً إلى استحالة البحث في أي مشروع خارج وحدة الأرض والشعب والمؤسسات في لبنان .


المرور عبر الدستور هو المدخل الطبيعي لأي حل للأزمة اللبنانية، في شقها الداخلي على الأقل. وهو ما يجمع اللبنانيون على قبوله، بالنظر إلى منزلة الدستور لديهم، مرتكز نظامهم السياسي، الذي يجمعهم ويوحدهم، في إطار العيش والمصير المشترك.على الرغم من الاشكاليات التي يطرحها اتفاق الطائف اولها توقيعة خارج الاراضي اللبنانية وليس اخرها توقيعة تحت وطأة الاحتلال السوري انذاك. فتعديلات الطائف في مضمونها الأساسي قد تكون تجاوزت موضوع إعادة توزيع الصلاحيات، وكرست بصورة قوية وحاسمة التعديلات، المبادئ التواقفية، العيش المشترك، الخيار الديمقراطي، الحريات العامة والنظام البرلماني.




إن التوافق حول المبادئ العامة في مقدمة الدستور يجب النظر إليه، على أنه من أسس العيش المشترك، فالدستور أدرك مفهوم المواثيق ودورها الأساسي، إن في تطور لبنان التاريخي وإن في عمليات البناء لمؤسسات الدولة . فكانت مقدمة الدستور "بأن لا شرعية لأي صيغة تتناقض وميثاق العيش المشترك". لها معناها الكامل، لأنها اختصرت مفهوماً ليس لحياة لبنان فحسب، بل لكل شأن يفترض أن يرعى شؤونه العامة والوطنية .


من الصعب أن تنجح أي عملية بناء على الصعيد الوطني. إن لم تكن مستندة إلى مقتضيات الوفاق، الذي هو من سمات النظام اللبناني والاحداث التي مرت بلبنان منذ العام 2005 تعكس حقيقة هذا الواقع . إذ يجب النظر دائماً إلى ما هو مطلوب من زاوية تدعيم البناء، فإذا ابتعدت المطالب عن المصلحة الوطنية، المستندة على الوفاق، لظهر الوضع بأنه نزاع بين الطوائف أو الأشخاص وهو أخطر ما يهدد لبنان في بنائه الوطني ككل.




في الطائف قد تم إعادة توزيع الصلاحيات، فنقل قسم كبير من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء . بالرغم من أن عدداً من النواب الذين شاركوا في ذلك المؤتمر يرددون القول، بأن ما حصل بشأن التعديلات المتعلقة، بصلاحيات رئيس الجمهورية، ما كان إلا تكريساً لواقع الممارسة السياسية للسلطة التنفيذية، ولواقع العلاقة بين رئيس الجمهورية والحكومة، إلا أنه لا بد من الملاحظة، أنه على الصعيد الدستوري الصرف فإن النصوص تعدلت تعديلاً جذرياً، وبشكل خاص المادتان 17،53، وهما متلازمتان في مضمون ممارسة السلطة التنفيذية.
 

المادة 53 المعدلة، التي تنص على صلاحيات رئيس الجمهورية، ذكرت في فقرتها الثانية أن رئيس الجمهورية "يسمي رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلع رسمياً على نتائجها. لقد حصل تعديل جذري للحياة السياسية اللبنانية، فمهما كانت التفسيرات التي أعطيت أو التي ستعطى في المستقبل للفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور، فإن صلاحيات رئيس الجمهورية في هذا المجال باتت مقيدة سياسياً ودستورياً.


ومن الجدير التوقف عند وملاحظة ما حصل في 30 تشرين الثاني 1998 عندما اعتذر الرئيس رفيق الحريري عن تشكيل الحكومة وهو أيضاً ما حدث مع الابن سعد الحريري اثناء تشكيل حكومتة الاولى والتي اثارت اشكاليات مختلفة منها الفترة اللازمة لتشكيل الحكومة وكيفية التنسيق مع رئيس الجمهورية حول اختيار اعضائها بالإضافة إلى اشكالية حرية الاطراف السياسية في اختيار من يمثلها في الحكومة.


لقد طرحت العديد من التساؤلات الدستورية، علماً بأن ما قد يكون في ذلك الحدث ما يتجاوز الأشكالية الدستورية، إلى السؤال الأشمل والأعمق:.
 

أين هو موضع السلطة في لبنان؟؟؟؟؟


أن الطائفية واضحة في النصوص الدستورية. ولقد تم التطرق إلى الموضوع الطائفي في الدستور في مواد جديدة لم تكن واردة في الدستور القديم، علماً بأن في الدستور القديم أكثر من مادة متعلقة بالموضوع الطائفي ما تزال سارية المفعول. الطائفية موجودة في النصوص، كدليل على الواقع البشري والمجتمعي والسياسي الذي تميز به لبنان، وتلك النصوص تهدف إلى تأمين حقوق الجميع وخصائصهم، في إطار الوحدة الوطنية.
 

الفقرة (ي) من المقدمة والفقرة (ح) وفيما يخص إلغاء الطائفية، من أبرز التعديلات المنبثقة عن الطائف، من حيث التكريس السياسي لحل المشاكل أي جاءت لتكرس الحل السياسي وترسبه على أسس دستورية. والمادة (19) المتعلقة بإنشاء المجلس الدستوري لمراقبة دستورية القوانين، على حق "رؤساء الطوائف المعترف بهم قانوناً" بمراجعة المجلس حصراً، فيما يتعلق بالأموال الشخصية وحرية التعليم الديني، حيث كرس الدستور الصفة الرسمية لرؤساء الطوائف اللبنانية.


أي مراقب محايد للدستور اللبناني لا يمكنه إلا أن يتساءل عن مدى الانسجام بين المادة (19) والفقرة (ح) من المقدمة، حيث مادة تكرس حق رؤساء الطوائف من جهة، ومادة أخرى تنص على إلغاء الطائفية من جهة أخرى. ومن الملاحظ أن الدستور (الطائف) لم يتجاهل موضوع الطائفية، بل حاول أن يعالجه بروحية الخلاص من مشكلة تعترض الحياة السياسية منذ بداية ظهور لبنان ككيان، حتى قبل قيام الدولة.
 

موضوع إلغاء الطائفية السياسية كان ولا يزال موضوع شديد الدقة، لا تتم معالجته بسهولة، حيث أن إعادة تكوين الحياة السياسية بعد الحرب، وخلال الفترة الانتقالية التي تتبعها وما تزال قائمة. وفي ظل مخاوف عديدة، إزاء المستقبل على ضوء مشاريع السلام في الشرق الأوسط، ومن واقع الصراع القوى في الداخل، والقوى المطالبة بحقوقها طائفياً، فإن إلغاء الطائفية السياسية لا يتم في ظل أجواء من هذا النوع فهذا يعني أنه مؤجل؟؟؟؟؟.


على الرغم  ان كثر هم من يشكك في الكيان اللبناني، لكن أثبتت التجارب المتلاحقة عليه أنه كيان مستقل ووطن نهائي لجميع أبنائه في ظل دستور وفاقي يثريه تنوع المجتمع على اختلاف طوائفه ولبنان بطبيعة تكوينه، وبتحديات الأخطار التي أحاطت به وتحيط، بعناصره الخاصة جعلت منه كيان ذي تجربة فريدة لا يمكنه إلا أن يكون على موعد مع الغد. والتجربة اللبنانية تشبه نظرية الثورة الدائمة ولا يمكن للبنانيين، أن يقولوا في يوم من الأيام أن مشاكلهم قد انتهت، لأنه لا بد لعدد من المشاكل أن تبقى مرافقة لهم.....





2009-10-28

المنظور الإستراتيجي الإسرائيلي وإيران وسوريا


سلام الربضي ..... باحث في العلاقات الدولية



مجلة صوت العروبة\ واشنطن11\10.\2009

www.arabvoice.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=16965



اهتمام إسرائيل في المشرق العربي بتفتيت دوله ينبع من أسباب واعتبارات حيويّة, فعندما تتكلم اسرائيل عن مصالحها ومجالها الحيوي لا يمكنها التمييز بين حدود 1948 وحدود 1967 لأنّ المهم بالنسبة لها هو أن تكون حدودها آمنة بصرف النظر عن موقع هذه الحدود وطبيعتها على الخريطة,فالحدود ترتبط في إسرائيل ارتباطا عضويًا برؤيتها لطبيعة دولة اسرائيل الدولة اليهوديّة. فإسرائيل لا تكتفي وفقا لاستراتيجيّتها بتفتيت تلك المنطقة فقط بل أيضا اعادة رسم حدودها السياسيّة وإعطاء نفسها الحق في التمدّد وفقا لمقتضيات استراتيجيّتها ومجالها الحيوي، واضعة نصب عينيها القنبلة الديموغرافيّة التي سوف تواجهها وفق رؤيتها لمشروع إسرائيل الجديدة أي إسرائيل اليهوديّة.

الحدود الآمنة بالنسبة لإسرائيل هي الحدود التي تمكّن إسرائيل من السّيطرة على كل المنطقة الواقعة بين النهر والبحر، وهذا الفهم الخاص جدًا للحدود الآمنة هو الذي يحدّد المصالح الاستراتيجيّة الاسرائيليّة والموقف من قضيّة التسوية مع العرب. والسّيطرة بالمفهوم الاسرائيلي ليست السّيطرة بالمعنى العسكري بل تشمل السّيطرة السّياسيّة، الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والسّيطرة الديمغرافيّة بالدّرجة الأولى.

المبحث الأول : الشرق الأوسط الكبير.

أ- مشروع الشرق الأوسط الكبير:


لا وجود ولا مستقبل بالمنظور الاستراتيجي الاسرائيلي لإسرائيل الا بالسّيطرة الفعليّة والكليّة بالوجود السّكاني الخالص لليهود في حدودها.


وتعتمد إسرائيل في تحديد مصالحها الاستراتيجيّة وإدارة صراعها مع دول المنطقة على منهج واضح ودائم يرتكز على الدّعامات التالية:


‌أ- اعتماد إسرائيل في المقام الأوّل على قواها وقدراتها الذاتيّة وأن تعمل باستمرار على تطويرها بحيث تحقق التفوّق على كل من يعتبر أو يشكل تهديدًا لأمنها القومي الحيوي.


ب- ادراك إسرائيل حاجتها الى حلفاء أقوياء تعتمد على خدماتهم، ولكن يجب عدم ربط الأمن القومي الاسرائيلي بمصير أحد.


ج- اعتقاد حلفاء إسرائيل بأنّ كل ما يحقّق مصلحة إسرائيل هو شعور يجب زرعه لدى الحلفاء وجعلهم يؤمنون به.

د- اعتماد الحلفاء على إسرائيل منهجا يجب ترسيخه فبوسعهم الاعتماد على إسرائيل بمقدار اعتمادها عليهم وبالتالي حاجتهم لاسرائيل هي بمقدار حاجتها لهم ان لم يكن أكثر
.
و- كلّ ما هو عربي أو اسلامي وليس فلسطينيًا فحسب يشكل تهديدًا حاضرًا أم مستقبلا للأمن القومي الاسرائيلي


السّمة الايديولوجيّة لأي نظام لا تعني إسرائيل بشيء بمقدار طبيعة سلوك وممارسة تلك الأنظمة تجاه المصالح الاسرائيليّة الاستراتيجيّة القوميّة.

لا تهتم إسرائيل كثيرًا بما إذا كانت الدّولة العربيّة أو الاسلاميّة المعنيّة ديمقراطيّة أو غير ديمقراطيّة، وطنيّة أو قوميّة، رأسماليّة أو اشتراكيّة، علمانيّة أو غير علمانيّة. انّ كل دولة تقع في اطار مجالها الحيوي الاستراتيجي وتعتمد نظامًاً سياسيًا قويًا ومتماسكًًا لديه سياسة مستقلة يمكن أن تشكل خطرًا أمنيًا أو مستقبليًا على الأمن القومي الاسرائيلي. وذلك بغضّ النظر عمّا إذا كان هذا النظام السّياسي مرتبطا مع إسرائيل بمعاهدة سلام أو حسن جوار. فالمصالح القوميّة العليا لاسرائيل نابعة من عقدة أمنيّة وديمغرافيّة قد تكون مستعصية على الحل.

ترى إسرائيل أنّ انخراطها في هذا المشروع سيعود عليها بفوائد سياسيّة، اقتصاديّة وأمنيّة. وهي تعتبره محطة انطلاق جديدة في مسار وجودها وتطوّرها. هذا، وكانت إسرائيل نقطة مركزيّة في البحث والحوار حول مشاركتها في أيّ نظام شرق أوسطي. وإذا أردنا الغوص في حيثيّات أقدميّة المشروع والى من تعود فكرته، نكتفي بقراءة كتاب شمعون بيريس "الشرق الأوسط الجديد" وربطه بما يطرح الآن في هذا الإطار لنرى أنّ إسرائيل هي الأساس المحوري في النظام الشرق أوسطي. فهو يطرح في كتابه أفكارًا قائمة على إقامة نظام إقليمي تكون إسرائيل جزءًا محوريًا فيه. وهذا النظام قاعدته: الأمن، الاقتصاد، وإشاعة الديمقراطيّة وهذه الأفكار هي دعائم النظام الشرق أوسطي الكبير أو الأوسع.

وبغضّ النظر عن اسم وحجم هذا المشروع، فانّ إسرائيل تحتل موقع المحور والقاعدة الاستراتيجيّة فيه. والمصالح الاستراتيجيّة لإسرائيل تكمن في كل طيّاته حيث ترى أنّ انخراطها في هذا المشروع سيعود عليها بفوائد سياسيّة جمّة، إذ سيفسح في المجال أمام قيام علاقات طبيعيّة بينها وبين جيرانها، وسيمكّنها من تدوير الزوايا الحادّة في القضيّة الفلسطينيّة، القدس، اللاجئين وحق العودة. وانّ مثل هذا المشروع سيكبح مسار التكامل العربي، وسوف يسهّل أيضًا لإسرائيل الانخراط في إطار متعدّد القوميّات على نحو متكافئ مع الهويّات الأخرى.
من الناحية الاقتصاديّة، فانّ هذا المشروع قد يؤدّي إلى تحويل إسرائيل إلى شريك اقتصادي في أسواق المنطقة ومياهها وبنيتها التحتيّة. وفي ظل اقتصادي عالمي قائم على المعرفة والتكنولوجيا، فانّ إسرائيل ستكون من منطلق تفوّقها التكنولوجي، صاحبة الموقع المتميّز في هذا النظام. وعلى الصّعيد الأمني، فانّ الأمن الإسرائيلي هو على قائمة المصالح التي يضمنها ويحققها المشروع لتصبح إسرائيل جزءًا من هذا الأمن بدلا من كونها خطرًا وعدوّا لهذا الأمن العربي. باختصار، يمكن القول إنّ هذا المشروع يريد ترسيخ إسرائيل بالمنطقة.

المصالح الاستراتيجيّة الإسرائيليّة من الحرب الأميركيّة على العراق تتجلى في الدّرجة الأولى بالعمل على تفتيت الدول العربية من قناعة لا ريب فيها لدى إسرائيل، ومفادها أنّ الأمن الحقيقي لإسرائيل لا يمكن أن يتحقق على المدى البعيد طالما أنّ لهذه المنطقة هويّتها العربيّة والإسلاميّة، وطالما وجدت دول عربيّة نسبيّاً كالعراق، سوريا ومصر. فالأمن الحقيقي لإسرائيل يقتضي تغيير هويّة المنطقة الثقافيّة، الحضاريّة والسّياسيّة إلى "شرق أوسطية". وبالتالي، لا بدّ من تغيير تركيبتها الاجتماعيّة إلى فسيفساء طائفيّة وإقليميّة.

ب- رؤية إسرائيل الشّرق أوسطيّة:




طالما بقيت المنطقة عربيّة ستبقى إسرائيل غريبة فيها, وأذا أصبحت هويّة المنطقة شرق أوسطيّة، أي أصبح وضع كل المنطقة شاذا، فإنّ وجود إسرائيل سيصبح طبيعيّاً فيها.والاحتلال الأميركي للعراق جاء ليصبّ في هذه الخانة، فإسرائيل ترى بأنّ العراق المقسّم والمفتّّت إلى مذاهب وطوائف ودويلات متعدّدة هو النموذج والبداية لما يجب أن تكون عليها المنطقة بأسرها مستقبلاً لتضمن بذلك أمنها الحقيقي في المستقبل البعيد.

الأمن الحقيقي الإسرائيلي على المدى البعيد يتطلب تنفيذ مشروع تفتيت التفتيت أو تجزئة التجزئة، من أجل خلق فراغ إقليمي يسمح لإسرائيل أن تلعب الدّور الإمبراطوري، السّياسي، الاقتصادي، الثقافي والأمني الذي تطمح له. وبالتالي خلق محيط تابع تستمدّ منه إسرائيل القوّة والحيويّة من خلال تحويل التهديد المحتمل إلى مجال حيوي يصل إلى أطراف الصين.

الوثيقة الإسرائيليّة التي وضعتها المنظمة الصهيونيّة العالميّةWorld Zionist Organizationالتي ترجمها البروفيسور إسرائيل شاحاك عن مجلة كيفييم، تعكس رؤية إسرائيل الشرق أوسطيّة للمنطقة برمّتها.ومن المقتطفات الرئيسيّة في هذه الوثيقة التاريخيّة الاستراتيجية:

1- مصــر:

إنّ تفكيك مصر إقليميّا إلى مناطق جغرافية متمايزة هو الهدف السياسي لإسرائيل في الثمانينات على جبهتها الغربية.فإذا أسقطت مصر، فإنّ دولاً مثل ليبيا والسودان، وحتى الدول الأبعد لن تتمكن من البقاء بشكلها الحالي، وسوف تلحق بسقوط وانحلال مصر,انّ الرؤيا التي تتمثل بدولة قبطية مسيحيّة في أعالي مصر، إلى جانب عدد من الدول الضعيفة ذات السلطات المحليّة التي لا ترتبط بحكومة مركزيّة، هي مفتاح التطور التاريخي الذي أجّله فقط اتفاق السّلام، والذي سوف يتبدّد حتميّاً على المدى الطويل.

2- سـوريـا:

إنّ سوريا سوف تتناثر بالتطابق مع تركيبتها الإثنيّة والدينيّة إلى عدد من الدول، بحيث يكون هناك دولة شيعيّة علويّة على السّاحل ودولة سنّّيّة في مناطق حلب، ودولة سنيّة أخرى في منطقة دمشق تعادي جارتها السّنيّة في الشمال. أمّا الدروز، فسيكون لهم الدولة الخاصة بهم أيضًاً، ربّما حتى في الجولان، وبالتأكيد في منطقة حوران وأجزاء من شمال الأردن. وهذه الحالة سوف تكون ضمانة الأمن والسّلام في المنطقة على المدى البعيد.
3_ العــراق:

إنّ العراق الغني بالنفط من جهة، والممزّق داخليًا من جهة أخرى، مضمون كمرشح لأحد أهداف إسرائيل إن انحلاله أكثر أهمية بالنسبة لنا من انحلال سوريا,فالعراق أقوى من سوريا، وعلى المدى القصير، تشكل القوّة العراقية الخطر الأكبر على إسرائيل... وكل خلاف عربي داخلي سوف يساعدنا على المدى القصير، وسوف يمهّد الطريق لتحقيق الهدف الأهم، أي تحطيم العراق إلى طوائف كما في سوريا ولبنان, فتقسيم العراقً إلى أقاليم على أساس خطوط إثنيّة دينيّة كما كان الحال في سوريا خلال الزّمن العثماني هو أمر ممكن,وهكذا ستقوم ثلاث دول أو أكثر حول المدن الأساسية الثلاث: البصرة، بغداد والموصل وستنفصل المناطق الشيعيّة في الجنوب عن السّنة والأكراد في الشمال، ومن الممكن أنّ المواجهة العراقية – الإيرانية الحالية قد تعمّق هذا التبلور.


4- السعوديـة:


أن الجزيرة العربية بأسرها مرشحة طبيعيًا للتفكك بسبب الضغوطات الداخليّة والخارجيّة، وهذا الأمر محتوم خاصّة في السعودية، وبغضّ النظر عمّا إذا بقيت قوّتها الاقتصاديّة أم تضاءلت على المدى الطويل، فإنّ الانشقاقات الداخليّة والانهيارات ستكون تطوّرًاً طبيعيًاً وماثلاً في ضوء التركيبة السّياسيّة الحاليّة.

5- الأردن:

إنّ الأردن يشكل هدفًا استراتيجيًا آنيًا على المدى القصير، ولكن ليس على المدى الطويل. فالأردن لا يمثل خطرًاً جدّيًاً على المدى الطويل بعد انحلاله ونقل السلطة إلى الفلسطينيين وليس هناك أيّة فرضيّة لاستمرار الأردن بتركيبته الحاليّة مدة طويلة وسياسة إسرائيل في الحرب والسّلام يجب أن تتوجّه نحو تصفية الأردن بنظامه الحالي، نقل الحكم للأغلبيّة الفلسطينيّة وتغيير النظام شرق النهر، فيكون الأردن لهم، والمناطق غرب النهر لليهود سيكون هناك تعايش وسلام حقيقيين فقط عندما يفهم العرب أنه بدون حكم يهودي بين النهر والبحر، لن يكون لهم أمن ولا وجود، فإذا أرادوا دولة وأمنا فإنّ ذلك سيكون لهم في الأردن فقط


المبحث الثاني : إستراتيجية إسرائيل الاحتوائية .


لقد صرّح وزير الدّفاع الإسرائيلي السّابق موفاز مشدّدًا على أنّ أهمّ هدف ستجنيه إسرائيل من الحرب على العراق وإقامة نظام موالي للغرب فيه هو عمليّة احتواء لكل من سوريا وإيران. وبالتالي سوف يؤدّي إلى الضّغط على إيران لتتخلى عن مشروعها النووي، وهو ما يحدث بالفعل الآن بالإضافة الى التّخلي عن حزب الله. كما أنّ سوريا ستجد نفسها مجبرة لتتوقف عن دعم المنظمات الفلسطينيّة. وزيادة الضّغط عليها هو للقبول بحل وسط لهضبة الجولان.


أشارت تقارير مراكز الأبحاث التابعة لجهاز الاستخبارات العسكري الإسرائيلي أنّ وضع إيران وسوريا بعد إسقاط النظام في العراق سيكون أكثر بؤسًا. وسيكون فكّا الكمّاشة أكثر ايلامًا على دمشق وطهران حيث يتمّ تطويقهما بأفغانستان وتركيا والجيش الأميركي في العراق طبعًا بالإضافة إلى إسرائيل، وبالتالي تصبح التهديدات الأميركيّة والإسرائيليّة لكلا البلدين أكثر جدّيّة.

الاحتلال الأميركي للعراق قد جعل سوريا مطوقة ومحصورة ومحاصرة بالقوات الأميركية المحتلة إلى الشرق والقوات الإسرائيلية إلى الجنوب والغرب للبحر ومن فيه وقد أضافت الأزمة السياسية المتفاقمة خطورة في لبنان والتي استدعت الكثير من الدول إليه وغالباً بذريعة حمايته من سوريا أبعاداً دولية تستفيد منه بداية وانتهاء إسرائيل.

إنّ التعاون الأمني ما بين الموساد والأكراد في شمال العراق يعبّر عن مدى الخطورة التي تتعرّض إيران وسوريا لها، خاصّة إيران وهي من حيث البعد الأمني والاستراتيجي تعتبر العدو الأوّل للأمن القومي الاسرائيلي، سواء على صعيد امتلاك إيران لبرنامج نووي ووجود صواريخ شهاب ذات المسافات البعيدة المدى والقادرة على حمل رؤوس نووية من جهة أو مواقف إيران المعادية لإسرائيل من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق، فانّ إسرائيل أصبحت تعمل على أساس أن تكون إيران الهدف الثاني بعد العراق .

من خلال متابعة المناورات العسكريّة الإسرائيليّة البحريّة وتطوير قدرات إسرائيل على شنّ عمليّة برّيّة في مناطق ودول تبعد عنها آلاف الأميال، وشرائها لغوّاصات دولفن الألمانيّة القادرة على الإبحار في المحيطات، ووجود طائرات (اف- 16 و اف-15) ، بالإضافة إلى الصّواريخ البالستيّة متوسّطة المدى طراز "اريحا 1" و "اريحا 2" التي تعتبر من أدوات الذراع الطويلة، فانّ إسرائيل قادرة على ضرب أهداف بعيدة في إيران وباكستان مثلا. كما أنّ ما يتمّ دراسته الآن من قبل رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي هو شراء وبناء سفن انزال برمائيّة كبيرة الحجم تستطيع الإبحار في المحيطات ولمسافات بعيدة وتأدية مهمّات متعدّدة. وهذه السّفن البرمائيّة المقترح شرائها أو بنائها يصل وزنها إلى 3 آلاف طن وتستطيع نقل نحو600 جندي مع معدّاتهم. ووفقا لمصادر صحيفة "ديفنس نيوز" نقلا عن القيادات العسكريّة البحريّة والبريّة الإسرائيليّة قولها أنّ حرب إسرائيل ضد الإرهاب وسعيها إلى منع انتشار أسلحة الدمار الشامل قد يقودانها إلى خوض هجمات سريعة تبعد آلاف الأميال عنها.

من المنظار المعمّق للبعد الاستراتيجي والعسكري، كثيرًا من التساؤلات تطرح من جرّاء تعزيز إسرائيل قدراتها لمهمّات بعيدة المدى. والتساؤل مطروح عن حاجة إسرائيل إلى أسطول برمائي بهذا الحجم ما لم تكن لديها خطط توسّعيّة أو لفرض هيمنتها على ما بات يعرف ب"الشرق الأوسط الأوسع" الممتد من موريتانيا حتى حدود الباكستان والهند وضمّ أفغانستان وإيران وتركيا. فبالرّغم من المكاسب الاستراتيجيّة التي حصلت عليها إيران نتيجة الحرب، فهي لا تكفي لتحقيق اطمئنانها الاستراتيجي المفترض.

وإذا كانت السّياسة الإيرانيّة تبدو سياسة ردع دفاعي، وإذا كان مضمون الموقف الإيراني من الحرب على العراق قائمًا على الحياد الايجابي، والتكّيّف مع الواقع الدّولي واعتماد مبدأ القدرة على امتطاء جوادين في وقت واحد، فانّ حدوث عدوان أميركي أو إسرائيلي سوف يبقى واردًا جدًا وبأشكال مختلفة.

على الرّغم من أنّ الأنظار متجهة حاليًا نحو العراق، الا أنّ إيران بشكل خاص لا تزال وستبقى حاضرة في مكوّنات المشهد الأميركي الإسرائيلي. وهل ستتحقق مقولة البروفيسور الإسرائيلي ارنون سوفير من مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب "اني مستعدّ للمراهنة على أنّه في غضون خمس سنوات لن تكون إيران تشكّل تهديدا لإسرائيل"، وهذا أيضا تغيير ينبغي أخذه بالحسبان في بناء القوّة العسكريّة للجيش الإسرائيلي الذي يتكيّف بسبب إيران مع مهمّات بعيدة المدى جدًا.

منطقة الشرق الأوسط تشهد صراعًاً محدودًاً اقليميًاً ودوليًاً بين أطراف مختلفة على رأسها إسرائيل وإيران للسّيطرة عليها وإعادة رسم خارطة القوّة في هذه المنطقة الحيويّة من العالم. ويعتبر النزاع القائم الآن حول الملف النووي الإيراني أحد أهم مظاهر صراع القوّة في المنطقة. فتحجيم إيران اقليميًاً هدف استراتيجي إسرائيلي بامتياز من اجل بقائها القوة الكبرى إن لم نقل الوحيدة في المنطقة.

أصبحت إيران تمثل قضيّة إسرائيل الأولى في الشرق الأوسط. فإيران دولة كبيرة ذات ثروات ماديّة ضخمة وقدرات إنسانيّة، والأهم من ذلك تؤمن بإيديولوجيّة وأفكار تتعارض تمامًاً مع المصالح الإستراتيجيّة الإسرائيليّة. فإيران لا تنطلق في إستراتيجيّتها من إطار إقليمي فقط، بل أيضًا من عمق حركة التجديد ومسيرة التكامل الفكري والايديولوجي داخلها. فالجيل الثاني من الثورة في إيران يتواصل مع قضيّة إسرائيل على الأقل من منطلق الابتعاد عنها وخارج نطاق الاتفاق الشامل.

وبالتالي ستبقى المواجهة قائمة بين إيران وإسرائيل. كما انّ الجماعات المتديّنة والمحافظة التي تؤمن بالإسلام السياسي في إيران تحتفظ بدورها ووجودها، ولن تسمح لأي شريحة قد تستلم الحكم في إيران في المستقبل بالتوصّل إلى أي اتفاق استراتيجي مع إسرائيل. ومن هذه الزاوية أيضًا، فإنّ إيران تعدّ خطرًاً حقيقيًاً على إسرائيل وأمنها. فالخطر الإيراني قد يكون أكبر من الخطر العراقي وفقاً للإستراتيجيّة الإسرائيليّة.

فاستراتيجيّة إسرائيل تتمثل الآن في الإيحاء بأنّ إيران أكبر خطر إقليمي. وإلى حدّ ما قد نجحت في ذلك سواء على صعيد الولايات المتحدة أو دول المنطقة العربيّة، تحت غطاء الخطر من امتلاك إيران للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل وغطاء مواجهة مشروع نشر مبادئ الثورة الإيرانيّة الإسلاميّة الشيعيّة. فعلى الصّعيد الإقليمي تحاول إسرائيل الإبعاد ما بين إيران والدول العربيّة. كما تعمل على القضاء على كل أرضيّة لإقامة علاقات استراتيجيّة مستقرّة، لا سيّما ما بين دول جانبي الخليج.

لو أمعنّا النّظر في العلاقات الإيرانيّة العربيّة، سنجد أنّ إيران لا تمتلك علاقات ممكن الرّكون إليها مع أي من الدول العربيّة سوى سوريا وهي العلاقات من النوع الخاص بل إنّ علاقات إيران مع الدول العربيّة خاصّة بعد الثورة الإسلاميّة في إيران تعدّ من أكثر العلاقات الخارجيّة الإيرانيّة تلاطمًاً، حيث هناك ترسّبات تاريخيّة وحالات سوء الظن العالقة بين إيران والعالم العربي.

إيران تشعر بالغربة والبعد عن العرب سواء من الناحية الطائفيّة أو السّياسيّة، وأزمة الشرعيّة والإشكاليّة والأمن القومي في العالم العربي عمّقت دومًاً الشرخ السّياسي الثقافي، علمًاً أنّ الثقافة والأمن ركيزتا هذه العلاقات؟؟فكيف الحال مع إسرائيل التي يراد لها أن تسيطر على المنطقة برمّتها وعلى كافة الصّعد العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة؟

نتيجة التطورات الحاصلة في الخليج من ازدياد النفوذ الأميركي، فانّ ارتباط أي حكومة عراقيّة مستقبليّة في علاقاتها مع إيران ستكون محكومة إلى حدٍّ ما بعلاقة العراق مع الغرب وأميركا. وقد يكون هناك تأثير لإسرائيل بطرق مباشرة أو غير مباشرة على أي حكومة عراقيّة أكثر من تأثير أي دولة عربية أخرى. ومن هذا المنطلق فإنّ إيران لا تستطيع تعليق آمالها على تحالف أو تكتل إقليمي مع الدول الواقعة إلى الجنوب منها.

لن تشهد منطقة الشرق الأوسط على مدى السّنوات العشر القادمة أو العشرين أي تحالف إقليمي شامل لمواجهة معضلات المنطقة السّياسيّة والاقتصاديّة. فالعلاقات الإيرانيّة في المنطقة ستبقى مرهونة على صعيد الواقع لما ستؤول إليه العلاقات الأميركيّة الإيرانيّة، فمن الممكن لواشنطن من خلال تطبيع العلاقات مع إيران أن تخلط الأوراق في المنطقة بهدف احتواء المنطقة والإفادة من إيران كعامل لإيجاد التوازن بين العرب وإسرائيل وتركيا من جهة، وبين روسيا وإيران في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز من جهةٍ أخرى.

وأيضًا يمكنها التفاهم مع إيران من أجل تخفيف حدّة المعارضة في العالم الإسلامي للنفوذ الأميركي في المنطقة، ولكن هذا التقارب والتفاهم قد يكون مقبولاً ومعقولاً انّما يبقى رهينة الإستراتيجيّة الإسرائيليّة في الشرق الأوسط. ومن هذا الواقع قد تكون إستراتيجيّة إيران قائمة على أنّ أي تفاهم إقليمي في المنطقة لن يضيف للموقع الإستراتيجي الإسرائيلي شيئاً سواء عملت إيران بصورة مستقلّة أم تحسّنت علاقتها مع أميركا وربّما العامل الأقوى لبقاء مكانتها الإقليميّة هو بناء قوّتها الذاتيّة.


2009-10-20

بورتو اليغرى سلطة ضد سلطة





سلام الربضي .... باحث أردني

 

صحيفة البلد – بيروت
  21\ 3\2006

 


التقى قادة العالم في دافوس في إطار المنتدى الاقتصادي العالمي الذي وضع هذه السنة تحت عنوان "المقاربة الابداعية للتحديات العالمية" لمواجهة الفقر والكوارث،بعدم مشاركة أي مسؤول أميركي أو أوروبي كبير باستثناء المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل, وإذا كان من الواضح أن منتدى بورتو اليغرى تأسس ردا على منتدى دافوس، تحت شعار عالم آخر ممكن إلا أن الروزنامة العالمية بمأسيها جعلت الجسم الاساسي في المنتديين ينكب على مناقشة المواضيع نفسها مثلا العراق قبل سنتين ومسألة الجوع قبل سنة وفي هذه السنة التركيز على موضوع الأمراض والأوبئة إذا أردنا تجاوز ذكر التوصيات والمقترحات الناتجة عن كلا الاجتماعيين والتي تصب يوم بعد يوم نحو الاهتمام والاتجاه أكثر فأكثر نحو القضايا العالمية الاجتماعية والتي تفرض نفسها بمقتضيات الامر الواقع من جهة ونتيجة دينامية وضغوطات المجتمع المدني العالمي من جهة اخرى.

فإنه لا بد لنا من التطرق لبعض الملاحظات بصفة الباحث والمعني والمتأثر بتلك القضايا.


1- غياب المظاهرات المعارضة لمنتدى دافوس.


يطرح تساؤل عن انخفاض وتيرة المعارضة لهذا المنتدى؟

فهل ذلك سببه سحب المنتدى الاقتصادي زمام المبادرة من أيدي المعارضيين له من خلال تبنيه لكثير من القضايا العالمية الاجتماعية؟

أم أن غياب الحضور الامريكي الكثيف هو السبب؟

وإن كان كذلك فهل هذا الواقع يطرح إشكالية تلك المعارضة من حيث المبدأ؟

فهل هي ذات أهداف عالمية اجتماعية؟ أم مجرد موقف سياسي أيديولوجي؟



2- اعتماد اللامركزية في المنتدى الاجتماعي .


هل سيقوي ذلك سلطة المنظمات غير الحكومية ويزيد من مسؤولياتها في ضمان استمرارية حركة المنتدى؟

هل هي قادرة على تنظيم المنتديات القارية من دون الارتهان السياسي الى الدول المضيفة؟

إن التساؤل حول فاعلية المنتدى الاجتماعي في استنباط خطط عمل ذات أثر على الواقع، بات مطروحا بقوة وهذا ما حمل المشاركين على تبني اقتراح عقد اللقاء كل سنتين، عوضا عن الوتيرة السنوية التي اتفق الجميع على أنها أقامت دورة إنتاج ذاتية مغلقة أكثر مما أتاحت إنضاجا للخطط، مما يهدد فعالية وجدية هذه القوة. واذا كانت قد حلت ثلاث مؤتمرات اقليمية محل اللقاء العالمي السنوي في بورتو اليغري، وجاء مؤتمر كاراكاس بعد المؤتمر الإقليمي الأفريقي الذي جرى في باماكو عاصمة مالي، ومن ثم المؤتمر الأسيوي الذي سوف يعقد في باكستان نهاية آذار.

ولكن هل فشل مؤتمر كاراكاس في تبني نداء " باماكو" الذي عبر عن حساسيات الحركات الافريقية_ والى حد ما الأوروبية_ يعبر عن ان اللامركزية التي تم اعتمادها هي خطوة في الشكل وليس في المضمون. حيث يتفق الجميع على ضرورة اقرار برنامج ولكن الجميع مختلف على مضمونه وطبيعتة.وبقي برنامج الحد الأدنى المتفق عليه بين المؤتمرين الإقليميين تقليديا. اذ يتضمن تحركات شعبية بموازاة اجتماعات منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.




3- دينامية تبني المطالب الاجتماعية العالمية .


من كلا المنتدين توضح أن ليست كل الاخبار باعثة على التشاؤم خاصة على صعيد الحركات المناهضة للعولمة وعلى الرغم من كل ما يشوبها من التباسات تبين أن من غير المبرر اقتصار هذه الحركات فقط على الاجتماع والتوصيات بل الانتقال الى القيام بنشاط منظم وبإمكانية إحياء استراتيجيات جديدة في العمل، ومن هذا المنطلق وبدون برنامج ملموس وبديل لتعزيز واقع وجود خيارات بديلة سوف تبقى في دوامة الرفض فقط وخطر العموميات، فإن أكثر ما يقلق قوى السوق هو أن يضطروا الى تحديد موقفهم من مشروع عالمي اجتماعي.

وإذا كان المنتدى الاجتماعي بدا لنا كسلطة مضادة لسلطة منتدى دافوس ولكن دون ترجمة هذا التوجه الى واقع يبقى البديل هو جوهر الخلاف وفي كل الاحوال هذه الدينامية في الحركة المضادة لقوى السوق تبقى مهمة من حيث أنها تبين أن إمكانية الضبط والمراقبة تبقى واردة، ومن الواضح أنه في المستقبل سيكون النقاش حول ماهية وغائية المنتديات الاجتماعية أمرا ملحا.



4 - اشكالية المنتدى الاجتماعي العالمي.



الذي هو تحالف مؤلف من نقابات و جمعيات وحركات اجتماعية وشخصيات سياسية تلتقي كل سنة لتقييم تجاربها تكمن في معضلتين:

الاولى: الإتفاق على درجـة التسييس التـي تتطلبه الحركة المعادية للعولمـة ( النيولبرالية )

الثانية: طبيعة المهام التي تستطيع ان تشكل برنامجا لهذه الحركة غير المتجانسة.
 
وهاتين المعضلتين تتراوحان بين تيار ينتمي اليه المفكر سمير أمين الذي يطالب بنقله في اتجاه التسييس ويصنف الحكومات الى يسار حقيقي ويسار مزيف وبين تيار اخر يشكك في امكانية توحيد الحركة وحتى في فائدة هذه الخطوة.

5- على صعيد الانجازات .

هذه السنة بدا وكأن المشاكل الحقيقية تعالج في دافوس نتيجة المبادرات لمعالجة مرض الأيدز و السل حيث تم اطلاق برنامج لمكافحة السل بمبلغ مقداره 56 مليار دولار لإنقاذ 14 مليون شخص خلال العقد المقبل. بينما المنتدى الاجتماعي حتى على صعيد الشكل خسر المواجهة الإعلامية مع المنتدى الاقتصادي. حيث في السنوات الماضية كان قد فرض بنود مهمة عن اهتماماته على جدول اعمال مؤتمر دافوس.

وفي الختام لا بد لنا من التساؤل عن دور منظمة الامم المتحدة:

هل ستكون قادرة على انتهاز فرصة التقاطع ما بين المنتديين على المطالب الاجتماعية العالمية؟ 

هذه الدينامية هل تستطيع المنظمة تحويلها الى قرارات والتزامات على أرض الواقع؟


2009-06-24

كتاب: النفوذ العالمي للشركات عبر الوطنية(اشكالية العلاقة بين الدولة ورأس المال)






للمؤلف: سلام الربضي


دار المنهل 

بيروت
2009

to my unknown





فهرس الكتاب


المقدمة

الفصل التمهيدي : المنظور الكمي والظواهر الإنسانية
المبحث الأول : في تشخيص الظاهرة
المبحث الثاني : المنهج المثالي والواقع
النفوذ العالمي للشركات عبر الوطنية
الفصل الأول : استراتيجية الشركات عبر الوطنية
المبحث الأول : الفوارق المنهجية في استراتيجية الشركات
المبحث الثاني : في إطار البحث والتطوير
المبحث الثالث : مبدأ الربحية
المبحث الرابع : استراتيجية شركات الدول النامية
الفصل الثاني :المتغيرات العالمية والأسواق المالية
المبحث الأول : سادة الأسواق المالية
المبحث الثاني : وكالات التصنيف العالمية
المبحث الثالث : الأزمات المالية ومصالح الدول
المبحث الرابع : معيار المردودية
الفصل الثالث : الثورة الجذرية في عالم العمل
المبحث الأول : العلاقة بين رأس المال وقطاع العمل
المبحث الثاني : فقدان العمل البشري أهميته
المبحث الثالث : مداخيل العمال وسلامة المجتمع
الفصل الرابع : الاستثمار الأجنبي المباشر والدول النامية
المبحث الأول : القدرة التنافسية التصديرية
المبحث الثاني : جغرافية الأستثمار الأجنبي المباشر
الفصل الخامس : المجابهة الضريبية والاتجاهات الحمائية
المبحث الأول : الإغراق الضريبي
المبحث الثاني : التهرّب الضريبي بالمفهوم الاقتصادي
المبحث الثالث : مبدأ حرية التجارة والاتجاهات الحمائية
المبحث الرابع : التوازنات الاستراتيجية ومبررات الدعم المادي
الفصل السادس : تحول القوة الاقتصادية الى ميزة سياسية غير متساوية
المبحث الأول : تحول السلطة من أيدي الجمهور إلى المؤسسات التجارية
المبحث الثاني : إشكالية ما يعرف بضعف الدولة في ظل العولمة
المبحث الثالث : نسق دولي جديد في العلاقات الدولية
الخاتمة:
الملاحق:

المراجع:




مقدمة الكتاب



ليس جديداً أن نقول، ونحن نتحدث عن واقع النظام الاقتصادي العالمي، إنه من أهم خصائص عصرنا، فالعالم اليوم يمر بمرحلة هائلة من التغيّرات أهمها التقدم التكنولوجي.فلا ينقضي يوم إلا وتطالعنا فيه الأخبار والصحف باختراع أو ابتكار شيء جديد. وفي ظل هذه التغيّرات لا بد أن نتناول الشكل الجديد الذي وصلت إليه المؤسسات والشركات الكبرى. هذا الشكل الذي لم نعهده من قبل، حيث أنشئت شركات يتزايد نفوذها في مختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحلية والدولية، وهي التي يطلق عليها "الشركات عبر الوطنية".

والأطروحة السائدة اليوم بلا جدال هي أطروحة أُفول الدولة وتآكلها وتقادمها وانتقاص سيادتها من جراء ظهور فَعَلَة جدد على المسرح الدولي يجمعهم على تعدد هوياتهم قاسم مشترك واحد هو كونهم عابرين للحدود القومية ومنفلتين بالتالي من رقابة الدولة المحدودة بهذه الحدود. ومن هؤلاء الفَعَلة الجدد ظاهرة العولمة أو بالأحرى دينامية العولمة ومحركها الرئيسي المتمثل بالشركات عبر الوطنية.


ولقد أصبحت ظاهرة الشركات عبر الوطنية من كبرى المسائل الخلافية فهي عند البعض تمثل العولمة التي هي وعد بالسعادة للبشرية قاطبة يصح معه القول إن التاريخ سيعرف أخيراً نهايته, وعند البعض الآخر الفظاعة الاقتصادية مجسّدة، ومرحلة عليا ومعمّمة كوكبياً من جحيم الرأسمالية العالمية، حيث هناك آراء مختلفة حول العولمة بين مَن يؤيدها ومَن يعارضها وهي إشكالية مستمرة لن تنتهي.

فالكل ينطلق من أبعاد أيديولوجية لمقاربة واقع الشركات عبر الوطنية وتجليات العولمة.

وفي الحالتين معاً سواء عند من "يؤمثلون" تلك الشركات أو "يؤبلسونها" فإن ظاهرة الشركات لا تطرح كثيراً إلا من زاوية أيديولوجية قد تكون ساذجة وعقيمة في اَن معاً لأنها تتصوّر أن موقف الـ"مع" و"الضد" هو الذي يحدد طبيعة هذه الظاهرة، متناسين أن الظاهرة تعبّر عن واقع ناتج عن تراكمات تاريخية واقتصادية وسياسية وتكنولوجية وثقافية محتومة ولا مناص منها مهما يكن الرأي فيها، والعولمة ليست وصفة أو حزمة معرفة بقدر ما هي لحظة من لحظات التطوّر ارتفع فيها معدل توسيع الأسواق والترابط في الاقتصادات على مستوى رقعة متزايدة من العالم.


وإذا استطعنا التخلص من المبادئ الميتافيزيقية والعامة التي تستند إليها من وقت لآخر سياسة الحرية الاقتصادية القائمة على حرية الأفراد والمؤسسات في فعاليتهم الاقتصادية الليبرالية، وإذا تجاوزنا النظرة إلى الاقتصاد العالمي من منظار المناضلين المعادين لليبرالية وأوهام الشيوعيين بشأن المجتمع بدون طبقات فإننا نفتح أمامنا مجالاً واسعاً لطرح جملة من التساؤلات قد لا يكون من الممكن الإجابة عنها بوضوح، لكنها تساؤلات تستحق أن تؤخذ من تفكيرنا الحيز الضروري لكي نخلص من ذلك إلى استنتاجات حان وقت الوصول اليها والاستفادة منها

من أولى هذه التساؤلات:


إشكالية الأرقام والمعطيات التي تضلل أحياناً عند دراسة نشاط الشركات عبر الوطنية:


فكثير من الدراسات التي تتعلق بنشاط الشركات تحاول الربط بينها وبين أرقام ومعطيات عن الثروة، توزيع الدخل،الفقر،الجوع،ومقارنة دخول الشركات مع إمكانيات الدول والناتج الإجمالي لها.

وهنا يجوز التساؤل عن المعيار العلمي والمنهجي الذي على أساسه يتم الربط فيما بينهما من خلال منهجية الاعتماد على المقارنة الإحصائية الظاهرية والصورية بلا تدبّر في المقدمات والحيثيات والدلالات العلمية والمنطقية؟

وابتعاداً عن التحليل النظري والاقتراب من الأمثلة الواقعية:


هل هذا الربط يعني أن الشركات هي التي تتحمل مسؤولية كل ما يحدث في ظل العولمة من فقر وجوع وبطالة وخلل في توزيع الثروات؟

وهل يمكن القول إن لعبة الأرقام وربطها بمعطيات_التي تصب في اتجاه معين_ تعبّر عن مواقف مسبقة ذات أبعاد أيديولوجية؟

فإذا، منهجياً، من الواجب والضرورة العلمية التساؤل عن موضوعية هذا الربط؟

ولكي تتضح هذه الإشكالية يمكن ذكر كثير من الأمثلة:


زيادة طفرة الفقر في كثير من البلدان هل هي ناتجة عن الخلل في الرأسمالية التي تزيد الناس فقراً

وبالتالي فهل إن الشركات هي الفاعلة والمستفيدة؟

وهل العولمة متمثلة بالشركات بكل تجلياتها تتحمل وزر ذلك؟

ولكن أيضاً هل من الطبيعي تجاهل أن نسبة عالية من موازنات تلك الدول تذهب للتسلح والمفارقة شاسعة داخل كثير من الدول التي أنفقت مليارات الدولارت على التسلح وامتلاك الاسلحة النووية كايران وباكستان مقارنة بتدني نسبة الإنفاق الاجتماعي والاقتصادي.

كذلك إذا نظرنا إلى المعجزة السنغافورية، هذا البلد الصغير الذي استطاع زيادة الناتج القومي الإجمالي من 400دولار للفرد في عام1959إلى12200 دولار عام1990ثم ارتفع مع بداية الألفية الثانية إلى ما يزيد على24000 ألف دولار

هل يعود الفضل في ذلك للرأسمالية فقط ؟

أم إن للسياسات المتّبعة من قبل السلطة السياسية دور رئيسي فيما تحقق؟

إذاً يجب عند التعاطي مع الأرقام والمعطيات توخي المقاربة العلمية والموضوعية.


ومن التساؤلات التي تطرح أيضاً :

إشكالية العلاقة بين الشركات عبر الوطنية والدولة؟


العلاقة التي على ضوئها يتم تحديد مدى تزايد نفوذ الشركات وسيطرتها أو مدى تراجع سيطرة وسيادة الدولة؟

وإمكانية تحديد الحد الفاصل بين مصالح الشركات ومصالح الدول؟

وهل العلاقة بين الشركات والدول تعبّر عن اضمحلال سيادة الدول أم تغيّر في وظائفها؟

وهل استرتيجية الشركات قائمة على تجاوز الدول ؟

أم إنها ستبقى قومية المرتكز وهل الواقع العالمي المعاصر يعبر عن استرتيجيات دول أم سيطرة شركات؟

وفي انتظار الأنعكاسات السياسية للأزمات المالية العالمية يطرح التساءل التالي:

هل عدنا إلى الدولة التدخلية؟؟ وهل تكون فكرة التدخل أصبحت موجودة وحالة ملحة؟ ولكن أساليب التدخل وحدود التدخل فإنها متروكة حسب تداعيات الأزمة وواقعها.


والإشكالية الجوهرية التي تطرحها ظاهرة الشركات عبر الوطنية :

هي إشكالية الضبط والتحكّم سواء على الصعيد القومي أو العالمي؟


فهل إن الشركات حرة طليقة متفلّتة من كل ضبط؟

أم إن هناك معايير ضبط ما زالت تخضع لها وهل ستنتفع كثيراً من وجود بيئة عالمية خالية من كل معايير الضبط؟

وهل عملية الضبط تكمن في إعادة اكتشاف الحركة الدائمة على مستوى اللعبة الاقتصادية والدينامية الاجتماعية؟

وبالتالي هل يمكن تحقيق الترويض الاجتماعي لقوى الاقتصاد المعولم؟

وما هي ردود الفعل الاجتماعية والسياسية على ما تم الآن من تشابك اقتصادي عالمي عموده الفقري الشركات عبر الوطنية، وهل هذه الردود تعبر عن واقع الضبط؟


منهجية المعالجة في هذا الكتاب سوف تكون قائمة على جدلية المجتمع والسلطة.


حيث إن المبدأ العام في هذه العلاقة يرتكز على أن السلطة تنبثق من المجتمع، والمجتمع يتكوّن من مجموعة قوى تتفاعل في ما بينها، فمن الطبيعي أن تعكس هذه السلطة واقع هذا المجتمع.وفي هذا الصدد فإن الشركات عبر الوطنية هي جزء من المجتمع تتفاعل مع باقي الأجزاء، وهذا التفاعل أو التنافس تعبّر عنه السلطة,ومن هذا المنطلق يمكن إيجاد مقاربة لهذة الظاهرة بواقعية أكبر، عند دراسة العلاقة بين الشركات والدولة من جهة، وإمكانية الضبط والتحكّم من جهة أخرى. فعلى مستوى العلاقة بين الدولة والشركات، فإذا كانت الشركات جزءاً من القوى الفاعلة والمسيطرة داخل المجتمع، وهذا الواقع سوف ينعكس على السلطة بشكل طبيعي، فالسلطة تمثل مصالح مجتمعها، ويمكن التعبير عن هذا الواقع بمقاربتين:

المقاربة الاولى : مصالح الدولة الخارجية واستراتيجيتها التي تعكس واقع مجتمعها، فإذا كانت الدولة تعبّر عن مصالح الشركات

فهل نحن أمام تراجع في سيطرة الدولة أم أمام ترابط في المصالح؟


أما المقاربة الثانية : فهي قائمة على طبيعة العلاقة داخل المجتمع وصراع السلطة وفي هذا الجانب يمكن التساؤل عن القوى الأخرى القادرة على وضع حد لسلطة الشركات وتزايد نفوذها: جدلية السلطة والسلطات المضادة؟


في هذه الكتاب سوف يتم استخدام المنهج العلمي القائم على استخدام المنهج الواقعي عند التحليل، ومنهجي المقارنة والتحليل الكمي عند التعاطي مع الأرقام والمعطيات توخياً للايضاح والمقاربة.

أما المصادر المعتمدة في هذا الكتاب فهي متنوعة مع التركيز على التقارير والدراسات الصادرة عن المنظمات الدولية.


الدراسة في الكتاب قائمة على تناول نفوذ الشركات عبر الوطنية من خلال التعرف على العلاقة بين المنظور الكمي والظواهر الإنسانية سواء على صعيد تشخيص الظاهرة او المقاربة بين استخدام المنهج المثالي والواقع.حيث إن استخدام المنظور الكمي في مقام التعامل مع معظم الظواهر الإنسانية ومنها حقول التاريخ والاجتماع والسياسة والتنمية الإنسانية أمر محفوف بالتحفظات والمحاذير، وذلك على خلاف التقدم المذهل الذي نجم عن استخدام المنظور ذاته على صعيد الظواهر الطبيعة.

فالإنسانيات أكثر تعقيداً وأبعد عمقاً من أن تخضع للمعادلات الإحصائية الرقمية بكل جفافها وصرامتها، وهذا ما ينطبق على كيفية مقاربة ظاهرة العولمة بما فيها العلاقة بين الدولة والشركات عبر الوطنية؟ كذلك يتم تناول نفوذ الشركات عبر الوطنية من خلال التعرف على استراتيجيات الشركات وتوضيح طبيعة العلاقة القائمة بين الشركات والمتغيرات العالمية في الأسواق المالية، والثورة الجذرية في عالم العمل والاستثمار الاجنبي المباشر، ومعرفة أين هي الشركات عبر الوطنية من المجابهة الضريبية والاتجاهات الحمائية، وتحول القوة الاقتصادية إلى ميزة سياسية غير متساوية, وتحول السلطة من أيدي الجمهور إلى المؤسسات التجارية।والتطرق إلى إشكالية ما يعرف بضعف الدولة في ظل العولمة من خلال دراسة التدخل السياسي للشركات عبر الوطنية وتسليط الاضواء على النسق الدولي الجديد في العلاقات الدولية.


تكمن الصعوبة في بحث كهذا يتناول ظاهرة من ظواهر العلاقات الدولية ـ هذه العلاقات التي لا تخضع في آخر الأمر إلا لقانون المصالح ـ في القدرة على وضع العواطف والقناعات في منزلة هامشية وأن ندع وراء أذهاننا معتقداتنا الشخصية أو قناعاتنا الأيديولوجية، من أجل الوصول إلى حقائق الأمور وفهم الواقع واغتنام الفرص السانحة لخدمة مصالحنا.

في هذا الكتاب سوف نتناول ظاهرة الشركات عبر الوطنية في سياق الواقع الاقتصادي العالمي بوصفها من اللاعبيين الرئيسيين في الاقتصاد العالمي وإحدى تجليات العولمة. فالنشاط الاقتصادي العابر للوطنيات الذي تقوم به هذه الشركات هو تعبير عن جوهر العولمة الليبرالية.

هذا الكتاب محاولة أو دراسة نضعها بين يدي القارئ عسى أن تساهم في فتح آفاق جديدة أمام الدارسين والباحثين .



خاتمة الكتاب





يتسم عالم ما بعد الحرب الباردة بأنه عالم المتناقضات فقد تفجرت تناقضات جمة,بعضها لم يكن موجودا من قبل حين كان البعض الاخر مقيدا بقواعد السياسات القائمة وانماطها خلال الحقبة السابقة, وظهرت التيارات المتناقضة على سطح السياسة الدولية بشكل حاد, في هذه المرحلة التي يمكن وصفها بمرحلة انتقالية
ومن هذه التناقضات تيار اندماجي على الصعيد الاقليمي والعالمي يسمى بالعولمة.

لقد انتقلت البشرية من عصر الصناعة الى عصر ما بعد الصناعة, عصر معتمد على موارد غير ملموسة وغير مرئية اهمها المعرفة والمعلومات, عصر اعاد صوغ الكثير من مفردات حياة البشر ومقوماتها المادية وغير المادية, وافسح المجال امام اندفاع سريع للتغيير الذي يصيب كل شيء فينا ومن حولنا, وهذا التغيير قد وصل الى الدولة . وبعيدا عن الاختلافات الفقهية والقانونية وتجاوزا لمتاهات الفكر السياسي, فكل المؤشرات تكشف ان هناك اختراقا لمكانة الدولة ووظائفها الداخلية والخارجية. وصارت هذه الحقيقة تطاول جميع الدول سواء كانت كبيرة ام صغيرة, وتلك القوية او الضعيفة.

هذا الاختراق لا يمكن ان تقوضه بعض الادوار التي تقوم بها الشركات عبر الوطنية والمؤساسات غير الحكومية في مختلف المجالات سواء على الصعيد الصحي او التعليمي او حتى الامني. من هنا فان الحاجة لوجود الدولة ستظل قائمة والمطلوب تغيير الدولة لتصبح قادرة على الوفاء بالتزاماتها. وان التطور التقني والمبادلات الدولية وحرية حركة الرساميل والاتصالات, لا تهدد بالقضاء على سياسة الدول, فالعولمة هي واقع لا جدال فية واصبحت ممكنة بفضل التقدم العلمي وهي لا تقضي على الاوطان بل تضعها على جبهة المنافسة وتدفعها الى تحقيق الافضل لديها.

ان الانسانية تواجة قضايا ومسائل متعددة : البيئة, الهجرة, التفجر السكاني,الارهاب,التنمية المستدامة, المأسسة السياسية للتمايزات الثقافية والتطلعات الاتنية......الخ والدول لا يمكنها منفردة الرد على هذه التحديات, ولكن أي ارادة دولية جماعية لا يمكنها هي ايظا ان ترقى الى المستوى المطلوب معالجتة من دون الاعتماد على مؤسسة الدولة.
من هنا ليس على من يدافع عن سيادة الدول ان يكتفي بل تحذير والتخويف والجنوح نحو التهويل من اثار العولمة المتمثلة بالنفوذ العالمي للشركات عبر الوطنية بل يجب على الجميع ليس فقط ان يفتشوا عن مكان في هذه الحقيقة بل علينا ان نفتش ونركز مكاننا فيها.

ونتيجة للظروف الناتجة عن اختلال التوازنات الاجتماعية وتزايد الاعتماد المتبادل بين مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية تم التعجيل بالتفكير في مبدأ إدارة شؤون الدولة والمجتمع كنمط لتجديد اساليب الحكم وتفعيلها بشكل افضل من خلال صياغة اشكال جديدة في المشاركة قائمة على التضامن والنهوض بالاحتياجات الاساسية للمواطن. ومن الواضح بقدر ما هناك قوة في طموحات المشاريع الكونية على كافة الصعد الا أن هناك قصور _ الى حد ما _ حين تتجسد في الواقع .

وعندما نتكلم عن المضامين الجدية للامن العالمي هناك كثير من التساؤلات تطرح :

تاريخيا هل تم تحقيق الامن العالمي ؟

المضامين الجديدة للامن العالمي هل متفق عليها عالميا؟

هل يمكن مقاربة منظور السيادة الوطنية بمواطنية كونية شبة مكتملة؟

واذا كان هنالك انماط معقدة من انسنة الواقع الدولي فهل نكون قد انتقلنا من منظور كلاسيكي يدافع بقوة عن عدم التطابق بين حقوق الأنسان والسياسة الدولية, الى نوع من التجاوب الفعلي والمستمر وغير المستقر بينهما؟

هل مرجعية المضامين الجديدة للامن العالمي ستنمو بسرعة واقعية السياسة الدولية؟

عندما نتكلم عن المضامين الجديدة للامن العالمي يجب علينا الاخذ بعين الاعتبار حالتين:



1- الامن العالمي القائم على العلاقة بين الانسان والطبيعة

2_ الامن العالمي القائم على العلاقة بين الانسان واخيه الانسان والدول فيما بينها اي (الامن السياسي)


فيما يتعلق في العلاقة القائمة بين الانسان والبيئة من الواضح هناك تحديات تواجه الامن العالمي وقد يكون التضامن والاتحاد العالمي لايجاد حلول لمواجهة التحديات في هذا الصدد اكثر امكانية منه على صعيد الامن السياسي بين الدول.

ان العقد الاجتماعي الذي اسس شرعية القانون في المجتمعات البشرية, وفي النظام الدولي التقليدي الدول تتمتع بقدر من الحرية والسيادة ولا توجد أي سلطة فوقها, ولا قانون دولي الا ما تختاره على اساس اتفاقيات او معاهدات دولية تم مناقشتها بحرية تامة او اعراف تم قبولها ضمنياً .واذا كانت الحالة الطبيعية قد تم تجاوزها في النظام الداخلي ,فليس الامر كذلك في النظام الدولي حيث القوة هي المقياس الوحيد للتصرف على الرغم من ان الامور قد تغيرت مع ظهور الشركات عبر الوطنية والمنظمات غير الحكومية الا ان علاقة القوة داخل هذه المنظومة ستبقى موجودة وان تطورت اشكالها وانماطها .

واذا كان هناك حرص على المصلحة والسلطة والامن القومي الا انه على الجانب الآخر هناك تشديد على الحق والعدالة ومراقبة الحكام والتركيز على حقوق الانسان, وهذا ما نجده في الصراع الفكري التاريخي بين هوبز الذي يرفض منح حقوق الانسان أي اعتبار دولي باعتبار الامن القومي هو وحده الذي يمنح المعنى للمصالح الوطنية. وبين غروسيوس الذي كان مناصر للمواطنة العالمية ولنظام عادل يسمو فوق كل السلطات والسيادات.

على صعيد المضامين الجديدة للامن العالمي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هناك اشكالية على مستوى تأقلم الضوابط القانونية مع القضايا او المشكلات العارضة, فكيف يتم معالجة قضايا في ظل غياب قواعد قانونية تضبط هذه الاوضاع العارضة مثل قضية اللحوم الملوثة هرمونياً التيينقسم حولها الرأي العام العالمي وهي قضية ييتصارع عليها كل من الولايات المتحدة وكندا من جهة والمجموعة الاوروبية من جهة اخرى.

وهناك كثير من القضايا الشائكة التي تطرح علامات الاستفهام حول الاتفاق عليها خاصة على الصعيد الثقافي؟

فا الخلاف الحاصل ما بين منظمة الصحة العالمية ومصر حول ختان الاناث ماهو سوى نموذج لهذا الواقع الجديد, أذ تعارض منظمة الصحة العالمية هذه العملية من منطلق الدفاع عن حقوق الانسان بينما تدافع مصر عن موقفها من منطلق التمتع بالحقوق الثقافية الخصوصية للمجتمعات والتي اقرها الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

الجانب الاستراتيجي والمصلحي ما زال حاضرا بقوة وكثيرا ما تتحول حقوق الانسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية الى اداة لضغط الاقوياء على الضعفاء, وهو ما يخلق التداخل بين ما هو دولي وما هو انساني وبالتالي من الطبيعي ان ينعكس ذلك فيما بعد على الامن العالمي.

ان الامن العالمي الانساني التي بدأت تتضح معالمه يوما بعد يوم والذي يجعلنا اكثر تفاؤلا بمستقبل التعاون العالمي وسيبقى القانون الدولي العام والاقتصادي هو الدعامة لهذا المستقبل وهنا التساؤل:

كيف يمكن للقانون الدولي ان يتطور؟

هل يمكن للقانون الدولي ان يتطور الا في ظل الحياد السياسي الذي يسمح له بالمحافظة على استقلاليتة؟

هل ممكن ذلك؟ تاريخيا هل تم تحقيق ذلك؟


بين التنظير والواقع فجوة وعلى الدول والافراد ان يواجهوا الواقع بكل جرأة والبدء بمعالجة الذات وليس جلد الذات , هنالك دول وشعوب صعدت الى سطح القمر وكواكب اخرى في السماء بينما دول وشعوب تحث الخطى على الارض , لا يمكننا ان نقفز عن الواقع فالسير مهما كان بطيئا افضل من المراوحة في المكان وبدل البكاء على الاطلال الافضل اضاءة ولو شمعة والتحرك الى الامام .



خلفية الكتاب




تُعبّر الشركات عبر الوطنية عن التعارض التام بين التطور الرأسمالي من ناحية وبين التنظيم السياسي الدولي الذي ما يزال يعطي الدولة القومية مغزى ووظيفة اقتصادية جوهرية، وهذا التناقض في المجال الاقتصادي يترجم في المجال الاجتماعي حيث يمثل اختراقاً فعالاً وفعلياً لهيكلة ونسيج الدولة الاجتماعي. وهذا متوقف على تعددية جنسية الشركات الكبرى أي التعددية الفعلية للمالكين والمديرين من حيث الجنسية في هيكل الشركة، فكلما ظلت الشركة متبلورة حول مُلاّك ومديرين من جنسية واحدة تصبح الشركات التابعة تمثل اختراقاً أجنبياً خالصاً ليكون الاختراق الاجتماعي محدوداً للغاية. أما إذا اشترك قطاع كبير من المُلّاك والمديرين المحليين في السيطرة والإدارة في الشركة، فإن ذلك سيشكل اختراقاً هاماً وفعالاً من الناحية الاجتماعية وذلك ببساطة لأن الشركة تمثل إطاراً للولاء وللسياسات التي تتقاطع جذرياً مع بنية الدولة القومية.

إن تركيز الشركات وهدفها الأساسي قائم على مبدأ الربحية الذي يجعل من استراتيجية الشركات التأقلم مع أية ظروف من أجل تحقيق أعلى عائد، وبالتالي فإن نظرية الهيمنة الثقافية للشركات قابلة للنقاش؟ ولكن لا بد من الإشارة إلى أن أخطر ما يكون في استرتيجية الشركات هو التنافس على الثقافة من خلال بناء علامات تجارية عالمية، تكون الاسترايجية مرتكزة على الهدف الذي تقوم على أساسه العلامة التجارية، وليس على الأداء الذي تحققه. وبالتالي تصبح استراتيجية الشركات قائمة بدلاً من محاولة الحصول على أكبر جزء من السوق الذي تعمل فيه إلى أن تجعل من نفسها جزءاً من ثقافة المجتمع.

فصل من فصول العولمة يدور حالياً في أفريقيا ويكتب هذا الفصل الصينيون المتواجدون في مختلف أنحاء أفريقيا. والاستثمارات الصينية وسّعت نطاق أعمالها في أفريقيا وتسللت إلى حياة القارة الأفريقية اليومية والاستثمارات الصينية في القاره السمراء تعبّر عن بعد نظر الدولة الصينية وعن تحقيق أهداف بعيدة المدى. فهي تحاول الاستثمار بالمواد الأولية الأفريقية، والاستثمارت الصينية في أفريقيا تدخل ضمن الرؤية الاستراتيجيه للدولة الصينية، وهذه الاستثمارات لا تخرج عن حيّز المنافسة بين الصين والمجموعة الأوروبية والولايات المتحدة.

لعل النفوذ الاستثماري الصيني في القارة الأفريقية هو بمثابة زلزال جيوسياسي وإنجاز من إنجازات العولمة قلب الموازين العالمية الاقتصادية والسياسية, والتساؤل مشروع حول الاستثمارات التي تقوم بها الشركات عبر الوطنية من الدول النامية:

هل هذه الاستثمارات تدخل في إطار التعاون وتبادل المصالح أم تدخل في إطار السيطرة والاستغلال؟

ولماذا في حال شرّعت الدول النامية أسواقها أمام الشركات الأوروبية أو الأمريكية يعتير ذلك نوعاً من الاستعمار، وفي حال شرّعت الدول النامية أبوابها أمام الشركات الهندية والصينية والآسيوية يصبح ذلك نوعاً من التعاون والتكامل.





For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com