‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمع المدني العالمي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمع المدني العالمي. إظهار كافة الرسائل

2021-03-09

المرأة والفكر الفلسفيّ الذكوريّ

 


د. سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

 

الميادين. نت  

مع انتشار جائحة "كوفيد-19"، باتت كثير من المكاسب التي تحققت على مستوى المساواة معرضة للانتكاس. فهذه الجائحة تعمّق أوجه الخلل القائمة، وتكشف ما يشوب النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من مواطن ضعف،  وتزيد من تفاقم  معاناة النساء والفتيات لمجرد كونهن إناثاً. فعلى الرغم من التطور البطيء على مستوى نسق رفع وتيرة المساواة بين الجنسين، ولكن ما زلن النساء في جميع أنحاء العالم يواجهن قوانين وأنظمة تقيد وتعيق فرصهن الاقتصادية والاجتماعية. فوفقاً للتقارير العالمية يبدو أن جائحة "كوفيد 19" قد خلقت تحديات جديدة للنساء على مستوى صحتهن وسلامتهن وأمنهن الاقتصادي، إذ تتمتع النساء فقط بثلاثة أرباع الحقوق القانونية الممنوحة للرجال([1]).

 

ومن المؤكد عند محاولة تقييم تلك المعضلة ومقاربة واقع حقوق المرأة، لا بد من طرح التساؤلات التالية:


- إلى متى سوف يتم اتخاذ المرأة كدليل على التكامل الثقافي والأخلاقي للمجتمع؟

-هل هنالك خلل فلسفي يحول دون تمكين المرأة من تجاوز تلك المنظومة الذكورية؟

 

يبدو أن القمع الذكوري الأقصى الحقيقي، هو ما تعاني منه المجتمعات والحقول الفلسفية من نظرة انتقاصية للمرأة. وبالتالي، إذا كان هنالك من رغبة جدية للوصول إلى المساواة الحقيقة بين النساء والرجال، هذا يستوجب إعادة النظر، بكل ما له علاقة بثقافة المجتمعات، بما في ذلك ثقافة المرأة نفسها([2])، ناهيك عن مواجهة بعض التحديات على المستوى التنويري، والتي تتطلب أخضاع كلاً من الفكر الفلسفي والثقافي للفحص النقدي الصريح. حيث يتضح أن المرأة قد وضعت في رحم دوامة فلسفة مغلقة، تحتفظ بالأشكال التقليدية للأنوثة([3]).

 

وفي هذا السياق، من المنطقي القول، إنه لا يمكن الوصول إلى المساواة المجتمعية الجنسانية دون وجود خلفية فلسفية تعمل على تنوير العقول وتحريرها من القيود الذكورية. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك التحرر والتنوير إذا كانت القيم الفلسفية نفسها تعاني مشكلة جنسانية وشوفينية بارزة، والتي ترتبط (للأسف الشديد) بدونية المرأة في عالم الفلسفة؟

 

فعلى سبيل المثال، أشهر الفلاسفة الإغريق (أرسطو، أفلاطون، سقراط) كانت رؤيتهم للمرأة بشكل عام لا تتعدى عن كونها لا تصلح إلا للإنجاب، وأنه لا يمكنها أن تمارس الفضائل الأخلاقية كالرجال، وهي أدنى من الرجل في العقل والفضيلة. وهذه الرؤية للمرأة في عالم الفلسفة القديمة لم تختلف كثيراً مع عددٍ من كبار الفلاسفة الحديثين(جان جاك روسو، كانط، نيتشه)، فالمرأة وفقاً لرؤيتهم لم تُخلق لا للعلم ولا للحكمة، وإنما لإشباع غرائز الرجل، كما أن عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل وهي ليست مصنوعة للتفكير، وهي مصدر كل الشرور وتتآمر مع كل أشكال الانحلال ضد الرجال([4]).

 

يبدو من الواضح أن استمرار طُغيان الفلسفة الذكورية يعد عرضاً طبيعياً لذكورية الثقافة الإنسانية بشكل عام، والتي ما زالت مستمرة، على الرغم من المزاعم بالمساواة. وبالتالي، إذا كان هنالك من يعتقد أن هذه الاعتبارات الفلسفية الغارقة في الذكورية والمرتبطة بحقوق المرأة، لقد تجاوزها الزمن في ظل انتشار الايديولوجية النسوية، وتطور نسق الأفكار المتعلقة بالجنسانية. ولكن هنا، لا بد من طرح الإشكالية القائمة حول التساؤل فيما إذا تغيّرت فعلياً النظرة الذكورية تجاه المرأة على المستوى الفلسفي المعاصر، وفيما إذا كان هنالك حاجة ماسة للانتقال إلى المنظومة الفلسفية التنويرية الشاملة؟

 

بكل تأكيد عند محاولة الإجابة على تلك التساؤلات وتقييم تلك الإشكالية الهجينة (وفي حال تم تجاوز المنهج الاحصائي والكمي الذي يؤكد على قتامة المشهد) من أجل إيجاد تغيير جذري على مستوى الركائز الحيوية الضامنة لحقوق المرأة، يجب البحث عن الاسباب والخلفيات، التي تحول دون استطاعة المرأة حتى الآن، من ابتداع مدرسة فلسفية متكاملة أو إنشاء تياراً فكرياً يستطيع التأثير في الحقل الفلسفي.

 

وعدم الاستطاعة هذا، حتماً سيؤدي إلى طرح التساؤل الجوهري حول فيما إذا كان يوجد نساء فيلسوفات([5])؟ وهنا لا محالة، سوف يتم الاصطدام بقساوة ووطأة الجدليات المرتبطة بأهمية ومكانة ودور المرأة في التفكير والتفلسف.



([1])  ناهيك عن تزايد العنف ضد المرأة ، بالإضافة إلى الوهن الاقتصادي وعدم الاستقلالية المادية إلى حد ما، بما في ذلك الحواجز التي تحول دون الالتحاق أو الحفاظ على الوظائف، وتواجه النساء أيضا من ارتفاع ملحوظ في العنف المنزلي وتحديات الصحة والسلامة..الخ. راجع تقرير البنك الدولي المعنون:"المرأة والأعمال والقانون في 2021". والتقرير متوافر على الرابط التالي: https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/35094/9781464816529.pdf

([2])  إذ من المتسغرب والمستهجن تقبل بعض النساء لتلك المظاهر، بحجة أنهن اعتدنا على تلك الممارسات، ومن المؤسف أيضاً أن الكثير منهنّ لا تعرف شيئاً عن مجرد استغلالها. وهنا قد تطرح كثير من علامات الاستفهام حول فيما إذا كان يحق للمرأة (انطلاقاً من مبادئ حقوق الإنسان) قبول انتهاك إنسانيتها؟

([3])  وانطلاقاً من ذلك، يجب التدبر في كيفية استخدام مصطلحات مثل الأنوثة والهوية والشرف والرجولة...الخ.

([4]) ومن الجدير ذكره هنا أهمية عدم تعميم النظرة الذكورية للمرأة في الحقل الفلسفي، إذ على سبيل المثال قدم الفيلسوف العربي ابن رشد رؤيةً إنسانية لا تقل أهمية عن كل الطروحات المعاصرة المرتبطة بحقوق المساواة الجنسانية. حيث يؤكد على عدم وجود أي اختلاف بين المرأة والرجل سوى بالدرجة لا في الطبع(الاختلاف الجسدي)، وليس من الممتنع وصولُهن إلى الحكم، إذ أن المرأة والرجل نوع واحد، وأنه لا فرقَ بينهما في الغاية الإنسانية.

([5]) فإذا تم منهجياً تجاوز تأثير الرأي العام غير المنطقي، وفي حال تم التدقيق العلمي في التاريخ الفلسفي (القديم والمعاصر) وفقاً لخصائص وشروط محددة،  فإننا لن نجد فيلسوفة واحدة.


2013-04-21

الفرد بين عالمية الاقتصاد وقومية السياسة








سلام الربضي \ باحث ومؤلف في العلاقات الدولية


تفاعلت تطورات بالغة الأهمية، ساعدت على إفراز العديد من الحقائق الجديدة، وما أدت إلية من تغير في المعطيات الاقتصادية للعالم المعاصر. وقد واكبتها تغيرات في المؤسسات والسياسات العامة، لا تقل عنها أهمية، والتي لها أثار بعيدة المدى . فمن القضايا العالمية المطروحة حالياً، والتي تعبر عن هذه المتغيرات. ومنها على سبيل الذكر لا الحصر : الليبرالية الجديدة، دور الدولة، التنمية المستدامة، حماية البيئة، الحكم الصالح، أزمة ديون الدول الفقيرة، الفجوة الرقمية، المجتمع المدني، دور الأفراد، حقوق الإنسان، مكافحة الإرهاب، الأخلاق، .....الخ.

وتكمن المشكلة الأساسية في هذه الحقائق، بكيفية تلاقي عالمية الاقتصاد من ناحية، وقومية السياسة من ناحية أخرى، وهو التناقض الأساسي لظاهرة العولمة. ومن الواضح، إن تلك القضايا في مجملها، تدور في فلك إشكالية  قوة الدولة:  فهل أن هناك اختراقاً لمكانة الدولة ووظائفها، سواء كانت الدول، كبيرة أم صغيرة؟  فعندما نتكلم عن العولمة، يجب النظر إلى تاريخ الاقتصاد العام، باعتباره تاريخاً للمبادلة وقيام الأسواق وتوسيعها، وذلك لأجل فهم الاقتصاد المعاصر بشكل أوضح. فالعولمة، ليست وصفة أو حزمة معرفة، بقدر ما هي لحظة من لحظات التطور، ارتفع فيها معدل توسيع الأسواق والترابط في الاقتصادات، على مستوى رقعة متزايدة من العالم. فمن المعضلات الحالية، هو التناقض بين تطور الاقتصاد وتطور السياسة، فالاقتصاد تقنياً، يتجه نحو العالمية ولا يأبه بحدود السياسة والجغرافيا، أما السياسة، فتنظيمها ما زال وطنياً وقومياً.

ومن هنا، تنفصل العلاقة بين السلطة والمسؤولية، حيث هناك سلطة اقتصادية عالمية، لا يكاد يفلت منها مكان على المعمورة، ومسؤولية سياسية وطنية أو حتى محلية. وعلى الرغم من كل ذلك، فالدولة لم تكن في يوم من الأيام، أقوى مما عليه هي الآن، فيما تتمتع به من أدوات للتأثير في الحياة الاقتصادية، سواء عن طريق وسائل التأثير عبر السياسات الاقتصادية، أو من خلال دورها التنظيمي وتوفير الخدمات الرئيسية. والانحسار الذي أصاب الدولة، هو في صعيد الإنتاج في القطاع العام. إذ أن أداة السياسة الرئيسية هي الدولة، التي يتركز فيها استخدام السلطة. في حين أن المجال الطبيعي للاقتصاد هو السوق، حيث تعبر المصالح أو المنافع عن نفسها، فيما تظهره هذه السوق من خلال مؤشرات مختلفة: كالأسعار والاحتكار والجودة. وما بين السياسة والاخلاق والاقتصاد، فإن نقطة التقاطع تكون قائمة على ما يعرف بالحكم الصالح، القائم على ترابط مفهوم اقتصاد السوق وحقوق الإنسان والديمقراطية والشفافية والمساءلة.





كما أن، الفرد أصبح هو الحكم والفيصل، حيث الجميع يحاول استمالته، سواء بالإقناع أو الخداع. فالفرد هو من جهة ناخب، وهو من جهة أخرى مستهلك، ففي المجال الاقتصادي، ورغم من عدم عدالة التوزيع، فإن المواطن العادي، لا يزال يمسك بزمام القوة الاقتصادية، انطلاقاً من سياسية الاستهلاك. بالإظافة إلى، أن هذا الفرد هو أساس السلطة السياسية، ورأيه في صناديق الاقتراع، أو من خلال استطلاعات الرأي، ما تزال تحكم التوجهات السياسية والاقتصادية. وهنا أيضاً، قد يكون المطلوب صوته الشكلي فقط. وبالتالي، تكمن المشكلة بأن هذا الفرد، الذي يمثل الحكم والفيصل، عليه مواجهة،  قوى المال والإعلام، والمخابرات، وعليه التحوط والحذر من قدرتها، على إخضاعه لمختلف أنواع التأثير والضغط والتضليل. 

ويبدو إن أنجح أسلوب للعمل السياسي، هو عدم تسجيل المطالب والاحتياجات في صناديق الاقتراع فقط، حيث الاعتماد على عملية التمثيل. بل يجب أيضاً، أن يتم ذلك في السوق، حيث إنفاق الدولار أو توفيره، قد يؤدي إلى الغايات المرجوّة. وقد يكون هذا الشكل من العمل المباشر، أخذ يحل مكان الأشكال التقليدية في التعبير السياسي، حيث الشعوب في جميع أنحاء العالم الآن، تتسوّق بدلاً من أن تصوّت. فالمشاركة في عملية مقاطعة المستهلك، أو في التسوّق السياسي، كانت في ما مضى عملية محدودة. أما اليوم، فهناك مؤشرات إيجابية، تدل على أن نشاط  الفرد المستهلك السياسي، قد بدأ يصب في الاتجاه الصحيح. فالنشاط والنفوذ المتزايد للشركات عبر الوطنية، وما يقابلها من إرادة سياسية غير واضحة في كثير من الأحيان، أنتج إدراكاً متزايداً، بأن التسوّق صيغة سياسية جديدة . فالاستهلاكية في حقبة عدم الاكتراث السياسي والتحلّل من الارتباط، بدأت تحل محل المواطنة، على اعتبار أنها الأداة التي تمكّن الفرد العادي، من فرض وجوده في الساحة المحلية والعالمية.

إذ في الوقت الذي يترك فيه السياسيون العنان، في كثير من الأحيان، للشركات عبر الوطنية، وفي الوقت الذي يُنظَر فيه وبشكل متزايد، إلى التصويت التقليدي، على أنه غير ناضج كوسيلة للتعبير السياسي، أصبح التسوّق ذا صيغة سياسية جديدة. إنه أمضى سلاح في ترسانة المواطن والفرد العادي، بحيث يتم من خلاله مطالبة تحمل المسؤولية، من قبل الحكومات والشركات والمنظمات العالمية. ففي حين أن العقد الاجتماعي، الذي يربط بين الشعوب والحكومات يزداد هشاشة، بيد أن ضغط الأفراد الشعبي، يحدث أثراً لا تستطيع الحكومات أن تأتي بمثله _ وقد تكون غير راغبة في ذلك _ في مواجهة قوى السوق.


2013-03-07

منظمة التجارة العالمية والمحكمة الجنائية الدولية ولعبة السلطات المضادة










سلام الربضي :باحث في العلاقات الدولية \ بيروت
  


واقع الإدارة العالمية الاقتصادية لن يكون مستقراً، إلا إذا برز نظام كوني متجانس قادر على مواجهة القوى الاحتكارية ، وتطبيق كل قواعد الحكمانية عليها من المجاهرة والإيضاح والشفافية والديمقراطية وتحمّل المسؤولية الاجتماعية. وهنا، تكمن أهمية القضاء ودوره. وإلا فإن كل صيحات الديمقراطية الاقتصادية الجديدة ومضمونها، ستكون نظاماً دولياً احتكارياً، لم يشهد العالم مثيلاً له. فإذا طغت السيطرة على النظام الاقتصادي العالمي، فإن كل دعاوى الديمقراطية الاقتصادية التي نسمعها، ستكون مجرد همسات في ريح عاتية. وفي حال، غياب أداة قادرة على الفصل ـ كالمحاكم ـ تكون قد تركزت دعائم دكتاتورية السياسة الدولية. وفي هذا الإطار، يمكن الرجوع إلى عمل منظمة التجارة العالمية، لمحاولة فهم هذه المتغيّرات، خاصة نشاطها على الصعيد القضائي.

وإن إجراء أي تقييم دقيق، للسجل القضائي لمنظمة التجارة العالمية، يظهر أن النظام قد سجل تقليصاً لدور الدبلوماسية الدولية، وعمل بالمقابل على تعزيز حكم القانون. فالنزاعات التجارية الدولية الآن، تسوّى من قبل منظمة التجارة العالمية، وعلى أساس حكم القانون، وليس من خلال اللجوء إلى سياسة القوة المحضة. فتلك المنظمة، تمنح كل عضو حقوقاً متساوية، وكذلك التزامات متساوية، في قبول النتائج. ومن أكثر، الأمثلة تعبيراً عن واقع عمل هذه المنظمة، على الصعيد القضائي، هو ما يتعلق بقضية الهرمونات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا. فالمسيرة القضائية لمنظمة التجارة العالمية، أثبتت نجاحها بوجه عام، على الرغم من بعض الملاحظات والاعتراضات على مسيرتها القضائية، كالاعتراضات على نظام التسويات القضائية للمنظمة، مثل : سرية المداولات، ونفقات المقاضاة ...الخ .

كما أن، سجلات منظمة التجارة تظهر أن عدد الخلافات أو الشكاوي الواقعة بين الدول والتكتلات داخل المنظمة تقع  أكثرها، بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فهي  أكثر الدول الشاكية والمشكو منها أيضاً. وتشير إحصاءات المنظمة أن النسبة العظمى من الخلافات التي يتم تقديمها إلى المنظمة، مقدمة من قبل الدول والتكتلات الكبرى، فيما الدول النامية والصغرى، _ وهي التي تعتبر الأكثر تضرراً من غيرها من الواقع الاقتصادي العالمي _ هي الأقل تقدماً أو تذمراً أمام مراجع المنظمة القضائية ؟؟؟





ومن القضايا المتنوعة، المطروحة في أروقة المنظمة، ما يتعلق بحقوق الملكية، وفرض قيود على حرية وصول المطبوعات، وسياسة الإغراق. ومنها شكاوي الولايات المتحدة ضد الصين فيا يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، ووضع قيود على حرية وصول المطبوعات، والأفلام والموسيقى الأجنبية، إلى الأسواق الصينية. هذا وقد أصدرت منظمة التجارة العالمية، أول أحكامها ضد الصين، وشملت تلك القضية ثلاث دعاوى رفعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا، في شأن الضرائب التي تفرضها الصين على واردات مكونات السيارات.، وكان هذا أول حكم يصدر ضد الصين، منذ انضمامها لعضوية المنظمة عام 2001,  ولقد طالبت لجنة فض المنازعات في المنظمة من الصين، بمطابقة نظام الواردات لديها مع قواعد التجارة العالمية.

كذلك، فإن معظم الخلافات القضائية داخل المنظمة، تقع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأكثرها قائم، على دعم الدول لصناعتها وزراعتها، التي تصب في خدمة ودعم الشركات. وقد تكون المنافسة القضائية بين الشركتين، إيرباص ـ بوينغ تدخل في إطار استراتيجيات الدول التي تعتبر صناعة الطيران صناعة استراتيجية تدخل في صميم الأمن القومي السياسي والأمني والاقتصادي. فالولايات المتحدة قدمت شكوى ضد مؤسسة الطيران الأوروبية، تتهم فيها الحكومات الأوروبية بتقديم الدعم لشركة إيرباص. وتعتبر هذه القضية، من أكثر القضايا تعقيداً التي تبت بها المنظمة الدولية. وقد قدمت الولايات المتحدة، أدلة على أن السلطات في مقاطعة ويلز، قدمت  مساعدات مالية، على شكل منحة لتدريب فنيين جدد لطائرة إيرباص A350، المنافسة لطائرة البوينغ 787، حيث يحاول كلا الطرفين تقديم الأدلة والبراهين، على مخالفة الطرف الآخر لمبادئ المنظمة، ودعمه لشركته الوطنية. ولقد أصدرت منظمة التجارة العالمية، حُكمها القضائي في هذه القضية، والمكون من حوالي 1200 صفحة والذي تدين فيه الاتحاد الأوروبي .

وبالتالي، يبدو أن قوى السوق بأمسّ الحاجة، إلى سلطة القضاء من أجل إعطائها الشرعية القانونية، ومن أجل صون ملكيتها، وحماية حرية عملها. والمنظمات غير الحكومية تستطيع أن تلعب دوراً على صعيد العمل القضائي للمنظمة، من خلال الحق الذي أعطي لها في تقديم مذكرات النصح والإشارة، لهيئة الاستئناف في منظمة التجارة العالمية. 



ويمكن أيضاً، الاستفادة من السلطة القضائية العالمية، للمحكمة الجنائية الدولية، خاصة في ما يتعلق بقضايا النزاعات المسلحة وانتهاك حقوق الإنسان، إذ لا بد من الإشارة إلى نظام المحكمة الجنائية الدولية، المتعلق بمسؤولية الاشتراك في الجريمة، والذي يمكن أن يخلق مسؤولية جنائية دولية للموظفين والمسؤوليين. وبالتالي، يترتب على المجتمع المدني الصغط والعمل، لإيجاد تعديلات في نظام المحكمة من أجل، إدراج مسؤولية المؤسسات عن الانتهاكات، في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مستقبلاً، بشكل صريح وواضح وعلني، وتحديدا فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي والبيئي ؟  

فالمجتمعات بحاجة إلى قوانين مالية واقتصادية وسياسية، تنظم حركة الأسواق الاقتصادية بكافة جوانبها، والقضاء قد يكون مدخلاً لهذه الحركة. وإلى أن يتم الاتفاق على وضع تلك القوانين، يبقى القضاء وقدرته على الحركة ـ خاصة  من باب الاجتهاد ـ المدخل الأسهل والأسرع لمعالجة هذا الوضع. وفي إطار لعبة السلطة والسلطات المضادة، يمكن للقضاء أن يملأ الفراغ الناتج عن هذه المتغيرات، سواء على صعيد الفاعلين من شركات، منظمات غير حكومية، حكومات، منظمات دولية، أفراد، أو الأسواق وضروراتها.

وفي ظل عصر السوق، لا يمكن إيجاد توازن بين كل تلك الجهات، سوى من خلال القانون. وفي ظل غياب مدلول قانوني معولم واضح لكثير من القضايا الشائكة، قد تكون قرارات واجتهادات المحاكم، هي المدخل لواقع جديد يتبلور حالياً، في ظل التباين في العلاقة بين العولمة والقانون من جهة، والفراغ في السلطات العالمية المحوكمة من جهة أخرى.





For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com