سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية. موقع ياهو الاخباري news.maktoob.com/article/5123734 15 \8 \ 2010 .
الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية تتقن فن الواقعية السياسية, والعمل على محورين حتى ولو كان اتجاههما الظاهر متعاكساً،حيث لا يتم الدخول في لعبة سياسة إحاديةالأتجاه بل يتم إعتماد الثنائية القائمة على اتجاه رئيسي للحركة المباشرة, واتجاهفرعي أو غير مباشر, مرادف لبعض القوى الإقليمية صاحبة القدرة علىالمناورة, وصاحبة المصلحة في العمل ذاته.
تطبيقاً لهذا المبدأفان إسرائيل والولايات المتحدة, قد لا ترى خطر إستراتيجي في التحرك التركي الجديد في الشرق الأوسط وتحديداً باتجاه سوريا وإيران،والدخول المباشر على خط القضية الفلسطينية لانتاج تفاهمات إستراتجية معهما, ولا يكون هذا التحرك فينهاية المطاف خطراً إستراتيجياً على كلا الدولتين.والتفاهم التركي الإيراني السوري بأبعادة اللبنانية والفلسطينية قد يشكل نافذة آمنةللولايات المتحدة وإسرائيل فيمرحلة تمهيدية وانتقالية, نتيجة الوقائع المستجدة في المنطقه, سواء على صعيد اخفاق الولايات المتحدة في العراق وافغانستان من جهة, أو على صعيد اخفاق إسرائيل في مواجهة المقاومة في الجنوب اللبناني, أو المقاومة الفلسطينية في غزة،تمهيداً لكسب وقت تحتاجه تحديداً إسرائيل, من أجل إعادة رسم وتحديد إمكاناتها العسكرية واستخلاص العبر من إخفاقاتها العسكرية.
ولتدعيم الدّور الإسرائيلي في الشرق الأوسط, ترى إسرائيل أنّ توطيد علاقاتها الإستراتيجيّة مع تركيا من شأنه أن يدعم دورها الإقليمي في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة والأمنيّة, على الرغم من كل ما تشوب العلاقات بين البلدين حالياً من شوائب. إذ أنّ تلك العلاقة تمنحها بطاقة دخول رسميّة أخرى غير معاهدات السّلام العربيّة الإسرائيليّة. كما أنّ تعاونها الاقتصادي مع تركيا سيمنحها القدرة على طرح نموذج لكيفيّة التعاون بين دول المنطقة. إضافة إلى سعيها لمواجهة الدول الإقليميّة في المنطقة,وهي إيرانوسوريا ومصروالسعودية, التي تحاول إيجاد نوع من التوازن الإستراتيجي مع تركيا وإسرائيل. وتعلق اسرائيل آمالاً من خلال توطيد علاقتها مع تركيا، على أن تكون بوابة دخول لها إلى الدّول الإسلاميّة في آسيا الوسطى، حيث الموارد الاقتصاديّة الهامّة هناك، وبخاصّة البترول وذلك لأنّ تركيا تربطها بتلك الدول علاقات دينيّة وتاريخيّة وقوميّة وجوار جغرافي.
والولايات المتحدة وإسرائيل حريصتا على علاقاتهما الإستراتيجية مع تركيا والتحرك التركي ونتائجه قد تقدم لهما اهداف إستراتيجية منها :
1- إقامة التوازن مع إيران علىمسرح المشرق العربي, خاصة من باب دعم القضية العربية في فلسطين حتى لاتبقى إيران وحدها من الدول الإسلامية, ممسكة بهذا الملف من حيث دعم الفلسطنيين ونقد المواقف العربية المتعاجزة في مواجهة إسرائيل، فنجاح تركيا في إقامة مثل هذا التوازن, وشد انتباهالفلسطنيين إليها, والامساك بالورقةالفلسطنية يؤدي إلى عدم ترك الساحة الفلسطينية خالية أمام النفوذ الإيراني, ورغم أن هذاالطموح امامة عقبات كثيرة, أقلها ما يتأتى عن الواقع الجغرافي, ووجود قوى مقاومةأساسية, لا يمكن أن تقدّم تركيا على إيران, ولو كانت لا ترفض مساعدةالطرفين معاً.
لكن يبقى التساؤل مشروع فيما يتعلق بتركيا فهل من مصلحتها الإستراتيجية لعب مثل هذا الدور وهل تضمن إسرائيل تركيا على هذا الصعيد الإستراتيجي ؟
2- تقديم فرصة لسوريا للتخفيف مناعتمادها على إيران كحليف إستراتيجي, ومن ثم العمل على ابعادالبلدين عن بعضهما. وهذا المنطق تعول عليه إطراف عدة, لأنه يشكل المدخل الفعلي لأراحة إسرائيل، عبر تشتيت جبهات المقاومة المدعومة من إيران.ولكن يبقى دون هذا الطموح الإستراتيجي عوائق لا يستهان بها، منها :
أ- ما يعود إلى طبيعة العلاقة بين سوريا وإيران.
ب- ما يعود إلىالإستراتيجية السورية .
التي ترى قوتها تكمن في ذاتها,وفي اتساع مروحة تفاهماتها أو تحالفاتها، الآمر الذي يمنعها منالدخول في عملية الاستبدال ويدفعها في عملية التراكم التحالفي.
3- إسرائيل لا يمكنها في ظل الواقع الراهن, الاستغناء أو التفريط بعلاقتها مع تركيا. لذلك قد تكون مضطرة, لمراعاة بعض المواقف التركية وتفهمها, صوناً لهذه العلاقة الإستراتيجية. وهنا قد تستفيد أميركا من الآمر دون أي إحراج لها. فإنشاء قوةضغط إقليمي على إسرائيل, دون أن تتسبب في إحراج الإدارة الأميركية أمامالكونغرس, أو الهيئات الآخرى, التي تخضع بشكل أو بآخر لضغط اللوبي اليهودي.
الولايات المتحدة قادرة لو شاءت الضغط مباشرة علىإسرائيل لتدفعها لفعل ما _ خاصة بعد العام 2006 حيث ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل آنذاك, من خلال وزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس, من أجل عدم وقف عدوانها على لبنان. مما أدى إلى إطالة أمد الحرب لمدة 33 يوم _لكنها لاتريد ذلكحتى لا تضعف إسرائيل. ولكي لا تنكشف أكثر أمام الدول العربية المتحالفة معها.فأمريكا تريد إسرائيل القوية المنيعة, ولكن المنضبطة نوعاً ما, وقد يأتي الموقف التركي في هذا السياق, وبتقاطع مصالح مع جميع الأطراف دون إستثناء. لهذايأتي الضغط التركي على إسرائيل منحصراً في الشكليات والجزئيات. أما الأساسيات فلن تكون محلاً له, حتى إشعار آخر, أو تغير جذري في المواقف الإستراتيجية التركية .
المؤكّد أنّ هناك تآكلاً في العلاقات الإستراتيجيّة بين تركيا وإسرائيل. ولكنّ إسرائيل تدرك أنّ تركيا مازالت تعتبر إسرائيل شريكاً إستراتيجياً لها في الشرق الأوسط، وأنّ هناك مصالح إستراتيجيّة قويّة تربط بين البلدين. ورغم مخاوف إسرائيل من التقارب التركي مع كل من سوريا وإيران، فإنّها تراهن على عدم قيام تركيا بمراجعة علاقاتها الوثيقة بإسرائيل على الرغم من التوتر الحاصل في العلاقات بين البلدين .