2015-01-17

كتاب: المقاربات والمتغيرات العالمية ....عصر الدولة وعصر السوق... للباحث والمؤلف سلام الربضي \ اسبانيا



جوهر محتوى الكتاب قائم على أن نظرية تآكل دور الدولة, وانحسارها أمام نفوذ الشركات عبر الوطنية, فكرة قابلة للنقاش. إذ أن الانتقال من عصر الدول, إلى عصر السوق يطرح علامات استفهام على ضوء المقاربات والمتغيّرات العالمية الجديدة؟؟ فالتعامل مع الشركات من معيار أيدولوجي قائم على امبرياليتها الاقتصادية والسياسية, لم يعد يواكب التطورات الاقتصادية العالمية. فهناك, صعوبات علمية تواجه كل مَن يريد معالجة, أو تناول ظاهرة الشركات في سياق العولمة. فالمؤلف يتساءل في كتابه عن إمكانية معرفة, الحد الفاصل بين مصالح الشركات ومصالح الدول؟ وما هي المعايير العلمية الموضوعية للتمييز بين ما هو عام وما هو خاص؟؟

انطلاقاً من هذه التساؤلات _ ووفقاً لأسلوب المؤلف المنهجي _ يمكن فتح آفاق واسعة أمام الباحثين لتقييم طبيعة العلاقة بين السوق والدولة, أو بين الاقتصاد والسياسة. واستطراداً يطرح المؤلف سلام الربضي مثالاً للتوضيح, يتعلق بالمموّل الأكبر لنشاط منظمة الصحة العالمية, وهو بيل غيتس مالك شركة مايكروسوفت, الذي تفوق مجموع تبرعاته ما تقدمه الولايات المتحدة، فهل هذا التمويل يصب في خانة المسؤولية الاجتماعية للشركات؟أم في خانة الهيمنة والسيطرة؟



أقل ما يمكن قوله في تلك التساؤلات أنه يجب النظر لظاهرة العولمة بكل تجلياتها، ومنها الشركات، بمنظارٍ علمي بعيدٍ عن مبدأ الـ"مع" و"الضد"، حيث إن هذه الظاهرة سيف ذو حدين. فهنالك, رابحون وخاسرون، وفي الأحوال جميعاً إن أسوأ نهج في التعامل مع ظاهرة العولمة هو نهج مَن يريد أن "يؤبلسها" أو أن "يؤمثلها" بأي ثمن. فقد أحدثت رياح العولمة، تحولاً جديداً في مفهوم السيادة أخذ شكل تغليب الاقتصادي على السياسي ـ إلى حد ما ـ في سياق انتصار أيديولوجيا اقتصاد السوق. وهذا لا يعني أن الدولة قد انتفت، لكنه أيضاً يعني أنها لم تعد حرة اليدين, وأصبح هناك تغيير في طبيعة وظائفها.كذلك, ظهور المنظمات غير الحكومية وجلّها مناهضة للعولمة وتدافع عن سيادة الدولة. ولكن,المفارقة أن تلك المنظمات لا تقيّد نفسها في نشاطها بمفهوم السيادة, وفي الوقت ذاته تطالب بوضع معايير ضبط وتحكّم على نشاط الشركات؟ وقد تكون تلك المنظمات هي من الذين هم بأمسّ الحاجة لوضع معايير لضبط عملهم ونشاطهم؟


ويؤكد المؤلف سلام الربضي في كتابه, وعلى عكس الكلام البليغ السائد حول عدوانية السوق وجنوح الرأسمالية، ولاعقلانية المؤسسات الكبرى، إن ما نشهده أمام أعيننا، هو ولادة نظام مستقر من السلطات والسلطات المضادة، حتى لو كنا لم نتجاوز بعد لا تساؤلاتنا ولا شكوكنا. فالشركات تعرف أكثر من أيٍّ كان أنها في حالة ضعف نسبي لم تشهده سابقاً. وإن الفكرة الشائعة وسط غُلاة منظّري العولمة بأن الشركات ستنتفع كثيراً من وجود بيئة عالمية خالية من الضوابط تظل فكرة غريبة حقاً.



وانطلاقاً من ذلك الواقع, ينتقد المؤلف كثرة الضجيج المفتعل حول العولمة وتداعياتها, ويدعو بدل التكلُّم عن الامبريالية والرأسمالية المتوحشة, لماذا لا يتم التكّلم عن النمط الجديد من التمييز العنصري العالمي البيئي, الذي ترتكبه الدول الصناعية, والشركات, بحق البيئة والأفراد الفقراء؟ وينبه المؤلف, من إن استخدام تعبير التكيّف مع المتغيرات المناخية, قد يكون عبارة عن مجرّد تعبير مُلَطَّف للتمويه عن غياب العدالة الاجتماعية, وسوء توزيعها على الصعيد العالمي. وبحسب رؤية المؤلف يعتبر, إن مثل تلك المقاربة لقضايا العالم المعاصر, ومثل هذه الثقافة, هي الطريق الأفضل والأكثر واقعية وجدوى, في حل مشاكل العالم.

فالتغيرات العالمية على الصعيد الاقتصادي والمالي تطرح تساؤلات عدة, حول العديد من المفاهيم والنقاشات الدائرة حول دور الشركات في السياسة الدولية أو الاقتصاد العالمي, في وقت لم يعد بالإمكان اعتماد المقاربات التقليدية في تحليل ودراسة الظواهر الجديدة في عالمنا المعاصر,كصناديق الثروات السيادية، والقوة الاقتصادية الصاعدة في الشرق، وزيادة الاعتماد على الدولة كوحدة سياسية وقانونية قادرة على مواكبة تلك التغيّرات العالمية.فقضية صناديق الثروات السيادية قد تمّ تسييسها وأصبحت ظاهرة من ظواهر العلاقات السياسية الدولية. لذا فإن التعامل والدراسة مع هذه القضية لا ينبغي أن يقتصر على الفنيين العاملين في مجال الاقتصاد والاستثمار,بل يجب أن تجنّد أفضل الخبرات,في مجال العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية الدولية. ولقد تبدّلت أيضاً الجغرافيا المالية العالمية، وكشفت عن تغيّرات في مناخات الجغرافيا المالية العالمية. فالمفارقة أن الأموال الشيوعية تنقذ المؤسسات المالية الرأسمالية.

وبعيداً عن الاختلافات الفقهية والقانونية وتجاوزاً لمتاهات الفكر السياسي يحاول المؤلف سلام الربضي الإضاءة على المؤشرات,التي تدل وتكشف أن هناك اختراقاً لمكانة الدولة ووظائفها.وهذه الحقيقة تطاول جميع الدول,سواء كبيرة أم صغيرة. فالنظام العالمي يشهد هذه الأيام أزمة ثلاثية الأبعاد: بعد اقتصادي يتصل بالأسباب المباشرة التي أدت إلى تفجيرها, وبعد سياسي يتصل بهيكل وموازين وعلاقات القوة القائمة في النظام العالمي لحظة انفجار الأزمة, وبعد إيديولوجي يتصل بتأثير الأزمة على المستوى الفكري. فلم يعد مقبولا ً التعاطي مع هذا الواقع من منطلق أيديولوجي يعبّر عن مجرد موقف ضد هذه الظاهرة أو معها بدون وجود برنامج عملي.



والسؤال لماذا هناك الكثير من الأفكار عن كيفية توزيع الدخل وليس عن كيفية توليد الدخل؟ إذ لم يعد مجدياً النظر للاقتصاد من باب الزيادة الرقمية للإنتاج القومي، بل لا بد من بناء أساس مادي علمي وتقاني جديد قرين فكر وثقافة جديدين، ودعامة هذا الأساس تكون قائمة على الاستثمار في رأس مال القدرة البشرية بدلاً من رأس المال البشري كهدف وأساس للتنمية والتطوير. أذ أن هامش الحركة المتاح للمجتمع هو دائماً أوسع بكثير من ذلك المتاح للاقتصاد؟ وقد يكون هذا التصوّر بادرة أمل وارتياح. حيث إن, مصير المجتمع هو بين أيدي أبنائه, وقانون الجاذبية الاقتصادية, يفعل فعله الطبيعي على صعيد النموذج الاجتماعي، فهو يكيّفه ولكنه لا يحدّده.

الدراسة في الكتاب قائمة على 6 فصول، تتناول المقاربات والمتغيرات العالمية من خلال التعرف على طبيعة العلاقة بين استراتيجية الدول وظاهرة القومية الاقتصادية. وهذا ما ينطبق على كيفية مقاربة, دور ونشاط الأمم المتحدة في جعل مواطنة ومسؤولية الشركات عبر الوطنية عالميتين. وفي هذا المنحى إشارة إلى إيجابية المنظمات غير الحكومية, التي تمثل القوى العظمى الثانية، والتركيز على عملية التحكّم الاجتماعي من خلال النقابات العمالية. وأهمية عصر المساءلة الذي نعيش في كنفه, ودور القضاء والرأي العام في إمكانية المراقبة. ودراسة المقاربات والمتغيّرات العالمية من خلال, تحليل الظواهر الجديدة في عالمنا المعاصر, كظاهرة التسوّق السياسي, ومبدأ الاستثمار الاستهلاكي، وصناديق الثروة السيادية, والتي تجعل من إشكالية تحديد المعيار الموضوعي للفصل بين مصالح الدول واستراتيجيتها ونفوذ الشركات عملية معقدة.

ومن هذا المنطلق يتطرق الباحث سلام الربضي، إلى إشكالية واقع الضبط والتحكّم في إطار جدلية العلاقة بين السوق والدولة من خلال المؤشرات التي تعبّر عن الإمكانيات الموجودة فعلاً. فالتحالفات الاستراتيجية تخلق سوقاً عالمية بالغة التفاوت، وإن كان ثمة وجود لاقتصاد معولم، فإنه وفقاً لجدلية الزمان والمكان يترك, خللاً واضحاً, ويطرح السؤال التالي:
هل نحن في العولمة أو خارجها؟ وهل الاقتصاد منظّم وفقاً لاحتكار القلة أم وفقاً لمقتضيات التنافس؟




خلفية الكتاب

لقد أحدثت رياح العولمة، التي بدأت تهب منذ مطلع الثمانينات وأدت في مطلع التسعينات إلى تفكيك المعسكر السوفياتي ، تحولاً جديداً في مفهوم السيادة أخذ شكل تغليب الاقتصادي على السياسي ـإلى حد ما ـ في سياق انتصار أيديولوجيا اقتصاد السوق.والواقع أن الاقتصاد كان على الدوام، باستثناء الفاصل السوفياتي، اقتصاد سوق، وأنما طبيعة السوق في ظل العولمة هي التي تحوّلت. فمن قومية صارت عالمية، فيما الدولة كسيادة سياسية، بقيت قومية، ومن هنا اخترق منطق السوق العابرللحدود المنطق السيادي للدولة القومية.

الأمر قد يصدم على الصعيد المعنوي، فكيف باتت أموال البلدان الناشئة تتّجه نحو الشمال لتنقذه؟ فالصين تستثمر منذ أعوام في سندات الخزينة الأمريكية وتمول جزءاً مهماً من العجز الهائل لأكبر قوة اقتصادية عالمية وتستثمر في رؤوس أموال مؤسسات غربية، كذلك فإن الصين تسابق الدول المتقدمة الكبرى على الاستثمار في أفريقيا لتؤمّن منفذاً آمناً إلى المواد الأولية.

ومن مؤشرات تحوّل القوة المالية من الغرب إلى الشرق وتحديداً الصين التي تلعب الآن دوراً أساسياً على صعيد الاقتصاد والأسواق المالية، يكفي القول إن لدى الصين القوة لأن تقرر تكافؤ العملتين العالميتين: الدولار واليورو، فالصين قادرة بعبارة واحدة أن "تقضي" على الدولار إذا اختارت تحويل جزء كبير من الاحتياط المالي لديها إلى اليورو فهل صارت البلدان الفقيرة بنوكاً للعالم؟ إن النمو المشهدي للاحتياطات الآسيوية وتكديس البترودولار في بلدان الخليج وروسيا وسداد الديون الأرجنتينية والبرازيلية قبل استحقاقها، تحمل على الاعتقاد بأن البلدان النامية تموّل البلدان الصناعية.



لا بد من وجود نموذج فكري جديد وهذا النموذج لا يمكن أن يُبْنى حول نظام عالم آخر من نسج الخيال فالعالم معقّد جداً، والقضايا العالمية بأبعادها الإنسانية والسياسية والاقتصادية بحاجة إلى ثقافة جديدة وطريقة تفكير جديدة، كذلك يجب تخطّي النظريات المادية التي تتّبعها الدولة والسيادة الوطنية.

في حقبة من العولمة السريعة لم يعد من المناسب بعد، مواصلة الحديث عن العالم بمفاهيم الشرق والغرب، إذ القضايا العالمية مثل التجارة والتدفقات الرأسمالية والهجرة، وتجاوز المشاكل البيئية حدود القومية، بالإضافة إلى قضايا الإرهاب وحقوق الإنسان والتنوّع الثقافي، قد قضت على الفروق الحادة بين نصفي العالم وقد أصبح لزاماً طرح طريقة تفكير مختلفة في العالم. والقضايا العالمية معقدة ولم تحسم بعد، فهل ستكون : قوى السوق أم صنّاع السياسة هم رواد عوامل التغيير؟ أم أن الجاذبية السياسية والاقتصادية باتجاه الشرق تمثل تغييراً أكبر وأسرع مما تستطيع فهمه غالبية صنّاع السياسة في العالم الغربي؟ وهل طبيعة العلاقة الاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة والصين ودور كل من الاتحاد الأوروبي والهند بينهما كجسر بين الثقافتين والقوتين سوف يحدد طبيعة النظام العالمي القادم؟ وهل هذه العلاقة قد تكون محور السياسة والاقتصاد العالميين لمدة ليست بالقصيرة ؟؟؟؟؟؟؟

في هذا الكتاب عدة فصول نتناول فيها المؤشرات التي تعبّر عن الإمكانيات الموجودة فعلاً لدى الدول في كافة القطاعات الاقتصادية، ومقاربة دور ونشاط الأمم المتحدة في جعل مواطنة ومسؤولية الشركات عبر الوطنية عالميتين، وفي هذا المنحى إشارة إلى إيجابية المنظمات غير الحكومية التي تمثل القوى العظمى الثانية، والتركيز على عملية التحكّم الاجتماعي من خلال النقابات العمالية وأهمية عصر المساءلة الذي نعيش في كنفه ودور القضاء والرأي العام في إمكانية المراقبة، ودراسة المقاربات والمتغيّرات العالمية وتحليل الظواهر الجديدة في عالمنا المعاصر كظاهرة التسوّق السياسي ومبدأ الاستثمار الاستهلاكي، وصناديق الثروة السيادية والقوة الاقتصادية الصاعدة في الشرق.




For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com