سلام الربضي
http://news.maktoob.com/article/3322171
17-2-2010
لقد صرّح وزير الدّفاع الإسرائيلي السّابق موفاز مشدّداً على أنّ أهمّ هدف ستجنيه إسرائيل من الحرب على العراق وإقامة نظام موالي للغرب فيه هو عمليّة احتواء لكل من سوريا وإيران. وبالتالي سوف يؤدّي الضّغط على إيران لكي لتتخلى عن مشروعها النووي، وهو ما يتم العمل من اجلة حالياً بالإضافة إلى محاولة الضغط على إيران للتّخلي عن حزب الله.
وتشير تقارير مراكز الأبحاث التابعة لجهاز الاستخبارات العسكري الإسرائيلي أنّ وضع إيران وسوريا بعد إسقاط النظام في العراق سيكون أكثر بؤساً. وسيكون فكّا الكمّاشة أكثر ايلاماً على دمشق وطهران حيث يتمّ تطويقهما بأفغانستان وتركيا والجيش الأميركي في العراق بالإضافة إلى إسرائيل، وبالتالي تصبح التهديدات الأميركيّة والإسرائيليّة لكلا البلدين أكثر جدّيّة.
والاحتلال الأميركي للعراق قد جعل سوريا مطوقة ومحصورة ومحاصرة بالقوات الأميركية المحتلة إلى الشرق والقوات الإسرائيلية إلى الجنوب والغرب للبحر ومن فيه وقد أضافت الأزمة السياسية المتفاقمة خطورة في لبنان والتي استدعت الكثير من الدول إليه وغالباً بذريعة حمايته من سوريا أبعاداً دولية تستفيد منه بداية وانتهاء إسرائيل. كما إنّ التعاون الأمني ما بين الموساد والأكراد في شمال العراق يعبّر عن مدى الخطورة التي تتعرّض إيران لها أيضاً، وهي من حيث البعد الأمني والاستراتيجي تعتبر العدو الأوّل للأمن القومي الاسرائيلي، سواء على صعيد امتلاكها لبرنامج نووي ووجود قدرات صاروخية ذات مسافات بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية من جهة أو مواقف إيران المعادية لإسرائيل من جهة أخرى.
من هذا المنطلق، فانّ إسرائيل أصبحت تعمل على أساس أن تكون إيران الهدف الثاني بعد العراق . ومن خلال متابعة المناورات العسكريّة الإسرائيليّة البحريّة وتطوير قدرات إسرائيل على شنّ عمليّة برّيّة في مناطق ودول تبعد عنها آلاف الأميال، وشرائها لغوّاصات دولفن الألمانيّة القادرة على الإبحار في المحيطات، ووجود طائرات اف- 16واف-15بالإضافة إلى الصّواريخ البالستيّة متوسّطة المدى طراز "اريحا 1" و "اريحا 2" التي تعتبر من أدوات الذراع الطويلة، فانّ إسرائيل قادرة على ضرب أهداف بعيدة في إيران وباكستان مثلاً. كما أنّ ما يتمّ العمل علية من قبل رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي من شراء وبناء سفن انزال برمائيّة كبيرة الحجم تستطيع الإبحار في المحيطات ولمسافات بعيدة وتأدية مهمّات متعدّدة. وهذه السّفن البرمائيّة يصل وزنها إلى 3 آلاف طن وتستطيع نقل نحو600 جندي مع معدّاتهم. ووفقاً لواقع العقيدة العسكريّة الإسرائيليّة فأنّ حرب إسرائيل ضد الإرهاب وسعيها إلى منع انتشار أسلحة الدمار الشامل قد يقودانها إلى خوض هجمات سريعة تبعد آلاف الأميال عنها.
من المنظار المعمّق للبعد الاستراتيجي والعسكري، كثيراً من التساؤلات تطرح من جرّاء تعزيز إسرائيل قدراتها لمهمّات بعيدة المدى؟؟
والتساؤل مطروح عن حاجة إسرائيل إلى أسطول برمائي بهذا الحجم ؟؟
هذا تغيير ينبغي أخذه بالحسبان في بناء القوّة العسكريّة للجيش الإسرائيلي الذي يتكيّف بسبب إيران مع مهمّات بعيدة المدى جداً.
لدى إسرائيل خطط توسّعيّة لفرض هيمنتها على الشرق الأوسط الأوسع الممتد من موريتانيا حتى حدود الباكستان والهند وضمّ أفغانستان وإيران وتركيا. وإذا كانت السّياسة الإيرانيّة تبدو سياسة ردع دفاعي، وإذا كان مضمون الموقف الإيراني من الحرب على العراق كان قائماً على الحياد الايجابي، والتكّيّف مع الواقع الدّولي واعتماد مبدأ القدرة على امتطاء جوادين في وقت واحد، فانّ حدوث عدوان أميركي أو إسرائيلي سوف يبقى وارداً جداً وبأشكال مختلفة. فبالرّغم من المكاسب التي حصلت عليها إيران نتيجة الحرب الأمريكية على العراق واندحار إسرائيل في حرب تموز وحرب غزة ,فهي لا تكفي لتحقيق اطمئنانها الاستراتيجي المفترض. وإيران بشكل خاص لا تزال وستبقى حاضرة في مكوّنات المشهد الأميركي الإسرائيلي.
المنطقة العربية تشهد صراعاً إقليمياً ودولياً بين أطراف مختلفة على رأسها إسرائيل وإيران للسّيطرة عليها وإعادة رسم خارطة القوّة في هذه المنطقة الحيويّة من العالم. ويعتبر النزاع القائم الآن حول الملف النووي الإيراني أحد أهم مظاهر صراع القوّة في المنطقة. فتحجيم إيران اقليمياًًًً هدف استراتيجي إسرائيلي بامتياز من أجل بقائها القوة الكبرى إن لم نقل الوحيدة في المنطقة. وأصبحت إيران تمثل قضيّة إسرائيل الأولى في الشرق الأوسط.
إيران دولة كبيرة ذات ثروات ماديّة ضخمة وقدرات إنسانيّة، والأهم من ذلك تؤمن بإيديولوجيّة وأفكار تتعارض تماماًً مع المصالح الإسرائيليّة. فإيران لا تنطلق في إستراتيجيّتها من إطار إقليمي فقط، بل أيضاً من عمق حركة التجديد ومسيرة التكامل الفكري والايديولوجي داخلها. فالجيل الثاني من الثورة في إيران يتواصل مع قضيّة إسرائيل على الأقل من منطلق الابتعاد عنها وخارج نطاق الاتفاق الشامل.
إذن ستبقى المواجهة قائمة بين إيران وإسرائيل. كما انّ الجماعات المتديّنة والمحافظة التي تؤمن بالإسلام السياسي في إيران تحتفظ بدورها ووجودها، ولن تسمح لأي شريحة قد تستلم الحكم في إيران في المستقبل بالتوصّل إلى أي اتفاق استراتيجي مع إسرائيل. ومن هذه الزاوية أيضاً، فإنّ إيران تعدّ خطراً حقيقياً على إسرائيل وأمنها. فالخطر الإيراني قد يكون أكبر من الخطر العراقي وفقاًً للإستراتيجيّة الإسرائيليّة.
استراتيجيّة إسرائيل تتمثل الآن في الإيحاء بأنّ إيران أكبر خطر إقليمي. وإلى حدّ ما قد نجحت في ذلك سواء على صعيد الولايات المتحدة أو دول المنطقة العربيّة، تحت غطاء الخطر من امتلاك إيران للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل وغطاء مواجهة مشروع نشر مبادئ الثورة الإيرانيّة الإسلاميّة الشيعيّة. فعلى الصّعيد الإقليمي تحاول إسرائيل الإبعاد ما بين إيران والدول العربيّة. كما تعمل على القضاء على كل أرضيّة لإقامة علاقات استراتيجيّة مستقرّة، لا سيّما ما بين دول جانبي الخليج,وكثير من المحللين يعزون سبب عدم التحسّن في العلاقات الإيرانيّة المصريّة والسّعوديّة إلى الضّغوطات الإسرائيليّة والأميركيّة، ومنها على صعيد المثال ما تعرّضت له مصر في أواخر عام 2007 وبداية 2008 من ضغوطات جرّاء الانفتاح والحوار مع إيران.
لو أمعنّا النّظر في العلاقات الإيرانيّة العربيّة، سنجد أنّ إيران لا تمتلك علاقات ممكن الرّكون إليها مع أي من الدول العربيّة سوى سوريا وهي العلاقات من النوع الخاص. بل إنّ علاقات إيران مع الدول العربيّة خاصّة بعد الثورة الإسلاميّة في إيران تعدّ من أكثر العلاقات الخارجيّة الإيرانيّة تلاطماً، حيث هناك ترسّبات تاريخيّة وحالات سوء الظن العالقة بين إيران والعالم العربي. فانّ إيران تشعر بالغربة والبعد عن العرب سواء من الناحية الطائفيّة أو السّياسيّة، وأزمة الشرعيّة وإشكاليّة الأمن القومي في العالم العربي عمّقت دوماً الشرخ السّياسي والثقافي، علماً أنّ الثقافة والأمن ركيزتا هذه العلاقات, فكيف الحال مع إسرائيل التي يراد لها أن تسيطر على المنطقة برمّتها وعلى كافة الصّعد العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة؟
نتيجة التطورات الحاصلة في الخليج من ازدياد النفوذ الأميركي، فانّ ارتباط أي حكومة عراقيّة مستقبليّة في علاقاتها مع إيران ستكون محكومة إلى حد ما بعلاقة العراق مع الغرب وأميركا. وقد يكون هناك تأثير لإسرائيل بطرق مباشرة أو غير مباشرة على أي حكومة عراقيّة أكثر من تأثير أي دولة عربية أخرى. ومن هذا المنطلق فإنّ إيران لا تستطيع تعليق آمالها على تحالف أو تكتل إقليمي مع الدول الواقعة إلى الجنوب منها.
وقد لا تشهد منطقة الشرق الأوسط على مدى السّنوات العشر القادمة أو العشرين أي تحالف إقليمي شامل لمواجهة معضلات المنطقة السّياسيّة والاقتصاديّة. فالعلاقات الإيرانيّة في المنطقة ستبقى مرهونة على صعيد الواقع لما ستؤول إليه العلاقات الأميركيّة الإيرانيّة، فمن الممكن لواشنطن من خلال تطبيع العلاقات مع إيران أن تخلط الأوراق في المنطقة بهدف احتواء المنطقة والإفادة من إيران كعامل لإيجاد التوازن بين العرب وإسرائيل وتركيا من جهة، وبين روسيا وإيران في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز من جهة أخرى.
أيضا يمكنها التفاهم مع إيران من أجل تخفيف حدّة المعارضة في العالم الإسلامي للنفوذ الأميركي في المنطقة، ولكن هذا التقارب والتفاهم قد يكون مقبولاً ومعقولاً انّما يبقى رهينة الإستراتيجيّة الإسرائيليّة في الشرق الأوسط. ومن هذا الواقع قد تكون إستراتيجيّة إيران قائمة على أنّ أي تفاهم إقليمي في المنطقة لن يضيف للموقع الإستراتيجي الإسرائيلي شيئاً سواء عملت إيران بصورة مستقلّة أم تحسّنت علاقتها مع أميركا وربّما العامل الأقوى لبقاء مكانتها الإقليميّة هو بناء قوّتها الذاتيّة.