‏إظهار الرسائل ذات التسميات قضايا فلسفية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قضايا فلسفية. إظهار كافة الرسائل

2025-02-03

رأس المال المعرفي العربي وإشكاليات الكتلة الحرجة

 



د.سلام الربضي

تواجه جميع الدول في عالمنا العربي على مستوى تكوين رأس المال المعرفي معضلات معرفية معقدة ومركبة. فعلى الرغم مما حصل من تقدم ملحوظ على صعيد مؤشرات نشر المعرفة في المجتمعات العربية، ولكن يجب عدم تجاهل كثير من الحقائق التي تستدعي قراءة دلالاتها بتأني وتروي. فوفقاً للتقرير الاقتصادي العربي (الصادر عن صندوق النقد العربي 2022)  تبلع  نسبة الأمية في العالم العربي بنحو 25% والتي تعتبر الأعلى في العالم( باستثناء أفريقيا جنوب الصحراء بنحو 34%)  حيث هنالك ما يقرب من 70 مليون أمي عربي، وهنالك ما يقرب من 15 مليون طفل خارج أي نظم تربوية.

وإذا أردنا تأطير واقع رأس المال المعرفي العربي بشكل أكثر دقة وعدم الاكتفاء بالمؤشرات الكمية فقط، هنا يجب علينا لفت الانتباه إلى المعضلات المرتبطة بكل من :

·         تخمة امتلاك تخصصات مقابل الشح في تخصصات أخرى(تحديداً العلمية منها).

·         الجدوى الفعلية لظاهرة انتشار وجود جامعات كفروع لمؤسسات تعليمية أجنبية.

     وبناء على ذلك، يمكننا طرح الإشكاليات المتعلقة باستراتيجيات التعليم القادرة على مواكبة متطلبات اقتصاد ومجتمع المعرفة، وذلك وفقاً للتساؤل التالي:

هل السياسات والمنهجية التعليمية في العالم العربي تستطيع تكوين الكتلة الحرجة من راس المال المعرفي القادر على تلبية الاحتياجات الفكرية والثقافية للمجتمع أو  الاحتياجات الاقتصادية لأسواق العمل؟

على الرغم من جميع الجهود المبذولة للنهوض على هذا المسار، وعوضأ عن الاكتفاء بتحسين المؤشرات الكمية فحسب، يبدو أننا لا نزال بعيدين بأشواط عن الاستجابة للمعايير العالمية لتكوين الكتلة الحرجة من رأس المال المعرفي النوعي. إذ هنالك شكوك عميقة حالياً حول القدرة على خلق فضاءات ديناميكية وابتكارية ونقدية نستطيع من خلالها تكوين تلك الكتلة الحرجة من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة أو الأزمات السياسية والفكرية المستعصية في العالم العربي.

     وعليه، من حيث المبدأ يجب الاعتراف بحقيقية أنه لا يمكن تكوين رأس مال معرفي رصين وراسخ، دون وجود رؤية واضحة لهوية ذلك المواطن العربي المراد تكوينه معرفياً. وهنا تبرز أهمية الدور القاطع للقيادات السياسية والنخب الفكرية الذي تستطيع القيام به لإعادة هيكلة جميع المفاهيم والاستراتيجيات والممارسات، المرتبطة بصيرورة إنتاج وتكوين الكتلة الحرجى من رأس المال المعرفي.

     وفي هذا السياق، للتدليل على مدى هشاشة استراتيجيات المعرفة العربية وغياب الرؤية على المستوى السياسي المرتبط بالأداء المعرفي، ما علينا سوى طرح المعضلات التالية:

-         ضآلة حجم الإنفاق العربي الحكومي على الأبحاث العلمية، والتي باتت جزء أساسي من قوة الدول الناعمة: فوفقاً لتقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ((UNESCO لا يتجاوز إجمالي الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي نسبة 0.59% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع المتوسط العالمي الذي يبلغ 2.3% تقريباً.

-         الشح في دعم إنتاج الكتب أو قرائتها: حيث يُنتج العالم العربي أقل من 1% من الإنتاج العالمي للكتب(على الرغم من أن نسبة السكان العرب تبلغ حوالي 5.5% من سكان العالم).

-         ضعف نوعية الكتب المنشورة ومحدودية قاعدة القراء الفعليين باللغة العربية: حيث للأسف الشديد يقرأ المواطن العربي فقط ما معدله 6 دقائق سنوياً، مقارنةً بـ200 ساعة سنوياً للفرد الأوروبي.

وبالإضافة إلى ذلك، ونتيجية البيئة السياسية والفكرية الغير قادرة على الحفاظ على المواهب والمبتكرين او استقطابهم، يوجد في العالم العربي أعلى النسب العالمية على مستوى هجرة العقول والمهارات، كما أن معظم الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى أوطانهم (خاصة أصحاب شهادات الدكتوراه).

وفي المحصلة، هذه المعضلات والإشكاليات تؤكد حتماً الحاجة الماسة لزيادة الاستثمار في الرأس المال المعرفي المرتبط بالبحث العلمي. وهنا علينا أيضاً أدراك خطورة الاقتناع بجدوى السياسات العامة المتعلقة باستيراد المعرفة والتكنولوجيا بالمال، دون وجود بيئة سياسية تمكينية مرتكزة في الأساس على:

1.       توطين الفكر العقلاني والنقدي.

2.       عوامل خلق الأبداع والابتكار.

     وبناء على ذلك، ستبقى الرؤى السياسية هي بالدرجة الأولى القادرة على خلق بيئة داعمة لتكوين وترسيخ الكتلة الحرجة النوعية من رأس المال المعرفي الحقيقي، والتي من حيث المبدأ يجب أن تستند على:

-         فلسفة العلم والعقد الاجتماعي الداعم لدولة القانون واحترام التنوع.

-         التحديث السياسي والثقافي والاقتصادي.

على نور ما تقدم، وبعيداً عن ولع المغلوب بتقليد الغالب، من الضروري التأكيد على أنه لا يمكننا تحقيق أي اختراق نوعي واستراتيجي على مستوى كيفية تكوين تلك الكتلة الحرجة دون وجود استراتيجية سياسية جادة تخولنا الانخراط والاستثمار في هذا النسق من رأس المال المعرفي الذي يكون قادر على استيعاب حاضرنا ومستقبلنا استيعاب عقلي ونقدي، والذي نستطيع من خلاله تجاوز تبعيتنا المعرفية، سواء كانت تكنولوجية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، وحتى ترفيهية ورياضية.

 


2022-03-09

المرأة بين الفلسفة والفكر الذكوريّ

 


د. سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

لقد باتت كثير من المكاسب التي تحققت على مستوى المساواة بين الرجل والمرأة معرضة للانتكاس، حيث يوجد الكثير من أوجه الخلل القائمة، والتي تزيد من تفاقم معاناة النساء لمجرد كونهن إناثاً. إذ ما زالت المرأة في جميع أنحاء العالم تواجه قوانين وأنظمة تقيد وتعيق فرصها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فوفقاً للتقارير العالمية يبدو أن هنالك كثير من التحديات الجديدة التي تتعرض لها المرأة على مستوى صحتها وسلامتها وأمنها الاقتصادي، إذ تتمتع النساء فقط بثلاثة أرباع الحقوق القانونية الممنوحة للرجال([1])ومن المؤكد عند محاولة تقييم تلك المعضلة ومقاربة واقع حقوق المرأة، لا بد من طرح الإشكالية التالية:

هل هنالك خلل فلسفي يحول دون تمكين المرأة من تجاوز تلك المنظومة الذكورية؟

 يبدو أن القمع الذكوري الأقصى الحقيقي، هو ما تعاني منه المجتمعات والحقول الفلسفية من نظرة انتقاصية للمرأة. وبالتالي، إذا كان هنالك من رغبة جدية للوصول إلى المساواة الحقيقة بين النساء والرجال، هذا يستوجب إعادة النظر، بكل ما له علاقة بثقافة المجتمعات، بما في ذلك ثقافة المرأة نفسها([2])، ناهيك عن مواجهة بعض التحديات على المستوى التنويري، والتي تتطلب أخضاع كلاً من الفكر الفلسفي والثقافي للفحص النقدي الصريح. حيث يتضح أن المرأة قد وضعت في رحم دوامة فلسفة مغلقة، تحتفظ بالأشكال التقليدية للأنوثة([3]). وفي هذا السياق، من المنطقي القول، إنه لا يمكن الوصول إلى المساواة المجتمعية الجنسانية دون وجود خلفية فلسفية تعمل على تنوير العقول وتحريرها من القيود الذكورية.

ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك التحرر والتنوير إذا كانت القيم الفلسفية نفسها تعاني مشكلة جنسانية وشوفينية بارزة، والتي ترتبط (للأسف الشديد) بدونية المرأة في عالم الفلسفة؟

 على سبيل المثال، أشهر الفلاسفة الإغريق (أرسطو، أفلاطون، سقراط) كانت رؤيتهم للمرأة بشكل عام لا تتعدى عن كونها لا تصلح إلا للإنجاب، وأنه لا يمكنها أن تمارس الفضائل الأخلاقية كالرجال، وهي أدنى من الرجل في العقل والفضيلة. وهذه الرؤية للمرأة في عالم الفلسفة القديمة لم تختلف كثيراً مع عددٍ من كبار الفلاسفة الحديثين(جان جاك روسو، كانط، نيتشه)، فالمرأة وفقاً لرؤيتهم لم تُخلق لا للعلم ولا للحكمة، وإنما لإشباع غرائز الرجل، كما أن عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل وهي ليست مصنوعة للتفكير، وهي مصدر كل الشرور وتتآمر مع كل أشكال الانحلال ضد الرجال([4]).

 يبدو من الواضح أن استمرار طُغيان الفلسفة الذكورية يعد عرضاً طبيعياً لذكورية الثقافة الإنسانية بشكل عام، والتي ما زالت مستمرة، على الرغم من المزاعم بالمساواة. وبالتالي، إذا كان هنالك من يعتقد أن هذه الاعتبارات الفلسفية الغارقة في الذكورية والمرتبطة بحقوق المرأة، لقد تجاوزها الزمن في ظل انتشار الايديولوجية النسوية، وتطور نسق الأفكار المتعلقة بالجنسانية. ولكن هنا، لا بد من طرح الإشكالية القائمة حول: هل تغيّرت فعلياً النظرة الذكورية تجاه المرأة على المستوى الفلسفي المعاصر، وهل هنالك حاجة ماسة للانتقال إلى المنظومة الفلسفية التنويرية الشاملة؟

بكل تأكيد عند محاولة الإجابة على تلك التساؤلات وتقييم تلك الإشكالية الهجينة (وفي حال تم تجاوز المنهج الاحصائي والكمي الذي يؤكد على قتامة المشهد) من أجل إيجاد تغيير جذري على مستوى الركائز الحيوية الضامنة لحقوق المرأة، يجب البحث عن الاسباب والخلفيات، التي تحول دون استطاعة المرأة حتى الآن، من ابتداع مدرسة فلسفية متكاملة أو إنشاء تياراً فكرياً يستطيع التأثير في الحقل الفلسفي. وعدم الاستطاعة هذا، حتماً سيؤدي إلى طرح التساؤل الجوهري حول:

هل فعلياً يوجد نساء فيلسوفات([5])؟

هنا لا محالة، سوف يتم الاصطدام بقساوة ووطأة الجدليات المرتبطة بأهمية ومكانة ودور المرأة في التفكير والتفلسف.



[1]  ناهيك عن تزايد العنف ضد المرأة ، بالإضافة إلى الوهن الاقتصادي وعدم الاستقلالية المادية إلى حد ما، بما في ذلك الحواجز التي تحول دون الالتحاق أو الحفاظ على الوظائف، وتواجه النساء أيضا من ارتفاع ملحوظ في العنف المنزلي وتحديات الصحة والسلامة..الخ. راجع تقرير البنك الدولي المعنون:"المرأة والأعمال والقانون في 2021". والتقرير متوافر على الرابط التالي: https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/35094/9781464816529.pdf

[2]  إذ من المتسغرب تقبل بعض النساء لتلك المظاهر، بحجة أنهن اعتدنا على تلك الممارسات. ومن المؤسف أيضاً أن الكثير منهنّ لا تعرف شيئاً عن مجرد استغلالها. وهنا قد تطرح كثير من علامات الاستفهام حول فيما إذا كان يحق للمرأة (انطلاقاً من مبادئ حقوق الإنسان) قبول انتهاك إنسانيتها؟

[3]  وانطلاقاً من ذلك، يجب التدبر في كيفية استخدام مصطلحات مثل الأنوثة والهوية والشرف والرجولة...الخ.

[4] ومن الجدير ذكره هنا أهمية عدم تعميم النظرة الذكورية للمرأة في الحقل الفلسفي، إذ على سبيل المثال قدم الفيلسوف العربي ابن رشد رؤيةً إنسانية لا تقل أهمية عن كل الطروحات المعاصرة المرتبطة بحقوق المساواة الجنسانية. حيث يؤكد على عدم وجود أي اختلاف بين المرأة والرجل سوى بالدرجة لا في الطبع(الاختلاف الجسدي)، وليس من الممتنع وصولُهن إلى الحكم، إذ أن المرأة والرجل نوع واحد، وأنه لا فرقَ بينهما في الغاية الإنسانية.

[5] فإذا تم منهجياً تجاوز تأثير الرأي العام غير المنطقي، وفي حال تم التدقيق العلمي في التاريخ الفلسفي (القديم والمعاصر) وفقاً لخصائص وشروط محددة،  فإننا لن نجد فيلسوفة واحدة.


2021-03-09

المرأة والفكر الفلسفيّ الذكوريّ

 


د. سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

 

الميادين. نت  

مع انتشار جائحة "كوفيد-19"، باتت كثير من المكاسب التي تحققت على مستوى المساواة معرضة للانتكاس. فهذه الجائحة تعمّق أوجه الخلل القائمة، وتكشف ما يشوب النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من مواطن ضعف،  وتزيد من تفاقم  معاناة النساء والفتيات لمجرد كونهن إناثاً. فعلى الرغم من التطور البطيء على مستوى نسق رفع وتيرة المساواة بين الجنسين، ولكن ما زلن النساء في جميع أنحاء العالم يواجهن قوانين وأنظمة تقيد وتعيق فرصهن الاقتصادية والاجتماعية. فوفقاً للتقارير العالمية يبدو أن جائحة "كوفيد 19" قد خلقت تحديات جديدة للنساء على مستوى صحتهن وسلامتهن وأمنهن الاقتصادي، إذ تتمتع النساء فقط بثلاثة أرباع الحقوق القانونية الممنوحة للرجال([1]).

 

ومن المؤكد عند محاولة تقييم تلك المعضلة ومقاربة واقع حقوق المرأة، لا بد من طرح التساؤلات التالية:


- إلى متى سوف يتم اتخاذ المرأة كدليل على التكامل الثقافي والأخلاقي للمجتمع؟

-هل هنالك خلل فلسفي يحول دون تمكين المرأة من تجاوز تلك المنظومة الذكورية؟

 

يبدو أن القمع الذكوري الأقصى الحقيقي، هو ما تعاني منه المجتمعات والحقول الفلسفية من نظرة انتقاصية للمرأة. وبالتالي، إذا كان هنالك من رغبة جدية للوصول إلى المساواة الحقيقة بين النساء والرجال، هذا يستوجب إعادة النظر، بكل ما له علاقة بثقافة المجتمعات، بما في ذلك ثقافة المرأة نفسها([2])، ناهيك عن مواجهة بعض التحديات على المستوى التنويري، والتي تتطلب أخضاع كلاً من الفكر الفلسفي والثقافي للفحص النقدي الصريح. حيث يتضح أن المرأة قد وضعت في رحم دوامة فلسفة مغلقة، تحتفظ بالأشكال التقليدية للأنوثة([3]).

 

وفي هذا السياق، من المنطقي القول، إنه لا يمكن الوصول إلى المساواة المجتمعية الجنسانية دون وجود خلفية فلسفية تعمل على تنوير العقول وتحريرها من القيود الذكورية. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك التحرر والتنوير إذا كانت القيم الفلسفية نفسها تعاني مشكلة جنسانية وشوفينية بارزة، والتي ترتبط (للأسف الشديد) بدونية المرأة في عالم الفلسفة؟

 

فعلى سبيل المثال، أشهر الفلاسفة الإغريق (أرسطو، أفلاطون، سقراط) كانت رؤيتهم للمرأة بشكل عام لا تتعدى عن كونها لا تصلح إلا للإنجاب، وأنه لا يمكنها أن تمارس الفضائل الأخلاقية كالرجال، وهي أدنى من الرجل في العقل والفضيلة. وهذه الرؤية للمرأة في عالم الفلسفة القديمة لم تختلف كثيراً مع عددٍ من كبار الفلاسفة الحديثين(جان جاك روسو، كانط، نيتشه)، فالمرأة وفقاً لرؤيتهم لم تُخلق لا للعلم ولا للحكمة، وإنما لإشباع غرائز الرجل، كما أن عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل وهي ليست مصنوعة للتفكير، وهي مصدر كل الشرور وتتآمر مع كل أشكال الانحلال ضد الرجال([4]).

 

يبدو من الواضح أن استمرار طُغيان الفلسفة الذكورية يعد عرضاً طبيعياً لذكورية الثقافة الإنسانية بشكل عام، والتي ما زالت مستمرة، على الرغم من المزاعم بالمساواة. وبالتالي، إذا كان هنالك من يعتقد أن هذه الاعتبارات الفلسفية الغارقة في الذكورية والمرتبطة بحقوق المرأة، لقد تجاوزها الزمن في ظل انتشار الايديولوجية النسوية، وتطور نسق الأفكار المتعلقة بالجنسانية. ولكن هنا، لا بد من طرح الإشكالية القائمة حول التساؤل فيما إذا تغيّرت فعلياً النظرة الذكورية تجاه المرأة على المستوى الفلسفي المعاصر، وفيما إذا كان هنالك حاجة ماسة للانتقال إلى المنظومة الفلسفية التنويرية الشاملة؟

 

بكل تأكيد عند محاولة الإجابة على تلك التساؤلات وتقييم تلك الإشكالية الهجينة (وفي حال تم تجاوز المنهج الاحصائي والكمي الذي يؤكد على قتامة المشهد) من أجل إيجاد تغيير جذري على مستوى الركائز الحيوية الضامنة لحقوق المرأة، يجب البحث عن الاسباب والخلفيات، التي تحول دون استطاعة المرأة حتى الآن، من ابتداع مدرسة فلسفية متكاملة أو إنشاء تياراً فكرياً يستطيع التأثير في الحقل الفلسفي.

 

وعدم الاستطاعة هذا، حتماً سيؤدي إلى طرح التساؤل الجوهري حول فيما إذا كان يوجد نساء فيلسوفات([5])؟ وهنا لا محالة، سوف يتم الاصطدام بقساوة ووطأة الجدليات المرتبطة بأهمية ومكانة ودور المرأة في التفكير والتفلسف.



([1])  ناهيك عن تزايد العنف ضد المرأة ، بالإضافة إلى الوهن الاقتصادي وعدم الاستقلالية المادية إلى حد ما، بما في ذلك الحواجز التي تحول دون الالتحاق أو الحفاظ على الوظائف، وتواجه النساء أيضا من ارتفاع ملحوظ في العنف المنزلي وتحديات الصحة والسلامة..الخ. راجع تقرير البنك الدولي المعنون:"المرأة والأعمال والقانون في 2021". والتقرير متوافر على الرابط التالي: https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/35094/9781464816529.pdf

([2])  إذ من المتسغرب والمستهجن تقبل بعض النساء لتلك المظاهر، بحجة أنهن اعتدنا على تلك الممارسات، ومن المؤسف أيضاً أن الكثير منهنّ لا تعرف شيئاً عن مجرد استغلالها. وهنا قد تطرح كثير من علامات الاستفهام حول فيما إذا كان يحق للمرأة (انطلاقاً من مبادئ حقوق الإنسان) قبول انتهاك إنسانيتها؟

([3])  وانطلاقاً من ذلك، يجب التدبر في كيفية استخدام مصطلحات مثل الأنوثة والهوية والشرف والرجولة...الخ.

([4]) ومن الجدير ذكره هنا أهمية عدم تعميم النظرة الذكورية للمرأة في الحقل الفلسفي، إذ على سبيل المثال قدم الفيلسوف العربي ابن رشد رؤيةً إنسانية لا تقل أهمية عن كل الطروحات المعاصرة المرتبطة بحقوق المساواة الجنسانية. حيث يؤكد على عدم وجود أي اختلاف بين المرأة والرجل سوى بالدرجة لا في الطبع(الاختلاف الجسدي)، وليس من الممتنع وصولُهن إلى الحكم، إذ أن المرأة والرجل نوع واحد، وأنه لا فرقَ بينهما في الغاية الإنسانية.

([5]) فإذا تم منهجياً تجاوز تأثير الرأي العام غير المنطقي، وفي حال تم التدقيق العلمي في التاريخ الفلسفي (القديم والمعاصر) وفقاً لخصائص وشروط محددة،  فإننا لن نجد فيلسوفة واحدة.


2021-02-15

"كوفيد_19" وما لا يُرى في بنية المجتمعات العربية

 




د. سلام الربضي \ مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

الميادين نت \ 13-2-2021.


وفقاً لجدلية المجتمع والسلطة، ثمة صعوبات منهجية تواجه كلّ مَن يريد تناول معضلات السياسات الحكومية المتعلقة بأزمة جائحة "كوفيد-19" في العالم العربي، والتي يمكن التعبير عنها من خلال التساؤل عن إشكالية معايير الفصل بين السياسات العامة وثقافة المجتمعات. وبمعنى آخر، إشكالية التمييز بين العام والخاص، والذي يمكن في ضوئه تقييم السياسات الحكومية في العالم العربي.

 

بادئ  ذي بدء، وعملاً بالنصيحة الديكارتية، علينا تفتيت الإشكالية التي تعد بطبيعتها ضبابية، وقد تدفعنا إلى مفاضلات وهمية لا جدوى منها، فكل المقاربات التي تركز على الفوارق الشكلية أو الوظيفية بين كل تلك الثنائيات لا تجدي نفعاً قبل طرح القضية الأساسية التي تتمحور حول السؤال التالي:


هل هناك فوارق جوهرية بين ما يُرى من سياسات حكومية عقيمة وما لا يُرى من عطب بنية المجتمعات العربية، من حيث الإطار الثقافي الذي يحدد طبيعة تلك السياسات ويرسمها؟

 

بعيداً من التنظير، ولتوضيح هذه المقاربة، ما علينا سوى تتبّع مسار كيفية التعامل مع الجائحة الصحية، سواء على المستوى الحكومي أو المجتمعي، لنجد، وبكل وضوح، وجود تطابق كبير في ما بينهما، فالواقع العربي الحالي يؤكد بصورة صارخة أن الأزمات الحالية بامتدادها وعمقها إنما هي أزمة مقومات أساسية، فالكل في أزمة، والأزمة في الكل.

ما يُرى هو تقييم ونقد للسياسات الحكومية وتركيز على لعبة السلطة والمعارضة، ولكن ما لا يُرى هو أن تلك السياسات قد تكون أخطر وأبعد من أن تكون مسألة سياسية أو اقتصادية أو حتى صحية فقط، فمعظم الإشكاليات المطروحة، سواء كانت سياسية (الديمقراطية، الحرية، سيادة القانون) أو اقتصادية (التنمية، توزيع الثروة، تكافؤ الفرص)، ترتبط بشكل أو بآخر بعطب بنية المجتمع الثقافي.

 

لذلك، من الأولويات الملحّة إيجاد مقاربات نقدية جديدة، والتخلي عن الرؤية التقليدية القائمة على تحميل السياسات الحكومية كامل المسؤولية، وهو ما يتطلب وجود اجتهادات جريئة وخيارات استراتيجية على مستوى كيفية مواجهة الإشكاليات التالية:  


1-  استمرارية التمسك بربط القضايا الحياتية والسياسات العامة بالقضية الإيمانية: إذ لا يجوز الاستمرار في تقييم السلطة أو البحث عنها في عالم ما فوق الإنسان([1]). وبالتالي، إذا أراد العالم العربي النهوض، فعليه نسف الكثير من المبررات الوجودية القائمة على ثنائيات تصادمية متناقضة ومرتبطة بفرضيات قدرية وثيوقراطية، فإذا كانت بنية المجتمع ترتكز على خلفية ثيوقراطية أو ميتافيزيقية، فهذا يعني عدم إمكانية إجراء التطوير أو التغير فيها، وهو ما يؤكد أهمية إيجاد مقاربات منطقية تؤدي إلى عقلنة الفكر المجتمعي أكثر فأكثر، فالرؤية الثقافية العربية الكلاسيكة لم تعد كافية، وباتت غير قادرة على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية([2]).


2-  بقاء المجتمعات العربية رازحةً تحت وطأة نسق ثقافي يتمحور حول الإرث الاستعماري: الذي يمكن أن يفرض على الوطن العربي آثاراً شديدة الخطورة وتداعيات بغاية الأهمية، أقله على مستوى تشويه قراءة الكثير من الحقائق العلمية، وهو ما يمكن استنتاجه بكل بساطة من خلال كيفية مقاربة العقل العربي لكل ما يتعلق بتداعيات الجائحة، بدءاً من نظرية المؤامرة المرتبطة بأصل الفيروس، وصولاً إلى كل الإشكاليات المرتبطة باللقاحات.  


في ضوء ما تقدم، قد يكون من المستحيل حصول أي تغيير جذري ما دام كل ما يُرى هو البحث في السياسات الحكومية الفاسدة، بينما يتم تجاهل ما لا يُرى، وهو عطب بنية المجتمع الثقافية بحد ذاتها. وما دامت تلك البنية المجتمعية لم تتغير حتى لحظتنا هذه، فالواقع العربي حكماً غير قابل للتغيير حتى إشعار آخر. وخير دليل على ذلك هو الحائط المسدود الذي وصل إليه ما يسمى "الربيع العربي"، وللحديث بقية.




([1]) ففي عالم الإنسان لا وجود لسلطة عليا شاملة تنبثق منها السلطات وتخضع لها خضوعاً كاملاً، ووحدانية السلطة في المجتمع تصور ينسجم مع فلسفة السيطرة، لا مع فلسفة السلطة.

([2]) فإذا كان كل ما يرى بسياسات الأنظمة والحكومات العربية هو التخبط والفساد وأغتصاب للسلطة، ولكن ما لا يرى هو أن كل تلك السياسات وما سوف يليها من تداعيات تعكس وتعبر عن واقع مجتمعنا الماورائي  محتكر الحقيقة.




For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com