زاوية أفاق استراتيجية
للباحث في العلاقات الدولية سلام الربضي
وكالة عجلون الأخبارية \ 28-5-2010
http://www.ajlounnews.net/index.php?module=articles&id=105
الهدف الأساسي من حروب اسرائيل هي التأكيد على هيمنتها العسكرية على المنطقة ويكمن الردع من ناحية إسرائيل فحسب في قلب العقيدة الإسرائيلية الأمنية فهي تريد أن تحظى بالحرية الكاملة لتضرب دون أن تلقى أي رد بالمقابل وهي تعتمد على قوة متغطرسة لحماية نفسها وترفض أي نوع من أنواع الردع المتبادل وتعارض أي توازن إقليمي للقوة قد يجبرها على التنازل والاعتدال في أفعالها. والشيء الجوهري في المشروع الإسرائيلي هو أن إسرائيل لم تقبل في أي يوم من الأيام أن تكون جزءاً من هذه المنطقة، ولم تكتف بالمطالبة بأن يعترف بها دولة لليهود فقط، وإنما الإقرار بها دولة متفوقة على غيرها لشعب متفوق على غيره وهذا مشروع عنف لا ينتهي. ولقد خلقت إسرائيل كحل نهائي للمسألة اليهودية في أوروبا، لكنها خلقت مشكلة لا نهاية لها للفلسطينيين والعرب حيث تترك فكرة الحل النهائي كشبح موت في هذه المنطقة وفي العالم كله. ومعلوم أن لديها صيغتها الخاصة من الحل النهائي قائمة على تسفير الفلسطينيين خارج وطنهم أي الترانسفير وهو ما يعادل إبادة سياسية للشعب الفلسطيني.
وأن من أهم تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة ليس القضاء على المقاومة فحسب ولكن أيضاً القضاء على حلم بناء الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، لكي يصبح الخيار الأردني الخيار الأكثر واقعية من وجهة النظر الإسرائيلية حيث كان مؤكداً في حال انتصرت إسرائيل في الحرب أن يؤدي ذلك إلى إلغاء خيار حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية. فإصرار الحكومات الإسرائيلية المتتالية على إقامة إسرائيل الموسعة من خلال ضم التكتلات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية وإكمال بناء الجدار الأمني، والاحتفاظ بالسيطرة على غور الأردن وفيما إذا استطاعت الحكومة الإسرائيلية مستقبلاً من تحقيق هذه الأهداف بتأييد من الولايات المتحدة سوف يؤدي إلى منع تحقيق حلم إقامة الدولة الفلسطينية الحقيقية والفعلية .وإسرائيل ترفض حل الدولة الواحدة حيث الشعوب متساوية وحيث ترتكز الديمقراطية ، بدلاً من ذلك يريد الإسرائيليون من العالم أن يبارك إسرائيل كدولة محض يهودية حيث ليس لأي مواطن آخر مواطنية متساوية . وبعض القادة الإسرائيليين يؤمن أن حل الدولتين لن يعالج المشكلة الديمغرافية داخل دولة إسرائيل لذلك يرفضونه ويرغبوا بجعل الأردن الوطن البديل للفلسطينيين وأن يدفعوا فلسطيني إسرائيل إلى تلك الدولة بأية وسيلة ممكنة.
والمشروع الإسرائيلي القديم ـ الجديد لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، تحول مؤخراً، إلى خطط يجري تنفيذها بالفعل، سواء على المستوى الاستراتيجي بمنع قيام الدولة الفلسطينية وتحويل الضغط الدولي باتجاه الأردن، أو على المستوى الميداني بمواصلة سياسات الحصار والتهجير لأبناء الضفة الغربية باتجاه الأردن، أو على المستوى السياسي والإعلامي بشن حملة منظمة ضد المملكة من أجل تجنيس المزيد من المهجرين الفلسطينيين، وفرض ما يسمى المحاصصة السياسية في ظل ما يخطط له من أغلبية ديموغرافية فلسطينية. كما أن هذه الإجراءات الإسرائيلية تشكل خطراً داهماً على مستويين:
الأول : حرمان أبناء الضفة المقيمين في الأردن من حقهم في العودة والإقامة في الضفة، بحجة أنهم حاصلون على جنسية أخرى.
الثاني : تهجير المزيد بحجج مختلفة وذرائع واهية وكلها تصب في خانة مشروع الوطن البديل.
أن قرار فك الارتباط لعام 1988، والناشئ أصلاً عن طلب منظمة التحرير الفلسطينية وقرار القمة العربية لعام 1974، هو قرار مفصلي في النظام السياسي الأردني، من حيث انه أنهى وضع والتزامات الوحدة مع الضفة قانونياً وإدارياً وسياسياً. لذلك لا بد من دراسة كيفية دسترة قرار فك الارتباط وإصدار القوانين اللازمة لتطبيقه نصاً وروحاً، بما في ذلك إنهاء تداخل المواطنة مع الضفة الغربية وتداخل النقابات والهيئات والأحزاب . فمنذ فك الارتباط رسمياً بين الأردن والضفة الغربية أصبحت مصلحة الأردن الأساسية والحيوية تقضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة والاستقرار.
ولقد جاء قرار فك الارتباط القانوني والإرادي مع الضفة الغربية مؤاتياً ومناسباً بعد استلام منظمة التحرير مسؤولية تمثيل الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية وإعلان المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر الذي عقد في الجزائر في عام 1988عن قيام دولة فلسطين واعترف أكثر من 100دولة في العالم بهذه الدولة وتم فتح العديد من السفارات الفلسطينية في تلك الدول وساهم هذا التطور في توطيد شرعية الكيانية الفلسطينية وإبرازها. إلى أن جاء الاعتراف "الإسرائيلي" بالمنظمة وبالوجود الفلسطيني بشكل رسمي نتيجة للاعتراف المتبادل بين المنظمة والحكومة الإسرائيلية بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو ليضع حد للتجاهل الإسرائيلي للوجود الفلسطيني وللمحاولات الإسرائيلية المتكررة في إيجاد بديل عن منظمة التحرير.
وفي حال لم تكن هناك عملية تفاوض جدية فلسطينية إسرائيلية مرتكزة على توازن إستراتيجي عسكري بين الطرفين بالإضافة إلى إشراف دولي ملائم فلن تقوم دولة فلسطينية متكاملة بل سيكون هناك "غيتوفلسطيني" وكيان فلسطيني مبعثر وسيجد الفلسطينيون أنفسهم إمام خيارين :
1- إما الخضوع ولفترة طويلة غير محددة للاحتلال الإسرائيلي المباشر وغير المباشر.
2- إما الهجرة للأردن، مما قد يمهد لقيام دولة فلسطينية بديلة في الأردن.
وفي حال أعتمد الإسرائيليون هذه الخيارات لتسهيل ضم أراضي واسعة من الضفة الغربية إلى الدولة اليهودية وإذا ما سقط خيار الدولة الفلسطينية المستقلة فسيكون هناك خطر جدي من حل المشكلة الفلسطينية على حساب الأردن مما يقلب المعطيات وموازين القوى جذرياً في الأردن والمنطقة إذ أن الحصول على نصف أو حتى أقل من أراضي الضفة الغربية مع كامل سكانها سيكون بمثابة انتحار فانضمام نحو 2.5 مليون فلسطيني من سكان الضفة إلى الأردن سوف يؤدي إلى تغيير التوازنات في المملكة والمنطقة بأسرها.
أن هاجس الخيار الأردني هو السيناريو الأسوأ وما يعزز هذه القراءة هو صدور الكثير من المواقق الأمريكية والإسرائيلية التي تتحدث عن خيار الدول الثلاث باعتباره الأفق الوحيد الممكن لحل القضية الفلسطينية والدول الثلاث يقصد بها إسرائيل وإلحاق الضفة بالأردن وغزة بمصر. ولا بد على الأردن تنويع سلة الخيارات الإستراتيجية والخروج من حقبة الخنادق الإقليمية واستعادت الهدوء في العلاقة مع سورية والعودة إلى بناء علاقات متينة مع كل أطياف العمل السياسي في فلسطين وتخفيف حدة التوتر مع إيران أو المقاومة في لبنان فالاستدارات الهادئة في رهانات الأردن الخارجية ضرورية وملحة لكن دون أن يخرج ذلك أو يكون على حساب اصطدام الأردن بصلاته الإستراتيجية مع السعودية ومصر.
والعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة كان بمثابة المؤشر في السياسة الأردنية إيذاناً بالراهانات الإستراتيجية الأردنية القديمة فهي وإن لم تلبي طموح الأردن قيادتاً وشعباً نتيجة شح الإمكانيات المتاحة ووهن الواقع العربي فإنها على الأقل كانت أقل مجازفة وأكثر أماناً ومحاولة نوعية لنقل الأردن لبر الأمان على الرغم من كل الصعوبات والإشكاليات التي تحيط بمنطقتنا العربية.