سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية
۲۰ كانون الأول ۲۰۱۰
ترتب على أزمة النفط 1973 أو ما عرف بتسميته بالصدمة النفطية الأولى، حيث وصل سعر برميل النفط أكثر من 20 دولار، ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ارتفاع تكلفة الطاقة وفاتورة واردات الدول الصناعية من ناحية، وزيادة الفوائض المالية لدى الدول المصدرة للنفط من ناحية أخرى، ولكن مع مرور الزمن استطاعت الدول الصناعية إعادة التوازن لاقتصادها في حين أن العجز الشديد المقابل للفائض في الدول المصدرة للنفط فقد انتقل للدول النامية، مما جعلها تضطر إلى الالتجاء إلى القروض الخارجية من بنوك الدول الصناعية.
نتج عن ذلك ظهور ما يسمى بي قضية تدوير هذه الفوائض الناتجة عن الأزمة النفطية، أولاً إلى الدول الصناعية ومن ثم إلى الدول النامية. وبالتالي ظهور قضية المديونية للدول النامية التي أصبحت فيما بعد إحدى أهم القضايا في العلاقات الدولية.
وقد تكرر نفس المشهد مع الصدمة النفطية الثانية عام 1979 حيث استطاعت الدول الصناعية من خلال إمكانياتها الاقتصادية من تجاوز هذه الأزمة، بينما ازدادت الدول النامية في التخبط بمديونيتها.كما إن ارتفاع أسعار النفط جاء ليعبر ليس عن التغيرات في الاقتصاد العيني (الموارد = البترول) وإنما فقط في نمط توزيع الدخل العالمي. حيث لم تعرف الموارد الاقتصادية أي تغيير يذكر ولم يتغير شيء على التكنولوجيا أو في الأذواق. بل كل ما حدث، يعبر عن إعادة توزيع الدخل العالمي لمصلحة الدول المصدرة للنفط .
ومن الطبيعي أن ينتج عن هذا التوزيع ارتفاع في الادخار، ووفقاً لنظرية كينز فيجب أن يتساوى حسابياً ما بين زيادة الادخار وبالتالي زيادة الاستثمار، وهذا ما لم يحدث خلال الصدمات النفطية فانعكس سلباً على الوضع الاقتصادي العالمي، وبالأخص على اقتصاديات الدول النامية. وبعد الصدمة النفطية الثانية وفي عام 1983 حدثت صدمة نفطية عكسية، نتيجة زيادة مخزون الدول الصناعية، وأيضاً الأزمات السياسية لبعض الدول المنتجة للنفط (كالحرب بين العراق وإيران). ومؤخراً وبعد الطفرة في أسعار النفط والتي وصلت إلى ما يقارب 150 دولار في بعض الأحيان.
في كل تلك الظروف يحق التساؤل حول عدم قيام الدول المصدرة للنفط من تقديم أسعار تفضيلية وتشجيعية للدول النامية؟ هذا السؤال يطرح دائماً مع ازدياد أسعار النفط وما تأثير هذا الفائض في ميزانيات الدول العربية النفطية ؟
فعلى الرغم من أن الدول النامية استطاعت خلال الفترة القصيرة ما بعد حصولها على استقلالها السياسي، من أن تحقق بدايات مشجعة، ولكن منذ السبعينات وخاصة في الثمانينات بدأت هذه الدول تواجه المشاكل الأكثر حدة، ومن هذه المشاكل أو الأزمات ما عرف بأزمة الغذاء في بداية السبعينيات نتيجة تحول معظم الدول النامية إلى دول مستوردة للغذاء. وقد تم إعادة الاذهان إلى "نظرية مالتسي" حول عدم التوازن بين النمو السكاني وتوافر الموارد الغذائية. والتي عادت وتكررت مؤخرا ما بين الأعوام 2007 – 2010. وكذلك فإن مفاهيم التنمية نفسها قد عرفت اجتهادات متعددة واختلافات جوهرية، فمن سياسة التدخل الاقتصادي الحكومي، واتباع سياسات إحلال الواردات والانكفاء على الداخل، وتقليل الاعتماد على الخارج أي نظريات التبعية وفقاً لمنطق النظرية الاشتراكية.
ولكن على ضؤ أزمة الأيديولوجية الاشتراكية لا بد من طرح تساؤل حول أزمات الاشتراكية وفشلها، فهل ذلك راجع إلى القصر في النظرية أم عيب في التطبيق؟
فالماركسية وإن تضمنت تحليلاً لتناقضات النظام الرأسمالي، وأيماناً بحتمية زوال هذا النظام، فإنها لم تقل الكثير عن كيفية إقامة النظام الجديد، بعد القضاء على الرأسمالية، باستثناء الاتفاق على إلغاء الملكية الخاصة لعناصر الإنتاج. ومن الغرابة في هذا الإطار القول أن الماركسية التي خسرت المنافسة الاقتصادية قد بنيت نظرياً على أساس أهمية العامل الاقتصادي في تطور المجتمعات؟
وعند محاولة تقييم تجربة الاتحاد السوفيتي يبقى التساؤل مشروعاً حول ما يرجع إلى طبيعة النظام الماركسي؟ وما يعتبر من ظروف النشأة الروسية الأولى؟ وهو واحد من تلك الاسئلة التي يمكن أن تبقى مطروحة دون أن تجد إجابة قاطعة ونهائية؟
وبالمقابل هنالك استراتيجيات آخرى اعتمدت الدول في جنوب شرق آسيا عليها. حيث تم الآخذ بسياسات اقتصادية مختلفة تماماً ، قائمة على اقتصاد السوق وأسواق التصدير مع الاستمرار في إعطاء دور كبير للدولة في توجيه الاستثمارات، حيث استطاعت تحقيق معدلات نمو عالية وأصبحت تعرف بالدول الصناعية الجديدة، والنمور الآسيوية وعلى الرغم من ما حققته هذه الدول إلا أنها تعرضت لأزمات متتالية كالأزمة في عام 1997 .
ونتيجة ما واجهته الدول النامية من مشاكل متعددة بدأت سياسات جديدة تظهر يتبناها صندوق النقد الدولي وإلى حد كبير البنك الدولي. وكان إطار هذا الاصلاح الاقتصادي يدور حول ضرورة ضبط التوازن النقدي والمالي للدول النامية. عن طريق تخفيض العجز في الموازنات العامة ومحاولات السيطرة على التضخم، واستخدام أسعار الفائدة المناسبة وتحديد أسعار الصرف على نحو أكثر واقعية.
وفي هذه الأثناء طرح دور الدولة الاقتصادي وظهرت التيارات المحافظة التي تنادي بحصر دور الدولة. وقد ازداد هذا الاتجاه مع وصول تاتشر وريغان للسلطة في بريطانيا وأمريكا.
وما لبثت أن انعكست هذه الافكار على صندوق النقد الدولي وعلى الدول النامية، وأصبحت هذه الدول مطالبة بالخصخصة، وخلق المناخ الاستثماري المناسب، والتحول إلى اقتصاد السوق، وبالتالي معاملة الدول النامية بنفس الطريقة المتبعة في الدول الاقتصادية الصناعية، مما يطرح التساؤل عن موضوعية هذا الاسلوب؟؟؟؟؟