سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية
صحيفة العرب اليوم \ عمان
4 \ 1 \ 2011
إن القضايا الحضارية لا تعالج بمرسوم ولا تلغى أو توضع موضع التنفيذ بانقلاب عسكري ولا حتى بثورة . فالقضايا الحضارية موضوع شائك ومعقد لما هي عليه من اتساع في المدى وتنوع المعطيات. وإن المناخ الإيجابي الذي ساد عصر النهضة، خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، تبدل ومال إلى السلبية لا بل يهدد بالانفراط. إذ يعيش عدد كبير من المسيحيين اليوم في لبنان والبلدان العربية الأخرى في حالة نفسية قلقة. ولقد اتخذت تلك المشاكل أشكالاً وأنماطاً مختلفة :
1- شكل الهجرة في العراق وسوريا ومصر.
2- شكل الإنزاوء في السودان.
3- شكل الأزمة الحادة النفسية بين الأقباط والمسلمين في مصر.
4- شكل الأزمة الحادة الصاخبة في لبنان.
إن هذه المسألة متعددة الجوانب ومعقدة العناصر :
- منها ما هو عفوي، وهو السائد في الوسط الشعبي.
- منها ما هو من تأثير التاريخ المتمادي.
- منها ما هو مفتعل لأغراض المصالح الداخلية.
- منها ما هو مصطنع بفعل القوى الخارجية.
وهناك معضلة لا بد من إدراكها ومن ثم معالجتها، فلقد تجاذب المسيحيون تياران :
أ- تيار الاغتراب وحتى الانفصال.
ب- تيار التكامل والتناظم.
وهذه التيارات ناتجة عن عوامل عدة في البيئة المسيحية:
1- الخوف من طغيان الأكثرية العددية.
2- الجاذبية الأوروبية )الغربية(.
3- العالمية الدينية المسيحية.
فهنالك خوف من الطغيان العددي حيث لا يرضى المرء أن يكون من حيث وضعه القانوني في مرتبة أدنى أو هامشية، حيث إذ نص الدستورعلى أن الدين الإسلامي هو دين الدولة، فيما أن الدين الآخر، خارج النظام الإساسي للبلاد. كما إن السائد في الغرب من مساواة، وحرية، ورفاهية نفسية ومادية، والذي اتصل به المسيحيون من زمن بعيد، ولا يزالون يتصلون به باستمرار، يخشون أن يفقدوه كلياً أو جزئياً. وهناك رابطة وشعور تجذب المسيحي في الوطن العربي وخاصة لبنان، إلى الرابطة المعتقدية التي تشده إلى باقي مسيحي العالم.ونتيجة فقدان الجاذبية القومية الشديدة والشبه مفقودة، كي تربط المسيحيين بباقي أبناء وطنه ومجتمعه.إذ تتخذ صلة المسيحي بمسيحي الخارج طابعاً أكثر تأثيراً بنفسه. وعلى الرغم من الكثير من المآخذ والاخذ بعين الاعتبار التفاوت من بلد لآخر في معالجة هذه المسألة إلا إن المجتمعات ذات الأكثرية المسلمة لا تسيء معاملة المسيحي على صعيد التعامل الاقتصادي والعمل، ولا على الصعيد التربوي والمشاركة الفكرية والعلمية. ولا نريد الغوص في هذا الإطار، خاصة إذا نظرنا للموضوع نظرة موضوعية وليست عاطفية.
وعلى سبيل المثال هذا ما يقع فيه المسيحي اللبناني، ووقع بمثله المسلم اللبناني أيضاً. وهكذا تضعف الرابطة الوطنية لصالح الرابطة الدينية، ويغلب الولاء الديني على الولاء الوطني، بل ويحل محله. وهذا الواقع ليس له مثيل في دنيا المسيحيين الأوروبيين، فالمسيحي الأوروبي، لا يغلب ولائه الديني على ولائه الوطني، ولقد رأينا كيف قامت كثير من الحروب بين شعوب تنتمي للمسيحية، وهذا الواقع ليس له مثيل أيضاً في دنيا المسلمين، بمن فيهم مسلمي العرب، فالخلافات بين الدول الإسلامية، أكثر من أن تحصى، بل هناك دول إسلامية تتحالف مع دول غير إسلامية، ضد دول إسلامية، وبالتالي فإن الرابطة الدينية خارج لبنان تأتي بعد الرابطة القومية.
هذا الاتجاه لا يشمل كل المسيحيين في الوطن العربي. فهناك مسيحيون جعلوا المشاركة المسؤولة الكاملة، قاعدة فكرهم وسلوكهم، فهم لا يعتبرون أن للمسلمين عليهم مسبقاً في أي مجال وطني، ثقافياً أو اقتصادياً أو سياسياً، بل يعتبرون أن مسؤولية تقدم المجتمع الذين يحيون فيه ) مسلميه ومسيحيه( تقع على عاتقهم كما على عاتق أي مواطن.ومن هذا فعلى الوطن العربي أن يؤمن بأن الوجود المسيحي العربي – كما كان عبر القرون – هو اليوم وغداً، مكسب عربي، لما يضيف إلى الجسم الوطني من خصائص، ولما يحققه من تعددية روحية، تضمن الانفتاح، وتعميق جذور المساواة والحرية.
فالعرب لا يمكن أن يكونوا مسلمين فقط، ولا المسيحيون العرب يمكن أن يكونوا مسيحيين فقط. والتاريخ يعلمنا أن الاستقلالات الوطنية أصبحت تقسيماً جغرافياً فحسب، وليس تقسيماً حضارياً بفوارق أساسية.