2011-04-30

مداخيل العمال وسلامة المجتمع






سلام الربضي \ بيروت


لقد أدى تحرير التجارة الخارجية وإلغاء القيود على حركة أسواق المال، إلى فقدان العمل أهميته في كثير من الدول. وهذه العمليات من تسريح عمال، أو نقل وشراء، ودمج شركات، ما كانت لتحدث دون التعديلات التي أدخلت على قوانين العمل والتجارة، التي ساعدت الشركات على تحقيق أهدافها القائمة على الربحية العالية. وهذه الاستراتيجية المعتمدة، أي استراتيجية الربح المرتفع، تشكل سبباً جوهرياً في تردي الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية لقطاع العمل. 

إذ يجب الإقرار بحقيقة أن التجارة الحرة تنمو بمنأى عن سوق العمل، بل إنها تترك آثاراً سلبية على سوق العمل.


وفي سياق العلاقة بين البطالة والنمو، تبرز إشكالية معدلات النمو المرتفعة: فهل هي التي تحل مشكلة البطالة؟ أم أن فرص العمل المتزايدة، هي التي تخلق النمو؟؟ ولا بد من الإشاره أيضاً، إلى الإشكالية الأساسية في عالمنا المعاصر في إطار التنمية: إشكالية الفجوة بين الأغنياء والفقراء؟؟ أي إشكالية النمو الاقتصادي، فهل نحن في عصر الاقتصاد ومن أجل الاقتصاد وليس من أجل المجتمع؟؟

النمو الأقتصادي بمفردة، لا يمكن يؤخذ كشاهد ذي بال على مقدار العائد، الذي تتوقف عليه رفاهية المجتمع. إذ من البديهي أن تؤدي الهوّة بين دخول أصحاب المشاريع ومُلاّك الثروة من ناحية، ودخول العمال من ناحية أخرى، إلى تزايد الشكوك حول سلامة المجتمع ووحدته. ومن هذا المنطق، يمكن القول إن الاقتصاد لم يعد يعمل لمصلحة الجمهور العام، فالوقائع القائمة على مصلحة الجمهور، هي المعيار الأساسي لتقييم السياسة الاقتصادية الناجحة. فالرهان على خفض الأجور، لن يؤدي إلى أكثر من، تحجّر الوضع الاجتماعي المؤلم.

ومن الملفت للأنتباه، أنه مهما بذل من جهود لكي تكون معدلات الأجور المحلية قادرة على منافسة معدلات الأجور السائدة في الأسواق العالمية، فإن مصير تلك الجهود ليس النجاح المطلق. فعلى الرغم، من تدني مستوى الأجور في رومانيا على سبيل المثال، والذي جذب كثير من الشركات العالمية، ومنها مثلا شركة كونتينتال لإنتاج إطارات السيارات، والتي تدفع أجراً سنوي للعامل لايزيد على 4500 يورو. ومع هذا، فإن الشركة باتت تفكر في نقل الإنتاج إلى مناطق أقل أجراً، وتحديداً إلى دول لتوانيا،لاتفيا،استونيا، حيث معدلات الأجور أكثر تدني. وهذا ما تعانية الشركات في الهند، وخاصة على صعيد البرمجيات، حيث باتت روسيا الأن تعتبر ملاذا أفضل، على صعيد تكلفة الأيادي العاملة، وهكذا دواليك.

هذا التنافس على تخفيض في الأجور ينعكس على أسعار السلع، الذي يستفيد منه بشكل مباشر، المستهلك صاحب الدخل المرتفع، الذي لم يخسر شيئاً يذكر من دخله، في مقابل تخفيض تكلفة الإنتاج. في حين، أن الطبقات المتوسطة والفقيرة، سوف تخسر جزءاً من دخلها. وهي التي تكون أكثر تضرراً. فالأفراد والعمال الذين يتواجدون في أدنى السلّم الاجتماعي، هم مَن يتحمل أعباء هذا الواقع. وبهذا المعنى، فإن الطبقات الدنيا، وعلى الرغم من أن السلع الاستهلاكية قد انخفض سعرها، إلا أن معدلات الأجور لديهم، سوف تنخفض باستمرار، مما ينعكس على صافي الدخل الحقيقي سلباً.

هذا الواقع يطرح إشكالية مَن يتحمل الأعباء: رأس المال أم العمل؟ فإذا كانت العبارة الأكثر تعبيراً عن اتّساع الهوّة بين الأغنياء والفقراء هي القائلة: الأغنياء يزدادون غنى بينما الفقراء يزدادون فقراً، ولكن الآن في ظل الوقائع الحالية القائمة على تخفيض التقديمات الاجتماعية وإعطاء المزايا والإعفاءات الضريبية للشركات عبر الوطنية والأغنياء، فلم تعد هذه العبارة تكفي لتوضيح الصورة حيث من الواضح ظهور صيغة جديدة تقوم على: الأغنياء يصبحون أغنى والفقراء أفقر بمعدل أسرع. 

إذ تفاجئنا السرعة الفائقة في توفير هذه المبالغ الخيالية لحل الأزمة المالية العالمية منذ العام 2008، مقابل العسر الذي يعرف عادة في تمويل برامج متواضعة لفائدة الإنسانية. على سبيل المثال، يكفي مبلغ المليار دولار سنوياً، للقضاء على الجوع وسوء التغذية في العالم كله، وقد أقرت الأمم المتحدة، في نهاية الستينات من القرن الماضي برنامجاً لتحقيق هذا الهدف. لكنه، بقي حبراً على ورق لعدم توفر التمويلات الضرورية؟

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com