2012-06-04

إيران والتفاعل الأستراتيجي مع الأزمات







سلام الربضي \ باحث ومؤلف في العلاقات الدولية

من الواضح، أن إيران تتبنى عبر التخطيط الاستراتيجي، رؤية خلاصتها، إعادة البناء في مختلف المجالات. ويمكن الاستنتاج أيضاً _ بدون تحفظ _ إن الإمكانيات البشرية والاقتصادية والجيوبوليتيكية والعسكرية، المتوفرة في إيران، تلعب دوراً هاماً وفعالاً في ذلك، بحيث تنتزع إيران دور الشريك الفعال، في تقرير مصير المنطقة. وهذا ما تحاول إيران عبر التخطيط الاستراتيجي، إيجاد الشروط الموضوعية لتحقيقه.

وكما هو معـروف، هناك أساليب عـديدة للتفاعل الأستراتيجي، مع الأزمات وإدارتها. حيث تحاول إيران عبر اتباع وتطبيق التخطيط المدروس في صراعها مع الغرب، زيادة مكاسبها وتخفيض خسائرها، إلى أقصى حد ممكن، وذلك عبر إستخدام استراتيجيات محددة، في إدارة الأزمات والمفاوضات، من خلال عدة خطوات :

أ- تحديد الإستراتيجيات المتناسبة مع ظروف وشروط الأزمة .أي إتقان كيفية الإستفادة من إدارة الأزمة والمفاوضات لتحقيق تأثيرما تريده.

ب- الدمج بين ثلاث أنواع من الخطط في إدارة المفاوضات في وقت واحد. أي الجمع في آن واحد بين كل من : التنازع – التحالف – الإعداد للتفاوض أوالصراع . وهذا ما نجده حاصل في طبيعة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة في افغانستان والعراق ووفلسطين ولبنان وسوريا ومنطقة الخليج. مما اعطى إيران القدرة على إيجاد تصور شامل فى أي عملية تفاوضية أو تساومية للسيطرة على تتابع الأحداث.

والتاريخ يعلمنا أن الدول التى تستخدم مبدأ الدمج في التخطيط الاستراتيجي، هي الدول التي نجحت فى عدم الدخول فى الطريق المسدود . والأزمة بين إيران والولايات المتحدة، التي باتت تعـرف بالملف النووي الإيراني، يمكن مقاربتها على صعيد التخطيط، من زاوية الدروس المستفاده فى إدارة الصراع. وتبدو دلالات التجربة الإيرانية بالغة الأهمية فى مختلف المجالات. فهي من ناحية تجربة معاشة ليس فقط بالمعنى المباشر للتعبير، ولكن بالمعنى الاستراتيجي الذى يكشف أبعاد وملامح القوة فى الصراع الدولي الآن، كما هى تجري أمام أعيننا الآن، وفق نمط من الصراعات والمناورات بما يقدم النموذج العملي والمدرك، على إمكانية  تحقيق النجاحات عبر التخطيط الاستراتيجي المتقن .

فمن الدروس المستفادة في التخطيط الاستراتيجي على صعيد أدارة المفاوضات ومواجهة الأزمات، يمكن ذكر الآتي :

1-  التجربة الإيرانية أثبتت أن الوضع الدولي الضاغط  ليس بالامر الحتمي للتنازل. فمن خلال الرؤية الاستراتيجية والتخطيط المنطقي تمكنت إيران - حتى الآن - من البدء فى تخصيب اليورانيوم. كما حصلت على الوقت والظروف الكافية من خلال تحركاتها المرسومة بخطط متقنة.

2-  القرار الاستراتيجي لا يعرف إلا الحسابات والخطط الاستراتيجية. ووضوح الأهداف يُمكن من الإقدام على تكتيكات سياسية، قد تكون متناقضة وحادة التقلب،لكنها تظل صحيحة.

3-  التغييرات السياسية الداخلية هي جزء يجب أن يكون متناغماً مع الأمن القومي، والثوابت الاستراتيجية، المحددة للدولة. فمن الخطأ تصور أن يمكن الفصل بينهما، وهذا ما تحاول إيران فعله عبر التخطيط الاستراتيجي، للتقدم في كافة المجالات .

4-  أن التخطيط لأي مشروع وطني، إذا كان محدداً ومدروساً ويحظى بإجماع شعبي ومحددة خططه، فإن التغييرات السياسية داخل المجتمع حتى وأن تقلبت داخل أو بين النخب السياسية، فإنها تظل فى داخل نطاق الأهداف الوطنية. بمعنى آخر، إن التعددية داخل المجتمع - فى إطار وحدة الأهداف والاستراتيجية - إنما هى تصب فى المصلحة العامة، للمجتمع والدولة. فعلى سبيل المثال، فمع وجود الرئيس الأصلاحي محمد خاتمي، لفترة ثماني سنوات في الحكم، لم يغير ذلك شيئا في الاستراتيجية العليا لإيران، على صعيد برنامجها النووي أو في علاقاتها الاستراتيجية.



لقد تمكّنت إيران نتيجة الاستراتيجية المحكمة، من فرض سيطرتها ووجودها في أهمّ المحاور الإستراتيجيّة الحسّاسة على المستوى الدولي والإقليمي. فبالإضافة إلى القدرات العسكريّة الإيرانيّة، إيران أصبحت من اللاعبين الأساسيّين في المنطقة، خاصّة في الملف العراقي، وتحديداً، بعد فشل الولايات المتحدة الأميركيّة من السّيطرة على الوضع الأمني والسّياسي في العراق  _ والانسحاب الأمريكي من العراق مع بداية العام 2012  هو خير دليل على ذلك _  وغالباً ما يتمّ الحوار بين الولايات المتحدة الأميركيّة وإيران حول الملف العراقي. وكذلك، إيران على تحالف إستراتيجي مع سوريا، ومن الداعمين لحركات المقاومة، في فلسطين ولبنان. وبالتالي، من المتعذر إنكار الدور الإيراني الحيوي، في فلسطين ولبنان والعراق والخليج، عند رسم  أية تسوية أو استراتيجية مستقبلية، لمنطقة الشرق الأوسط 
.
Jordani_alrabadi@hotmail.com



For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com