2013-05-20

الحرب على سوريا والأمن الحقيقي لإسرائيل




   
     



     سلام الربضي : باحث ومؤلف في العلاقات الدولية \ اسبانيا
      

   


     إنطلاقاً من الغارات الإسرائلية على دمشق لا يمكن لنا تجاهل دور إسرائيل الأستراتيجي الداعم للمنظمات الإرهابية منذ العام 2011 سواء على صعيد التدخل العسكري المباشر لصالح تلك المجموعات عبر الضربات الجوية المباشرة أو التنسيق والتعاون في مجالات عدة منها الاستخباراتي واللوجيستي والصحي ناهيك عن التسهيلات التي تقدمها للإرهبيين على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة أو في منطقة الجولان.
     
     فإذا أردنا الغوص في حيثيّات الحرب على الدولة العربية السورية، لا يمكننا فصلها عن  المشاريع الشرق أوسطية التي كانت مطروحة سابقاً. فمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الأوسع ذائع الصيت، سيكون لزمن غير قصير وسيبقى، الخيار الثقافي الدّولي الذي ترغب الدّول الكبرى، في جعله برنامج عمل وتنفيذ لدول المنطقة _ على الرغم، من كل تلك التغيرات في الدول العربية _  وهو المشروع، الذي سيصبح ضرورة دوليّة، سياسيّة، ثقافيّة، اجتماعيّة، اقتصاديّة وأمنيّة بأمتياز، في المنطقة الأكثر اشتعالاً في العالم، للألتفاف على التغيرات العربية المجتمعية، والسياسية، النسبية الإيجابية، وكل ما يليها مستقبلاً. وإذا كان هذا المشروع الشرق أوسطي، قد نال أول هزيمة له، في الحرب الإسرائيلية على المقاومة اللبنانية في العام 2006، فإن الحرب الدائرة حالياً على سوريا، تعتبر الامتداد الطبيعي لإعادة الأمل لتحقيقه.
     
      وبغضّ النظر، عن التسميات والأحجام لهذه الحرب على الدولة العربية السورية، ومدى إمكانية تحقيق أهدافها مستقبلاً، فإنّ إسرائيل تحتل موقع المحور والقاعدة الإستراتيجيّة فيها. حيث المصالح الاستراتيجيّة لإسرائيل، تكمن في كل طيّات تلك الحرب. فهي ترى ومنذ بداية الحرب أنّ انخراطها في هذه الأزمة سيعود عليها بفوائد سياسيّة جمّة، ومن تلك الفوائد، على سبيل الذكر لا الحصر:

1-  فتح المجال أمام  إسرائيل التخلص من سوريا الوطن، الرقم الصعب في معادلة المواجهة والمقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
2-   الغاء وإضعاف دور الدولة السورية المحوري في المنطقة. مما يسهل لإسرائيل القيام بعلاقات طبيعيّة بينها وبين جيرانها العرب.
3-   الخروج السوري من الملف الفلسطيني،على الصعيد الأمني والسياسي. وبالتالي، سيمكّنها من تدوير الزوايا الحادّة في القضايّا المصيرية : القدس،اللاجئين وحق العودة.
4-  الفوز في هذه الحرب سيكبح مسار فكرة التكامل العربي، حتى ولو، من باب التمني.
5-  سوف تسهّل هذه الحرب لإسرائيل، الانخراط في إطار متعدّد القوميّات وعلى نحو متكافئ مع الهويّات الأخرى، وليعطي الدولة العبرية شرعية منطقية، على أساس كونها دولة يهودية.
6-   على الصّعيد الأمني، سوف تصبح إسرائيل جزءًا من هذا الأمن، بدلاً من كونها خطراً وعدواً له، وهذا ما يتجلى في دعمها للميليشيات الإرهابية، وموقف هذه الميليشيات من تأييدها وتنسيقها مع إسرئيل في الغارات على العاصمة الأموية. وكذلك ما يبدو ظاهراً وباطناً من التقاطع والتوافق التام مع سياسات كثير من الأنظمة العربية، والتي تأخذ – وبكل أسف - موقف عدواني تحريضي ضد الدولة العربية السورية.

ويبدو أن، المصالح الإستراتيجيّة الإسرائيليّة ومنذُ الحرب الأميركيّة على العراقفي العام 2003، تتجلى في الدّرجة الأولى، بالعمل على تفتيت الدول العربية، من قناعة لا ريب فيها لدى إسرائيل، ومفادها أنّ الأمن الحقيقي لإسرائيل، لا يمكن أن يتحقق على المدى البعيد، طالما أنّ لهذه المنطقة هويّتها العربيّة والإسلاميّة. وطالما أيضاً، وجدت دول كبيرة نسبيّاً كالعراق، سوريا ومصر. فالأمن الحقيقي لإسرائيل، يقتضي تغيير هويّة المنطقة الثقافيّة، الحضاريّة والسّياسيّة إلى "شرق أوسطية". وبالتالي، لا بدّ من تغيير تركيبتها الاجتماعيّة إلى فسيفساء طائفيّة وإقليميّة.

وفي حال، بقيت المنطقة عربيّة، ستبقى إسرائيل غريبة فيها، أمّا إذا أصبحت هويّة المنطقة شرق أوسطيّة، أي أصبح وضع كل المنطقة شاذاً، فإنّ وجود إسرائيل سيصبح طبيعيّاً فيها. ومنذُ الاحتلال الأميركي للعراق 2003، وما تبعها من تطورات في بداية 2011 حول ما يسمى بالربيع العربي، وتحديداً الحرب على سوريا حالياً، جاء ليصبّ في هذه الخانة إلى حد ما. فإسرائيل ترى بأنّ  الوطن العربي المقسّم والمفتّت، إلى مذاهب وطوائف ودويلات متعدّدة، هو النموذج والبداية، لما يجب أن تكون عليها المنطقة بأسرها مستقبلا. لتضمن بذلك، أمنها الحقيقي في المستقبل القريب والبعيد .

فالأمن الحقيقي الإسرائيلي على المدى البعيد، يتطلب تنفيذ مشروع تفتيت التفتيت أو تجزئة التجزئة. من أجل خلق فراغ إقليمي، يسمح لإسرائيل أن تلعب الدّور الإمبراطوري، السّياسي، الاقتصادي،الثقافي والأمني، الذي تطمح له. وبالتالي، خلق محيط تابع تستمدّ منه إسرائيل القوّة والحيويّة، من خلال تحويل التهديد المحتمل، إلى مجال حيوي استراتيجي.

 والوثيقة الإسرائيليّة التي وضعتها المنظمة الصهيونيّة العالميّةWorld Zionist   Organization في الثمانينات، والتي ترجمها البروفيسور إسرائيل شاحاك، تعكس رؤية إسرائيل الشرق أوسطيّة للمنطقة برمّتها. والتي تختصر الكثير من التحاليل، وتغني عن محاولة بذل الجهود، في التأكيد على واقع تغلغل إسرائيل في  الحرب على سوريا. ومن المقتطفات الرئيسيّة في هذه الوثيقة التاريخيّة الاستراتيجية :
مصــر:
إنّ تفكيك مصر إقليمياً، إلى مناطق جغرافية متمايزة، هو الهدف السياسي لإسرائيل في الثمانينات على جبهتها الغربية. فإذا أسقطت مصر، فإنّ دولاً مثل ليبيا والسودان، وحتى الدول الأبعد لن تتمكن من البقاء بشكلها الحالي، وسوف تلحق بسقوط وانحلال مصر. أنّ الرؤيا التي تتمثل بدولة قبطية مسيحيّة في أعالي مصر، إلى جانب عدد من الدول الضعيفة ذات السلطات المحليّة، التي لا ترتبط بحكومة مركزيّة، هي مفتاح التطور التاريخي، الذي أجّله فقط اتفاق السّلام، والذي سوف يتبدّد حتميّاً على المدى الطويل.
سـوريـا :
سوف تتناثر بالتطابق مع تركيبتها الإثنيّة والدينيّة، إلى عدد من الدول. بحيث يكون هناك دولة شيعيّة علويّة على السّاحل، ودولة سنّّيّة في مناطق حلب، ودولة سنيّة أخرى في منطقة دمشق، تعادي جارتها السّنيّة في الشمال. أمّا الدروز، فسيكون لهم الدولة الخاصة بهم أيضاً، ربّما حتى في الجولان، وبالتأكيد في منطقة حوران وأجزاء من شمال الأردن. وهذه الحالة سوف تكون ضمانة الأمن والسّلام في المنطقة على المدى البعيد.
العــراق :
غني بالنفط من جهة، والممزّق داخلياً من جهة أخرى، مضمون كمرشح لأحد أهداف إسرائيل. إن انحلاله أكثر أهمية بالنسبة لنا من انحلال سوريا. فالعراق أقوى من سوريا، وعلى المدى القصير، تشكل القوّة العراقية الخطر الأكبر على إسرائيل، وكل خلاف عربي داخلي، سوف يساعدنا على المدى القصير، ويمهّد الطريق لتحقيق الهدف الأهم، أي تحطيم العراق إلى طوائف كما في سوريا ولبنان. أن تقسيم العراق إلى أقاليم، على أساس خطوط إثنيّة دينيّة، كما كان الحال في سوريا خلال الزّمن العثماني، هو أمر ممكن. وهكذا، ستقوم ثلاث دول أو أكثر حول المدن الأساسية الثلاث: البصرة، بغداد والموصل. وستنفصل المناطق الشيعيّة في الجنوب، عن السّنة والأكراد في الشمال، ومن الممكن أنّ المواجهة العراقية – الإيرانية الحالية قد تعمّق هذا التبلور.
السعوديـة :
الجزيرة العربية بأسرها، مرشحة طبيعياً للتفكك بسبب الضغوطات الداخليّة والخارجيّة، وهذا الأمر محتوم خاصّة في السعودية. وبغضّ النظر، عمّا إذا بقيت قوّتها الاقتصاديّة أم تضاءلت على المدى الطويل، فإنّ الانشقاقات الداخليّة والانهيارات ، ستكون تطوّراً طبيعياً وماثلاً في ضوء التركيبة السّياسيّة الحاليّة.
الأردن :
إنّ الأردن يشكل هدفاً استراتيجياً آنياً، على المدى القصير. ولكن، ليس على المدى الطويل. فالأردن، لا يمثل خطراً جدّياً على المدى الطويل، بعد انحلاله ونقل السلطة إلى الفلسطينيين. وليس هناك أيّة فرضيّة لاستمرار الأردن بتركيبته الحاليّة مدة طويلة. وسياسة إسرائيل في الحرب والسّلام، يجب أن تتوجّه نحو تصفية الأردن بنظامه الحالي، ونقل الحكم للأغلبيّة الفلسطينيّة، وتغيير النظام شرق النهر، فيكون الأردن لهم، والمناطق غرب النهر لليهود. وسيكون هناك تعايش وسلام حقيقيين فقط، عندما يفهم العرب أنه بدون حكم يهودي بين النهر والبحر، لن يكون لهم أمن ولا وجود، فإذا أرادوا دولة وأمناً فإنّ ذلك سيكون لهم في الأردن فقط.
وفي هذه الوثيقة أيضاً، هنالك تصوّر من النمط التفكيكي ذاته، عن دول المغرب العربي والبربر وعن السودان وجنوبه وعن لبنان وطوائفه.

فهل هنالك شخص ما، ما زال غير مقتنع بالأبعاد التدميرية، للحرب التي تشن على الدولة السورية؟؟ وما مدى التورط الاستراتيجي الإسرائيلي بها ؟؟؟؟؟؟؟




      
         

2013-05-02

إشكالية النمو الاقتصادي وتحجّر الوضع الاجتماعي للعمال











سلام الربضي \ باحث ومؤلف في العلاقات الدولية




هذا المقال بمناسبة اليوم العالمي للعمال


في عالمنا المعاصر لا توجد عولمة حقيقية، ولو بالحد الأدنى فيما يتعلق بالعمل البشري. وعلى الرغم، من حرية انتقال السلع والخدمات ورأس المال، لكن مختلف العراقيل والقيود، توضع لمنع انتقال أو هجرة قوى العمل، فالتفاوت في توزيع الثروة في تفاقم مستمر. وثمة تحوّلات جذرية، باتت تنشر ظلالها على الحياة الاجتماعية. أي إن النمو الاقتصادي، لم يعد يترك أي أثر يذكر على نمو دخول العمال. مما يؤدي، إلى تزايد الشكوك حول سلامة المجتمع ووحدته. فإذا كانت العبارة الأكثر تعبيراً عن اتّساع الهوّة بين الأغنياء والفقراء هي : الأغنياء يزدادون غنى بينما الفقراء يزدادون فقراً. ولكن الآن، وفي ظل الوقائع العالمية القائمة على تخفيض التقديمات الاجتماعية، وإعطاء المزايا والإعفاءات الضريبية، للشركات والأغنياء، فلم تعد هذه العبارة تكفي لتوضيح الصورة، حيث من الواضح، ظهور صيغة جديدة، تقوم على :


الأغنياء يصبحون أغنى والفقراء أفقر بمعدل أسرع.


فلقد نتج عن التقدم التكنولوجي وما يصاحبه من استخدام التقنيات بدل الأيدي العاملة، انخفاض نسبة حصة العمل من العائد المتحقق في الاقتصاد. بالمقابل، فإن حصة رأس المال من العائد، تزداد بشكل مطرد. ومستقبلاً، فإن هذا الواقع سينعكس سلباً على مشاركة العمال في الحياة الاجتماعية. إذ أن المستوى المعيشي، لا يتوقف على الدخل الذي يحصل عليه المرء فقط، وهذه حقيقة تتأكد باستمرار. فانتفاع المواطن من التقدم الاقتصادي والتكنولوجي، يزداد كلفة، وأمسى أكثر صعوبة أو على وشك أن يتلاشى كلياً. فاحتدام المنافسة بين الدول، سواء صناعية كانت أم نامية على خفض الأجور،  لن يودي إلا إلى نتائج وخيمة، وسوف ينشئ على مستوى العالم أجمع، حركة لولبية تدفع الأجور إلى المزيد من الانخفاض، وهذا الانخفاض في الأجور، لن يزيد من مجمل رفاهية العالم والمجتمعات.

وفي سياق العلاقة بين البطالة والنمو، تبرز إشكالية معدلات النمو المرتفعة: فهل ارتفاع معدل النمو الاقتصادي يحل إشكاليات البطالة؟ أم أن فرص العمل المتزايدة، هي التي تخلق النمو؟؟ وكذلك، لا بد لنا من الإشاره أيضاً، إلى الإشكالية الأساسية في عالمنا المعاصر في إطار التنمية وهي: إشكالية الفجوة بين الأغنياء والفقراء، أي إشكالية النمو الاقتصادي:

فهل نحن في عصر، الاقتصاد من أجل الاقتصاد، وليس من أجل المجتمع؟؟  

فالنمو الأقتصادي بمفردة، لا يمكن يؤخذ كشاهد ذي بال على مقدار العائد، الذي تتوقف عليه رفاهية المجتمع. إذ من البديهي أن تؤدي الهوّة بين دخول أصحاب المشاريع ومُلاّك الثروة من ناحية، ودخول العمال من ناحية أخرى، إلى تزايد الشكوك حول سلامة المجتمع ووحدته. فالرهان على خفض الأجور، لن يؤدي إلى أكثر من، تحجّر الوضع الاجتماعي المؤلم

وهذا الواقع يطرح إشكالية مَن يتحمل الأعباء: رأس المال أم العمل؟




بعيداً عن التنظير، ووفقاً للإحصائيات والمعطيات حول الهوّة الاقتصادية، وإذا أخذ بعين الاعتبار أن النسبة الكبرى من المواطنين، هم عمال أو موظفين يعملون بأجر، فمن هذا المنطق يمكن القول، إن الاقتصاد لم يعد يعمل لمصلحة الجمهور العام. فمنطقياً، تبقى الوقائع القائمة على مصلحة الجمهور، هي المعيار الأساسي لتقييم السياسة الاقتصادية الناجحة. وانطلاقاً من ذلك، يلاحظ أن الحكومات ترمي الأعباء الضريبية، على كاهل عنصر العمل أكثر فأكثر، والإعفاءات والتسهيلات والمنح الضرائبية المقدمة للشركات، ينتج عنها انخفاض في إيرادات الدولة المالية، والتي تعوّضه عن طريق زيادة الضرائب على الطبقات الأخرى، أو عن طريق تقليص الخدمات والرعاية الاجتماعية والصحية.

فمثلاً، تفاجئنا، السرعة الفائقة في توفير المبالغ الخيالية لحل الأزمة المالية العالمية منذ العام2008  مقابل العسر، الذي يعرف عادة في تمويل برامج متواضعة لفائدة الإنسانية. على سبيل المثال، يكفي مبلغ عشرات المليارات سنوياً، للقضاء على الجوع وسوء التغذية في العالم كله. ومنذ سبعينيات القرن العشرين أقرت الأمم المتحدة، برنامجا لتحقيق هذا الهدف. ولكنه، وللأسف الشديد، بقي حبراً على ورق لعدم توفر التمويلات الضرورية ؟؟



أن العمالة أصبحت اليوم، تعيش بين فكي كماشة، نتيجة المنافسة الحادة، ويبدو أن الكثير من الدول، أضحت رهينة سياسة لم تعد تسمح بأي توجه آخر. فإذا كانت التجارة الحرة وانتقال رؤوس الأموال والبضائع والخدمات عبر الحدود، هي التي تحقق النمو والرفاه، _ وفي حال تم تحقيق أهداف منظمة التجارة العالمية، بألغاء القيود الكمية، وتوحيد كافة الضرائب الجمركية، وجعل العالم منطقة تجارة حرة عام2020 _  فهل هذا سيؤدي إلى تعميق أزمة سوق العمل ؟  أم أنه سيكون بمثابة، نقطة التغيّر والتحوّل الإيجابي، لصالح عالم العمل ؟


 


jordani_alrabadi@hotmail.com







For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com