2010-11-26

الدول النامية والقدرات التنافسية التصديرية ( ج 1 )





سلام الربضي \ باحث ومؤلف في العلاقات الدولية

منبر الحرية بالشراكة مع معهد كيتو \ الولايات المتحدة الأمريكية.

25-11-2010


يترتب على زيادة القدرة التنافسية التصديرية الناتجة عن الاستثمار الأجنبي المباشر آثار هامة، والبلدان التي حققت أكبر المكاسب من حيث الحصص السوقية هي بصورة رئيسية بلدان نامية . وأصبحت تلك البلدان تنتمي بفضل ما اكتسبته مؤخراً من حصص سوقية إلى البلدان الـ20 الأكثر تصديراً في العالم. كذلك توجد 5 شركات مقارها في اقتصاديات نامية تحتل مكانة في قائمة أكبر 100 شركة في العالم.  أي إن هنالك تغيّرات هائلة قد أخذت تحدث في تكوين التجارة العالمية. ويمكن اعتبار ذلك من المؤشرات التي تبعث على الأمل، وهناك إمكانية للتقدم في حال تم استغلال الظروف والإمكانيات استغلالاً جيداً.

إن احتدام المنافسة يجبر الشركات عبر الوطنية على البحث عن سبل جديدة لزيادة كفاءتها وإمكانياتها، بما في ذلك عن طريق توسيع نطاق وصولها إلى المستوى الدولي، والوصول إلى أسواق جديدة في مرحلة مبكرة وتحويل بعض الأنشطة الإنتاجية من أجل تخفيض التكاليف. وهذا يؤدي إلى اتخاذ أشكال جديدة للإنتاج الدولي على مستوى ترتيبات الملكية وترتيبات تعاقدية جديدة . كما إن سياسة الدول الرائجة في عصرنا الحالي من فتح الأسواق المالية والسماح بجميع أنواع الاستثمارات الأجنبية، تساعد الشركات على زيادة استثماراتها في الخارج. بحيث أتاحت استراتيجية الشركات وتغيير النظم الإنتاجية العالمية إمكانات جديدة للبلدان النامية للانخراط في نظم الإنتاج العالمية.

ويلاحظ أن الكثير من البلدان التي حققت تقدماً في الأسواق التصديرية كانت معتمدة اعتماداً كبيرا ًعلى الاستثمار المباشر. وهناك بعض الميّزات النسبية التي تتمتع بها تلك البلدان تلعب دوراً في استقطاب الاستثمار الأجنبي، فمثلاً تتميّز الصين بحجم اقتصادها، أما كوستاريكا وإيرلندا فتتميّزان باتباع سياسات وطنية قائمة على نهج استباقي لاجتذاب الاستثمار الأجنبي في مجال التكنولوجيا الرفيعة المستوى والارتباط بشبكات الموردين الدولية.

أما هنغاريا والمكسيك وإيرلندا تتميّز بإمكانية وصولها إلى أسواق رئيسية وبشروط تفضيلية، فمثلاً ميزة المكسيك هي إمكانية التصدير إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفقاً لاتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، مما يجعل المجال كبيراً أمام الدول التي تفرض عليها الولايات المتحدة شروطاً في تجاراتها مثل أن تدخل إلى السوق الأمريكية عن طريق المكسيك وهذا ما تفعله اليابان. وذلك أيضاً ما يحدث في هنغاريا وإيرلندا اللتين كانت تتميزان بحصولهما على شروط تفضيلية في الأسواق الأوروبية مما جعلهما محط أنظار الكثير من الشركات.

عمليه اجتذاب أنشطة الشركات الموجهة للتصدير عملية تنافسية إلى حد كبير. والدول المتقدمة قد تجد صعوبة في إدامة قدراتها التنافسية عندما ترتفع الأجور وتتغير الأوضاع في الأسواق. وهذا ينطبق أيضاً على الدول النامية، فالهند التي استطاعت من خلال مجموعة من المميزات ومنها الأجور المنخفضة أن تكون مصدر جذب من الطراز الأول للشركات عبر الوطنية. ولكن فيما بعد ونتيجة ارتفاع الأجور فيها جعلها تتراجع لتصبح روسيا – محط الانظار – صاحبة الأجور المنخفضة أكثر من الهند.

فالفوائد المستمدة من التجارة المرتبطة بالشركات بدءاً بتحسين الميزان التجاري وتحسين العمليات التصديرية وإدامتها، تساعد على زيادة الصادرات. ولكن في المقابل فإن الشركات الأجنبية تستورد وقد تكون حصائل النقد الصافي بين التصدير والاستيراد صغيرة في بعض الحالات. وقد تكون قيمة الصادرات مرتفعة، ولكن مع تدني مستويات القيمة المضافة تصبح العملية مستقبلياً تحمل في طياتها مخاطر ذات نتائج سلبية.

لا يمكننا اعتبار المكاسب الإنمائية الناتجة عن ازدياد الصادرات نتيجة الاستثمار الأجنبي أمراً مسلّماً به، كما أن مسألة الفوائد المستمدة من التجارة المرتبطة بالشركات وتمتع تلك الاستثمارات بالديمومة والاستقرار مقولة قابلة للنقاش. ومن الخطأ أن يصبح جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هدف بحد ذاته، بل من الحكمة أن تسخّر الدول النامية إمكانياتها للاستفادة من تلك الاستثمارات في إطار سياسات التنمية الشاملة، وفي كثير من الأحيان تتحمل الدول النامية مسؤولية فشل الاستثمارات في تحقيق نهضة اقتصادية نتيجة غياب التخطيط والسياسات العامة.

فالمسألة ليست في اجتذاب الاستثمارات بقدر ما هي كيف يمكن للبلدان النامية المضيفة أن تستفيد إلى أقصى حد ممكن من الأصول التي تتحكم بها الشركات؟

الأمر يعتمد على الاستراتيجيات التي تتبعها الشركات من جهة، وعلى ما يقابلها من قدرات السياسات العامة في البلد المضيف.إذ أن عدداً من المنافع المستمدة على المدى الطويل والتي يمكن عزوها إلى الشركات الأجنبية العاملة في التصدير قد لا تتحقق في البلد المضيف، بحيث من الممكن عدم قيام انخراط بين الشركات الأجنبية والاقتصاد المحلي، وبالتالي عدم قيام الشركات بتنمية المزايا النسبية الدينامية للبلدان المضيفة.

 

هناك أولويات مشتركة بين البلدان سواء كانت غنية أم فقيرة أهمها تحسين الصادرات وإدامتها لكي تسهم في التنمية إسهاماً كبيراً. فيجب على البلدان النامية النظر في كيفية التحول في أي صناعة من الصناعات إلى أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى، وهنا يكمن التحدي في كيفية الاستفادة من إمكانيات الشركات لتحقيق التنمية المستدامة.

ومن هذا المنطلق يجب أن تكون عملية اجتذاب أنشطة الشركات الموجهة نحو التصدير، تندرج على نحو راسخ في استراتيجية إنمائية وطنية واسعة النطاق، ولا بد من توافر السياسات المتناسقة التي تأخذ بعين الاعتبار أن لتلك الاستثمارات فوائد، الا أنها تنطوي على تحديات وينبغي النظر إليها باعتبارها وسيلة لتحقيق غاية معينة وهي التنمية. 

2010-11-24

إسرائيل والمقايضة الإستراتيجيّة







سلام الربضي \ باحث ومؤلف في العلاقات الدولية
صحيفة الرأي الأردنية \ عمان
22-11-2010.

إنّ التأكيد على يهوديّة إسرائيل "إسرائيل الجديدة" بالمعنى الإثني الأيديولوجي له مخاطره على حقّ العودة وعلى عرب 1948 . وإسرائيل تسعى دائماً لاقتاع العالم بأنّ مساحتها البالغة21 ألف كيلومتر مربع هي مساحة لا تساوي شيئاً إزاء مساحة العالم العربي البالغة 14مليون كيلومتر، وبالتالي لا بدّ من إسهام الدول العربية في حل مشكلة الحيّز الديمغرافي بين إسرائيل وجيرانها في فلسطين.

وتنظر إسرائيل إلى مفهوم الدولة اليهودية ليس كدولة تشمل المواطنين اليهود داخل حدودها، بل هي أيضاً الناطقة بأسم جميع اليهود المنتشرين في مختلف بلدان العالم والمدافع الأول عن مصالحهم. وهي الدولة الوحيدة التي يمارس فيها التطابق في شكل كامل بين الدين والقومية ويتم فيها اتباع معايير وأدوات دينية لفحص الانتماء إلى هذه القومية حيث ينشغل القادة الإسرائيليون بالسؤال:


من هو اليهودي؟ وليس من هو الإسرائيلي؟
وتكمن الخطورة في هذا الموضوع من الناحية الإستراتيجيّة أن تتمّ المقايضة من قبل إسرائيل بين تعويض لليهود الذين غادروا الوطن العربي من العام 1948 بحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين. وممّا يؤكّد هذا التّوجّه العودة إلى محادثات كامب دايفد في تموز2000 حيث خلق الرّئيس الأميركي بيل كلينتون ربطاً مباشراً، بين حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحقوق اللاجئين اليهود الذين اضطرّوا إلى مغادرة دول عربية، ومن بينها العراق وقد اقترح انشاء صندوق دولي يعالج مطالب اللاجئين العرب واليهود.

وتركز الحكومة الإسرائيليّة والوكالات الدوليّة اليهوديّة منذ عام 2002على قضية التعويضات. وقد تمّ انشاء مركز معلومات في وزارة العدل الإسرائيليّة في أيار 2002 متخصّص في ممتلكات اليهود الذين غادروا البلاد العربية سواء كانوا موجودين في إسرائيل أو في باقي دول العالم.

وتشير الدراسات إلى أنّ عدد اليهود في الدول العربية وصل إلى ما يقارب 700ألف نسمة من العام1950 . وعلى سبيل المثال لا الحصر، يبلغ عدد اليهود الذين غادروا العراق خلال الفترة التي تلت حرب 1948 ما بين 130 _150 ألف نسمة، وتمّ جذب ما يقارب 240 ألف يهودي من المغرب بعد عام 1948. كما يبلغ عدد اليهود من الجزائر الذين تمّ جذبهم إلى إسرائيل في عهد بومدين ما يقارب 141ألف نسمة. ولقد غادر حوالي 50 ألف يهودي يمني في نفس تلك الفترة أي بعد حرب 1948، ولم يبق في اليمن سوى 250عائلة يهودية فقط.

وترغب إسرائيل ربط حق تعويض اليهود العرب في إسرائيل بحق تعويض اللاجئين الفلسطينيين. وهذا الرّبط هو بداية منظمه لتحقيق المصالح الإسرائيلية فيما يتعلق بقضايا حق العودة والتعويض، وبالتالي تهميش القرار 194 الذي يقضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في أقرب فرصة ممكنة والتعويض عن الأضرار النفسيّة والماديّة التي لحقت بهم جرّاء طردهم من ديارهم مما يفتح الباب على مصراعيه أمام إسرائيل في تحقيق مصالحها المنبثقة عن ضعفها الديمغرافي والجغرافي.

ولقد ارتفعت في السّنوات الأخيرة وتيرة الحديث عن ملفات التعويض لليهود من أصول عربية. وفي إسرائيل أصبح هناك تيار سياسي تبنّّّته كل الجاليات اليهودية من أصل عربي في إسرائيل للمطالبة بتلك الحقوق. وهذه الحركة المدنيّة الداخليّة في إسرائيل لا تخرج عن إطار المصالح الإستراتيجيّة العليا لإسرائيل. فمثلاً في عام 2004، تمّ فتح ملف تعويض الليبيين اليهود عمّا فقدوه من ممتلكات لدى هجرتهم إلى إسرائيل، وذلك بعد أن أعلنت ليبيا عن استعدادها للنظر في دفع مبالغ ماليّة لإنهاء خصومات تاريخية.

وفي سياق إستراتيجية إسرائيل المتعلقة بنعويضات اليهود العرب، فالهدف أيضاً هذه المرة أرض الكنانة والقضية قضية يهود مصر، فجاء التخطيط لعقد مؤتمر دولي ليهود مصر في القاهرة في شهر أيار من العام 2008 بمشاركة السفير الإسرائيلي بمصر. وخيراً فعلت السلطات المصرية عندما أحبطت هذه المؤامرة بعدم سماحها بعقد المؤتمر وهي كانت فعلت نفس الشيء عام 2006 فلم توافق وقتها على عقد المؤتمر العالمي ليهود مصر على أراضيها فعقد في جامعة حيفا تحت شعار نحن أبناء الخروج الثاني من مصر. وتحاول إسرائيل عبر هذه المؤتمرات المطالبة بتعويضات عما يسمى بممتلكات اليهود المصريين المهاجرين من أرض الكنانة، وضمن حملة منظمة اللوبي الإسرائيلي عالمياً تم الضغط على الكونغرس الأمريكي الذي أصدر قراراً يعتبر أن اليهود الذين غادروا بعض الدول العربية في حكم المهاجرين.

من الضروري الإقرار بأن تهويد فلسطين من البحر وحتى الحدود المفترضة للدولة الفلسطينية العتيدة هدف عقائدي اسرائيلي قائم في كل آن وحين، وإسرائيل اليهوديّة، مشروع إسرائيل المستقبلي والمصيري، هو الذي يحدّد طموح ورؤية المصالح الإسرائيليّة، وهو مشروع قائم على الأبعاد الدّيمغرافيّة والجغرافيّة. ويعتبر موضوع التعويض المادي والمعنوي ليهود العالم العربي بالنسبة لإسرائيل أحد أهمّ أوراقها المستقبليّة في إطار مشروعها إسرائيل اليهودية ، أو في إطار مفاوضاتها النهائيّة مع الفلسطينيّين لمقايضتهم مع حقوق اللاجئين الفلسطينيّين الذين صدرت في شأنهم قرارات دوليّة تضفي شرعيّة قانونيّة على حقوقهم، بعكس نظرائهم اليهود.

ستبقى إسرائيل حذرة في كشف أوراقها الاستراتيجيّة وفتح هذا الملف الآن خشية ظهور مطالب فلسطينيّة مقابلة لمطالبها، ممّا يضع الدّولة العبريّة في موقف حرج ولكن ورقة تعويضات اليهود العرب ستبقى ورقة إستراتيجيّة تخدم المصالح الإسرائيليّة. 


2010-11-21

الاقتصاد العالمي في الربع الأخير من القرن العشرين





سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية



منذ بداية السبعينات تغيرت الأوضاع العالمية وبدأت الأزمات العالمية تتوالى، منها أزمة الغذاء في 1970، وأزمة الطاقة في 1973، وأزمة المديونية في 1982، فضلا عن أزمة التنمية وأزمة الاشتراكية منذ السبعينات. واذا كان العالم قد عرف في معظم أجزائه مشاكل عدة منذ السبعينات، فقد عمدت الدول الصناعية إلى إعادة النظر في هياكلها الاقتصادية والمؤسسية لاستعادة حيويتها منذ نهاية السبعينات، أما الكتلة الاشتراكية فقد أغفلت مواجهة مشاكلها حتى تفاقمت بشكل كبير.

ولقد تفاعلت تطورات اقتصادية وتكنولوجية بالغة الاهمية، ساعدت على إفراز العديد من مظاهر الخلل وعدم الاتساق بين مؤسسات ونظم بالية، وبين حقائق جديدة. ومن أهم هذه التطورات الثورة التكنولوجية، وما أدت إلية من تغير في المعطيات الاقتصادية للعالم المعاصر، وقد واكبت هذه التطورات التكنولوجية، تغيرات أخرى لا تقل عنها أهمية في المؤسسات والسياسات العامة، والتي كان لها بدورها أثار بعيدة المدى.

أولاً : أزمات الاقتصاد الدولي 1970 – 1999

هناك دائماً سياسات في كل وقت لمواجهة المشكلات، والفارق بين ربع القرن الأول بعد نهاية الحرب الثانية وربع القرن التالي، هو أن السياسات الاقتصادية السائدة كانت أكثر نجاحاً في مواجهة هذه المشكلات خلال الفترة الأولى ومن هنا جاء النجاح. في حين أنها كانت أكثر عجزاً وقصوراً في الفترة التالية، ومن هنا تكون الأزمات.

فعندما نتكلم عن الأزمات، فإننا نعني بشكل عام عجز الحلول والسياسات الاقتصادية وقصورها عن مواجهة تلك المشكلات. كما أن وجود المشاكل والتحديات الاقتصادية فهو قدر الإنسانية ولا مفر منه، حيث لا يعرف الإنسان ولن يعرف حياة اجتماعية من دون مشاكل. والجديد منذ نهاية الستينيات هو أن المشاكل الاقتصادية بدت مستعصية على السياسات القائمة، وظهرت بوادر فشل هذه السياسات وتفاقم المشاكل وعجز السياسات، ومن هنا الحديث عن عصر الأزمات.

ومن هذه الأزمات والتي توالت الواحدة بعد الأخرى حيناً أو تداخلت فيما بين بعضها أحياناً أخرى :

أ-  أزمة نظام النقد الدولي :

مع نهاية الحرب العالمية الثانية انشغل العالم بوضع قواعد جديدة لنظام النقد الدولي على ضوء التجارب الماضية. وفي الوقت نفسه كان الحنين لنظام ما قبل الحرب العالمية الأولى كبيراً، وبالتالي لم يكن من الغريب، أن يتجه واضعوا اتفاقية بريتون إلى الأخذ بنظام ثبات أسعار الصرف. وأن السبب في أزمة النقد الدولي، ترجع إلى أن النظام الذي تم اتباعه في ثبات أسعار الصرف كان قائم على عدم إخضاع الدول توازنها الداخلي للظروف الخارجية، وبالتالي لقاعدة الذهب بعكس ما كانت عليه الحال قبل الحرب العالمية الأولى. مما أدى إلى مواجهة النظام النقدي عقبات لم تعرفها قاعدة الذهب، ناهيك عن جمود أسعار الصرف الناتج عن النمو الكبير في حركات رؤوس الأموال، مما جعل القيمون على النقد يؤكدوا على التشدد في تغيرات أسعار الصرف تجنباً للمضاربة.

ونتيجة زيادة المعاملات الدولية، كان لا بد من توفير كميات كبيرة من السيولة الدولية وكان هناك عدة طرق للوصول لذلك :

1– عن طريق الذهب :

لكن إنتاج الذهب لم يكن كافياً لمواجهة احتياجات العالم من السيولة الدولية، كما إن فكرة رفع ثمن الذهب ومن ثم جمع السيولة الدولية لن تلقى القبول. إذ لأسباب سياسية ترفض بعض الدول منح الدول المنتجة للذهب مكاسباً مجانية كجنوب أفريقيا والاتحاد السوفياتي. كما أن منطق النظام القائم على ثبات أسعار الصرف بالنسبة للذهب كان يتعارض مع ترك ثمن الذهب يرتفع.

2 – الاتفاق على قيام سلطة دولية بإصدار نقود دولية.
3 – استخدام إحدى العملات الوطنية كنقود دولية.

ونتيجة للظروف التي لم تكن مؤاتية لإصدار نقود دولية، وعلى الرغم من أن كينز كان قد طرح هذا الموضوع في مشروعه، فلم يكن هناك مناص من استخدام إحدى العملات الوطنية كنقود دولية إلى جانب الذهب في تسوية المدفوعات الدولية، وكان الدولار انذاك هو أكثر العملات تهيئاً للقيام بهذا الدور. ونتج عن ذلك الوضع، أن حققت الولايات المتحدة وتمتعت بمكاسب احتكارية باعتبارها السلطة التي تصدر الدولار. حيث أن الدول لكي تحصل على الدولار لا بد  بالمقابل أن تتنازل عن أصول مختلفة، في حين أن الولايات المتحدة لا تتكلف شيئاً في سبيل إصدار هذه الدولارات باستثناء تكاليف الطبع والإدارة فقط.

ومع مرور الوقت، أصبح هناك تعارض ما بين الدولار كعملة نقدية دولية وتداعيات ذلك من حيث اعتبارات المسؤولية الدولية، وبين احتياجات السياسة الداخلية الأمريكية. مما يؤدي إلى الارتباك، وخاصة مع تغليب المصالح الوطنية الأمريكية، الذي يؤثر على الاستقرار الدولي. ومن الافعال التي تعكس هذا الواقع،  هو قرارات الولايات المتحدة ما بين 1968 و1971 التي إدت إلى منع تحويل الدولار إلى ذهب.

كما أن تطور الاقتصاد العالمي وظهور ألمانيا واليابان على الساحة الدولية الاقتصادية، طرح تساؤلات حول قيمة الدولار التي لم تعد معبرة عن حقيقة الاوضاع، مما أدى في عام 1972 إلى تشكيل اللجنة الوزارية لإصلاح النظام النقدي في جنيف. وبالرغم من الاستقرار النسبي نتيجة اتفاقية سميثونيان 1972، ولكن ما لبثت الأزمة أن تعود من جديد بفعل المضاربات، فاضطرت الولايات المتحدة بتخفيض الدولار عام 1973 وأدى ذلك للعودة إلى تقويم العملات.

ومع بروز أزمة البترول ونتيجة الضغوطات تم في عام 1976 في جامايكا تعديل اتفاقية صندوق النقد الدولي، لتصبح الدول حرة في اختيار نظام الصرف وهو الحل الوسط انذاك بين الطروحات الأمريكية والفرنسية. وأصبح النظام النقدي هجين غير معروف الهوية. فهو نظام قائم على الدولار، وهو نظام يعتمد أساساً على تعويم العملات، وهو نظام لا يضع ضوابط على الدولار الورقي بعد تحرره من القابلية للتحويل إلى ذهب .

ب- أزمة النفط والفوائض المالية :

وهي التي ترتبت على أزمة النفط 1973 أو ما عرف بتسميته بالصدمة النفطية الأولى، حيث وصل سعر برميل النفط أكثر من 20 دولار. ومن أهم مظاهر هذا التأثير، ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ارتفاع تكلفة الطاقة وفاتورة واردات الدول الصناعية من ناحية، وزيادة الفوائض المالية لدى الدول المصدرة للنفط من ناحية أخرى، ولكن مع مرور الزمن استطاعت الدول الصناعية إعادة التوازن لاقتصادها في حين أن العجز الشديد المقابل للفائض في الدول المصدرة للنفط فقد انتقل للدول النامية، مما جعلها تضطر إلى الالتجاء إلى القروض الخارجية من بنوك الدول الصناعية. ونتج عن ذلك ظهور ما يسمى بي  قضية تدوير هذه الفوائض الناتجة عن الأزمة النفطية، أولاً إلى الدول الصناعية ومن ثم إلى الدول النامية. وبالتالي ظهور قضية المديونية للدول النامية التي أصبحت فيما بعد إحدى أهم القضايا في العلاقات الدولية.

وقد تكرر نفس المشهد مع الصدمة النفطية الثانية عام 1979 حيث استطاعت الدول الصناعية من خلال إمكانياتها الاقتصادية من تجاوز هذه الأزمة، بينما ازدادت الدول النامية في التخبط بمديونيتها.كما إن ارتفاع أسعار النفط جاء ليعبر ليس عن التغيرات في الاقتصاد العيني (الموارد = البترول) وإنما فقط في نمط توزيع الدخل العالمي. حيث لم تعرف الموارد الاقتصادية أي تغيير يذكر ولم يتغير شيء على التكنولوجيا أو في الأذواق. بل كل ما حدث، يعبر عن إعادة توزيع الدخل العالمي  لمصلحة الدول المصدرة للنفط .

ومن الطبيعي أن ينتج عن هذا التوزيع ارتفاع في الادخار، ووفقاً لنظرية كينز فيجب أن يتساوى حسابياً ما بين زيادة الادخار وبالتالي زيادة الاستثمار، وهذا ما لم يحدث خلال الصدمات النفطية فانعكس سلباً على الوضع الاقتصادي العالمي، وبالأخص على اقتصاديات الدول النامية. وبعد الصدمة النفطية الثانية وفي عام 1983 حدثت صدمة نفطية عكسية، نتيجة زيادة مخزون الدول الصناعية، والمغامرات السياسية لبعض الدول المنتجة للنفط (العراق وإيران).

في كل تلك الظروف يحق التساؤل حول عدم قيام الدول المصدرة للنفط من تقديم أسعار تفضيلية وتشجيعية للدول النامية؟ هذا السؤال يطرح دائماً مع ازدياد أسعار النفط وما تأثير هذا الفائض في ميزانيات الدول العربية النفطية ؟

ج- أزمة التنمية :

على الرغم من أن الدول النامية استطاعت خلال الفترة القصيرة ما بعد حصولها على استقلالها السياسي، من أن تحقق بدايات مشجعة، ولكن منذ السبعينات وخاصة في الثمانينات بدأت هذه الدول تواجه المشاكل الأكثر حدة، ومن هذه المشاكل أو الأزمات ما عرف بأزمة الغذاء في بداية السبعينيات نتيجة تحول معظم الدول النامية إلى دول مستوردة للغذاء. وقد تم إعادة الاذهان إلى "نظرية مالتسي" حول عدم التوازن بين النمو السكاني وتوافر الموارد الغذائية.

كذلك فإن مفاهيم التنمية نفسها قد عرفت اجتهادات متعددة واختلافات جوهرية، فمن سياسة التدخل الاقتصادي الحكومي، واتباع سياسات إحلال الواردات والانكفاء على الداخل، وتقليل الاعتماد على الخارج أي نظريات التبعية.

ولقد اعتمدت الدول في جنوب شرق آسيا على الآخذ بسياسات اقتصادية مختلفة تماماً ، قائمة على اقتصاد السوق واسواق التصدير مع الاستمرار في إعطاء دور كبير للدولة في توجيه الاستثمارات، حيث استطاعت تحقيق معدلات نمو عالية وأصبحت تعرف بالدول الصناعية الجديدة، والنمور الآسيوية وعلى الرغم من ما حققته هذه الدول إلا أنها تعرضت في عام 1997 لأزمات مالية.

ونتيجة ما واجهته الدول النامية من مشاكل متعددة بدأت سياسات جديدة تظهر يتبناها صندوق النقد الدولي وإلى حد كبير البنك الدولي. وكان إطار هذا الاصلاح الاقتصادي يدور حول ضرورة ضبط التوازن النقدي والمالي للدول النامية. عن طريق تخفيض العجز في الموازنات العامة ومحاولات السيطرة على التضخم، واستخدام أسعار الفائدة المناسبة وتحديد أسعار الصرف على نحو أكثر واقعية.

وفي هذه الأثناء طرح دور الدولة الاقتصادي وظهرت التيارات المحافظة التي تنادي بحصر دور الدولة. وقد ازداد هذا الاتجاه مع وصول تاتشر وريغان للسلطة في بريطانيا وأمريكا، وما لبثت أن انعكست هذه الافكار على صندوق النقد الدولي وعلى الدول النامية، وأصبحت هذه الدول مطالبة بالخصخصة، وخلق المناخ الاستثماري المناسب، والتحول إلى اقتصاد السوق، وبالتالي معاملة الدول النامية بنفس الطريقة المتبعة في الدول الاقتصادية الصناعية، مما يطرح التساؤل عن موضوعية هذا الاسلوب؟

د- أزمة الأيديولوجية الاشتراكية.

لا بد من طرح تساؤل حول أزمات الاشتراكية وفشلها، فهل ذلك راجع إلى القصر في النظرية أم عيب في التطبيق؟

فالماركسية وإن تضمنت تحليلاً لتناقضات النظام الرأسمالي، وأيماناً بحتمية زوال هذا النظام، فإنها لم تقل الكثير عن كيفية إقامة النظام الجديد، بعد القضاء على الرأسمالية، باستثناء الاتفاق على إلغاء الملكية الخاصة لعناصر الإنتاج. ومن الغرابة في هذا الإطار القول أن الماركسية التي خسرت المنافسة الاقتصادية قد بنيت نظرياً على أساس أهمية العامل الاقتصادي في تطور المجتمعات؟

وعند محاولة تقييم تجربة الاتحاد السوفيتي يبقى التساؤل مشروعاً حول ما يرجع إلى طبيعة النظام الماركسي؟ وما يعتبر من ظروف النشأة الروسية الأولى؟ وهو واحد من تلك الاسئلة التي يمكن أن تبقى مطروحة دون أن تجد إجابة قاطعة ونهائية؟

ثانياً : الثورة التكنولوجية الحديثة

من أهم مظاهر الثورة التكنولوجية الجديدة، أنه لا توجد هناك لحظة فاصلة نستطيع القول عندها أن ثورة جديدة قد بدأت. فالتطور بطبيعته تدريجي ومستمر ومتراكم، ومن الضرورة التنبيه إلى إن التاريخ مستمر لا انقطاع فيه. وفي هذا الإطار يمكن طرح التساؤلات التالية :

1- هل هناك علاقة بين التكنولوجيا والثورات الاقتصادية الكبرى؟
2- ما هو تأثير ثورة المعلومات والاتصالات؟
3- ما هو الفرق بين الاقتصاد النقدي والاقتصاد الحقيقي؟
4-هل الثورة المالية ناتجة عن هذا التقدم التكنولوجي؟
5- كيف يمكن مقاربة العلاقات الدولية في ظل الاقتصاد العالمي؟
6- هل هي نهاية الجغرافيا ؟

أن الحضارة الإنسانية لا ترجع إلى أكثر من 1% من تاريخ الإنسان على الارض، وإذا كانت عملية اكتشاف الزراعة ثورة اقتصادية كبرى غيرت في طبيعة الحضارة فإن التغيرات اللاحقة وحتى قيام الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر ظلت طفيفة وهامشية. ولقد كانت الثورة الصناعية بمثابة أخطر انقلاب اقتصادي بعد الثورة الزراعية الأولى. وإذا كان الاقتصاد الصناعي يقوم على اقتصاد السوق والقدرة على القيام بالحساب الاقتصادي، فإن توفير الشروط والأوضاع المناسبة لإجراء هذا الحساب الاقتصادي يعتبر أمر ضروري.

وهناك عدد من الشروط الواجب توافرها سواء على صعيد استقرار النظام القانوني أو النقدي، كذلك فإن الحقوق الشخصية من التزامات مالية وأوراق تجارية وأصول مالية، أضحت هي أساس الثروة في عصر الصناعة. ومن هذا المنطلق، فإن ظهور الدولة المعاصرة كان ضروري لتوفير هذه الشروط. ولقد لعبت الدولة دوراً رئيسياً في التطور الرأسمالي، بحيث لا يمكن أن يقوم نظام رأسمالي بدون وجود الدولة، وهذا يعتبر بمثابة رد على كثير من النظريات الحديثة التي ترى بأن الرأسمالية والعولمة أو ما يسمى بالنيوليبرالية الحديثة قد قضت وسلبت الدولة كل إمكانياتها وأسباب وجودها.

فنحن الآن نعاصر مرحلة جديدة هي مرحلة الانتقال من العلاقات الاقتصادية الدولية إلى الاقتصاد العالمي. وإذا لم يكن بعد الاقتصاد العالمي أصبح حقيقة كاملة فهو على الأقل حقيقة كامنة تمثل مستقبل العلاقات الدولية. والعالمية لا تسري فقط على النواحي التكنولوجية بل تفرض نفسها أيضاً على مختلف النشاطات الصناعية. وأصبحنا يوم بعد يوم نزيد من توحيد المواصفات والمقاييس العالمية الفنية وتنميطها. وكذلك أن الأذواق تسير في نفس الاتجاه، حيث أننا نلمح مولد المواطن العالمي. ولقد بتنا نعيش في عالم أكثر تداخلاً في علاقاته الاقتصادية، بحيث لم يعد من الممكن لدولة ما أن تنعزل عما يجري فيه مهما علت مكانتها.

وإذا كانت الإشكالية الأهم في العولمة قائمة على نظرية صاموئيل هنتجتون حول الصدام الحضاري أو أطروحة فرانسيس فوكوياما حول نهاية التاريخ. فقد يكون التساؤل الأقرب إلى طبيعة ظاهرة العولمة هو التساؤل عما إذا كنا بصدد نهاية الجغرافيا وليس نهاية التاريخ؟

أن خطورة الجغرافيا تكمن ليس فقط في أنها حدوداً سياسية بل هي مواقع مكانية وموارد طبيعية. وفي ظل الابتكارات التكنولوجية والاكتشافات العلمية يطرح التساؤل حول أهمية الجغرافيا بالنسبة للموارد الطبيعية في ظل زيادة انخفاض القيمة النسبية لإسهامات هذه الموارد في تحديد قيمة الإنتاج بالمقارنة مع الجهود الإنسانية في مجالات البحث والتسويق والابتكار؟

ولقد أصبح النظام الاقتصادي العالمي الجديد، يوفر سيطرة على الموارد من دون الحاجة إلى الاستيلاء المادي المباشر. سواء كان ذلك عن طريق براءات الاختراع، أو التأثير في الأسواق المالية أو شبكات التسويق، أسعار الصرف، الاسهم ... إلخ.

ثالثاً : تطور المؤسسات والسياسات

أن السياسات الاقتصادية لم تلبث أن خضعت لتغيرات وتوجهات جديدة، وقد أدى ذلك  إلى تعديلات في شكل المؤسسات القائمة وأسلوب عملها. فضلاً، عما استدعاه من إنشاء مؤسسات جديدة، كما أن التطور الاقتصادي والترابط المتزايد بين الاقتصادات المختلفة، قد ساعدا على ظهور قضايا جديدة مثل ما أطلق عليه العولمة GLOBALIZATION  وبداية الاهتمام بعدد من القضايا التي وجدت لأول مرة اهتماماً عالمياً لم يتوافر لها سابقاً، كقضايا البيئة، كما أن قضايا التنمية الاقتصادية أخذت طابعاً جديداً عرف بالتنمية البشرية .

1- المؤسسات

ولقد حدث تطور ملحوظ بالجانب المؤسسي  للنظام الاقتصادي على النحو التالي :

أ- تطور صندوق النقد :

سرعان ما ظهرت في التطبيق مشاكل عدة فرضت نفسها على طبيعة عمل الصندوق كمشكلة مدى توافر السيولة الدولية. كما أن بقاء أسعار الصرف ثابتة معناه من الناحية العملية، أن تتخلى الدول عن استقلال سياستها النقدية في الداخل وتخضعها لاعتبارات التوازن الخارجي. ومع وضوح أزمة التنمية وخاصة مع ازدياد أعباء المديونية الخارجية على الدول النامية، اتجه صندوق النقد الدولي مع البنك الدولي إلى الاهتمام بقضايا التنمية والإصلاح الاقتصادي، خاصة مع تحول عدد من دول الكتلة الاشتراكية سابقاً إلى نظام السوق.  

وأهم تطور أصاب الصندوق الدولي هو ما عرف بإنشاء حقوق السحب الخاصة، وهي أقرب إلى النقود منها إلى الديون العادية. وهي تقوم بجمع وظائف النقود في المدفوعات الدولية، وتحدد قيمة حقوق السحب الخاصة، وفقاً لعدد من العملات الأساسية في المعاملات الدولية. كما هناك تطور في عمل الصندوق على صعيد قضايا الإصلاح الاقتصادي حيث اتجه الصندوق إلى قضايا دول العالم الثالث خاصة مع بروز أزمة المديونية.

والصندوق يقدم قروض مقابل الالتزام بعدد من السياسات عرفت باسم المشروطية، المرتبطة بما يسمى سياسات التثبيت المالي أو النقدي. وفيما بعد تم نقد عمل الصندوق، من حيث اعطائه واعتماده على  وصفة وحيدة دون مراعاة الاوضاع الخاصة لكل دولة.

ب – تطور البنك الدولي:

تم الانتقال من سياسة الاهتمام بالنمو الاقتصادي باعتباره المؤشر الرئيسي للنجاح فقط إلى الاهتمام بقضايا التوزيع، وبذلك أصبح النمو مع التوزيع هو أحد محددات مشروعات تمويل البنك الدولي. وفي الثمانينات اتجهت مشروعات البنك نحو برامج التكيف الهيكلي، القائمة على تمويل البنك لسياسات الدول المتجهة نحو إعادة هيكلة الاقتصاد، والانتقال إلى القطاع الخاص وتخصيص المشروعات.

أن سبب فشل سياسات التنمية في كثير من الدول يعود إلى فساد النظم السياسية السائدة. إذ أنه لا يوجد أمل حقيقي في أية تنمية متواصلة ما لم يحدث تغيرات جذرية في أساليب الحكم، لينتشر فيما بعد مصطلح وتعبير الحكم الصالح، ويقصد به كل أساليب استخدام السلطة سواء من الحكومات أو من إدارات محلية أو في إدارة المشروعات. ولقد تم إدراك إن الدولة ليست هي اللاعب الوحيد في الساحة وهناك مجالاً أمام القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني لتلعب دوراً رئيسياً . والمؤسسات الاقتصادية بقيت تعبر عن الإيديولوجيات السائدة في الدول الصناعية.

ج – إنشاء منظمة التجارة الدولية:

من خلال استعراض الفترات الزمنية والاحداث المتواصلة إلى أن تم إنشاء منظمة التجارة الدولية، من الأهمية بمكان، القول أنه يجب دائماً التركيز على المشاركة لأنها تعطي مردودية أكثر من الانعزال والنقد، على الرغم من ضعف الامكانيات. وهذا الواقع تعبر عنه تجربة الدول النامية في منظمة التجارة العالمية. ومع أن هنالك الكثير من السياسات داخل المنظمة التي لا تخدم مصالح الدول النامية، ومع ذلك يجب علينا النظر للنظام الاقتصادي أو للمنظمات، كمنظمة التجارة العالمية بنظرة كاملة، من خلال ما تفرضه من التزامات وما تعطيه من فرص، فيجب أن نرى الصورة أو ننظر للنظام بمجموعة. 

د – مؤسسات غير شكلية :

هناك ترتيبات غير مقننة، تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم العلاقات الاقتصادية، سواء كانت هذه القوى تأخذ شكلاً تنظيمياً قانونياً، أم كان لها وجود واقعي، مثل الشركات عبر الوطنية. أو ظهور إلى جانب المؤسسات الدولية الاقتصادية بعض التجمعات، مثل مجموعة الدول العشر، ومؤتمرات القمة الاقتصادية للدول الصناعية . ومثل هذه التنظيمات الفوقية تلعب دوراً رئيسياً في تحديد العديد من المؤشرات في الحياة الاقتصادية. وإذا أردنا أخذ نموذج لهذا الواقع فإن نظام "اليورو دولار" أو "اليورو ماركت" يعبر عن ذلك الواقع .

2- القضايا والسياسات العالمية :

من القضايا المطروحة حالياً على الساحة الدولية والسياسات المطبقة :

أ – الليبرالية الجديدة.
ب – التنمية البشرية المتواصلة.
ج – حماية البيئة.
د – الحكم الصالح.
و – انكماش المعونات الدولية للتنمية.
ن- العولمة.
ز – الترتيبات الاقليمية .

من الواضح إن تلك القضايا تطرح إشكالية قوة الدولة، فإن الدولة لم تكن في يوم من الأيام أقوى مما عليه هي الآن، فيما تتمتع به من أدوات للتأثير في الحياة الاقتصادية، سواء عن طريق وسائل التأثير عبر السياسات الاقتصادية، أو من خلال دورها التنظيمي وتوفير الخدمات الرئيسية. إذ إن الانحسار الذي أصاب الدولة، هو في صعيد الانتاج في القطاع العام. فطرح بعض الجوانب المتعلقة بالدولة والاقتصاد أمراً مهماً مثل القطاع الخاص (الأفراد) والمجتمع المدني، كذلك إلى جانب الاقتصاد هناك السياسة والأخلاق.

أن أداة السياسة الرئيسية هي الدولة، التي يتركز فيها استخدام السلطة. في حين أن المجال الطبيعي للاقتصاد هو السوق، حيث تعبر المصالح أو المنافع عن نفسها، فيما تظهره هذه السوق من خلال مؤشرات وخاصة الاسعار . وما بين السياسة والاخلاق والاقتصاد فإن نقطة التقاطع تكون قائمة على ما يعرف بالحكم الصالح القائم على ترابط مفهوم اقتصاد السوق وحقوق الإنسان والديمقراطية.

وعلى صعيد التنمية، الإشكالية تكمن بكيفية تشجيع الدول الرأسمالية أو بالآحرى تشجيع رأس المال إلى الانتقال إلى الدول النامية الأقل نمواً وليس للدول الأكثر نمواً؟

وعلى صعيد العولمة يجب النظر إلى تاريخ الاقتصاد العام، لفهم الاقتصاد المعاصر بشكل أوضح، باعتباره تاريخاً للمبادلة وقيام الأسواق وتوسيعها. والعولمة ليست وصفة أو حزمة معرفة، بقدر ما هي لحظة من لحظات التطور، ارتفع فيها معدل توسيع الأسواق والترابط في الاقتصادات، على مستوى رقعة متزايدة من العالم.

وإذا كان لكل عصر أبطاله، فعصر العولمة أبطالها ونجومها، الشركات عبر الوطنية، ورجال الإعلام ومراكز المال، ومراكز البحوث، وشركات التسويق، والمخابرات وربما المافيا، ولكن يجب علينا عدم نسيان أهمية وتزايد دور المنظمات غير الحكومية. كما أن الفرد أصبح هو الحكم والفيصل، حيث الجميع يحاول استمالته سواء بالإقناع أو الخداع. فالفرد هو من جهة ناخب وهو من جهة أخرى مستهلك، فعلى الصعيد الاقتصادي، ورغم من عدم عدالة التوزيع فإن المواطن العادي ما زال يمسك بزمام القوة الاقتصادية. كما أن هذا الفرد هو أساس السلطة السياسية، فرأيه في صناديق الاقتراع أو من خلال استطلاعات الرأي ما تزال تحكم التوجهات السياسية والاقتصادية وهنا أيضاً قد يكون المطلوب صوته الشكلي فقط.

والمشكلة تكمن بأن هذا الفرد الذي يمثل الحكم والفيصل، يواجه قوى المال والإعلام والمخابرات. وبالتالي القدرة على إخضاعه لمختلف أنواع التأثير. فمن المعضلات الحالية،  هو التناقض بين تطور الاقتصاد وتطور السياسة، فالاقتصاد يتجه نحو العالمية ولا يأبه بحدود السياسة والجغرافيا، أما السياسة،  فالتنظيم السياسي ما زال وطنياً وقومياً. وتكمن المشكلة الأساسية في تلاقي عالمية الاقتصاد من ناحية وقومية السياسة من ناحية أخرى،  وهو التناقض الأساسي لظاهرة العولمة. ومن هنا تنفصل العلاقة بين السلطة والمسؤولية، حيث هناك سلطة اقتصادية عالمية لا يكاد يفلت منها مكان على المعمورة، ومسؤولية سياسية وطنية أو حتى محلية، فالقرارات التي تؤثر بالاقتصاد العالمي تصدر من الكونغرس ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، والتي تحاسب من قبل الناخبين في الولايات المتحدة أو في أروقة السياسة في ألمانيا وفرنسا، على الرغم من تأثير هذه القرارات في اقتصاد العالم برمته.

والترتيبات الإقليمية المختلفة من ترتيبات واعية للتنسيق والتكامل فيما بينها. والتي قد تأخذ هذه الترتيبات شكلاً مؤسسياً وشكلياً في شكل معاهدات أو في شكل ترتيبات خاصة أكثر مرونة.

قد تكون أنجح هذه الترتيبات هي  السوق الأوروبية المشتركة، التي تحولت إلى الاتحاد الأوروبي وهناك الكثير من الترتيبات الإقليمية مثل منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (النافتا)، مجموعة الآسيان، المجموعة العربية، ويمكن اعتبار تجربة الاتحاد الأوروبي أنجح تجربة على هذا الصعيد. وعلى الدول العربية أن تأخذ تجربة الاتحاد الأوروبي كنموذجاً يمكن الاستفاده منه. طبعاً وفقاً لما يتلائم مع أمكانياتنا ومع طبيعة أنظمتنا ومجتمعاتنا السياسية .


2010-11-15

الاقتصاد العالمي غداة الحرب العالمية الثانية






سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية

الاوضاع الاقتصادية عند نهاية الحرب العالمية الثانية فرضت نفسها وكان لها تأثير كبير في التطورات اللاحقة للنظام الاقتصادي العالمي. ولقد ظهرت هذه الاحداث عندما وضعت الحرب أوزارها ولم تكن مطروحة في السابق، ولهذه الاحداث أثر كبير في اتجاهات السياسات الاقتصادية اللاحقة وهي تمثل مع المؤسسات الدولية المنشأة نقطة بداية للنظام الاقتصادي المعاصر.

أولاً: الأوضاع الاقتصادية.

بعض المعطيات فرضت نفسها وكان لها تأثير في التطورات الاحقة للنظام الاقتصادي العالمي ومنها :

1- إعادة التعمير، وقضايا النمو الاقتصادي.

من الواضح أن حلفاء الحرب قد استفادا من الدروس السابقة وخاصة على مستوى كيفية التعاطي مع الخصم المهزوم وعدم إعادة تجربة فرض عقوبات على الدول المنهزمة كما حدث مع ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى. بالإضافة إلى الخراب وحجم التدمير الكبير الذي حل بروسيا وألمانيا واليابان الذي يتطلب استثمارات هائلة لاستعادة النشاط الاقتصادي. كما أن الحرب جاءت بعد ذلك بخطر جديد كان لا بد من مواجهته، وهو خطر الشيوعية الذي بات يهدد أوروبا المنهكة من الحروب.

أن هذه الظروف الصعبة واستمرار الاوضاع الاقتصادية المنهارة لأوروبا هو بمثابة تدعيم للحركات الشيوعية التي وجدت في تلك الظروف المناخ الملائم لدعوتها، ومن هنا كان التحرك الأمريكي وأخذ زمام المبادرة من خلال ما يعرف بمشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا اقتصادياً. بما فيها الدعوة أيضا الى الاتحاد السوفيتي للمشاركة، ولكن قد لا تكون هذه هي الاسباب الوحيدة وراء مشروع مارشال، ذلك أن الاقتصاد الأمريكي كان بحاجة لهذا المشروع خاصة أن الاقتصاد الأمريكي منذ 1929 يعاني ركود وجاءت الحرب لتنعش الاقتصاد الأمريكي حيث أضافت طاقة إنتاجية كبيرة .

وعلى عكس معظم الدول المحاربة التي اضطرت إلى تحويل جزء من اقتصادها المدني إلى المجهود الحربي، فقد نجحت الولايات المتحدة في أن تضيف إلى طاقاتها الإنتاجية طاقات جديدة لأغراض الحرب دونما أي تأثير ملموس في إنتاجها المدني القائم. وبعد نهاية الحرب، بدأت تصفية اقتصاد الحرب، وظهرت مخاوف الانكماش من جديد حيث كان لا بد من تحويل الموارد المستخدمة للأغراض العسكرية إلى الاغراض المدنية. بالاضافة إلى أن خروج أوروبا محطمة من الحرب أضعف كثيراً من قدرتها على الاستيراد من الولايات المتحدة. ومن الواضح، أن الولايات المتحدة خرجت من الحرب باقتصاد قوي جداً، مقابل عالم بالغ الضعف، من حيث القدرة على الإنتاج والتبادل، ومن هذا المنطلق كانت الدعوة إلى تعمير أوروبا خدمة للاقتصاد الامريكي.

وعلى الرغم من التجاذب ما بين البعض الذي يرى أن هذا المشروع قد حقق نجاحاً لا مراء فيه، والبعض الاخر الذي يرى أن سبب نجاح هذا المشروع يعود بالدرجة الأولى إلى القدرات الأوروبية، فأن هذا المشروع كان بمثابة النواة التي ساعدت على توجيه التطورات الاقتصادية اللاحقة لأوروبا في اتجاهات حرية التجارة والتعاون الإقليمي، والآخذ باستراتيجية النمو الاقتصادية.

أهمية مشروع مارشال تكمن بما ترتب على تنفيذه من توجهات في السياسة والمؤسسات الاقتصادية، حيث كان من الممكن للدول الأوروبية أن تتجه نحو الاّخذ بسياسات التقييد والرقابة التي عرفوها أثناء الحرب. ولكن جاء المشروع قائماً على أساس النظام الاقتصادي العالمي القائم على حرية التجارة وحرية انتقال رؤوس الاموال .

2- المواجهة الأيديولوجية والاستقطاب بين نظم التخطيط المركزي ونظم السوق.

نهاية الحرب العالمية الثانية كانت بمثابة خاتمة لمرحلة تاريخية انتهى معها النظام القديم القائم على الدولتين الصناعيتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا، وإحالتهما إلى دولتين من الدرجة الثانية. في حين قفز إلى المقدمة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وتدعو إلى النظام الحر من ناحية والاتحاد السوفيتي ويدعو إلى الاشتراكية من ناحية أخرى.

من الظريف ذكره، أن قبل مائة عام من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعلى وجه التحديد في عام 1835 كتب المفكر الفرنسي (Alexis de Tocqueville) في كتابه "الديمقراطية في أمريكا" يقول :
" إن الشعبان الروسي والأمريكي ومع بدايتهما المجهولة يحتلان فجأة مقدمة الصفوف، وهما مع ذلك مختلفان فالأمريكيون في صراع مع الطبيعة وقيودها، والروس في صراع مع البشر. إحداهما يحارب الصحراء والبربرية والاخر يحارب بالسلاح، وهما على رغم اختلافهما مدعوان بدور حاسم في مستقبل العالم".

وبغض النظر عن تفضيلات توكفيل فقد كانت كلماته وقبل أن يسمع العالم بماركس، أشبه بالنبؤة، التي تحققت بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت المواجهة بين النظامين عند نهاية الحرب. وكانت المواجهة الأولى بينهما حول أزمة ألمانيا وأزمة برلين، ولم تلبث أن قامت مواجهة أخرى في الكوريتان. وأصبح على كل كتلة أن تمتد وتنتشر وتزيد من نفوذها، مما أدى الى قيام الحرب الباردة وانقسام العالم إلى كتلتين غربية رأسمالية وشرقية اشتراكية.

لقد كانت هذه الاحداث من أهم العوامل المؤثرة في التطورات الاقتصادية العالمية اللاحقة. وساعد الاستقطاب بين المعسكرين على حركات التحرير السياسية، واستقلال العديد من المستعمرات القديمة وطرح قضايا التنمية الاقتصادية.

3- الانقسام بين الشمال والجنوب وظهور قضية التنمية.

أن تاريخ الانسان قائم على الانقسام ما بين الأفراد والجماعات إلى أغنياء وفقراء. وهذا الانقسام هو قديم قدم المال، ففي كل عصر وفي كل مكان يوجد فقراء لا يملكون وعادة لا يعرفون وأغنياء يملكون وبعضهم يعرف أيضاً. فتعايش الفقر والثراء والتقدم والتخلف والجهل والمعرفة هو تاريخ الإنسانية ولم يكن ذلك نقمة أو عذاباً دائماً، بل كثيراً ما كان حافزاً للتغيير وأحياناً للتقدم كما كان في أحوال أخرى سبباً للحروب والدمار.

لكن في المجتمعات السابقة هذا التمايز والاختلاف، كان محدوداً من ناحية القوة والثراء. وهذه المجتمعات كانت محدودة الاتصال فيما بينها، وكانت متقاربة على مستوى أدوات الإنتاج، وجاء العصر الحديث فإذا بالفوارق بين الأغنياء والفقراء تصبح بالغة الخطورة حتى يمكن القول أنها تكاد تكون فروقاً في الطبيعة وليس في الدرجة.

ولقد ازداد الوعي بهذه الفروق مع نهاية الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى البروز على السطح قضية الانقسام بين الدول المتقدمة والدول النامية أو المتخلفة. ولقد طرحت القضية التنموية الاقتصادية نفسها على المجتمع الدولي وأصبحت أحد هموم الاقتصاد العالمي، وقد تأثرت معالجة هذه القضية بالاوضاع السائدة لاسيما بالصراع الايديولوجي السائد بين الغرب والشرق وأصبحت جزءاً من لعبة التوازن الدولي.

ثانياً: المؤسسات الدولية الاقتصادية.

هنالك أوجه اختلاف بين النظام المؤسسي الدولي السياسي من ناحية الأمم المتحدة، والنظام المؤسسي الدولي الاقتصادي من ناحية آخرى. فالأول بدأ واستمر على أساس عالمي، بينما النظام الدولي الاقتصادي الممثل بصندوق النقد والبنك الدولي قد تأثر بالانقسام الأيديولوجي بين الكتلتين، وبالتالي فإن الحرب الباردة كان تأثيرها في النظامين السياسي والاقتصادي مختلفاً، حيث الدول الاشتراكية استمرت في عضويتها في الأمم المتحدة بالمقابل قاطعت النظام الاقتصادي.

كما أن النظام الدولي السياسي قائم على المساواة على الأقل نظرياً، وبالمقابل فالنظام الاقتصادي بدأ منذ إنشائه وفقاً للمبدأ الرأسمالي الذي يحدد أصوات الدول الاعضاء على أساس حصصها أو مساهماتها في المنظمة. مما فتح المجال أمام الدول الرأسمالية الكبرى لفرض سيطرتها لدرجة ما على النظام الاقتصادي . ومؤسسات النظام الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية هي :

1- البنك الدولي للإنشاء والتعمير:

تم إنشاء هذا البنك بعد المشاورات البريطانية الأمريكية، ولقد كان هذا النظام الاقتصادي وليد حصيلة التفاعل بين أراء كينز ووايت. حيث كينز مسلح بخيال واسع وقدرة نظرية هائلة، ووايت يستند للقوة الاقتصادية التي تمثلت ببلادة أمريكا، ولقد ظهر أن النظام الاقتصادي قد تأثر بآراء وايت أكثر من كينز، مما يؤكد قوة السلطة في مواجهة الفكر في كثير من الاحيان. وقد كان تركيز هذا البنك على تمويل الجهود الرامية إلى إعادة بناء الاقتصادات المهدمة في أثناء الحرب ثم التركيز على جهود التنمية. ومنذ نهاية الخمسينيات بدأ البنك يركز عملياته على قضايا التنمية في دول العالم الثالث.

ومن خلال تتبع حقوق الدول الأعضاء، فالمساواة غير موجودة حيث تستمد الحقوق من مدى المساهمة في رأس المال، مما يجعل الدول الصناعية أقوى. وإذا كانت الدول الأوروبية هي المستفيدة من نشاط البنك في 16 السنة الأولى، ثم أصبحت دول العالم الثالث هي الأكثر استفادة بعدما تحولت عمليات البنك إلى التنيمة. وفي أثناء رئاسة روبرت ماكنمارا تحول الاهتمام إلى قضايا التوزيع والعدالة. فلم يعد النمو وحده كافياً وساد وقتها شعار النمو، ومع إعادة التوزيع ومع ظهور أزمة المديونيات في الثمانينيات اتجه الاهتمام الأكبر إلى تمويل برامج الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي.

الملفت للانتباه، أن قروض البنك الدولي تتم مع شروط للسياسة الاقتصادية حيث قروض البنك خاصة على صعيد الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، هي قروض لضمان تنفيذ سياسات اقتصادية محددة بأكثر مما هي قروض لتنفيذ مشروعات معينة. وفي ذات الإطار، تمخض عن هذا البنك مؤسسات شقيقة تعمل معه في إطار ما يسمى بمجموعة البنك الدولي. وهي تشمل مؤسسة التمويل الدولي IFC وهيئة التنمية الدولية IDA والوكالة متعددة الأطراف لضمان الاستثمار MIGA .

2- صندوق النقد الدولي :

لقد عهد للصندوق الدولي أخطر مهمة في فترة ما بعد الحرب، وهي العمل على استقرار أسعار الصرف وحرية التحويل العملات. كما أن الصندوق كان معني بأمور الدول الغنية بينما البنك الدولي كان منهمكاً في أمور الدول النامية. ولقد تجاذب إنشاء هذا الصندوق، تباين النفوذ الأمريكي والبريطاني. وما بين آراء كينز ووايت، أيضا تم الآخذ بمقترحات وايت، وأصبحت هي أساس النظام الجديد الذي تم الاتفاق عليه في بريتون وودز 1944 حيث تم اعتماد مشروع وايت القائم على أساس مبدأ الإيداع، في حين كان مشروع كينز قائم على مبدأ فتح الاعتماد.

لقد تم اعتماد ثبات أسعار الصرف، ولكن هذا الثبات لم يكن مطلقاً، حيث أجيز تعديل هذه الأسعار، إذا توافرت ظروف خاصة. ومع مرور الوقت تم تغيير هذا المبدأ، فأحكام الصندوق التي جاءت نتيجة للأوضاع الاقتصادية السائدة عند نهاية الحرب، فهذه الاوضاع تغيرت ولم تلبث أن انعكست على نظام الصندوق، الذي أخذ بنظام مختلف منذ منتصف السبعينيات نظام أسعار الصرف المتغير.

3- الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة ..الجات..  :

تم إنشاؤها كحل مؤقت لحين إنشاء منظمة التجارة العالمية، وقد تم توقيع اتفاقيتها في1947. والجدير ذكره، الجات لم تكن منظمة دولية بل مجرد اتفاق بين الدول الموقعة، وقد كان الهدف المعلن لها زيادة حجم التجارة عن طريق تخفيف العقبات الجمركية. ومع ذلك، لجأ العديد من الدول وخاصة الصناعية إلى الاحتماء بنصوص "الوقاية" لوضع قيود على واردات الدول الآخرى.

وقد قدر عدد المرات التي تم استخدام فيها سلاح الوقاية 151 مرة حتى عام 1993 منها 136 مرة من الدول الصناعية المتقدمة. ناهيك عن استخدام إجراءات مقاومة سياسات الاغراق، مما أعادنا إلى الآخذ بالسياسات الحمائية. وعلى الرغم، من الترتيبات الخاصة للدول النامية القائمة على توفير معاملة تفضيلية، إلا أن الدول النامية عانت بشكل كبير جراء القيود الكمية التي فرضتها الدول الصناعية على الواردات الزراعية والمنسوجات، وهما يمثلان أهم صادرات الدول النامية.

ومن الملاحظ، أن الجات كتدبير مؤقت قد حكمت معظم العلاقات التجارية في النظام الاقتصادي خلال النصف الأخير من القرن العشرين، ومع نهاية الحرب الباردة تم إنهاء هذا التدبير المؤقت والانتقال إلى استكمال هذا النظام بمؤسسة منظمة التجارة العالمية.

4- مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية...الاونكتاد 1964 :

بعد تحول الجات عملياً إلى أداة في أيدي الدول الصناعية، تم إنشاء مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 1964 كجهاز يضم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويتبع الجمعية العامة. وجاء إنشاء هذا الجهاز كمسار جذب وإغراء بين الدول النامية والصناعية، ولعب راوول بربيش R. Prebisch صاحب نظرية تدهور معدلات التبادل في غير مصلحة الدول النامية، دوراً مهماً في بلورة أفكار هذا المؤتمر وأصبح أول سكرتير عام للجهاز.

ولقد ساهم جهاز الانكتاد في دعم جهود الدول النامية في الدفاع عن مصالحها التجارة، مثل نظام التفضيلات المعمم 1971، والنظام العالمي للتفضيلات المعممة للتجارة 1989، وشبكة نقط التجارة 1994، وعلى الرغم من عدم وجود سلطات تنفيذية للمؤتمر إلا أنه ساعد على رفع صوت الدول النامية في أهمية ربط قضايا التجارة بأحتياجات التنمية.


For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com