2010-08-30

العراق نقطة التقاء اقتصادي لإسرائيل








سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية.
شبكة الرشيد العراقية - بغداد
15-9-2010

www.alrasheednet.com/index.php?item=read&id=5810


في سياق الغاء العراق لشرط مقاطعة إسرئيل للشركات الأجنبية التي ترغب في المشاركة في معرض بغداد الدولي التجاري السنوي منذ اواخر العام 2009, يمكن القول أنّ المطامع الاقتصاديّة لإسرائيل لم تقتصر فقط على الاستفادة من المساهمة في إعادة إعمار العراق فقط لأنّ ذلك أمر مفروغ منه، خاصّة في ظل النفوذ الأميركي في العراق وما يعنيه ذلك من إفساح المجال لدور إسرائيلي فيه، بل وإعطائها الأولويّة على غيرها من الدول الرّاغبة في المساهمة في عمليّات الإعمار، حيث يمكن للشركات الإسرائيليّة العمل بسهولة، بل هنالك أيضاً أهداف ومصالح استراتيجيّة اقتصاديّة بعيدة المدى يمكن لإسرائيل تحقيقها وجني ثمارها في العراق ومن أهمّها ما يلي:

‌أ-            المساعدة في دعم الاقتصاد الإسرائيلي الذي يتعرض لأزمات متتالية ازدادت سوءًا منذ اندلاع الانتفاضة الثانية،انتفاضة الأقصى، والتي تسبّبت في تراجع النمو في الاقتصاد الإسرائيلي إضافة إلى العديد من القطاعات الاقتصاديّة الإسرائيليّة المتضرّرة من جرّاء الوضع السّياسي المتأزّم في فلسطين، ومنها قطاع الصّناعة والتجارة،بالإضافة إلى الارتفاع في فاتورة الطاقة.

‌ب-       فتح الأسواق العراقيّة والتي يصل حجمها إلى نحو25 مليون نسمة عراقيّة أمام المنتجات الإسرائيليّة وما يعنيه ذلك من ترويج للصّادرات الإسرائيليّة، فضلا عن تشغيل الكثير من المصانع  الإسرائيلية. وهو ما يصبّ في النهاية في خدمة المواطن الإسرائيلي، سواء من ناحية خلق فرص عمل جديدة وخفض معدّلات البطالة التي تعاني منها إسرائيل، أو من ناحية زيادة المدخول الفردي للمواطن.

‌ج-         اعتبار العراق جسراً لبدء الخروج من العزلة العربيّة، وتمهيد الطريق نحو استعادة زخم العلاقات الاقتصاديّة بين إسرائيل والدول العربيّة، وذلك باعتبار العراق نقطة التقاء اقتصادي بين االشركات الإسرائيليّة والعربيّة. وهو ما يمكن أن يمهّد الطريق نحو فتح الأبواب العربيّة المغلقة أمام المنتجات الإسرائيليّة، وكسر حاجز المقاطعة العربيّة لإسرائيل.

‌د-           محاولة بناء علاقة تحالف إستراتيجي طويل الأمد مع العراق الجديد، وذلك عبر النفوذ الأميركي، وهو ما يعني مستقبلاً اعتراف الحكم في العراق بالمصالح الإسرائيليّة في العراق، خاصّة في ظل التفوق والتقدّم التكنولوجي والتقني الإسرائيلي الذي يمكن الاستفادة منه عراقياً لإعادة بناء منشآته وبنيته التحتيّة. وهكذا يصبح هناك اعتماداً عضوياً على التقنيّات والتكنولوجيا الإسرائيليّة في بناء الاقتصاد العراقي الجديد.

‌ه-            الاعتماد على الدّور الأميركي في تسهيل الحصول على حصّة من مشاريع الإعمار، بحيث يصبح للشركات الإسرائيليّة الأولويّة على غيرها من شركات المنطقة، وذلك نظراً لعاملين أساسيين هما: خبرة الشركات الإسرائيليّة في معرفة أسواق المنطقة العربية ومدى احتياجاتها، والعامل الثاني الخبرة التكنولوجيّة العالية التي تتمتع بها الشركات الإسرائيليّة دون غيرها من نظيراتها العربيّة.

‌و-          لقد رافق ذلك ضغط إسرائيلي كبير على مسؤولي الإدارة الأميركيّة لدمج الشركات الإسرائيليّة في عمليّات بناء العراق، وهو ما كان قد طالب به وزير الخارجيّة الإسرائيلي آنذاك سيلفان شالوم، من نظيره الأميركي كولن باول، بعد انتهاء العملّيّات العسكريّة مباشرة واحتلال العراق في 2003 لأهميّة دمج إسرائيل في مشاريع الإعمار في العراق. وربط في ذلك الوقت، رئيس الوزراء السابق لإسرائيل، شارون، هذه المسألة جزئياً بموقفه من الاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري.

‌ز-          الإلمام بكافة تفاصيل الأوضاع في العراق للوقوف على فرص وإمكانات المساهمة الفعليّة في مشاريع الإعمار. ولذا فقد بادرت شركات المعلومات الإسرائيليّة بنشر كثير من الدراسات حول مستقبل نمو الاقتصاد العراقي، ومنها شركة دان إند بردستريت الإسرائيلية (D&B). فوفقاً لها، سيسجّل الاقتصاد العراقي خلال المستقبل نموّاً بمعدل12% سنوياً.

‌ح-             الدخول في مناقصات حول مشاريع الإعمار في العراق ومنافسة الشركات الأخرى، بما فيها الأميركيّة. كما أنّ وزارة الدّفاع الأميركيّة، البنتاغون، لم تبدِ أي اعتراض على مساهمة الشركات الإسرائيليّة في مشاريع الإعمار بالعراق، ولا يوجد أي مانع يحول دون قيام هذه الشركات بالقيام بالأعمال اللازمة لإعمار وترميم العراق. بل انّ البنتاغون قد أوصى بإشراك شركات مصرية وأردنية في المناقصات، إذ سيسهم الأمر في دمج إسرائيل من الناحية السّياسيّة بصفة أكبر.

 قبل أن تحطّ الحرب أوزارها في العراق عام 2003، كان في حكم المؤكد أنّ إسرائيل ستكون عضواً في نادي الدول الرابحة منها، خاصّة على الصّعيد الاستراتيجي. ولكن لا يمكن اغفال المجال الاقتصادي حيث تعمل على حصد المزيد من المكاسب الاقتصادية من خلال اعمار العراق, فيتم جني أرباح طائلة بوسائل عديدة وعبر شركات استثماريّة مختلفة وبناء علاقات تعاون وصداقة مع دول عربيّة مركزيّة كانت حتى الأمس من ألدّ أعدائها، ممّا يفتح المجال واسعاً أمامها مع باقي أرجاء الوطن العربي، وطبعاً لا يمكن حدوث ذلك دون مساعدة الولايات المتحدة.



2010-08-22

علامات استفهام حول حرية التجارة العالمية






سلام الربضي  \ باحث في العلاقات الدولية.

موقع ياهو الاخباري

http://news.maktoob.com/article/5315824
 

29 \ 8 \ 2010

هناك تحولات ملحوظة في الاتجاه المعاكس نحو الاتجاهات الحمائية، حيث يشتد القلق إزاء عمليات الشراء الأجنبية المقترحة في كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما تتخذ الكثير من الإجراءات التنظمية البارزة لحماية الاقتصادات من المنافسة الأجنبية أو لزيادة نفوذ الدولة في بعض الصناعات. فقرارات التأميم في أمريكا اللاتينية تدخل في هذا الإطار، والسياسة الاقتصادية الروسية في قطاع النفط والغاز لا تخرج عن هذا السياق.

أمام تلك التيارات الجارفة الحاملة عناوين حرية التجارة العالمية، يوجد سياسة حمائية واضحة مما يخلق تضارباً في السياسات والمصالح وهو ما يلحق الضرر بمختلف الدول سواء كانت غنية أو فقيرة، ويطرح علامات استفهام حول حرية التجارة العالمية. وهذه السياسة لها آثارها على الدول الغنية والفقيرة، إلا أن تأثيرها يكون وقعه أكثر على الدول الفقيرة حيث هامش التحرك أمامها ضئيل مقارنة بالدول الغنية خاصة فيما يتعلق بالصادرات الزراعية والمنسوجات القادمة من الدول الفقيرة. وتقوم الدول الغنية بعدة طرق لحماية تلك القطاعات ومنها تقديم المساعدات كالولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم مساعدات تصل إلى حوالى 560 مليار دولار في السنة، والمستفيدون سواء كانوا أصحاب الشركات العملاقة أو الأفراد والمؤسسات الصغرى لا يؤثر من حيث المبدأ، إذ إن الموضوع بالمطلق يطرح تساؤل التناقض بين مبدأ حرية التجارة والسياسة الحمائية.
          
من الطبيعي والمنطقي أن تجري الشركات وراء كل دولار تستطيع الحصول عليه. والشركات لا تعطي شيئاً مقابل لا شيء. فالمال يشتري الفعل ويشتري النفوذ. والحكومات في كثير من جوانب هذه القضية تتحمل المسؤولية واللوم. فالمال الذي ينفق على الشركات على شكل إعفاءات أو حوافز هو المال الذي يغدو غير متوافر للخدمات العامة. كما أن جمع الضرائب هو أكثر حقوق الدولة القومية مبدئية وهو الوسيلة لتصحيح عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، وحتماً يؤدي تخفيض إيرادات الدول سلباً على متطلبات التكافل الاجتماعي.



2010-08-12

الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية وفن الواقعية السياسية في التعامل مع تركيا






سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية.
موقع ياهو الاخباري
news.maktoob.com/article/5123734
15 \8 \ 2010 .

الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية تتقن فن الواقعية السياسية, والعمل على محورين حتى ولو كان اتجاههما الظاهر متعاكساً، حيث لا يتم الدخول في لعبة سياسة إحادية الأتجاه بل يتم إعتماد الثنائية القائمة على اتجاه رئيسي للحركة المباشرة, واتجاه فرعي أو غير مباشر, مرادف لبعض القوى الإقليمية صاحبة القدرة على المناورة, وصاحبة المصلحة في العمل ذاته.
 تطبيقاً لهذا المبدأ فان إسرائيل والولايات المتحدة, قد لا ترى خطر إستراتيجي في التحرك التركي الجديد في الشرق الأوسط وتحديداً باتجاه سوريا وإيران، والدخول المباشر على خط القضية الفلسطينية لانتاج تفاهمات إستراتجية معهما, ولا يكون هذا التحرك في نهاية المطاف خطراً إستراتيجياً على كلا الدولتين. والتفاهم التركي الإيراني السوري بأبعادة اللبنانية والفلسطينية قد يشكل نافذة آمنة للولايات المتحدة وإسرائيل في مرحلة تمهيدية وانتقالية, نتيجة الوقائع المستجدة في المنطقه, سواء على صعيد اخفاق الولايات المتحدة في العراق وافغانستان من جهة, أو على صعيد اخفاق إسرائيل في مواجهة المقاومة في الجنوب اللبناني, أو المقاومة الفلسطينية في غزة، تمهيداً لكسب وقت تحتاجه تحديداً إسرائيل, من أجل إعادة رسم وتحديد إمكاناتها العسكرية واستخلاص العبر من إخفاقاتها العسكرية.
 ولتدعيم الدّور الإسرائيلي في الشرق الأوسط, ترى إسرائيل أنّ توطيد علاقاتها الإستراتيجيّة مع تركيا من شأنه أن يدعم دورها الإقليمي في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة والأمنيّة, على الرغم من كل ما تشوب العلاقات بين البلدين حالياً من شوائب. إذ أنّ تلك العلاقة تمنحها بطاقة دخول رسميّة أخرى غير معاهدات السّلام العربيّة الإسرائيليّة. كما أنّ تعاونها الاقتصادي مع تركيا سيمنحها القدرة على طرح نموذج لكيفيّة التعاون بين دول المنطقة. إضافة إلى سعيها لمواجهة الدول الإقليميّة في المنطقة, وهي إيران وسوريا ومصر والسعودية, التي تحاول إيجاد نوع من التوازن الإستراتيجي مع تركيا وإسرائيل. وتعلق اسرائيل آمالاً من خلال توطيد علاقتها مع تركيا، على أن تكون بوابة دخول لها إلى الدّول الإسلاميّة في آسيا الوسطى، حيث الموارد الاقتصاديّة الهامّة هناك، وبخاصّة البترول وذلك لأنّ تركيا تربطها بتلك الدول علاقات دينيّة وتاريخيّة وقوميّة وجوار جغرافي.
 والولايات المتحدة وإسرائيل حريصتا على علاقاتهما الإستراتيجية مع تركيا والتحرك التركي ونتائجه قد تقدم لهما اهداف إستراتيجية منها :
 1- إقامة التوازن مع إيران على مسرح المشرق العربي, خاصة من باب دعم القضية العربية في فلسطين حتى لا تبقى إيران وحدها من الدول الإسلامية, ممسكة بهذا الملف من حيث دعم الفلسطنيين ونقد المواقف العربية المتعاجزة في مواجهة إسرائيل، فنجاح تركيا في إقامة مثل هذا التوازن, وشد انتباه الفلسطنيين إليها, والامساك بالورقة الفلسطنية يؤدي إلى عدم ترك الساحة الفلسطينية خالية أمام النفوذ الإيراني, ورغم أن هذا الطموح امامة عقبات كثيرة, أقلها ما يتأتى عن الواقع الجغرافي, ووجود قوى مقاومة أساسية, لا يمكن أن تقدّم تركيا على إيران, ولو كانت لا ترفض مساعدة الطرفين معاً.
 لكن يبقى التساؤل مشروع فيما يتعلق بتركيا فهل من مصلحتها الإستراتيجية لعب مثل هذا الدور وهل تضمن إسرائيل تركيا على هذا الصعيد الإستراتيجي ؟
 2-  تقديم فرصة لسوريا للتخفيف من اعتمادها على إيران كحليف إستراتيجي, ومن ثم العمل على ابعاد البلدين عن بعضهما. وهذا المنطق تعول عليه إطراف عدة, لأنه يشكل المدخل الفعلي لأراحة إسرائيل، عبر تشتيت جبهات المقاومة المدعومة من إيران.ولكن يبقى دون هذا الطموح الإستراتيجي عوائق لا يستهان بها، منها :
أ- ما يعود إلى طبيعة العلاقة بين سوريا وإيران.
ب- ما يعود إلى الإستراتيجية السورية .
التي ترى قوتها تكمن في ذاتها, وفي اتساع مروحة تفاهماتها أو تحالفاتها، الآمر الذي يمنعها من الدخول في عملية الاستبدال ويدفعها في عملية التراكم التحالفي.
 3- إسرائيل لا يمكنها في ظل الواقع الراهن, الاستغناء أو التفريط بعلاقتها مع تركيا. لذلك قد تكون مضطرة, لمراعاة بعض المواقف التركية وتفهمها, صوناً لهذه العلاقة الإستراتيجية. وهنا قد تستفيد أميركا من الآمر دون أي إحراج لها. فإنشاء قوة  ضغط إقليمي على إسرائيل, دون أن تتسبب في إحراج الإدارة الأميركية أمام الكونغرس, أو الهيئات الآخرى, التي تخضع بشكل أو بآخر لضغط اللوبي اليهودي.
الولايات المتحدة قادرة لو شاءت الضغط مباشرة على إسرائيل لتدفعها لفعل ما _ خاصة بعد العام 2006 حيث ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل آنذاك, من خلال وزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس, من أجل عدم وقف عدوانها على لبنان. مما أدى إلى إطالة أمد الحرب لمدة 33 يوم  _ لكنها لاتريد ذلك حتى لا تضعف إسرائيل. ولكي لا تنكشف أكثر أمام الدول العربية المتحالفة معها. فأمريكا تريد إسرائيل القوية المنيعة, ولكن المنضبطة نوعاً ما, وقد يأتي الموقف التركي في هذا السياق, وبتقاطع مصالح مع جميع الأطراف دون إستثناء. لهذا يأتي الضغط التركي على إسرائيل منحصراً في الشكليات والجزئيات. أما الأساسيات فلن تكون محلاً له, حتى إشعار آخر, أو تغير جذري في المواقف الإستراتيجية التركية .
 المؤكّد أنّ هناك تآكلاً في العلاقات الإستراتيجيّة بين تركيا وإسرائيل. ولكنّ إسرائيل تدرك أنّ  تركيا ما زالت تعتبر إسرائيل شريكاً إستراتيجياً لها في الشرق الأوسط، وأنّ هناك مصالح إستراتيجيّة قويّة تربط بين البلدين. ورغم مخاوف إسرائيل من التقارب التركي مع كل من سوريا وإيران، فإنّها تراهن على عدم قيام تركيا بمراجعة علاقاتها الوثيقة بإسرائيل على الرغم من التوتر الحاصل في العلاقات بين البلدين .
 

2010-08-07

لبنان والعروبة (ج1)






سلام الربضي \ باحث ومؤلف في العلاقات الدولية

منبر الحرية بالشراكة مع معهد كيتو \ الولايات المتحدة الأمريكية.
7-8-2010.

بادئ ذي بدء لا بد من التوقف عند علاقة الإسلام والمسيحية بالعروبة من خلال الأزمات التي يعانيها الفكر العربي. فالعروبة التي قد تكون تعيش في مرحلة البحث عن اليقظة، ووعي الذات، بعد قرون من الكبت والاغتراب، وتقف في وجه قرون من السيطرة، حيث قاست الأمرين من الاستعمار العثماني، ثم الأوروبي والآن الاستعمار الاقتصادي والتكنولوجي، بالإضافة إلى واقع سياسي لا يخفي المصالح الاستراتيجية السياسية والحضارية التاريخية التي تحيط بنا من قبل إيران وتركيا، بالإضافة إلى الخطر الإسرائيلي الوجودي، كذلك واقع دولي غني عن التعريف.

فالعروبة تواجه عصراً، سقطت فيه الحواجز، واتصلت الشعوب بعضها ببعض، اتصالاً لا انفصال فيه، تتداخل فيه، وسائل الإعلام البصرية والسمعية، المقروءة والمكتوبة حيث الثقافات ممزوجة ومتداخلة ومتواصلة. عصر يشهد ولادة ثقافة بشرية، مشتركة، لا هي مسيحية فحسب، ولا هي إسلامية فحسب، لا هي ماركسية فحسب، ولا هي ليبرالية فحسب، لا هي روحانية فحسب، ولا هي مادية فحسب، ولا هي تجريدية فحسب، ولا هي تكنولوجية فحسب.

إنها ثقافة الإنسان وكل إنسان، ثقافة الإنسانية وكل الإنسانية، وكل محاولة للانفصال عن هذا التيار العالمي الجارف محاولة يائسة أو مضيعة للوقت وهدر للجهود.

من هذا المنطلق فالعرب لا يمكن أن يكونوا مسلمين فقط، ولا المسيحيون العرب يمكن أن يكونوا مسيحيين فقط. حيث إن الاستقلالات الوطنية ستصبح تقسيماً جغرافياً فحسب، وليس تقسيماً حضارياً بفوارق أساسية على الصعيد العربي.

من خلال مراقبة المشهد السياسي اللبناني، نجد أن العروبة هي من المصطلحات الأكثر رواجاً من قبل الكثير من السياسيين تارة للتبرير وتارة أخرى للتخوين وأصبحت الحرب اللبنانية النموذج بالنسبة لهؤلاء السياسيين للاستشهاد بها عند الضرورة.

وإذا كانت هناك حسنات تذكر للحرب اللبنانية والأزمة اللبنانية الأخيرة، فهي أنها عرت الوضع اللبناني ودفعت باللبنانيين نحو مواجهة مباشرة ومكشوفة مع الحقائق التاريخية والتي يحاول البعض والبعض الاخر في فترات طمسها والتستر عليها وإخفائها تحت ألف ستار ودافع، وتارة أخرى تجد من يحاول الاستشهاد بها تحقيقاً لألف غرض ومصلحة وغاية . وجوهر هذا الواقع يمكن التعبير عنه بالسؤال الاتي:

أين هي العروبة من انتماء لبنان الحضاري؟

لقد نتج عن هذه التفاعلات المتداخلة واقع مسيحي وإسلامي في لبنان ما زال حاضراً حتى يومنا هذا، أدى إلى فقدان الجاذبية القومية الشديدة والشبه مفقودة كي تربط المسيحيي بباقي أبناء وطنه ومجتمعه. وما وقع فيه المسيحي اللبناني وقع بمثله المسلم اللبناني أيضاً، وهكذا ضعفت الرابطة الوطنية لصالح الرابطة الدينية، وغلب الولاء الديني على الولاء الوطني بل وحل محله. وهذا الواقع ليس له مثيل في دنيا المسيحيين الأوروبيين، فالمسيحي الأوروبي مثلا لا يغلب ولاءه الديني على ولائه الوطني، ولقد رأينا كيف قامت كثير من الحروب بين شعوب تنتمي للمسيحية، وهذا الواقع ليس له مثيل أيضاً في دنيا المسلمين، بمن فيهم مسلمي العرب، فالخلافات بين الدول الإسلامية، أكثر من أن تحصى، بل هناك دول إسلامية تتحالف مع دول غير إسلامية، ضد دول إسلامية وبالتالي فإن الرابطة الدينية خارج لبنان قد تأتي بعد الرابطة القومية.

طرح القضايا الفكرية والحضارية وعلى مستوى إنساني أو سياسي وبأسلوب راق هو تنوع وغنى. ونحن العرب بأمس الحاجة إلية، ولكن هذا الطرح من أجل أن يكون سليماً وصحيحاً ويخدم المجتمعات المتنوعة والمفتوحة سواء على صعيد لبنان أو على صعيد الوطن العربي, لا بد أولاً أن يتم على صعيد لبنان من خلال  أمرين:
أ - التخلي عن الحكم على العروبة بمقاييس هذه الدولة العربية أو تلك والرجوع إلى جوهر العروبة الحضاري الذي لم يتجسد بصورة كاملة في أي دولة.
ب - رفض تقسيم الشعب اللبناني داخل لبنان إلى قسمين مع أو ضد العروبة ومن خلال تلك الملاحظة يرى بأن لبنان أقل ابتعاداً عن العروبة من عدد كبير من الأقطار العربية.
فإن أكثر ما يفقد العروبة بعدها الحضاري هي تلك المواقف الانتهازية والاتهامات المسلطة في وجة اللبنانيين على أنهم عملاء للخارج ومعادون للعروبة.

أما على صعيد الوطن العربي فكرة العروبة يمكن فهمها من خلال :

أ -أن الأمة المتمثلة بالعروبة لا يمكن أن تكون ثمرة أبداع فكري مجرد .

حيث تنزل من العقل البشري المبدع فتلتحق بالمجتمع، بل تظهر من واقع المجتمع وتظهر لعقل المراقب الواعي. فالعروبة ليست إذن عملية ذهنية بل واقعية وتوضيحاً نقول : هل إن أحداً من رجال الدولة أو الفكر تمكن عبر الأجيال من تركيب أمة في ذهنه ومن ثم تطبيقها فيما بعد في المجتمع ؟ ومن يحاول فعل ذلك يكون واهماً يصدمه الواقع ويفسد أبداعه فكيف بحال الانتهازيين؟ كما إن القضايا الحضارية لا تعالج بمرسوم ولا تلغى أو توضع موضع التنفيذ بانقلاب عسكري ولا حتى بثورة، فالقضايا الحضارية موضوع شائك ومعقد لما هي عليه من اتساع في المدى وتنوع المعطيات.

ب - العروبة هي جماعة لها وجود واقعي وتاريخي، وشخصية مجسدة، 

بالتالي ليست مجرد فكرة مجردة جوهرية، ماهوية بل فكرة واقعية محددة ومجسدة بواقع الفكرة، وبالمظاهر الفعلية، لها شخصية قانونية، لغة مشتركة، أرض مشتركة، سلوك نفسي جمعي.والعروبة هي التعبير الفكري الذهني عن الواقع العيني للجماعة السياسية الأمة، فإذا كانت الأمة هي فكرة قومية لها مسوغاتها فلأنها قبل أي اعتبار تعبر عن واقع وجودي، عن كينونة الأمة في زمانية وواقعية الوجود التاريخي الاجتماعي. والجدل حول مفهوم العروبة، وحتى فكرة العروبة هي جزء لا يتجزأ من وجود العروبة.
الأمة وجود وكيان وشخصية عيانية، والجدل حول مفهوم الأمة، لا يغير، ولا يبدل من حقيقة وجود الأمة المادي والروحي.

ج - يجب علينا مجابهة الفكر، الماهوي الجوهري، الصوري.

الذي لا يميز بين الأمة الوجودية وهي الوطن العربي الطبيعي، بقومه وأرضه، وبين التعبيرات الفكرية الأيديولوجية الكلية عن وجود العروبة . وبالتالي يجب تحرير الفكر العربي من أسطورة الحتمية الوحدوية وأشكالها المختلفة، ومن المفهوم الوجودي القومي الواحد، الذي يفرز بوجوده الحتمية وأشكالها المختلفة، وتلك هي الخطوة الأولى على طريق محاربة عملية الانزلاق في الإقليمية والمحلية، كما يحدث الآن في كثير من البلاد العربية. كما أنه لا يمكن أن يقوم أي شكل من أشكال الوحدة العربية على أساس عاطفي، أو ديني أو عرقي، وهذا يعني خلق الإنسان العربي متحرراً من كل الرواسب والسلفيات، والعصبيات وحتى الخرافات والأسطورات.

العروبة ببعدها الحضاري والإنساني لا يمكن أن تتحقق سوى بشرط أساسي وهو المواطنة والعلمنة وهذه عبرة من العبر التي يعلمنا إياها التاريخ أو الواقع الحاضر، ولا تترك أمامنا سوى سبيل واحد ألا وهو النظام العلماني أو المدني، نظام الحرية الدينية والكرامة الإنسانية، القائم على حياد السلطة وإعطاء الحرية الدينية للفرد، وإعطاء أصحاب الأديان حرية التملك اللازمة لممارسة أنشطتهم وحاجاتهم، وبالتالي فصل الدين عن الدولة، ففصل الدين عن السياسة ضرورة تعلمنا إياها التجارب، وهو حال التاريخ العربي.

ولكن هل سنتعلم من الأيام أم نتركها تعلمنا وتتعلم بنا ؟؟

وهل سنعتبر من التاريخ ؟ أم نكون دائماً عبرة لمن يعتبر؟





For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com