2023-02-18

الصبر الاستراتيجي الإيراني: إسرائيل والحروب الناعمة


 

د. سلام الربضي

للأسف، من خلال تتبع نسق استراتيجيات كثير من الدول القائم على الاهتمام المبالغ فيه بقضايا حقوق الإنسان والمرأة والديمقراطية في إيران (كقضية وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني)، لم يعد بالإمكان تجاهل وأغفال مدى الاستغلال السياسي والأمني والثقافي الحاصل. وهذا النسق تم اعتماده سابقاً في سوريا مما أدى الى دخولها في مستنقع الحرب منذ العام 2011. وبالتالي وانطلاقاً من تواجد إيران في ذات الاتجاه السياسي تم اتباع ذات النسق، فالمسألة مرتبطة بالدرجة الأولى بمواجهة قوة إيران المتصاعدة.

فمن حيث المبدأ هنالك استراتيجية باتت واضحة ومكشوفه وهي ترتكز على خلفيات ثقافية هدفها الأساس تفتيت المجتمعات من الداخل(الحروب الناعمة). أذ إن كثير من الدول(إسرائيل تحديداً) لا يمكنهما التسليم بتاتاً بواقع وجود إيران كقوة إقليمية كبرى. فعلى الرغم من كل سياسات العقوبات المتبعة لعزل وتهميش إيران خلال 45 عاماً المنصرمة، استطاعت إيران بناء قوتها الذاتية وترسيخ نفوذها الإقليمي.

وبالتالي، لم يعد أمام الدول تلك الدول المعادية لإيران سوى الاتجاه نحو استغلال بعض القضايا الجدلية داخل المجتمع الإيراني المرتبطة بحقوق الإنسان والمرأة والديمقراطية، من أجل زعزعة استقرارها وأضعافها. ووفقاً  لذلك، توجهت تلك الدول نحو خيار الحرب الناعمة وذلك عن طريق:

  1. التغلغل الثقافي داخل المجتمع الإيراني لتمزيق بنيته السياسية.
  2. دعم الحركات الإرهابية، بما في ذلك محاولة إعادة إنتاج داعش جديدة. 

وفي هذا السياق هنالك كثير من الأدلة التي تؤكد تلك التدخلات الخارجية الهادفة إلى إغراق إيران بنزاعات وحروب داخلية، منها على سبيل المثال لا الحصر:

·         ضبط  شحنات أسلحة قادمة من الخارج ترافقت مع  أعمال الشغب الداخلية.

·         تفكيك خلايا إرهابية كانت تخطط لاغتيال شخصيات من أصول عربية وإجراء عمليات إرهابية في الأماكن الدينية من أجل إشعال حرب أهلية.

·         القبض على مجموعات إرهابية مرتبطة باستخبارات خارجية تعمل على تهريب الأسلحة.

 

وانطلاقاً من تلك الحقائق، يبدو أن الهدف الرئيس هو تدمير البنية المجتمعية وتضخيم الاستقطاب السياسي وتقويض الاستقرار الأمني؛ بحيث تُصبح إيران أكثر هشاشةً وقابلية للتقسيم. فعملياً الجمهورية الإيرانية تواجه حرب هجينة، غايتها السياسية قائم على مواجهة النفوذ الايراني الذي يرتكز على:

-         التمسك بالبرنامج النووي.

-         دعم حركات المقاومة في مواجهتها للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

-         التواجد في سوريا ومساعدة الجيش السوري في حربه ضد الحركات الإرهابية.

-         مساندة الحوثيين في اليمن بشكل دائم.

-         ترسيخ التغلغل في العراق على كافة الأصعدة.

-         التقارب الاستراتيجي مع كل من روسيا والصين.

وهنا يجب الاعتراف بإن التجاذبات الإيرانية الداخلية، هي بمثابة ورقة رابحة حاولت الولايات المتحدة وإسرائيل استغلالها لتحريض الشعب الإيراني على نظام الحكم والتصادم معه. وهذا الوقع أو التحدي الجديد تطلب من الحكومة الإيرانية اعتماد رؤية مختلفة على مستوى كيفية التعامل مع هكذا مستجدات. حيث اتبعت الحكومة الإيرانيه ومؤسساتها الأمنية سياسة ضبط النفس وعدم اتخاذ أية خطوة استفزازية قد ؤدي إلى التصادم، بل على العكس من ذلك تم العمل على:

1-         امتصاص غضب الشعب والسماح بالتظاهر .

2-         مراقبة الوضع الأمني عن كثب والسيطرة على الخلايا الإرهابية.

3-         الكشف للمجتمع الإيراني سياسات التجييش والتحريض الإعلامي القذرة.

4-         أثبات ارتباط كثير من الحركات المعارضة بأجندة الدول الأجنبية .

5-         الربط بين الأحداث الداخلية والنسق القائم على تطبيق النموذج السوري في إيران.

وفي هذا الإطار، وبغض النظر عن مدى قدرة الحكومة الإيرانية على مواجهة هذه الحروب الناعمة، فإن هنالك تحديات سياسية وثقافية وأمنية داخلية في غاية الخطورة لم يعد بالإمكان تجاهلها، وهي تتطلب إعادة النظر بكثير من السياسات التي كانت يُعتقد أنها باتت من البديهات، ومنها:

·         لم يعد من الممكن اتباع السياسة التي تقوم على تحميل الحكومات الإيرانية المسؤولية وتحييد المرشد الأعلى للثورة (أو مؤسسة ولاية الفقية) عن أي مسؤولية.

·         وجود تغيرات جذرية مرتبطة بالتهديدات الأمنية، التي لم تعد تقتصر على الخطر الإسرائيلي، وإنما امتدت لتشمل الحركات الإرهابية.

·         زيادة حدة التعقيدات المرتبطة بالخطط الخارجية الراغبة في تقويض دعائم الدولة الإيرانية.

·    الأزمات الداخلية تبدو الأكثر خطراً، وربما تؤدي إلى تقديم تنازلات استراتيجية على مستوى الملف النووي والقضية الفلسطينية والعلاقة مع سوريا وحركات المقاومة.

في محصلة القول ، أن الاهتمام المبالغ به في قضايا حقوق الإنسان يأتي في سياق الضغوط التي تتعرض لها إيران منذُ عقود، لتحقيق أهداف جيوسياسية. ولكن وفقاً لكيفية مواجهة إيران لما سبق وقد تعرضت له من تحديات يبدو أنها قادرة على تجاوز الصعوبات الحالية، إذ أن ركائز الدولة ما زالت متينة على كافة المستويات.

كما أنه يجب عدم الاستخفاف بقدرة إيران على إعادة تقييم علاقاتها الخارجية انطلاقاً من معادلة أن أمن إيران مرتبط بأمن المنطقة. وهنالك لدى إيران كثير من الخيارات التي تعزز تلك المعادلة. إذ ثمة هنالك استحقاقات متعددة الأبعاد مرتبطة بالواقع الإيراني سواء على صعيد البرنامج النووي أو زيادة حدة التصادم مع إسرائيل وأمن الطاقة. فمثلاً، لم يعد بالإمكان التعويل الدائم على استمرار ضبط النفس الإيراني في اليمن، وما سوف ينتج عن ذلك من تداعيات استراتيجية إقليمية وعالمية، أقله على صعيد توازنات أمن الطاقة العالمي.

ناهيك عن أنه في حال نفاذ الصبر الإيراني الاستراتيجي ليس من المستبعد على الإطلاق، استهداف إيران بشكل مباشر للمصالح الإسرائيلية، وربما في مرحلة ما قد تكون المواجهة مباشرة داخل فلسطين المحتلة نفسها. حيث أن إيران تعي تماماً أن جميع محاولات زعزعة استقرارها لا يمكن فصلها على الإطلاق عن ردود أفعال إسرائيل، التي تواجه خطراً وجودياً بعد خسارتها جميع حروبها مع محور المقاومة المدعوم بشكل كامل وغير محدود من قبل الجمهورية الإيرانية.


For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com