2010-12-26

النظام النقدي العالمي وضوابط الدولار الورقي






سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية
 ۲۵ كانون الأول ۲۰۱۰ 

منذ بداية السبعينات تغيرت الأوضاع العالمية وبدأت الأزمات العالمية تتوالى، منها أزمة الغذاء ، وأزمة الطاقة، وأزمة المديونية، فضلا عن أزمة التنمية وأزمة الإيدلوجيات.الخ ومؤخراً الأزمات المالية العالمية حتى وصلنا إلى ما يسمى حروب العملات. وإذا كان العالم عرف في معظم أجزائه مشاكل عدة فمنذ السبعينات عمدت الدول الصناعية إلى إعادة النظر في هياكلها الاقتصادية والمؤسسية لاستعادة حيويتها ، وكذلك يوجد الكثير أيضاً من الدول من أغفلت مواجهة مشاكلها حتى تفاقمت بشكل كبير.

ودائماً هتالك سياسات في كل وقت لمواجهة المشكلات، ولكن التساؤل المطروح هو هل تستطيع السياسات الاقتصادية السائدة حالياً أن تكون أكثر نجاحاً في مواجهة هذه المشكلات؟  أو أن القوى الاقتصادية الفعالة عالمياً هي أكثر عجزاً وقصوراً  عن  المواجهة ؟

فعندما نتكلم عن الأزمات، فإننا نعني بشكل عام عجز الحلول والسياسات الاقتصادية وقصورها عن مواجهة تلك المشكلات. كما أن وجود المشاكل والتحديات الاقتصادية فهو قدر الإنسانية ولا مفر منه، حيث لا يعرف الإنسان ولن يعرف حياة اجتماعية من دون مشاكل. والجديد هو أن المشاكل الاقتصادية بدت مستعصية على السياسات القائمة، وظهرت بوادر فشل هذه السياسات وتفاقم المشاكل وعجز السياسات، ومن هنا الحديث عن عصر الأزمات. ومن هذه الأزمات والتي توالت الواحدة بعد الأخرى حيناً أو تداخلت فيما بين بعضها أحياناً أخرى.

فمع نهاية الحرب العالمية الثانية انشغل العالم بوضع قواعد جديدة لنظام النقد الدولي على ضوء التجارب الماضية. وفي الوقت نفسه كان الحنين لنظام ما قبل الحرب العالمية الأولى كبيراً، وبالتالي لم يكن من الغريب، أن يتجه واضعوا اتفاقية بريتون إلى الأخذ بنظام ثبات أسعار الصرف. وأن السبب في أزمة النقد الدولي، ترجع إلى أن النظام الذي تم اتباعه في ثبات أسعار الصرف كان قائم على عدم إخضاع الدول توازنها الداخلي للظروف الخارجية، وبالتالي لقاعدة الذهب بعكس ما كانت عليه الحال قبل الحرب العالمية الأولى. مما أدى إلى مواجهة النظام النقدي عقبات لم تعرفها قاعدة الذهب، ناهيك عن جمود أسعار الصرف الناتج عن النمو الكبير في حركات رؤوس الأموال، مما جعل القيمون على النقد يؤكدوا على التشدد في تغيرات أسعار الصرف تجنباً للمضاربة.

ونتيجة زيادة المعاملات الدولية، كان لا بد من توفير كميات كبيرة من السيولة الدولية وكان هناك عدة طرق للوصول لذلك :

1– عن طريق الذهب :

لكن إنتاج الذهب لم يكن كافياً لمواجهة احتياجات العالم من السيولة الدولية، كما إن فكرة رفع ثمن الذهب ومن ثم جمع السيولة الدولية لن تلقى القبول. إذ لأسباب سياسية ترفض بعض الدول منح الدول المنتجة للذهب مكاسباً مجانية كجنوب أفريقيا والاتحاد السوفياتي. كما أن منطق النظام القائم على ثبات أسعار الصرف بالنسبة للذهب كان يتعارض مع ترك ثمن الذهب يرتفع.

2 – الاتفاق على قيام سلطة دولية بإصدار نقود دولية.
3 – استخدام إحدى العملات الوطنية كنقود دولية.

ونتيجة للظروف التي لم تكن مؤاتية لإصدار نقود دولية، وعلى الرغم من أن كينز كان قد طرح هذا الموضوع في مشروعه، فلم يكن هناك مناص من استخدام إحدى العملات الوطنية كنقود دولية إلى جانب الذهب في تسوية المدفوعات الدولية، وكان الدولار انذاك هو أكثر العملات تهيئاً للقيام بهذا الدور. ونتج عن ذلك الوضع، أن حققت الولايات المتحدة وتمتعت بمكاسب احتكارية باعتبارها السلطة التي تصدر الدولار. حيث أن الدول لكي تحصل على الدولار لا بد  بالمقابل أن تتنازل عن أصول مختلفة، في حين أن الولايات المتحدة لا تتكلف شيئاً في سبيل إصدار هذه الدولارات باستثناء تكاليف الطبع والإدارة فقط.

ومع مرور الوقت، أصبح هناك تعارض ما بين الدولار كعملة نقدية دولية وتداعيات ذلك من حيث اعتبارات المسؤولية الدولية، وبين احتياجات السياسة الداخلية الأمريكية. مما يؤدي إلى الارتباك، وخاصة مع تغليب المصالح الوطنية الأمريكية، الذي يؤثر على الاستقرار الدولي. ومن الافعال التي تعكس هذا الواقع، قرارات الولايات المتحدة ما بين 1968 و1971 التي إدت إلى منع تحويل الدولار إلى ذهب.

كما أن تطور الاقتصاد العالمي وظهور ألمانيا واليابان على الساحة الدولية الاقتصادية، طرح تساؤلات حول قيمة الدولار التي لم تعد معبرة عن حقيقة الاوضاع، مما أدى في عام 1972 إلى تشكيل اللجنة الوزارية لإصلاح النظام النقدي في جنيف. وبالرغم من الاستقرار النسبي نتيجة اتفاقية سميثونيان 1972، ولكن ما لبثت الأزمة أن تعود من جديد بفعل المضاربات، فاضطرت الولايات المتحدة بتخفيض الدولار عام 1973 وأدى ذلك للعودة إلى تقويم العملات.

ومع بروز أزمة البترول ونتيجة الضغوطات تم في عام 1976 في جامايكا تعديل اتفاقية صندوق النقد الدولي، لتصبح الدول حرة في اختيار نظام الصرف وهو الحل الوسط انذاك بين الطروحات الأمريكية والفرنسية. وأصبح النظام النقدي العالمي هجين غير معروف الهوية. فهو نظام قائم على الدولار، وهو نظام يعتمد أساساً على تعويم العملات، وهو نظام لا يضع ضوابط على الدولار الورقي بعد تحرره من القابلية للتحويل إلى ذهب . والاقتصاد العالمي حتى وقتنا الحاضر ما زال يعاني من وطأة هذه الإشكالية؟؟؟؟؟


2010-12-21

التنمية والدول النامية






سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية



۲۰ كانون الأول ۲۰۱۰


 ترتب على أزمة النفط 1973 أو ما عرف بتسميته بالصدمة النفطية الأولى، حيث وصل سعر برميل النفط أكثر من 20 دولار، ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ارتفاع تكلفة الطاقة وفاتورة واردات الدول الصناعية من ناحية، وزيادة الفوائض المالية لدى الدول المصدرة للنفط من ناحية أخرى، ولكن مع مرور الزمن استطاعت الدول الصناعية إعادة التوازن لاقتصادها في حين أن العجز الشديد المقابل للفائض في الدول المصدرة للنفط فقد انتقل للدول النامية، مما جعلها تضطر إلى الالتجاء إلى القروض الخارجية من بنوك الدول الصناعية.

نتج عن ذلك ظهور ما يسمى بي  قضية تدوير هذه الفوائض الناتجة عن الأزمة النفطية، أولاً إلى الدول الصناعية ومن ثم إلى الدول النامية. وبالتالي ظهور قضية المديونية للدول النامية التي أصبحت فيما بعد إحدى أهم القضايا في العلاقات الدولية.

وقد تكرر نفس المشهد مع الصدمة النفطية الثانية عام 1979 حيث استطاعت الدول الصناعية من خلال إمكانياتها الاقتصادية من تجاوز هذه الأزمة، بينما ازدادت الدول النامية في التخبط بمديونيتها.كما إن ارتفاع أسعار النفط جاء ليعبر ليس عن التغيرات في الاقتصاد العيني (الموارد = البترول) وإنما فقط في نمط توزيع الدخل العالمي. حيث لم تعرف الموارد الاقتصادية أي تغيير يذكر ولم يتغير شيء على التكنولوجيا أو في الأذواق. بل كل ما حدث، يعبر عن إعادة توزيع الدخل العالمي لمصلحة الدول المصدرة للنفط .

ومن الطبيعي أن ينتج عن هذا التوزيع ارتفاع في الادخار، ووفقاً لنظرية كينز فيجب أن يتساوى حسابياً ما بين زيادة الادخار وبالتالي زيادة الاستثمار، وهذا ما لم يحدث خلال الصدمات النفطية فانعكس سلباً على الوضع الاقتصادي العالمي، وبالأخص على اقتصاديات الدول النامية. وبعد الصدمة النفطية الثانية وفي عام 1983 حدثت صدمة نفطية عكسية، نتيجة زيادة مخزون الدول الصناعية، وأيضاً الأزمات السياسية لبعض الدول المنتجة للنفط (كالحرب بين العراق وإيران). ومؤخراً وبعد الطفرة في أسعار النفط والتي وصلت إلى ما يقارب 150 دولار في بعض الأحيان.

في كل تلك الظروف يحق التساؤل حول عدم قيام الدول المصدرة للنفط من تقديم أسعار تفضيلية وتشجيعية للدول النامية؟ هذا السؤال يطرح دائماً مع ازدياد أسعار النفط وما تأثير هذا الفائض في ميزانيات الدول العربية النفطية ؟

فعلى الرغم من أن الدول النامية استطاعت خلال الفترة القصيرة ما بعد حصولها على استقلالها السياسي، من أن تحقق بدايات مشجعة، ولكن منذ السبعينات وخاصة في الثمانينات بدأت هذه الدول تواجه المشاكل الأكثر حدة، ومن هذه المشاكل أو الأزمات ما عرف بأزمة الغذاء في بداية السبعينيات نتيجة تحول معظم الدول النامية إلى دول مستوردة للغذاء. وقد تم إعادة الاذهان إلى "نظرية مالتسي" حول عدم التوازن بين النمو السكاني وتوافر الموارد الغذائية. والتي عادت وتكررت مؤخرا ما بين الأعوام 2007 – 2010.  وكذلك فإن مفاهيم التنمية نفسها قد عرفت اجتهادات متعددة واختلافات جوهرية، فمن سياسة التدخل الاقتصادي الحكومي، واتباع سياسات إحلال الواردات والانكفاء على الداخل، وتقليل الاعتماد على الخارج أي نظريات التبعية وفقاً لمنطق النظرية الاشتراكية.

ولكن على ضؤ أزمة الأيديولوجية الاشتراكية لا بد من طرح تساؤل حول أزمات الاشتراكية وفشلها، فهل ذلك راجع إلى القصر في النظرية أم عيب في التطبيق؟

فالماركسية وإن تضمنت تحليلاً لتناقضات النظام الرأسمالي، وأيماناً بحتمية زوال هذا النظام، فإنها لم تقل الكثير عن كيفية إقامة النظام الجديد، بعد القضاء على الرأسمالية، باستثناء الاتفاق على إلغاء الملكية الخاصة لعناصر الإنتاج. ومن الغرابة في هذا الإطار القول أن الماركسية التي خسرت المنافسة الاقتصادية قد بنيت نظرياً على أساس أهمية العامل الاقتصادي في تطور المجتمعات؟

وعند محاولة تقييم تجربة الاتحاد السوفيتي يبقى التساؤل مشروعاً حول ما يرجع إلى طبيعة النظام الماركسي؟ وما يعتبر من ظروف النشأة الروسية الأولى؟ وهو واحد من تلك الاسئلة التي يمكن أن تبقى مطروحة دون أن تجد إجابة قاطعة ونهائية؟

وبالمقابل هنالك استراتيجيات آخرى اعتمدت الدول في جنوب شرق آسيا عليها. حيث تم الآخذ بسياسات اقتصادية مختلفة تماماً ، قائمة على اقتصاد السوق وأسواق التصدير مع الاستمرار في إعطاء دور كبير للدولة في توجيه الاستثمارات، حيث استطاعت تحقيق معدلات نمو عالية وأصبحت تعرف بالدول الصناعية الجديدة، والنمور الآسيوية وعلى الرغم من ما حققته هذه الدول إلا أنها تعرضت لأزمات متتالية كالأزمة في عام 1997 .

ونتيجة ما واجهته الدول النامية من مشاكل متعددة بدأت سياسات جديدة تظهر يتبناها صندوق النقد الدولي وإلى حد كبير البنك الدولي. وكان إطار هذا الاصلاح الاقتصادي يدور حول ضرورة ضبط التوازن النقدي والمالي للدول النامية. عن طريق تخفيض العجز في الموازنات العامة ومحاولات السيطرة على التضخم، واستخدام أسعار الفائدة المناسبة وتحديد أسعار الصرف على نحو أكثر واقعية.
وفي هذه الأثناء طرح دور الدولة الاقتصادي وظهرت التيارات المحافظة التي تنادي بحصر دور الدولة. وقد ازداد هذا الاتجاه مع وصول تاتشر وريغان للسلطة في بريطانيا وأمريكا.

وما لبثت أن انعكست هذه الافكار على صندوق النقد الدولي وعلى الدول النامية، وأصبحت هذه الدول مطالبة بالخصخصة، وخلق المناخ الاستثماري المناسب، والتحول إلى اقتصاد السوق، وبالتالي معاملة الدول النامية بنفس الطريقة المتبعة في الدول الاقتصادية الصناعية، مما يطرح التساؤل عن موضوعية هذا الاسلوب؟؟؟؟؟

2010-12-16

التطور المؤسسي للنظام الاقتصادي العالمي









13 كانون الأول 2010 

سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية


السياسات الاقتصادية خضعت لتغيرات وتوجهات جديدة، وقد أدى ذلك  إلى تعديلات في شكل المؤسسات القائمة وأسلوب عملها. فضلاً، عما استدعاه من إنشاء مؤسسات جديدة، كما أن التطور الاقتصادي والترابط المتزايد بين الاقتصادات المختلفة، قد ساعدا على ظهور قضايا جديدة مثل ما أطلق عليه العولمة GLOBALIZATION  وبداية الاهتمام بعدد من القضايا التي وجدت لأول مرة اهتماماً عالمياً لم يتوافر لها سابقاً، كقضايا البيئة، كما أن قضايا التنمية الاقتصادية أخذت طابعاً جديداً عرف بالتنمية البشرية .

ولقد حدث تطور ملحوظ بالجانب المؤسسي  للنظام الاقتصادي على النحو التالي :

1- تطور صندوق النقد :

سرعان ما ظهرت في التطبيق مشاكل عدة فرضت نفسها على طبيعة عمل الصندوق كمشكلة مدى توافر السيولة الدولية. كما أن بقاء أسعار الصرف ثابتة معناه من الناحية العملية، أن تتخلى الدول عن استقلال سياستها النقدية في الداخل وتخضعها لاعتبارات التوازن الخارجي. ومع وضوح أزمة التنمية وخاصة مع ازدياد أعباء المديونية الخارجية على الدول النامية، اتجه صندوق النقد الدولي مع البنك الدولي إلى الاهتمام بقضايا التنمية والإصلاح الاقتصادي، خاصة مع تحول عدد من دول الاشتراكية سابقاً إلى نظام السوق .
  
وأهم تطور أصاب الصندوق الدولي هو ما عرف بإنشاء حقوق السحب الخاصة، وهي أقرب إلى النقود منها إلى الديون العادية. وهي تقوم بجمع وظائف النقود في المدفوعات الدولية، وتحدد قيمة حقوق السحب الخاصة، وفقاً لعدد من العملات الأساسية في المعاملات الدولية. كما هناك تطور في عمل الصندوق على صعيد قضايا الإصلاح الاقتصادي حيث اتجه الصندوق إلى قضايا دول العالم الثالث خاصة مع بروز أزمة المديونية.

والصندوق يقدم قروض مقابل الالتزام بعدد من السياسات عرفت باسم المشروطية، المرتبطة بما يسمى سياسات التثبيت المالي أو النقدي. وفيما بعد تم نقد عمل الصندوق، من حيث اعطائه واعتماده على  وصفة وحيدة دون مراعاة الاوضاع الخاصة لكل دولة.

2 – تطور البنك الدولي:

تم الانتقال من سياسة الاهتمام بالنمو الاقتصادي باعتباره المؤشر الرئيسي للنجاح فقط إلى الاهتمام بقضايا التوزيع، وبذلك أصبح النمو مع التوزيع هو أحد محددات مشروعات تمويل البنك الدولي. وفي الثمانينات اتجهت مشروعات البنك نحو برامج التكيف الهيكلي، القائمة على تمويل البنك لسياسات الدول المتجهة نحو إعادة هيكلة الاقتصاد، والانتقال إلى القطاع الخاص وتخصيص المشروعات.

أن سبب فشل سياسات التنمية في كثير من الدول يعود إلى فساد النظم السياسية السائدة. إذ أنه لا يوجد أمل حقيقي في أية تنمية متواصلة ما لم يحدث تغيرات جذرية في أساليب الحكم، لينتشر فيما بعد مصطلح وتعبير الحكم الصالح، ويقصد به كل أساليب استخدام السلطة سواء من الحكومات أو من إدارات محلية أو في إدارة المشروعات. ولقد تم إدراك إن الدولة ليست هي اللاعب الوحيد في الساحة وهناك مجالاً أمام القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني لتلعب دوراً رئيسياً . والمؤسسات الاقتصادية بقيت تعبر عن الإيديولوجيات السائدة في الدول الصناعية. 

3 – منظمة التجارة الدولية:

من خلال استعراض الفترات الزمنية والاحداث المتواصلة إلى أن تم إنشاء منظمة التجارة الدولية، من الأهمية بمكان، القول أنه يجب دائماً التركيز على المشاركة لأنها تعطي مردودية أكثر من الانعزال والنقد، على الرغم من ضعف الامكانيات. وهذا الواقع تعبر عنه تجربة الدول النامية في منظمة التجارة العالمية. ومع أن هنالك الكثير من السياسات داخل المنظمة التي لا تخدم مصالح الدول النامية، ومع ذلك يجب علينا النظر للنظام الاقتصادي أو للمنظمات، كمنظمة التجارة العالمية بنظرة كاملة، من خلال ما تفرضه من التزامات وما تعطيه من فرص، فيجب أن نرى الصورة أو ننظر للنظام بمجموعة. 

4- المؤسسات غير شكلية

ومع كل ذلك هناك مؤسسات غير شكلية تعبر عن ترتيبات غير مقننة، تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم العلاقات الاقتصادية، سواء كانت هذه القوى تأخذ شكلاً تنظيمياً قانونياً، أم كان لها وجود واقعي، مثل الشركات عبر الوطنية. أو ظهور إلى جانب المؤسسات الدولية الاقتصادية بعض التجمعات، مثل مجموعة الدول العشر، ومؤتمرات القمة الاقتصادية للدول الصناعية . ومثل هذه التنظيمات الفوقية تلعب دوراً رئيسياً في تحديد العديد من المؤشرات في الحياة الاقتصادية. وإذا أردنا أخذ نموذج لهذا الواقع فإن نظام "اليورو دولار" أو "اليورو ماركت" يعبر عن ذلك الواقع .



2010-12-11

المعطيات الاقتصادية للعالم المعاصر






سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية
اسلام تايمز 
9-12-2010

لقد تفاعلت تطورات اقتصادية وتكنولوجية بالغة الاهمية، ساعدت على إفراز العديد من مظاهر الخلل وعدم الاتساق بين المؤسسات والنظم ، وبين حقائق جديدة. ومن أهم هذه التطورات الثورة التكنولوجية، وما أدت إلية من تغير في المعطيات الاقتصادية للعالم المعاصر ، وقد واكبت هذه التطورات التكنولوجية، تغيرات أخرى لا تقل عنها أهمية في المؤسسات والسياسات العامة، والتي كان لها بدورها أثار بعيدة المدى. فمن القضايا المطروحة حالياً على الساحة العالمية والسياسات المطبقة :

أ – الليبرالية الجديدة.
ب – التنمية المستدامة.
ج – حماية البيئة.
د – الحكم الصالح.
و – المعونات الدولية للتنمية.
ن- العولمة.
ز – الترتيبات الاقليمية .

من الواضح إن تلك القضايا تطرح إشكالية قوة الدولة، فإن الدولة لم تكن في يوم من الأيام أقوى مما عليه هي الآن، فيما تتمتع به من أدوات للتأثير في الحياة الاقتصادية، سواء عن طريق وسائل التأثير عبر السياسات الاقتصادية، أو من خلال دورها التنظيمي وتوفير الخدمات الرئيسية. إذ إن الانحسار الذي أصاب الدولة، هو في صعيد الانتاج في القطاع العام. فطرح بعض الجوانب المتعلقة بالدولة والاقتصاد أمراً مهماً مثل القطاع الخاص (الأفراد) والمجتمع المدني، كذلك إلى جانب الاقتصاد هناك السياسة والأخلاق.

أن أداة السياسة الرئيسية هي الدولة، التي يتركز فيها استخدام السلطة. في حين أن المجال الطبيعي للاقتصاد هو السوق، حيث تعبر المصالح أو المنافع عن نفسها، فيما تظهره هذه السوق من خلال مؤشرات وخاصة الاسعار . وما بين السياسة والاخلاق والاقتصاد فإن نقطة التقاطع تكون قائمة على ما يعرف بالحكم الصالح القائم على ترابط مفهوم اقتصاد السوق وحقوق الإنسان والديمقراطية.

على صعيد التنمية، الإشكالية تكمن بكيفية تشجيع الدول الرأسمالية أو بالآحرى تشجيع رأس المال إلى الانتقال إلى الدول النامية الأقل نمواً وليس للدول الأكثر نمواً. وعلى صعيد العولمة يجب النظر إلى تاريخ الاقتصاد العام، لفهم الاقتصاد المعاصر بشكل أوضح، باعتباره تاريخاً للمبادلة وقيام الأسواق وتوسيعها. والعولمة ليست وصفة أو حزمة معرفة، بقدر ما هي لحظة من لحظات التطور، ارتفع فيها معدل توسيع الأسواق والترابط في الاقتصادات، على مستوى رقعة متزايدة من العالم.

وإذا كان لكل عصر أبطاله، فعصر العولمة أبطالها ونجومها، الشركات عبر الوطنية، ورجال الإعلام ومراكز المال، ومراكز البحوث، وشركات التسويق، والمخابرات وربما المافيا، ولكن يجب علينا عدم نسيان أهمية وتزايد دور المنظمات غير الحكومية. كما أن الفرد أصبح هو الحكم والفيصل، حيث الجميع يحاول استمالته سواء بالإقناع أو الخداع. فالفرد هو من جهة ناخب وهو من جهة أخرى مستهلك، فعلى الصعيد الاقتصادي، ورغم من عدم عدالة التوزيع فإن المواطن العادي ما زال يمسك بزمام القوة الاقتصادية. كما أن هذا الفرد هو أساس السلطة السياسية، فرأيه في صناديق الاقتراع أو من خلال استطلاعات الرأي ما تزال تحكم التوجهات السياسية والاقتصادية وهنا أيضاً قد يكون المطلوب صوته الشكلي فقط.

والمشكلة تكمن بأن هذا الفرد الذي يمثل الحكم والفيصل، يواجه قوى المال والإعلام والمخابرات. وبالتالي القدرة على إخضاعه لمختلف أنواع التأثير. فمن المعضلات الحالية،  هو التناقض بين تطور الاقتصاد وتطور السياسة، فالاقتصاد يتجه نحو العالمية ولا يأبه بحدود السياسة والجغرافيا، أما السياسة،  فالتنظيم السياسي ما زال وطنياً وقومياً. وتكمن المشكلة الأساسية في تلاقي عالمية الاقتصاد من ناحية وقومية السياسة من ناحية أخرى،  وهو التناقض الأساسي لظاهرة العولمة.

من هنا تنفصل العلاقة بين السلطة والمسؤولية، حيث هناك سلطة اقتصادية عالمية لا يكاد يفلت منها مكان على المعمورة، ومسؤولية سياسية وطنية أو حتى محلية، فالقرارات التي تؤثر بالاقتصاد العالمي تصدر من الكونغرس ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، والتي تحاسب من قبل الناخبين في الولايات المتحدة أو في أروقة السياسة في ألمانيا وفرنسا، على الرغم من تأثير هذه القرارات في اقتصاد العالم برمته.
والترتيبات الإقليمية المختلفة من ترتيبات واعية للتنسيق والتكامل فيما بينها. والتي قد تأخذ هذه الترتيبات شكلاً مؤسسياً وشكلياً في شكل معاهدات أو في شكل ترتيبات خاصة أكثر مرونة.

قد تكون أنجح هذه الترتيبات هي  السوق الأوروبية المشتركة، التي تحولت إلى الاتحاد الأوروبي وهناك الكثير من الترتيبات الإقليمية مثل منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (النافتا)، مجموعة الآسيان، المجموعة العربية، ويمكن اعتبار تجربة الاتحاد الأوروبي أنجح تجربة على هذا الصعيد. وعلى الدول في الشرق الأوسط أن تأخذ تجربة الاتحاد الأوروبي كنموذجاً يمكن الاستفاده منه. طبعاً وفقاً لما يتلائم مع أمكانياتنا ومع طبيعة أنظمتنا ومجتمعاتنا السياسية .


2010-12-02

الربضي يدرس إشكالية العلاقة بين الدولة ورأس المال






First Published: 2010-11-30

ميدل ايست اونلاين

www.middle-east-online.com/?id=100928



آفاق جديدة أمام الدارسين والباحثين


 الربضي يدرس
إشكالية العلاقة
 بين الدولة ورأس المال
 

كتاب في الاقتصاد السياسي

يتناول النفوذ العالمي للشركات عبر الوطنية
من خلال التعرف على العلاقة بين المنظور الكمي والظواهر الإنسانية
 

للمؤلف والباحث: سلام الربضي
دار المنهل اللبناني
بيروت


إذا استطعنا التخلص، من المبادئ الميتافيزيقية والعامة التي تستند إليها من وقت لآخر سياسة الحرية الاقتصادية، القائمة على حرية الأفراد والمؤسسات في فعاليتهم الاقتصادية الليبرالية. وإذا تجاوزنا النظرة إلى الاقتصاد العالمي من منظار المناضلين المعادين لليبرالية، وأوهام الشيوعيين بشأن المجتمع بدون طبقات، فإن هذا الكتاب يفتح أمامنا مجالاً واسعاً لطرح جملة من التساؤلات قد لا يكون من الممكن الإجابة عنها بوضوح، لكنها تساؤلات تستحق أن تؤخذ من تفكيرنا الحيز الضروري لكي نخلص من ذلك إلى استنتاجات حان وقت الوصول اليها والاستفادة منها.

من أولى هذه التساؤلات :

إشكالية الأرقام والمعطيات التي تضلل أحياناً عند دراسة نشاط الشركات عبر الوطنية.

فكثير من الدراسات التي تتعلق بنشاط الشركات تحاول الربط بينها وبين أرقام ومعطيات عن الثروة، توزيع الدخل،الفقر،الجوع،ومقارنة دخول الشركات مع إمكانيات الدول والناتج الإجمالي لها. وهنا يجوز التساؤل عن المعيار العلمي والمنهجي الذي على أساسه يتم الربط فيما بينهما من خلال منهجية الاعتماد على المقارنة الإحصائية الظاهرية والصورية بلا تدبّر في المقدمات والحيثيات والدلالات العلمية والمنطقية؟ فهل هذا الربط يعني أن الشركات هي التي تتحمل مسؤولية كل ما يحدث في ظل العولمة من فقر وجوع وبطالة وخلل في توزيع الثروات؟ وهل يمكن القول إن لعبة الأرقام وربطها بمعطيات_التي تصب في اتجاه معين_ تعبّر عن مواقف مسبقة ذات أبعاد أيديولوجية؟ 
  
ومن التساؤلات التي تطرح أيضاً : إشكالية العلاقة بين الشركات عبر الوطنية والدولة؟

العلاقة التي على ضوئها يتم تحديد مدى تزايد نفوذ الشركات وسيطرتها أو مدى تراجع سيطرة وسيادة الدولة أم تغيّر في وظائفها ؟ وإمكانية تحديد الحد الفاصل بين مصالح الشركات ومصالح الدول؟ وهل استرتيجية الشركات قائمة على تجاوز الدول أم إنها ستبقى قومية المرتكز؟

والإشكالية الجوهرية التي تطرحها ظاهرة الشركات عبر الوطنية :

هي إشكالية الضبط والتحكّم سواء على الصعيد القومي أو العالمي؟

منهجية المؤلف سلام الربضي في معالجة الإشكاليات في الكتاب قائمة على جدلية المجتمع والسلطة.
حيث إن المبدأ العام في هذه العلاقة يرتكز على أن السلطة تنبثق من المجتمع، ويمكن التعبير عن هذا الواقع بمقاربتين الأولى: مصالح الدولة الخارجية واستراتيجيتها التي تعكس واقع مجتمعها، فإذا كانت الدولة تعبّر عن مصالح الشركات، فهل نحن أمام تراجع في سيطرة الدولة أم أمام ترابط في المصالح؟ أما المقاربة الثانية، فهي قائمة على طبيعة العلاقة داخل المجتمع وصراع السلطة. وفي هذا الجانب يمكن التساؤل عن القوى القادرة على وضع حد لسلطة الشركات وتزايد نفوذها أي جدلية السلطة والسلطات المضادة.

الدراسة في الكتاب قائمة على 6 فصول، تتناول نفوذ الشركات عبر الوطنية من خلال التعرف على العلاقة بين المنظور الكمي والظواهر الإنسانية، حيث إن استخدام المنظور الكمي في مقام التعامل مع معظم الظواهر الإنسانية، ومنها حقول التاريخ والاجتماع والسياسة والتنمية الإنسانية، أمر محفوف بالتحفظات والمحاذير. وذلك على خلاف، التقدم المذهل الذي نجم عن استخدام المنظور ذاته على صعيد الظواهر الطبيعة. فالإنسانيات، أكثر تعقيداً وأبعد عمقاً من أن تخضع للمعادلات الإحصائية الرقمية بكل جفافها وصرامتها، وهذا ما ينطبق على كيفية مقاربة ظاهرة العولمة بما فيها العلاقة بين الدولة وراس المال. 

كذلك التعرف على استراتيجيات الشركات وتوضيح طبيعة العلاقة القائمة بين الشركات والأسواق المالية، والثورة الجذرية في عالم العمل والاستثمار الاجنبي المباشر، ومعرفة أين هي الشركات من المجابهة الضريبية والاتجاهات الحمائية، وكيفية تحول القوة الاقتصادية إلى ميزة سياسية غير متساوية، وتحول السلطة من أيدي الجمهور إلى المؤسسات التجارية. ومن هذا المنطلق يتطرق الباحث سلام الربضي، إلى إشكالية ما يعرف بضعف الدولة في ظل العولمة من خلال دراسة التدخل السياسي للشركات عبر الوطنية.

ويحاول المؤلف في هذا الكتاب أيجاد مقاربة لواقع استثمارات شركات الدول النامية، حيث هناك فصل من فصول العولمة يدور حالياً في أفريقيا، ويكتب هذا الفصل الصينيون المتواجدون في مختلف أنحاء أفريقيا. ولعل النفوذ الاستثماري الصيني في القارة الأفريقية هو بمثابة زلزال جيوسياسي وإنجاز من إنجازات العولمة قلب الموازين العالمية الاقتصادية والسياسية. 

مما يجعل المؤلف في هذا الكتاب يطرح تساؤلات مشروعة حول الاستثمارات التي تقوم بها شركات الدول النامية :

هل هذه الاستثمارات تدخل في إطار التعاون وتبادل المصالح ؟ أم تدخل في إطار السيطرة والاستغلال ؟

ولماذا في حال شرّعت الدول النامية أسواقها أمام الشركات الغربية يعتير ذلك نوعاً من الاستعمار؟

وإذا شرّعت تلك الدول أبوابها للشركات من الدول النامية يصبح ذلك نوعاً من التعاون والتكامل ؟؟؟

الكتاب يحاول توجية الأنظار نحو تلك التيارات الجارفة الحاملة عناوين حرية التجارة الدولية، حيث يوجد سياسة حمائية واضحة مما يخلق تضارباً في السياسات والمصالح. وهو ما يلحق الضرر بمختلف الدول سواء كانت غنية أو فقيرة، ويطرح علامات استفهام حول حرية التجارة الدولية. وهذه السياسة لها آثارها على الدول الغنية والفقيرة. إلا أن تأثيرها يكون وقعه أكبر، على الدول الفقيرة، حيث هامش التحرك أمامها ضئيل، مقارنة بالدول الغنية. خاصة فيما يتعلق بالصادرات الزراعية والمنسوجات القادمة من الدول الفقيرة. إذ إن الموضوع بالمطلق يطرح جدليات التناقض بين مبدأ حرية التجارة والسياسة الحمائية التي تميز الاقتصاد العالمي في بداية الألفية الثالثة.

وحاول مؤلف الكتاب من خلال محاكاة الواقع العالمي المعاصر، الذي أصبح زاخراً بكثير من التطورات وعلى كافة المستويات، أن يلزمنا التوقف عند بعض المعطيات التي يمكن التعبير عنها بالسؤال الآتي :
                       هل ما زالت الدولة وحدها قادرة على تحديد العلاقات الدولية؟   

الإجابة على هذا التساؤل تأتي في هذا الكتاب على طريقة المؤلف المعهودة، من خلال جعل القارئ يتساءل :  
إذا، كان قد تم السير في اتجاه هذا النسق العالمي القائم على تخصيص الأمن لمصلحة الشركات الخاصة؟ 

أو التساؤل حول فيما إذا تم تبني مقترحات الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي، الداعي لربط مسألة التصويت لأعضاء الأمم المتحدة بمقدار مساهمتها في تمويل أنشطة المنظمة؟؟ ؟

الأمر الذي يطرح في المستقبل إمكانية احتلال مقاعد من قبل منظمات ومؤسسات وشخصيات معنوية لديها قدرة مالية كبيرة؟؟؟؟

كتاب النفوذ العالمي للشركات عبر الوطنية ... إشكالية العلاقة بين الدولة ورأس المال للباحث والمؤلف سلام الربضي هو عبارة عن محاولة أو دراسة توضع بين يدي القارئ عسى أن تساهم في فتح آفاق جديدة أمام الدارسين والباحثين .


For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com