2009-10-28

المنظور الإستراتيجي الإسرائيلي وإيران وسوريا


سلام الربضي ..... باحث في العلاقات الدولية



مجلة صوت العروبة\ واشنطن11\10.\2009

www.arabvoice.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=16965



اهتمام إسرائيل في المشرق العربي بتفتيت دوله ينبع من أسباب واعتبارات حيويّة, فعندما تتكلم اسرائيل عن مصالحها ومجالها الحيوي لا يمكنها التمييز بين حدود 1948 وحدود 1967 لأنّ المهم بالنسبة لها هو أن تكون حدودها آمنة بصرف النظر عن موقع هذه الحدود وطبيعتها على الخريطة,فالحدود ترتبط في إسرائيل ارتباطا عضويًا برؤيتها لطبيعة دولة اسرائيل الدولة اليهوديّة. فإسرائيل لا تكتفي وفقا لاستراتيجيّتها بتفتيت تلك المنطقة فقط بل أيضا اعادة رسم حدودها السياسيّة وإعطاء نفسها الحق في التمدّد وفقا لمقتضيات استراتيجيّتها ومجالها الحيوي، واضعة نصب عينيها القنبلة الديموغرافيّة التي سوف تواجهها وفق رؤيتها لمشروع إسرائيل الجديدة أي إسرائيل اليهوديّة.

الحدود الآمنة بالنسبة لإسرائيل هي الحدود التي تمكّن إسرائيل من السّيطرة على كل المنطقة الواقعة بين النهر والبحر، وهذا الفهم الخاص جدًا للحدود الآمنة هو الذي يحدّد المصالح الاستراتيجيّة الاسرائيليّة والموقف من قضيّة التسوية مع العرب. والسّيطرة بالمفهوم الاسرائيلي ليست السّيطرة بالمعنى العسكري بل تشمل السّيطرة السّياسيّة، الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والسّيطرة الديمغرافيّة بالدّرجة الأولى.

المبحث الأول : الشرق الأوسط الكبير.

أ- مشروع الشرق الأوسط الكبير:


لا وجود ولا مستقبل بالمنظور الاستراتيجي الاسرائيلي لإسرائيل الا بالسّيطرة الفعليّة والكليّة بالوجود السّكاني الخالص لليهود في حدودها.


وتعتمد إسرائيل في تحديد مصالحها الاستراتيجيّة وإدارة صراعها مع دول المنطقة على منهج واضح ودائم يرتكز على الدّعامات التالية:


‌أ- اعتماد إسرائيل في المقام الأوّل على قواها وقدراتها الذاتيّة وأن تعمل باستمرار على تطويرها بحيث تحقق التفوّق على كل من يعتبر أو يشكل تهديدًا لأمنها القومي الحيوي.


ب- ادراك إسرائيل حاجتها الى حلفاء أقوياء تعتمد على خدماتهم، ولكن يجب عدم ربط الأمن القومي الاسرائيلي بمصير أحد.


ج- اعتقاد حلفاء إسرائيل بأنّ كل ما يحقّق مصلحة إسرائيل هو شعور يجب زرعه لدى الحلفاء وجعلهم يؤمنون به.

د- اعتماد الحلفاء على إسرائيل منهجا يجب ترسيخه فبوسعهم الاعتماد على إسرائيل بمقدار اعتمادها عليهم وبالتالي حاجتهم لاسرائيل هي بمقدار حاجتها لهم ان لم يكن أكثر
.
و- كلّ ما هو عربي أو اسلامي وليس فلسطينيًا فحسب يشكل تهديدًا حاضرًا أم مستقبلا للأمن القومي الاسرائيلي


السّمة الايديولوجيّة لأي نظام لا تعني إسرائيل بشيء بمقدار طبيعة سلوك وممارسة تلك الأنظمة تجاه المصالح الاسرائيليّة الاستراتيجيّة القوميّة.

لا تهتم إسرائيل كثيرًا بما إذا كانت الدّولة العربيّة أو الاسلاميّة المعنيّة ديمقراطيّة أو غير ديمقراطيّة، وطنيّة أو قوميّة، رأسماليّة أو اشتراكيّة، علمانيّة أو غير علمانيّة. انّ كل دولة تقع في اطار مجالها الحيوي الاستراتيجي وتعتمد نظامًاً سياسيًا قويًا ومتماسكًًا لديه سياسة مستقلة يمكن أن تشكل خطرًا أمنيًا أو مستقبليًا على الأمن القومي الاسرائيلي. وذلك بغضّ النظر عمّا إذا كان هذا النظام السّياسي مرتبطا مع إسرائيل بمعاهدة سلام أو حسن جوار. فالمصالح القوميّة العليا لاسرائيل نابعة من عقدة أمنيّة وديمغرافيّة قد تكون مستعصية على الحل.

ترى إسرائيل أنّ انخراطها في هذا المشروع سيعود عليها بفوائد سياسيّة، اقتصاديّة وأمنيّة. وهي تعتبره محطة انطلاق جديدة في مسار وجودها وتطوّرها. هذا، وكانت إسرائيل نقطة مركزيّة في البحث والحوار حول مشاركتها في أيّ نظام شرق أوسطي. وإذا أردنا الغوص في حيثيّات أقدميّة المشروع والى من تعود فكرته، نكتفي بقراءة كتاب شمعون بيريس "الشرق الأوسط الجديد" وربطه بما يطرح الآن في هذا الإطار لنرى أنّ إسرائيل هي الأساس المحوري في النظام الشرق أوسطي. فهو يطرح في كتابه أفكارًا قائمة على إقامة نظام إقليمي تكون إسرائيل جزءًا محوريًا فيه. وهذا النظام قاعدته: الأمن، الاقتصاد، وإشاعة الديمقراطيّة وهذه الأفكار هي دعائم النظام الشرق أوسطي الكبير أو الأوسع.

وبغضّ النظر عن اسم وحجم هذا المشروع، فانّ إسرائيل تحتل موقع المحور والقاعدة الاستراتيجيّة فيه. والمصالح الاستراتيجيّة لإسرائيل تكمن في كل طيّاته حيث ترى أنّ انخراطها في هذا المشروع سيعود عليها بفوائد سياسيّة جمّة، إذ سيفسح في المجال أمام قيام علاقات طبيعيّة بينها وبين جيرانها، وسيمكّنها من تدوير الزوايا الحادّة في القضيّة الفلسطينيّة، القدس، اللاجئين وحق العودة. وانّ مثل هذا المشروع سيكبح مسار التكامل العربي، وسوف يسهّل أيضًا لإسرائيل الانخراط في إطار متعدّد القوميّات على نحو متكافئ مع الهويّات الأخرى.
من الناحية الاقتصاديّة، فانّ هذا المشروع قد يؤدّي إلى تحويل إسرائيل إلى شريك اقتصادي في أسواق المنطقة ومياهها وبنيتها التحتيّة. وفي ظل اقتصادي عالمي قائم على المعرفة والتكنولوجيا، فانّ إسرائيل ستكون من منطلق تفوّقها التكنولوجي، صاحبة الموقع المتميّز في هذا النظام. وعلى الصّعيد الأمني، فانّ الأمن الإسرائيلي هو على قائمة المصالح التي يضمنها ويحققها المشروع لتصبح إسرائيل جزءًا من هذا الأمن بدلا من كونها خطرًا وعدوّا لهذا الأمن العربي. باختصار، يمكن القول إنّ هذا المشروع يريد ترسيخ إسرائيل بالمنطقة.

المصالح الاستراتيجيّة الإسرائيليّة من الحرب الأميركيّة على العراق تتجلى في الدّرجة الأولى بالعمل على تفتيت الدول العربية من قناعة لا ريب فيها لدى إسرائيل، ومفادها أنّ الأمن الحقيقي لإسرائيل لا يمكن أن يتحقق على المدى البعيد طالما أنّ لهذه المنطقة هويّتها العربيّة والإسلاميّة، وطالما وجدت دول عربيّة نسبيّاً كالعراق، سوريا ومصر. فالأمن الحقيقي لإسرائيل يقتضي تغيير هويّة المنطقة الثقافيّة، الحضاريّة والسّياسيّة إلى "شرق أوسطية". وبالتالي، لا بدّ من تغيير تركيبتها الاجتماعيّة إلى فسيفساء طائفيّة وإقليميّة.

ب- رؤية إسرائيل الشّرق أوسطيّة:




طالما بقيت المنطقة عربيّة ستبقى إسرائيل غريبة فيها, وأذا أصبحت هويّة المنطقة شرق أوسطيّة، أي أصبح وضع كل المنطقة شاذا، فإنّ وجود إسرائيل سيصبح طبيعيّاً فيها.والاحتلال الأميركي للعراق جاء ليصبّ في هذه الخانة، فإسرائيل ترى بأنّ العراق المقسّم والمفتّّت إلى مذاهب وطوائف ودويلات متعدّدة هو النموذج والبداية لما يجب أن تكون عليها المنطقة بأسرها مستقبلاً لتضمن بذلك أمنها الحقيقي في المستقبل البعيد.

الأمن الحقيقي الإسرائيلي على المدى البعيد يتطلب تنفيذ مشروع تفتيت التفتيت أو تجزئة التجزئة، من أجل خلق فراغ إقليمي يسمح لإسرائيل أن تلعب الدّور الإمبراطوري، السّياسي، الاقتصادي، الثقافي والأمني الذي تطمح له. وبالتالي خلق محيط تابع تستمدّ منه إسرائيل القوّة والحيويّة من خلال تحويل التهديد المحتمل إلى مجال حيوي يصل إلى أطراف الصين.

الوثيقة الإسرائيليّة التي وضعتها المنظمة الصهيونيّة العالميّةWorld Zionist Organizationالتي ترجمها البروفيسور إسرائيل شاحاك عن مجلة كيفييم، تعكس رؤية إسرائيل الشرق أوسطيّة للمنطقة برمّتها.ومن المقتطفات الرئيسيّة في هذه الوثيقة التاريخيّة الاستراتيجية:

1- مصــر:

إنّ تفكيك مصر إقليميّا إلى مناطق جغرافية متمايزة هو الهدف السياسي لإسرائيل في الثمانينات على جبهتها الغربية.فإذا أسقطت مصر، فإنّ دولاً مثل ليبيا والسودان، وحتى الدول الأبعد لن تتمكن من البقاء بشكلها الحالي، وسوف تلحق بسقوط وانحلال مصر,انّ الرؤيا التي تتمثل بدولة قبطية مسيحيّة في أعالي مصر، إلى جانب عدد من الدول الضعيفة ذات السلطات المحليّة التي لا ترتبط بحكومة مركزيّة، هي مفتاح التطور التاريخي الذي أجّله فقط اتفاق السّلام، والذي سوف يتبدّد حتميّاً على المدى الطويل.

2- سـوريـا:

إنّ سوريا سوف تتناثر بالتطابق مع تركيبتها الإثنيّة والدينيّة إلى عدد من الدول، بحيث يكون هناك دولة شيعيّة علويّة على السّاحل ودولة سنّّيّة في مناطق حلب، ودولة سنيّة أخرى في منطقة دمشق تعادي جارتها السّنيّة في الشمال. أمّا الدروز، فسيكون لهم الدولة الخاصة بهم أيضًاً، ربّما حتى في الجولان، وبالتأكيد في منطقة حوران وأجزاء من شمال الأردن. وهذه الحالة سوف تكون ضمانة الأمن والسّلام في المنطقة على المدى البعيد.
3_ العــراق:

إنّ العراق الغني بالنفط من جهة، والممزّق داخليًا من جهة أخرى، مضمون كمرشح لأحد أهداف إسرائيل إن انحلاله أكثر أهمية بالنسبة لنا من انحلال سوريا,فالعراق أقوى من سوريا، وعلى المدى القصير، تشكل القوّة العراقية الخطر الأكبر على إسرائيل... وكل خلاف عربي داخلي سوف يساعدنا على المدى القصير، وسوف يمهّد الطريق لتحقيق الهدف الأهم، أي تحطيم العراق إلى طوائف كما في سوريا ولبنان, فتقسيم العراقً إلى أقاليم على أساس خطوط إثنيّة دينيّة كما كان الحال في سوريا خلال الزّمن العثماني هو أمر ممكن,وهكذا ستقوم ثلاث دول أو أكثر حول المدن الأساسية الثلاث: البصرة، بغداد والموصل وستنفصل المناطق الشيعيّة في الجنوب عن السّنة والأكراد في الشمال، ومن الممكن أنّ المواجهة العراقية – الإيرانية الحالية قد تعمّق هذا التبلور.


4- السعوديـة:


أن الجزيرة العربية بأسرها مرشحة طبيعيًا للتفكك بسبب الضغوطات الداخليّة والخارجيّة، وهذا الأمر محتوم خاصّة في السعودية، وبغضّ النظر عمّا إذا بقيت قوّتها الاقتصاديّة أم تضاءلت على المدى الطويل، فإنّ الانشقاقات الداخليّة والانهيارات ستكون تطوّرًاً طبيعيًاً وماثلاً في ضوء التركيبة السّياسيّة الحاليّة.

5- الأردن:

إنّ الأردن يشكل هدفًا استراتيجيًا آنيًا على المدى القصير، ولكن ليس على المدى الطويل. فالأردن لا يمثل خطرًاً جدّيًاً على المدى الطويل بعد انحلاله ونقل السلطة إلى الفلسطينيين وليس هناك أيّة فرضيّة لاستمرار الأردن بتركيبته الحاليّة مدة طويلة وسياسة إسرائيل في الحرب والسّلام يجب أن تتوجّه نحو تصفية الأردن بنظامه الحالي، نقل الحكم للأغلبيّة الفلسطينيّة وتغيير النظام شرق النهر، فيكون الأردن لهم، والمناطق غرب النهر لليهود سيكون هناك تعايش وسلام حقيقيين فقط عندما يفهم العرب أنه بدون حكم يهودي بين النهر والبحر، لن يكون لهم أمن ولا وجود، فإذا أرادوا دولة وأمنا فإنّ ذلك سيكون لهم في الأردن فقط


المبحث الثاني : إستراتيجية إسرائيل الاحتوائية .


لقد صرّح وزير الدّفاع الإسرائيلي السّابق موفاز مشدّدًا على أنّ أهمّ هدف ستجنيه إسرائيل من الحرب على العراق وإقامة نظام موالي للغرب فيه هو عمليّة احتواء لكل من سوريا وإيران. وبالتالي سوف يؤدّي إلى الضّغط على إيران لتتخلى عن مشروعها النووي، وهو ما يحدث بالفعل الآن بالإضافة الى التّخلي عن حزب الله. كما أنّ سوريا ستجد نفسها مجبرة لتتوقف عن دعم المنظمات الفلسطينيّة. وزيادة الضّغط عليها هو للقبول بحل وسط لهضبة الجولان.


أشارت تقارير مراكز الأبحاث التابعة لجهاز الاستخبارات العسكري الإسرائيلي أنّ وضع إيران وسوريا بعد إسقاط النظام في العراق سيكون أكثر بؤسًا. وسيكون فكّا الكمّاشة أكثر ايلامًا على دمشق وطهران حيث يتمّ تطويقهما بأفغانستان وتركيا والجيش الأميركي في العراق طبعًا بالإضافة إلى إسرائيل، وبالتالي تصبح التهديدات الأميركيّة والإسرائيليّة لكلا البلدين أكثر جدّيّة.

الاحتلال الأميركي للعراق قد جعل سوريا مطوقة ومحصورة ومحاصرة بالقوات الأميركية المحتلة إلى الشرق والقوات الإسرائيلية إلى الجنوب والغرب للبحر ومن فيه وقد أضافت الأزمة السياسية المتفاقمة خطورة في لبنان والتي استدعت الكثير من الدول إليه وغالباً بذريعة حمايته من سوريا أبعاداً دولية تستفيد منه بداية وانتهاء إسرائيل.

إنّ التعاون الأمني ما بين الموساد والأكراد في شمال العراق يعبّر عن مدى الخطورة التي تتعرّض إيران وسوريا لها، خاصّة إيران وهي من حيث البعد الأمني والاستراتيجي تعتبر العدو الأوّل للأمن القومي الاسرائيلي، سواء على صعيد امتلاك إيران لبرنامج نووي ووجود صواريخ شهاب ذات المسافات البعيدة المدى والقادرة على حمل رؤوس نووية من جهة أو مواقف إيران المعادية لإسرائيل من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق، فانّ إسرائيل أصبحت تعمل على أساس أن تكون إيران الهدف الثاني بعد العراق .

من خلال متابعة المناورات العسكريّة الإسرائيليّة البحريّة وتطوير قدرات إسرائيل على شنّ عمليّة برّيّة في مناطق ودول تبعد عنها آلاف الأميال، وشرائها لغوّاصات دولفن الألمانيّة القادرة على الإبحار في المحيطات، ووجود طائرات (اف- 16 و اف-15) ، بالإضافة إلى الصّواريخ البالستيّة متوسّطة المدى طراز "اريحا 1" و "اريحا 2" التي تعتبر من أدوات الذراع الطويلة، فانّ إسرائيل قادرة على ضرب أهداف بعيدة في إيران وباكستان مثلا. كما أنّ ما يتمّ دراسته الآن من قبل رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي هو شراء وبناء سفن انزال برمائيّة كبيرة الحجم تستطيع الإبحار في المحيطات ولمسافات بعيدة وتأدية مهمّات متعدّدة. وهذه السّفن البرمائيّة المقترح شرائها أو بنائها يصل وزنها إلى 3 آلاف طن وتستطيع نقل نحو600 جندي مع معدّاتهم. ووفقا لمصادر صحيفة "ديفنس نيوز" نقلا عن القيادات العسكريّة البحريّة والبريّة الإسرائيليّة قولها أنّ حرب إسرائيل ضد الإرهاب وسعيها إلى منع انتشار أسلحة الدمار الشامل قد يقودانها إلى خوض هجمات سريعة تبعد آلاف الأميال عنها.

من المنظار المعمّق للبعد الاستراتيجي والعسكري، كثيرًا من التساؤلات تطرح من جرّاء تعزيز إسرائيل قدراتها لمهمّات بعيدة المدى. والتساؤل مطروح عن حاجة إسرائيل إلى أسطول برمائي بهذا الحجم ما لم تكن لديها خطط توسّعيّة أو لفرض هيمنتها على ما بات يعرف ب"الشرق الأوسط الأوسع" الممتد من موريتانيا حتى حدود الباكستان والهند وضمّ أفغانستان وإيران وتركيا. فبالرّغم من المكاسب الاستراتيجيّة التي حصلت عليها إيران نتيجة الحرب، فهي لا تكفي لتحقيق اطمئنانها الاستراتيجي المفترض.

وإذا كانت السّياسة الإيرانيّة تبدو سياسة ردع دفاعي، وإذا كان مضمون الموقف الإيراني من الحرب على العراق قائمًا على الحياد الايجابي، والتكّيّف مع الواقع الدّولي واعتماد مبدأ القدرة على امتطاء جوادين في وقت واحد، فانّ حدوث عدوان أميركي أو إسرائيلي سوف يبقى واردًا جدًا وبأشكال مختلفة.

على الرّغم من أنّ الأنظار متجهة حاليًا نحو العراق، الا أنّ إيران بشكل خاص لا تزال وستبقى حاضرة في مكوّنات المشهد الأميركي الإسرائيلي. وهل ستتحقق مقولة البروفيسور الإسرائيلي ارنون سوفير من مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب "اني مستعدّ للمراهنة على أنّه في غضون خمس سنوات لن تكون إيران تشكّل تهديدا لإسرائيل"، وهذا أيضا تغيير ينبغي أخذه بالحسبان في بناء القوّة العسكريّة للجيش الإسرائيلي الذي يتكيّف بسبب إيران مع مهمّات بعيدة المدى جدًا.

منطقة الشرق الأوسط تشهد صراعًاً محدودًاً اقليميًاً ودوليًاً بين أطراف مختلفة على رأسها إسرائيل وإيران للسّيطرة عليها وإعادة رسم خارطة القوّة في هذه المنطقة الحيويّة من العالم. ويعتبر النزاع القائم الآن حول الملف النووي الإيراني أحد أهم مظاهر صراع القوّة في المنطقة. فتحجيم إيران اقليميًاً هدف استراتيجي إسرائيلي بامتياز من اجل بقائها القوة الكبرى إن لم نقل الوحيدة في المنطقة.

أصبحت إيران تمثل قضيّة إسرائيل الأولى في الشرق الأوسط. فإيران دولة كبيرة ذات ثروات ماديّة ضخمة وقدرات إنسانيّة، والأهم من ذلك تؤمن بإيديولوجيّة وأفكار تتعارض تمامًاً مع المصالح الإستراتيجيّة الإسرائيليّة. فإيران لا تنطلق في إستراتيجيّتها من إطار إقليمي فقط، بل أيضًا من عمق حركة التجديد ومسيرة التكامل الفكري والايديولوجي داخلها. فالجيل الثاني من الثورة في إيران يتواصل مع قضيّة إسرائيل على الأقل من منطلق الابتعاد عنها وخارج نطاق الاتفاق الشامل.

وبالتالي ستبقى المواجهة قائمة بين إيران وإسرائيل. كما انّ الجماعات المتديّنة والمحافظة التي تؤمن بالإسلام السياسي في إيران تحتفظ بدورها ووجودها، ولن تسمح لأي شريحة قد تستلم الحكم في إيران في المستقبل بالتوصّل إلى أي اتفاق استراتيجي مع إسرائيل. ومن هذه الزاوية أيضًا، فإنّ إيران تعدّ خطرًاً حقيقيًاً على إسرائيل وأمنها. فالخطر الإيراني قد يكون أكبر من الخطر العراقي وفقاً للإستراتيجيّة الإسرائيليّة.

فاستراتيجيّة إسرائيل تتمثل الآن في الإيحاء بأنّ إيران أكبر خطر إقليمي. وإلى حدّ ما قد نجحت في ذلك سواء على صعيد الولايات المتحدة أو دول المنطقة العربيّة، تحت غطاء الخطر من امتلاك إيران للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل وغطاء مواجهة مشروع نشر مبادئ الثورة الإيرانيّة الإسلاميّة الشيعيّة. فعلى الصّعيد الإقليمي تحاول إسرائيل الإبعاد ما بين إيران والدول العربيّة. كما تعمل على القضاء على كل أرضيّة لإقامة علاقات استراتيجيّة مستقرّة، لا سيّما ما بين دول جانبي الخليج.

لو أمعنّا النّظر في العلاقات الإيرانيّة العربيّة، سنجد أنّ إيران لا تمتلك علاقات ممكن الرّكون إليها مع أي من الدول العربيّة سوى سوريا وهي العلاقات من النوع الخاص بل إنّ علاقات إيران مع الدول العربيّة خاصّة بعد الثورة الإسلاميّة في إيران تعدّ من أكثر العلاقات الخارجيّة الإيرانيّة تلاطمًاً، حيث هناك ترسّبات تاريخيّة وحالات سوء الظن العالقة بين إيران والعالم العربي.

إيران تشعر بالغربة والبعد عن العرب سواء من الناحية الطائفيّة أو السّياسيّة، وأزمة الشرعيّة والإشكاليّة والأمن القومي في العالم العربي عمّقت دومًاً الشرخ السّياسي الثقافي، علمًاً أنّ الثقافة والأمن ركيزتا هذه العلاقات؟؟فكيف الحال مع إسرائيل التي يراد لها أن تسيطر على المنطقة برمّتها وعلى كافة الصّعد العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة؟

نتيجة التطورات الحاصلة في الخليج من ازدياد النفوذ الأميركي، فانّ ارتباط أي حكومة عراقيّة مستقبليّة في علاقاتها مع إيران ستكون محكومة إلى حدٍّ ما بعلاقة العراق مع الغرب وأميركا. وقد يكون هناك تأثير لإسرائيل بطرق مباشرة أو غير مباشرة على أي حكومة عراقيّة أكثر من تأثير أي دولة عربية أخرى. ومن هذا المنطلق فإنّ إيران لا تستطيع تعليق آمالها على تحالف أو تكتل إقليمي مع الدول الواقعة إلى الجنوب منها.

لن تشهد منطقة الشرق الأوسط على مدى السّنوات العشر القادمة أو العشرين أي تحالف إقليمي شامل لمواجهة معضلات المنطقة السّياسيّة والاقتصاديّة. فالعلاقات الإيرانيّة في المنطقة ستبقى مرهونة على صعيد الواقع لما ستؤول إليه العلاقات الأميركيّة الإيرانيّة، فمن الممكن لواشنطن من خلال تطبيع العلاقات مع إيران أن تخلط الأوراق في المنطقة بهدف احتواء المنطقة والإفادة من إيران كعامل لإيجاد التوازن بين العرب وإسرائيل وتركيا من جهة، وبين روسيا وإيران في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز من جهةٍ أخرى.

وأيضًا يمكنها التفاهم مع إيران من أجل تخفيف حدّة المعارضة في العالم الإسلامي للنفوذ الأميركي في المنطقة، ولكن هذا التقارب والتفاهم قد يكون مقبولاً ومعقولاً انّما يبقى رهينة الإستراتيجيّة الإسرائيليّة في الشرق الأوسط. ومن هذا الواقع قد تكون إستراتيجيّة إيران قائمة على أنّ أي تفاهم إقليمي في المنطقة لن يضيف للموقع الإستراتيجي الإسرائيلي شيئاً سواء عملت إيران بصورة مستقلّة أم تحسّنت علاقتها مع أميركا وربّما العامل الأقوى لبقاء مكانتها الإقليميّة هو بناء قوّتها الذاتيّة.


For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com