‏إظهار الرسائل ذات التسميات عالم العمل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عالم العمل. إظهار كافة الرسائل

2023-05-03

الفلسفة السياسية ورأس المال ومفهوم العمل المستدام


د. سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

 تثير التغيّرات العالمية السياسية والاقتصادية والتكنولوجية العديد من علامات الاستفهام حول إشكالية العلاقة بين عالم العمل والتنمية المستدامة ورأس المال. على سبيل المثال، واقع الاقتصاد الزراعي بات مرهون للاستثمارات في الأراضي الشاسعة واﻻﺑﺘﻜﺎرات اﻟﺘﻜنولوجية اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ الشركات عبر الوطنية، أي أنها عملية الإلغاء التدريجي لنسق الإنتاج الزراعي التقليدي، حيث يخسر المزارع هويته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية كمنتج وكعامل، ليتحول لمجرد مستهلك. وهذا الواقع يستوجب طرح التساؤل التالي:

 هل سيؤدي تطور الاقتصاد والتكنولوجيا إلى تحقيق التنمية المستدامة المجتمعية الجوهرية؟

 من حيث المبدأ، المفهوم الواسع للعمل لا يقتصر على الوظيفة، بل يتجاوزها إلى تعميق الصلة بمفهوم العمل المستدام القائم على توسّع سياسات فرص العمل وصون حقوق العمال ورفاهيتهم ، والتي تكون قادرة على مواجهة التحديات المرتبطة بجدلية الفجوة بين رأس المال وفقر العمال، حيث باتت الشكوك تزداد فيما يتعلق بإمكانية تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. وانطلاقاً من ذلك، لم يعد مقبولا ً التعاطي مع الواقع المتأزم لأسواق العمل، من منطلق الرفض القائم على اعتبارات أيديولوجية  فقط، دون وجود رؤية عملية. فأكثر ما يقلق قوى السوق هو اضطرارها إلى تحديد موقف من مشروع عالمي مستدام اجتماعياً. 

في هذا الإطار، هنالك تحركات عمالية واجتماعية ذات تأثير وتعمل على مواجهة المنظومة الرأسمالية وخلق حالة من الاستقلال النسبي عن قوى رأس المال. على سبيل المثال، يمكن اعتبار المفاوضات المستمرة داخل منظمة التجارة العالمية المتعلقة بمنح عمال الدول النامية حرية تنقل أكبر في أسواق الدول المتقدمة، خطوة إيجابية على صعيد :

  1. ترسيخ حقوق العمال وزيادة مكاسبهم.
  2. إعادة التوازن بين رأس المال وعالم العمل.

 على الرغم من أنه لم يتبلور حتى هذه اللحظة أي بديل استراتيجي يمكن أن يقارع النمط الرأسمالي السياسي والاقتصادي السائد، لكن يمكننا القول أن هامش الحركة المتاح للمجتمع هو دائماً أوسع بكثير من ذلك المتاح للاقتصاد. فالتأثير الاقتصادي في تكوين وتكييف المجتمع منطقي وفاعل بشكل كبير، ولكنه حتماً لا يستطيع أن يحدّده. وبالتالي يمكن إعادة بناء المجتمعات وفقاً لرؤية سياسية واقتصادية مستدامة، تكون بالحد الأدنى قادرة على الإجابة عن التساؤلات التي تدور حول جدلية: 

 لماذا هنالك الكثير من الأفكار عن كيفية توزيع الدخل وليس عن كيفية توليد الدخل؟

 في هذا السياق، حتى إذا قررنا تجاوز جدلية كيفية توليد الدخل وحاولنا تبني اطروحة توزيع الدخل، فأننا لا نستطيع تجاهل إشكاليات عدم المساواة الحديثة القائمة على:

1-        توسع حجم رأس المال الخاص وزيادة دخل الأغنياء بشكل غير متناسب. فالفجوة بين هؤلاء وبين طبقة العمال عميقة للغاية وهنالك صعوبة في ردمها.

2-       عدم المساواة النظامية Homoploutia. حيث بتنا نلحظ اتساع نطاق شريحة الرأسماليين الأثرياء والعاملين بأجور مرتفعة(مثل الرؤساء التنفيذيين، محللين ماليين، أطباء، رياضيين، مشاهير، أشخاص ورثوا الكثير من الأصول...الخ). إنها نخبة رأسمالية جديدة وهي من بين أغنى الرأسماليين وأغنى العمال كذلك.

 منطقياً، من غير المحتمل أن يتم تقليص تلك الفجوات بسهولة نتيجة التطورات الحاصلة على صعيد الذكاء الاصطناعي التي تؤدي إلى تقليص العمالة وزيادة الحصة المتراكمة في رأس المال. وإذا كان الحل الوحيد لتلك المعضلات يكمن في توزيع أكثر عدالة لرأس المال الخاص عن طريق زيادة نسب الضرائب المرتفعة أو الالتزام برفع معدل تشغبل الأيدي العاملة، ولكن عملياً لا يوجد أي تحرك ملموس في هذا الاتجاه سواء في الاقتصادية المتقدمة أو الناشئة. وهذا الواقع، يستوجب يطرح علامات استفهام حول: 

 كيف يمكن سياسياً الاستفادة القصوى من الفرص الاقتصادية والتقدم والتكنولوجي بطريقة تلفت الانتباه إلى مصلحة المجتمعات والفئات المحرومة؟

إن التحديات الساسية تكمن في كيفية غربلة الأغنياء ومواجهة الفجوات التي تمتاز بها الاقتصادات، وهنا يستوجب الاعتراف بأنه لن يتم القضاء على الفقر دون وجود فكر سياسي، إذ أن طبيعة السوق تتأثر بشدة بالاستراتيجيات السياسية، التي تستطيع تغيير وبشكل جذري هيكلية الأسواق بما يمكن أن يسمح بالحد من تلك الفجوات وتحقيق المساواة وتمكين جميع الطبقات الاستفادة من النمو الاقتصادي المستدام.

 على نور ما تقدم، يتضح أن التعامل مع قضايا التنمية المستدامة من قبل الاقتصاديين والتكنوقراط على أساس أن لا علاقة لها بالأفكار السياسية وفلسفة الحكم، وكأنها ليست أكثر من تمارين في الاقتصاد التطبيقي، أمر في غاية الخطورة. فقد حان الوقت كي يتم الجمع بين الفلسفة السياسية والاقتصادية، وذلك من أجل أن تصبح الدول أكثر إنتاجاً لجودة المجتمعات المستدامة بشرياً بدلاً من تنمية الأشياء. وفي المحصلة، وانطلاقاً من مبدأ التفاعل النقدي مع الليبرالية الاقتصادية والتطور التكنولوجي لا بد لنا من طرح الإشكالية السياسية الجوهرية والقائمة على التساؤل التالي:

  كيف يمكن مكافحة الوجود الفعلي والارتجاعي للفقر واللامساواة بدلاً من التلطي وراء بيانات واحصاءات مالية جافة تشير إلى الفوائد المزعومة للنمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي؟

 

 


2021-05-02

"كوفيد-19" وإشكالية العلاقة بين الاقتصاد العالمي وسوق العمل

 


د. سلام الربضي


وفقاً لتقارير منظمة العمل الدولية،  تسبب وباء "كوفيد-19" في أضرار بالغة على قطاع العمل، حيث هنالك خسارة ما يزيد عن 250 مليون وظيفة، ناهيك عن تأثير الجائحة السلبي على صعيد إبطاء أو عكس اتجاه ارتفاع الأجور في جميع أنحاء العالم، مما أثّر على أصحاب الأجور المنخفضة،  بالإضافة إلى تفاقم عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء وازدياد معدل الفقر[1]. وبالتالي، يجب الاعتراف بحقيقة أن التطورات الاقتصادية الراهنة وسيرورة نمو التجارة الحرة، ما زالت تنمو بعيداً عن سوق العمل، وتترك تأثيراً سلبيياً على مستوى المساواة والعدالة الاجتماعية. وفي هذا الإطار، علينا أدراك حقيقة أن الإشكالية الأساسية في عالمنا المعاصر على مستوى العلاقة بين التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، هي إشكالية  الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وهذا يستوجب طرح التساؤل:


هل نحن نعيش في عصر الاقتصاد من أجل الاقتصاد وليس من أجل المجتمع؟


تبقى الحقائق المبنية على المصلحة العامة هي المعيار الأساسي لتقييم السياسة الاقتصادية الناجحة. وعليه، بعيدًا عن التنظير ووفقًا للإحصاءات والبيانات الخاصة بالفجوة الاقتصادية وإذا أخذنا في الاعتبار أن النسبة الأكبر من المواطنين هم عمال أو موظفون يعملون بأجر، يمكننا القول أن الاقتصاد لم يعد يعمل لصالح المجتمعات. حيث بات من الواضح، أن الفجوة بين أصحاب الثروات من ناحية ورواتب العمال من ناحية أخرى، تزيد الشكوك حول سلامة المجتمع. لذلك، إذا كانت حرية التجارة ورأس المال وتحقيق أهداف منظمة التجارة العالمية القائمة على إلغاء القيود الكمية وجعل العالم منطقة تجارة حرة، هي التي تؤمن النمو والرفاهية، هنا يجب الاستفسار:


هل ستؤدي هذه السياسات والأهداف إلى تعميق أزمة سوق العمل؟ أم أنها ستكون نقطة تغيير وتحول إيجابي؟

 

لقد بات من المنطقي القول، أن هذه الأهداف بالدرجة الأولى زادت من حدة المنافسة بين الدول (سواء الصناعية أو النامية) والتي أدت إلى نتائج كارثية على مستوى ارتفاع معدلات خفض الأجور وتآكل قيمتها الشرائية، حيث أن كل الجهود المبذولة للعثور على بدائل لفرص العمل الضائعة، لم تحقق النتائج المرجوة. فكلما ازدادت وتيرة النمو التجاري، تزداد المصاعب على مستوى سوق العمل، حيث هناك تقليص وترشيد يؤديان إلى فقدان العمل البشري قيمته. وفي هذا السياق، لا بد من ملاحظة إنه لم يكن هنالك عولمة حقيقية فيما يتعلق بسوق العمل.


وانطلاقاً من ذلك، لم تؤدي كثير من السياسات المتبعة إلى زيادة الرفاهية، بل فاقمت من وتيرة جمود الوضع الاجتماعي والفجوة بين الأغنياء والفقراء. فعلى سبيل المثال، ينعكس الانخفاض في الأجور في أسعار السلع أيجابياً بالدرجة الأولى وبشكل مباشر على المستهلك الغني الذي لم يفقد شيئاً من دخله نتيجة خفض تكلفة الإنتاج. في المقابل، فإن الطبقات الدنيا هي التي تفقد جزء كبير من دخلها وتتأثر سلباً أكثر. وعليه، ووفقاً لتداعيات"كوفيد- 19" الاقتصادية، لا يمكن تجاهل البحث في معضلة:


من يتحمل الأعباء الاقتصادية أكثر: رأس المال أم العمال؟


بناءً على بديهيات السياسات الاقتصادية الحالية، يتضح أن الحكومات تزيد من الأعباء الضريبية على قطاع العمل، كما أن الإعفاءات والتسهيلات الضريبية التي تقدمها الحكومات للشركات عبر الوطنية، يؤدي إلى انخفاض إيرادات الدولة المالية التي سوف تعوضها عن طريق زيادة الضرائب على الطبقات الاجتماعية الأخرى، أو عن طريق تقليص الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية. وبالتالي يتضح أنه، إذا كانت المعادلة الاقتصادية والمالية السابقة، تعكس بشكل أكبر الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء، والتي تركز على مبدأ: الأغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقر، ولكن الآن في ظل الحقائق والتطورات الجديدة، لم تعد هذه المعادلة كافية لتوضيح التغيرات، فهنالك صيغة أو معادلة جديدة ترتكز على مبدأ:


الأغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقرا بوتيرة أسرع؟


حيث أنه ليس من المستغرب على الإطلاق، معرفة أن هناك سرعة عالية في توفير الأموال من أجل إيجاد حل لأي أزمة مالية أو اقتصادية عالمية، مقارنة بحقيقة أن هناك حذراً شديداً (بل وبخلاً) عندما يتعلق الأمر بالتمويل الإنساني والبرامج المتعلقة بانتشال المجتمعات الأقل حظًا (المحرومة والمهمشة) من الفقر والعوز. فعلى سبيل المثال، هنالك حاجة فقط إلى عشرات المليارات سنوياً للقضاء على الجوع وسوء التغذية في العالم بأسره( وقد أقرت الأمم المتحدة عدة برامج مختلفة لتحقيق هذا الهدف)، لكن هذه البرامج لا تزال على الورق فقط بسبب عدم توفر الأموال اللازمة.

 

إذ يجب إن ترتكز جميع الحلول الاقتصادية والسياسية  المرتبطة بتحديات بجائحة "كوفيد-19"، بالدرجة القصوى على إمكانية حماية ودعم كل السياسات المتعلقة بصون مصالح طبقة العمال والفقراء. إذ لا بد أن تكون القضية المركزية قائمة على الانتقاد المنطقي المتمثل بالوجود الفعلي والارتجاعي للفقر واللامساواة. وهذه الحقائق المأساوية وبعيداً عن الأبعاد الأيديولوجية في دراسة وتقييم الاقتصاد العالمي، تضعنا أمام التساؤل الاستراتيجي التالي:


هل المشكلة تكمن في الأولويات والخيارات الاستراتيجية للدول؟ أم تكمن في الإمكانيات الفعلية المتاحة للدول؟


خلاصة القول، إن إمكانية تحقيق نهضة فعلية تخفف من وطأة الفقر والعجز المادي تعتمد على نوع الفكر الاقتصادي الواجب اتباعه، فنحن بحاجة إلى رؤى جديدة تستجيب لاحتياجات وقدرات المجتمعات. وبالتالي، هذا يستوجب توجية النقد الفكري لكيفية التفاعل والتعامل مع مع الليبرالية الاقتصادية الحديثة، ذلك لأنه لم يعد من المنطقي والمقبول التعامل مع هذا الواقع على أسس أيديولوجية فقط (سواء كانت مع أو ضد) ، دون وجود برامج ومشاريع اقتصادية عملية، حيث بات من الضروري مواجهة جدلية أو إشكالية:


لماذا يوجد الكثير من الأفكار حول كيفية توزيع الدخل وليس حول كيفية توليد الدخل؟



[1]     See,"Covid-19" and the world of work:Updated estimates and analysis",Seventh edition, International Labour Organization Monitor(ILO), Geneva, January 2021. Look: https://www. ilo.org/wcmsp5/groups/public/@dgreports/@dcomm/documents/briefingnote/wcms_767028.pdf  Accessed on 04-25-2021.


2019-05-01

الاقتصاد العالمي والخيارات الاستراتيجية للدول





سلام الربضي:  باحث ومؤلف في العلاقات الدولية \ اسبانيا



أن كل الجهود التي يبذلها السياسيون والاقتصاديون للعثور على بدائل لفرص العمل الضائعة في كافة القطاعات لم تحقق النتائج المرجوة. فكلما ازدادت وتيرة المتاجرة في البضائع والخدمات عبر الحدود الدولية بكل حرية، تزداد المصاعب حيث هناك تقليص وترشيد يؤديان إلى فقدان العمل البشري قيمته. إذ لا بد من الإشارة إلى الإشكالية الأساسية في عالمنا المعاصر حول علاقة التنمية المستدامة بالنمو الاقتصادي وهي:


 إشكالية الفجوة بين الأغنياء والفقراء فهل نحن في عصر الاقتصاد من أجل الاقتصاد وليس من أجل المجتمع؟


الوقائع القائمة على مصلحة المواطنين، ستبقى هي المعيار الأساسي لتقييم السياسة الاقتصادية الناجحة. وبناء على ذلك، من البديهي أن تؤدي الهوّة بين دخول أصحاب المشاريع ومُلاّك الثروة من ناحية ودخول العمال من ناحية أخرى إلى تزايد الشكوك حول سلامة المجتمع ووحدته. فإذا كانت التجارة الحرة وانتقال رؤوس الأموال والبضائع والخدمات عبر الحدود، هي التي تحقق النمو والرفاه، وفي حال تم تحقيق أهداف منظمة التجارة العالمية بألغاء القيود الكمية وتوحيد كافة الضرائب الجمركية وجعل العالم منطقة تجارة حرة بحلول العام :2020


 فهل هذه السياسات والأهداف سوف تؤدي إلى تعميق أزمة سوق العمل ؟ أم أنها ستكون بمثابة نقطة التغيّر والتحوّل الإيجابي؟  


 إن احتدام المنافسة بين الدول سواء كانت صناعية أم نامية على خفض الأجور لن يؤدي إلا إلى نتائج وخيمة ولن يزيد من رفاهية المجتمعات، بل سيزيد من تحجّر الوضع الاجتماعي المؤلم. فالتخفيض في الأجور ينعكس على أسعار السلع ويستفيد منه بشكل مباشر المستهلك صاحب الدخل المرتفع، الذي لم يخسر شيئاً يذكر من دخله، في مقابل تخفيض تكلفة الإنتاج. في حين، أن الطبقات المتوسطة والفقيرة، هي التي تخسر جزءاً من دخلها، وتكون أكثر تضرراً.


 وانطلاقاً من ذلك، لا يمكننا تجاهل جدلية أو معضلة مَن الذي يستوجب عليه تحمل الأعباء: رأس المال أم العمال؟


 فالحكومات ترمي الأعباء الضريبية على كاهل عنصر العمل أكثر فأكثر والإعفاءات والتسهيلات والمنح الضرائبية المقدمة للشركات، ينتج عنها انخفاض في إيرادات الدولة المالية، والتي تعوّضه عن طريق زيادة الضرائب على الطبقات الاجتماعية الأخرى. أو عن طريق تقليص الخدمات والرعاية الاجتماعية والصحية. فالمعادلة التي كانت أكثر تعبيراً عن اتّساع الهوّة بين الأغنياء والفقراء : الأغنياء يزدادون غنى بينما الفقراء يزدادون فقراً، في ظل الوقائع الحالية القائمة، لم تعد تكفي لتوضيح الصورة، حيث من الواضح ظهور صيغة جديدة تقوم على مبدأ : 


الأغنياء يصبحون أغنى، والفقراء أفقر، وبمعدل أسرع ؟


إذ تفاجئنا السرعة الفائقة، في توفير المبالغ الخيالية لحل الأزمات المالية والاقتصادية العالمية وتمويل الحروب والنزاعات مقابل التقاعص الشديد الذي يعرف عادة عند تمويل البرامج الإنسانية التي أقرتها الأمم المتحدة للقضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، والتي ما زالت حبراً على ورق. فهذه الحقائق المآساوية، وبعيداً عن الأبعاد الايديولوجية في مقاربة عالم الاقتصاد تضعنا أمام التساؤل الجدلي المنطقي التالي:  هل الإشكالية تكمن في الأولويات والخيارات الاستراتيجية ؟ أم هي مسألة الإمكانيات الفعلية المتاحة للدول؟؟؟



2017-05-01

عالم العمل ورأس المال وإشكالية الأولويات والإمكانيات




 سلام الربضي: باحث ومؤلف في العلاقات الدولية \ اسبانيا

أن كل الجهود التي يبذلها السياسيون والاقتصاديون للعثور على بدائل لفرص العمل الضائعة في كافة القطاعات لم تحقق النتائج المرجوة. فكلما ازدادت وتيرة المتاجرة في البضائع والخدمات عبر الحدود الدولية بكل حرية، تزداد المصاعب حيث هناك تقليص وترشيد يؤديان إلى فقدان العمل البشري قيمته. إذ لا بد من الإشارة إلى الإشكالية الأساسية في عالمنا المعاصر حول علاقة التنمية المستدامة بالنمو الاقتصادي وهي:

إشكالية الفجوة بين الأغنياء والفقراء فهل نحن في عصر الاقتصاد من أجل الاقتصاد وليس من أجل المجتمع؟

الوقائع القائمة على مصلحة المواطنين، ستبقى هي المعيار الأساسي لتقييم السياسة الاقتصادية الناجحة. وبناء على ذلك، من البديهي أن تؤدي الهوّة بين دخول أصحاب المشاريع ومُلاّك الثروة من ناحية ودخول العمال من ناحية أخرى إلى تزايد الشكوك حول سلامة المجتمع ووحدته. فإذا كانت التجارة الحرة وانتقال رؤوس الأموال والبضائع والخدمات عبر الحدود، هي التي تحقق النمو والرفاه، وفي حال تم تحقيق أهداف منظمة التجارة العالمية بألغاء القيود الكمية وتوحيد كافة الضرائب الجمركية وجعل العالم منطقة تجارة حرة بحلول العام :2020

فهل هذه السياسات والأهداف سوف تؤدي إلى تعميق أزمة سوق العمل ؟ أم أنها ستكون بمثابة نقطة التغيّر والتحوّل الإيجابي؟  

إن احتدام المنافسة بين الدول سواء كانت صناعية أم نامية على خفض الأجور لن يؤدي إلا إلى نتائج وخيمة ولن يزيد من رفاهية المجتمعات، بل سيزيد من تحجّر الوضع الاجتماعي المؤلم. فالتخفيض في الأجور ينعكس على أسعار السلع ويستفيد منه بشكل مباشر المستهلك صاحب الدخل المرتفع، الذي لم يخسر شيئاً يذكر من دخله، في مقابل تخفيض تكلفة الإنتاج. في حين، أن الطبقات المتوسطة والفقيرة، هي التي تخسر جزءاً من دخلها، وتكون أكثر تضرراً.

وانطلاقاً من ذلك، لا يمكننا تجاهل جدلية أو معضلة مَن الذي يستوجب عليه تحمل الأعباء: رأس المال أم العمال؟

فالحكومات ترمي الأعباء الضريبية على كاهل عنصر العمل أكثر فأكثر والإعفاءات والتسهيلات والمنح الضرائبية المقدمة للشركات، ينتج عنها انخفاض في إيرادات الدولة المالية، والتي تعوّضه عن طريق زيادة الضرائب على الطبقات الاجتماعية الأخرى. أو عن طريق تقليص الخدمات والرعاية الاجتماعية والصحية. فالمعادلة التي كانت أكثر تعبيراً عن اتّساع الهوّة بين الأغنياء والفقراء :  الأغنياء يزدادون غنى بينما الفقراء يزدادون فقراً، في ظل الوقائع الحالية القائمة، لم تعد تكفي لتوضيح الصورة، حيث من الواضح ظهور صيغة جديدة تقوم على مبدأ : 

الأغنياء يصبحون أغنى، والفقراء أفقر، وبمعدل أسرع ؟

إذ تفاجئنا السرعة الفائقة، في توفير المبالغ الخيالية لحل الأزمات المالية والاقتصادية العالمية وتمويل الحروب والنزاعات مقابل التقاعص الشديد الذي يعرف عادة عند تمويل البرامج الإنسانية التي أقرتها الأمم المتحدة للقضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، والتي ما زالت حبراً على ورق. فهذه الحقائق المآساوية، وبعيداً عن الأبعاد الايديولوجية في مقاربة عالم الاقتصاد تضعنا أمام التساؤل الجدلي المنطقي التالي: 

هل الإشكالية تكمن في الأولويات والخيارات الاستراتيجية ؟ أم هي مسألة الإمكانيات الفعلية المتاحة للدول؟؟؟



2016-05-11

رأس المال ومفهوم العمل المستدام





سلام الربضي: باحث ومؤلف في العلاقات الدولية \ اسبانيا

صحيفة البناء اللبنانية\ بيروت\  10\ 5\ 2016



التغيرات العالمية على الصعيد الاقتصادي والسياسي تطرح تساؤلات عدة حول العديد من المفاهيم والنقاشات الدائرة حول واقع العمال العالمي، في وقت لم يعد بالإمكان اعتماد المقاربات التقليدية في تحليل ودراسة الظواهر الجديدة في عالمنا المعاصر. إذ أن التعامل مع التنمية من قبل الاقتصاديين على أساس أن لا علاقة لها بالأفكار السياسية وفلسفة الحكم، وكأنها ليست أكثر من تمرين في الاقتصاد التطبيقي، أمر في غاية الخطورة. فقد حان الوقت كي يتم الجمع بين النظريات السياسية والاقتصادية، وذلك ليس فقط لاعتبار الطرق التي يصبح فيها المجتمع أكثر إنتاجاً، ولكن لاعتبار جودة المجتمعات التي من المفروض، أن تصبح أكثر إنتاجاً لتنمية البشر، بدلاً من تنمية الأشياء.


إذ لا بد من الإشارة، إلى إشكالية جدلية العلاقة بين عالم العمل والتنمية المستدامة ورأس المال. فثمة أسئلة لا بد من التفاعل معها ومحاولة تقديم الأجوبة عليها: 

فهل سيقود التطور الاقتصادي إلى رفاهية مجتمعية جوهرها الارتقاء بمبادئ المواطنية والعدل الاجتماعي؟ وما هو أفق مفهوم التنمية المستدامة: أفق الإنسان الفرد أم التكافل المجتمعي؟

فلم يعد مجدياً النظر للاقتصاد من باب الزيادة الرقمية للإنتاج القومي أو الدخل الفردي فحسب، بل لا بد من بناء أساس مادي علمي وتقاني، قرين فكر وثقافة جديدين، دعامته تكون قائمة على الاستثمار في رأس مال القدرة البشرية، بدلاً من رأس المال البشري، وذلك كهدف وأساس للتنمية المستدامة. فعلى سبيل المثال، النظرة للمستقبل الزراعي، هي نظرة تقع الزراعة فيها تحت سيطرة الشركات الزراعية الكبيرة، وتقوم على تفريغ الأراضي من الفلاحين، أي أنها عملية الإلغاء التدريجي لنمط الإنتاج الزراعي. فحالياً يخسر المزارع هويته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية كمنتج وكعامل ليتحول لمجرد مستهلك. إذ يبدو أن انقراض طبقة العمال الفلاحين، كان هو التغيير الاجتماعي الأكثر دراماتيكية وشمولية في النصف الثاني من القرن العشرين.


ومن هنا، تأتي أهمية التمعن بكيفية مساهمة العمل في تعزيز التنمية المستدامة، في ظلّ تغيّرات متسارعة تطال عالم العمل. وذلك انطلاقاً من مفهوم واسع للعمل، لا يقتصر على الوظيفة، بل يتجاوزها إلى تعميق الصلة بمفهوم العمل المستدام. إذ أنّ ما بين العمل والتنمية ليس صلة تلقائية، فالعمل يسهم في تعزيز التنمية البشرية عندما توسّع السياسات فرص العمل المنتج، وتصون حقوق العاملين ورفاهيتهم.

وهذا كله يتطلب وجوب بناء فضاءات إنسانية، لاعتماد عقد اجتماعي جديد، قادر على مواجهة التحديات العالمية المرتبطة بجدلية التفاوت ما بين مراكمة ثروة رأس المال ومراكمة فقر العمال. فإذا أخذ بعين الاعتبار أن النسبة الكبرى من المواطنين هم فلاحون أو عمال أو موظفين يعملون بأجر، يمكن القول إن الاقتصاد لم يعد يعمل لمصلحة المجتمع المستدام. وبناء على ذلك، من البديهي، أن تؤدي الهوّة بين مُلاّك الثروة من ناحية، ودخول العمال من ناحية أخرى، إلى تزايد الشكوك حول سلامة المجتمع ووحدته.

فالنظام الاجتماعي العالمي حالياً، يشهد أزمة ذات أبعاد مختلفة: بعد اقتصادي قائم على الركود، وبعد سياسي يتصل بهيكل وموازين علاقات القوة. فلم يعد مقبولا ً التعاطي مع الواقع المتأزم لأسواق العمل، من منطلق أيديولوجي يعبّر عن مجرد موقف الرفض، بدون وجود برنامج عملي. فأكثر ما يقلق قوى السوق هو أن يضطروا إلى تحديد موقفهم من مشروع عالمي اجتماعي. فمثلاً، يمكن اعتبار مقترحات الدول النامية في منظمة التجارة العالمية _ تسمى بالنموذج رقم 4 والتي تهدف الفوز بتنازلات تمنح عمالها حرية تنقل أكبر، لعرض خدماتهم في أسواق الدول المتقدمة_ خطوة في الاتجاه الصحيح، لتحقيق الكثير من المكاسب العمالية. فعلى عكس الكلام البليغ السائد حول جنوح الرأسمالية، فإن ما نشهده هو محاولة ولادة نظام توازن بين رأس المال وعالم العمل، حتى لو لم يتم بعد تجاوز كثير من التساؤلات والشكوك.



وفي هذا الإطار، هنالك حركات نقابية واجتماعية فاعلة وذات نفوذ عالمي، على الرغم من كل ما يشوبها من التباسات. وهي الآن تقوم بمعارضة حادة، ضد حتمية سيطرة الرأسمالية المطلقة، وتحاول تقديم رؤية واضحة لإعادة التنظيم الاجتماعي والاقتصادي الضروري، من أجل خلق حالة من الاستقلال النسبي، عن قوى رأس المال، لتكون قادرة على التغيير، ولتؤكد على أن العمال والفلاحين والموظفين، ما زالوا يشكلون العمود الفقري للمنظومة الاقتصادية العالمية.

ومع أنه، لم يتبلور بعد أي بديل استراتيجي منسّق ومتكامل، يمكن أن يقارع النمط الرأسمالي الفكري المسيطر، إلا أن هامش الحركة المتاح للمجتمع هو دائماً أوسع بكثير، من ذلك المتاح للاقتصاد، وقد يكون هذا التصوّر بادرة أمل. حيث إن مصير المجتمع هو بين أيدي أبنائه، وقانون الجاذبية الاقتصادية يفعل فعله الطبيعي، على صعيد النموذج الاجتماعي، فهو يكيّفه ولكنه لا يحدّده. ونحن الآن نعيش عصر اقتصاد المعرفة، ولكن مجتمع اقتصاد المعرفة ما زال أرضاً مجهولة، يمكن بناءها على أساس منطق إنساني متين. ولتكن أولى تلك الأسس المتينة قائمة على محاولة الإجابة عن التساؤل المنطقي التالي: 

لماذا هنالك الكثير من الأفكار عن كيفية توزيع الدخل وليس عن كيفية توليد الدخل؟؟؟؟



For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com