منبر الحرية 18 \ 2 \ 2010
www.minbaralhurriyya.org/content/view/979/705
أن الرهانات الدولية في ظل العولمة اضحت مرتبطة بشكل أقوى بالقضايا الاجتماعية وأقل تفاعلاً مع الاستراتيجيات السياسية والعسكرية . والفاعلون الاجتماعيون أكثر حضوراً على الساحة الدولية حيث المجال الدولي لم يعد حكراً على الحكومات وحدها بل هو فضاءاً عمومياً تتداخل فيه كل من الحكومات والأفراد والمنظمات غير الحكومية, والذي يعبر عن نوع من التصالح ما بين الإنسانية والواقع الدولي.
وهناك منظوراً جديداً للأمن بدأ يفرض نفسه متجاوزاً الإعتبارات الترابية والإقليمية والعسكرية, فالتحديات الجديدة جعلت مفهوم الأمن شمولياً ومتعدد الابعاد وأكثر التصاقاً من الحياة الاجتماعية, وهذا ما جعل برنامج الأمم المتحدة للتنمية يتبنى فكرة "الأمن الإنساني" فالأمن لم يعد يقاس بمدى تقليص التهديدات بل بمدى الاستجابة للحاجيات الاساسية للإنسان.
ونتيجة للظروف الناتجة عن اختلال التوازنات الاجتماعية وتزايد الاعتماد المتبادل بين مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية, تم التعجيل بالتفكير في مبدأ إدارة شؤون الدولة والمجتمع كمنط لتجديد اساليب الحكم وتفعيلها بشكل أفضل من خلال صياغة أشكال جدية في المشاركة , قائمة على التضامن والنهوض بالاحتياجات الاساسية للمواطن.
ومن الواضح بقدر ما هناك قوة في طموحات المشاريع الكونية على كافة الصعد الا أن هناك قصور _ إلى حد ما _ حين تتجسد في الواقع .
فعندما نتكلم عن المضامين الجديدة للأمن العالمي هناك كثير من التساؤلات تطرح:
تاريخيا هل تم تحقيق الأمن العالمي؟؟
المضامين الجديدة للأمن العالمي هل متفق عليها عالمياً ؟؟
هل يمكن مقابلة منظور السيادة الوطنية بمواطنية كونية شبة مكتملة ؟
وإذا كان هناك انماط معقدة من إنسنة الواقع الدولي فهل نكون قد انتقلنا من منظور كلاسيكي يدافع بقوة عن عدم التطابق بين حقوق الإنسان والسياسة الدولية إلى نوع من التجاوب الفعلي والمستمر وغير المستقر بينهما ؟
هل مرجعية المضامين الجديدة للأمن العالمي ستنمو بسرعة واقعية السياسة الدولية؟
عندما يتم التكلم عن المضامين الجديدة للأمن العالمي يجب علينا الاخذ بعين الأعتبار حالتين :
1- الأمن العالمي القائم على العلاقة بين الإنسان والطبيعة ( البيئة ) .
2- الأمن العالمي القائم على العلاقة فيما بين الإنسان واخيه الإنسان من جهه والدول فيما بينها (الأمن السياسي) من جهه اخرى .
فيما يتعلق بالعلاقة القائمة بين الإنسان والبيئة هناك تحديات تواجه الأمن العالمي, وقد يكون التضامن العالمي لإيجاد حلول لمواجهة التحديات في هذا الصدد أكثر إمكانية منه على صعيد الأمن السياسي بين الدول. والعقد الاجتماعي هو أساس شرعية القانون في المجتمعات البشرية, وفي النظام الدولي التقليدي, الدول تتمتع بقدر من الحرية والسيادة , ولا توجد أي سلطة فوقها , ولا قانون دولي الا ما تختاره على أساس اتفاقيات أو معاهدات تم مناقشتها بحرية تامة أو أعراف تم قبولها ضمنياً, فحرية الدولة لا تحدها سوى حرية الدول الآخرى, وإذا كانت الحالة الطبيعية قد تم تجاوزها في النظام الداخلي فليس الامر كذلك في النظام الدولي حيث القوة هي المقياس الوحيد للتصرف, على الرغم من أن الأمور قد تغيرت مع ظهور المنظمات غير الحكومية الا أن علاقة القوة داخل هذه المظومة ستبقى موجودة.
وإذا كان هناك حرص على المصلحة والسلطة والأمن القومي, إلا انه على الجانب الآخر هناك تشديد على الحق والعدالة ومراقبة الحكام والتركيز على حقوق الإنسان ,وهذا ما نجده في الصراع الفكري التاريخي بين هوبز الذي يرفض منح حقوق الإنسان أي اعتبار دولي باعتبار الأمن القومي هو وحده الذي يمنح المعنى للمصالح الوطنية. وبين غروسيوس الذي كان مناصراً للمواطنة العالمية ولنظام عادل يسمو فوق كل السلطات والسيادات.
على صعيد المضامين الجديدة للأمن العالمي هناك إشكالية على مستوى تأقلم الضوابط القانونية مع القضايا أو المشكلات العارضة , فكيف يتم معالجة قضايا في ظل غياب قواعد قانونية تضبط هذه الأوضاع العارضة مثل قضية اللحوم الملوثة هرمونيا التي انقسم حولها الرأي العالمي بين الولايات المتحدة وكندا من جانب والمجموعة الأوروبية من جانب آخر.
هناك كثير من القضايا الشائكة التي تطرح علامات استفهام حول إمكانية الاتفاق عليها خاصة على الصعيد الثقافي , والخلاف الدائر ما بين منظمة الصحة العالمية ومصر حول ختان الإناث يعبر عن واقع هذه التناقضات, حيث تعارض منظمة الصحة العالمية هذه العملية من منطلق الدفاع عن حقوق الإنسان وتحديداً حقوق المرأة , بينما تدافع مصر عن موقفها من منطلق التمتع بالحقوق الثقافية الخصوصية للمجتمعات التي كرسها الأعلان العالمي لحقوق الإنسان.
الجانب الاستراتيجي والمصلحي ما زال فاعلاً وحاضراً بقوة وكثيراً ما تتحول حقوق الإنسان إلى أداة لضغط الأقوياء على الضعفاء وهو ما يخلق التداخل بين ما هو دولي وما هو إنساني وبالتالي من الطبيعي أن ينعكس ذلك فيما بعد على الأمن العالمي.
ان الأمن العالمي التي بدأت تتضح معالمة يوماً بعد يوم والذي يجعلنا اكثر تفاؤلاً بمستقبل التعاون الدولي, وسيبقى القانون الدولي دعامة لهذا المستقبل وهنا نتساءل :
كيف يمكن للقانون الدولي ان يتطور؟
هل يمكن للقانون الدولي أن يتطور إلا في ظل الحياد السياسي الذي يسمح له بالمحافظة على استقلاليتة ؟
هل ذلك ممكن ؟
تاريخياً هل تم تحقيق ذلك؟