‏إظهار الرسائل ذات التسميات حقوق الأنسان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حقوق الأنسان. إظهار كافة الرسائل

2023-02-18

الصبر الاستراتيجي الإيراني: إسرائيل والحروب الناعمة


 

د. سلام الربضي

للأسف، من خلال تتبع نسق استراتيجيات كثير من الدول القائم على الاهتمام المبالغ فيه بقضايا حقوق الإنسان والمرأة والديمقراطية في إيران (كقضية وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني)، لم يعد بالإمكان تجاهل وأغفال مدى الاستغلال السياسي والأمني والثقافي الحاصل. وهذا النسق تم اعتماده سابقاً في سوريا مما أدى الى دخولها في مستنقع الحرب منذ العام 2011. وبالتالي وانطلاقاً من تواجد إيران في ذات الاتجاه السياسي تم اتباع ذات النسق، فالمسألة مرتبطة بالدرجة الأولى بمواجهة قوة إيران المتصاعدة.

فمن حيث المبدأ هنالك استراتيجية باتت واضحة ومكشوفه وهي ترتكز على خلفيات ثقافية هدفها الأساس تفتيت المجتمعات من الداخل(الحروب الناعمة). أذ إن كثير من الدول(إسرائيل تحديداً) لا يمكنهما التسليم بتاتاً بواقع وجود إيران كقوة إقليمية كبرى. فعلى الرغم من كل سياسات العقوبات المتبعة لعزل وتهميش إيران خلال 45 عاماً المنصرمة، استطاعت إيران بناء قوتها الذاتية وترسيخ نفوذها الإقليمي.

وبالتالي، لم يعد أمام الدول تلك الدول المعادية لإيران سوى الاتجاه نحو استغلال بعض القضايا الجدلية داخل المجتمع الإيراني المرتبطة بحقوق الإنسان والمرأة والديمقراطية، من أجل زعزعة استقرارها وأضعافها. ووفقاً  لذلك، توجهت تلك الدول نحو خيار الحرب الناعمة وذلك عن طريق:

  1. التغلغل الثقافي داخل المجتمع الإيراني لتمزيق بنيته السياسية.
  2. دعم الحركات الإرهابية، بما في ذلك محاولة إعادة إنتاج داعش جديدة. 

وفي هذا السياق هنالك كثير من الأدلة التي تؤكد تلك التدخلات الخارجية الهادفة إلى إغراق إيران بنزاعات وحروب داخلية، منها على سبيل المثال لا الحصر:

·         ضبط  شحنات أسلحة قادمة من الخارج ترافقت مع  أعمال الشغب الداخلية.

·         تفكيك خلايا إرهابية كانت تخطط لاغتيال شخصيات من أصول عربية وإجراء عمليات إرهابية في الأماكن الدينية من أجل إشعال حرب أهلية.

·         القبض على مجموعات إرهابية مرتبطة باستخبارات خارجية تعمل على تهريب الأسلحة.

 

وانطلاقاً من تلك الحقائق، يبدو أن الهدف الرئيس هو تدمير البنية المجتمعية وتضخيم الاستقطاب السياسي وتقويض الاستقرار الأمني؛ بحيث تُصبح إيران أكثر هشاشةً وقابلية للتقسيم. فعملياً الجمهورية الإيرانية تواجه حرب هجينة، غايتها السياسية قائم على مواجهة النفوذ الايراني الذي يرتكز على:

-         التمسك بالبرنامج النووي.

-         دعم حركات المقاومة في مواجهتها للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

-         التواجد في سوريا ومساعدة الجيش السوري في حربه ضد الحركات الإرهابية.

-         مساندة الحوثيين في اليمن بشكل دائم.

-         ترسيخ التغلغل في العراق على كافة الأصعدة.

-         التقارب الاستراتيجي مع كل من روسيا والصين.

وهنا يجب الاعتراف بإن التجاذبات الإيرانية الداخلية، هي بمثابة ورقة رابحة حاولت الولايات المتحدة وإسرائيل استغلالها لتحريض الشعب الإيراني على نظام الحكم والتصادم معه. وهذا الوقع أو التحدي الجديد تطلب من الحكومة الإيرانية اعتماد رؤية مختلفة على مستوى كيفية التعامل مع هكذا مستجدات. حيث اتبعت الحكومة الإيرانيه ومؤسساتها الأمنية سياسة ضبط النفس وعدم اتخاذ أية خطوة استفزازية قد ؤدي إلى التصادم، بل على العكس من ذلك تم العمل على:

1-         امتصاص غضب الشعب والسماح بالتظاهر .

2-         مراقبة الوضع الأمني عن كثب والسيطرة على الخلايا الإرهابية.

3-         الكشف للمجتمع الإيراني سياسات التجييش والتحريض الإعلامي القذرة.

4-         أثبات ارتباط كثير من الحركات المعارضة بأجندة الدول الأجنبية .

5-         الربط بين الأحداث الداخلية والنسق القائم على تطبيق النموذج السوري في إيران.

وفي هذا الإطار، وبغض النظر عن مدى قدرة الحكومة الإيرانية على مواجهة هذه الحروب الناعمة، فإن هنالك تحديات سياسية وثقافية وأمنية داخلية في غاية الخطورة لم يعد بالإمكان تجاهلها، وهي تتطلب إعادة النظر بكثير من السياسات التي كانت يُعتقد أنها باتت من البديهات، ومنها:

·         لم يعد من الممكن اتباع السياسة التي تقوم على تحميل الحكومات الإيرانية المسؤولية وتحييد المرشد الأعلى للثورة (أو مؤسسة ولاية الفقية) عن أي مسؤولية.

·         وجود تغيرات جذرية مرتبطة بالتهديدات الأمنية، التي لم تعد تقتصر على الخطر الإسرائيلي، وإنما امتدت لتشمل الحركات الإرهابية.

·         زيادة حدة التعقيدات المرتبطة بالخطط الخارجية الراغبة في تقويض دعائم الدولة الإيرانية.

·    الأزمات الداخلية تبدو الأكثر خطراً، وربما تؤدي إلى تقديم تنازلات استراتيجية على مستوى الملف النووي والقضية الفلسطينية والعلاقة مع سوريا وحركات المقاومة.

في محصلة القول ، أن الاهتمام المبالغ به في قضايا حقوق الإنسان يأتي في سياق الضغوط التي تتعرض لها إيران منذُ عقود، لتحقيق أهداف جيوسياسية. ولكن وفقاً لكيفية مواجهة إيران لما سبق وقد تعرضت له من تحديات يبدو أنها قادرة على تجاوز الصعوبات الحالية، إذ أن ركائز الدولة ما زالت متينة على كافة المستويات.

كما أنه يجب عدم الاستخفاف بقدرة إيران على إعادة تقييم علاقاتها الخارجية انطلاقاً من معادلة أن أمن إيران مرتبط بأمن المنطقة. وهنالك لدى إيران كثير من الخيارات التي تعزز تلك المعادلة. إذ ثمة هنالك استحقاقات متعددة الأبعاد مرتبطة بالواقع الإيراني سواء على صعيد البرنامج النووي أو زيادة حدة التصادم مع إسرائيل وأمن الطاقة. فمثلاً، لم يعد بالإمكان التعويل الدائم على استمرار ضبط النفس الإيراني في اليمن، وما سوف ينتج عن ذلك من تداعيات استراتيجية إقليمية وعالمية، أقله على صعيد توازنات أمن الطاقة العالمي.

ناهيك عن أنه في حال نفاذ الصبر الإيراني الاستراتيجي ليس من المستبعد على الإطلاق، استهداف إيران بشكل مباشر للمصالح الإسرائيلية، وربما في مرحلة ما قد تكون المواجهة مباشرة داخل فلسطين المحتلة نفسها. حيث أن إيران تعي تماماً أن جميع محاولات زعزعة استقرارها لا يمكن فصلها على الإطلاق عن ردود أفعال إسرائيل، التي تواجه خطراً وجودياً بعد خسارتها جميع حروبها مع محور المقاومة المدعوم بشكل كامل وغير محدود من قبل الجمهورية الإيرانية.


2023-02-16

IV Sesión Sensibilización y prevención: VIOLENCIA SEXUAL EN LA JUVENTUD

 



IV Sesión Sensibilización y prevención: VIOLENCIA SEXUAL EN LA JUVENTUD. 

La Secretaría General para la Igualdad de la Xunta de Galicia y las Oficinas de Igualdad de Género de las tres universidades gallegas.

, de14 noviembre en la USC Santiago de Compostela


2022-03-09

المرأة بين الفلسفة والفكر الذكوريّ

 


د. سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

لقد باتت كثير من المكاسب التي تحققت على مستوى المساواة بين الرجل والمرأة معرضة للانتكاس، حيث يوجد الكثير من أوجه الخلل القائمة، والتي تزيد من تفاقم معاناة النساء لمجرد كونهن إناثاً. إذ ما زالت المرأة في جميع أنحاء العالم تواجه قوانين وأنظمة تقيد وتعيق فرصها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فوفقاً للتقارير العالمية يبدو أن هنالك كثير من التحديات الجديدة التي تتعرض لها المرأة على مستوى صحتها وسلامتها وأمنها الاقتصادي، إذ تتمتع النساء فقط بثلاثة أرباع الحقوق القانونية الممنوحة للرجال([1])ومن المؤكد عند محاولة تقييم تلك المعضلة ومقاربة واقع حقوق المرأة، لا بد من طرح الإشكالية التالية:

هل هنالك خلل فلسفي يحول دون تمكين المرأة من تجاوز تلك المنظومة الذكورية؟

 يبدو أن القمع الذكوري الأقصى الحقيقي، هو ما تعاني منه المجتمعات والحقول الفلسفية من نظرة انتقاصية للمرأة. وبالتالي، إذا كان هنالك من رغبة جدية للوصول إلى المساواة الحقيقة بين النساء والرجال، هذا يستوجب إعادة النظر، بكل ما له علاقة بثقافة المجتمعات، بما في ذلك ثقافة المرأة نفسها([2])، ناهيك عن مواجهة بعض التحديات على المستوى التنويري، والتي تتطلب أخضاع كلاً من الفكر الفلسفي والثقافي للفحص النقدي الصريح. حيث يتضح أن المرأة قد وضعت في رحم دوامة فلسفة مغلقة، تحتفظ بالأشكال التقليدية للأنوثة([3]). وفي هذا السياق، من المنطقي القول، إنه لا يمكن الوصول إلى المساواة المجتمعية الجنسانية دون وجود خلفية فلسفية تعمل على تنوير العقول وتحريرها من القيود الذكورية.

ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك التحرر والتنوير إذا كانت القيم الفلسفية نفسها تعاني مشكلة جنسانية وشوفينية بارزة، والتي ترتبط (للأسف الشديد) بدونية المرأة في عالم الفلسفة؟

 على سبيل المثال، أشهر الفلاسفة الإغريق (أرسطو، أفلاطون، سقراط) كانت رؤيتهم للمرأة بشكل عام لا تتعدى عن كونها لا تصلح إلا للإنجاب، وأنه لا يمكنها أن تمارس الفضائل الأخلاقية كالرجال، وهي أدنى من الرجل في العقل والفضيلة. وهذه الرؤية للمرأة في عالم الفلسفة القديمة لم تختلف كثيراً مع عددٍ من كبار الفلاسفة الحديثين(جان جاك روسو، كانط، نيتشه)، فالمرأة وفقاً لرؤيتهم لم تُخلق لا للعلم ولا للحكمة، وإنما لإشباع غرائز الرجل، كما أن عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل وهي ليست مصنوعة للتفكير، وهي مصدر كل الشرور وتتآمر مع كل أشكال الانحلال ضد الرجال([4]).

 يبدو من الواضح أن استمرار طُغيان الفلسفة الذكورية يعد عرضاً طبيعياً لذكورية الثقافة الإنسانية بشكل عام، والتي ما زالت مستمرة، على الرغم من المزاعم بالمساواة. وبالتالي، إذا كان هنالك من يعتقد أن هذه الاعتبارات الفلسفية الغارقة في الذكورية والمرتبطة بحقوق المرأة، لقد تجاوزها الزمن في ظل انتشار الايديولوجية النسوية، وتطور نسق الأفكار المتعلقة بالجنسانية. ولكن هنا، لا بد من طرح الإشكالية القائمة حول: هل تغيّرت فعلياً النظرة الذكورية تجاه المرأة على المستوى الفلسفي المعاصر، وهل هنالك حاجة ماسة للانتقال إلى المنظومة الفلسفية التنويرية الشاملة؟

بكل تأكيد عند محاولة الإجابة على تلك التساؤلات وتقييم تلك الإشكالية الهجينة (وفي حال تم تجاوز المنهج الاحصائي والكمي الذي يؤكد على قتامة المشهد) من أجل إيجاد تغيير جذري على مستوى الركائز الحيوية الضامنة لحقوق المرأة، يجب البحث عن الاسباب والخلفيات، التي تحول دون استطاعة المرأة حتى الآن، من ابتداع مدرسة فلسفية متكاملة أو إنشاء تياراً فكرياً يستطيع التأثير في الحقل الفلسفي. وعدم الاستطاعة هذا، حتماً سيؤدي إلى طرح التساؤل الجوهري حول:

هل فعلياً يوجد نساء فيلسوفات([5])؟

هنا لا محالة، سوف يتم الاصطدام بقساوة ووطأة الجدليات المرتبطة بأهمية ومكانة ودور المرأة في التفكير والتفلسف.



[1]  ناهيك عن تزايد العنف ضد المرأة ، بالإضافة إلى الوهن الاقتصادي وعدم الاستقلالية المادية إلى حد ما، بما في ذلك الحواجز التي تحول دون الالتحاق أو الحفاظ على الوظائف، وتواجه النساء أيضا من ارتفاع ملحوظ في العنف المنزلي وتحديات الصحة والسلامة..الخ. راجع تقرير البنك الدولي المعنون:"المرأة والأعمال والقانون في 2021". والتقرير متوافر على الرابط التالي: https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/35094/9781464816529.pdf

[2]  إذ من المتسغرب تقبل بعض النساء لتلك المظاهر، بحجة أنهن اعتدنا على تلك الممارسات. ومن المؤسف أيضاً أن الكثير منهنّ لا تعرف شيئاً عن مجرد استغلالها. وهنا قد تطرح كثير من علامات الاستفهام حول فيما إذا كان يحق للمرأة (انطلاقاً من مبادئ حقوق الإنسان) قبول انتهاك إنسانيتها؟

[3]  وانطلاقاً من ذلك، يجب التدبر في كيفية استخدام مصطلحات مثل الأنوثة والهوية والشرف والرجولة...الخ.

[4] ومن الجدير ذكره هنا أهمية عدم تعميم النظرة الذكورية للمرأة في الحقل الفلسفي، إذ على سبيل المثال قدم الفيلسوف العربي ابن رشد رؤيةً إنسانية لا تقل أهمية عن كل الطروحات المعاصرة المرتبطة بحقوق المساواة الجنسانية. حيث يؤكد على عدم وجود أي اختلاف بين المرأة والرجل سوى بالدرجة لا في الطبع(الاختلاف الجسدي)، وليس من الممتنع وصولُهن إلى الحكم، إذ أن المرأة والرجل نوع واحد، وأنه لا فرقَ بينهما في الغاية الإنسانية.

[5] فإذا تم منهجياً تجاوز تأثير الرأي العام غير المنطقي، وفي حال تم التدقيق العلمي في التاريخ الفلسفي (القديم والمعاصر) وفقاً لخصائص وشروط محددة،  فإننا لن نجد فيلسوفة واحدة.


2021-03-09

المرأة والفكر الفلسفيّ الذكوريّ

 


د. سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية

 

الميادين. نت  

مع انتشار جائحة "كوفيد-19"، باتت كثير من المكاسب التي تحققت على مستوى المساواة معرضة للانتكاس. فهذه الجائحة تعمّق أوجه الخلل القائمة، وتكشف ما يشوب النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من مواطن ضعف،  وتزيد من تفاقم  معاناة النساء والفتيات لمجرد كونهن إناثاً. فعلى الرغم من التطور البطيء على مستوى نسق رفع وتيرة المساواة بين الجنسين، ولكن ما زلن النساء في جميع أنحاء العالم يواجهن قوانين وأنظمة تقيد وتعيق فرصهن الاقتصادية والاجتماعية. فوفقاً للتقارير العالمية يبدو أن جائحة "كوفيد 19" قد خلقت تحديات جديدة للنساء على مستوى صحتهن وسلامتهن وأمنهن الاقتصادي، إذ تتمتع النساء فقط بثلاثة أرباع الحقوق القانونية الممنوحة للرجال([1]).

 

ومن المؤكد عند محاولة تقييم تلك المعضلة ومقاربة واقع حقوق المرأة، لا بد من طرح التساؤلات التالية:


- إلى متى سوف يتم اتخاذ المرأة كدليل على التكامل الثقافي والأخلاقي للمجتمع؟

-هل هنالك خلل فلسفي يحول دون تمكين المرأة من تجاوز تلك المنظومة الذكورية؟

 

يبدو أن القمع الذكوري الأقصى الحقيقي، هو ما تعاني منه المجتمعات والحقول الفلسفية من نظرة انتقاصية للمرأة. وبالتالي، إذا كان هنالك من رغبة جدية للوصول إلى المساواة الحقيقة بين النساء والرجال، هذا يستوجب إعادة النظر، بكل ما له علاقة بثقافة المجتمعات، بما في ذلك ثقافة المرأة نفسها([2])، ناهيك عن مواجهة بعض التحديات على المستوى التنويري، والتي تتطلب أخضاع كلاً من الفكر الفلسفي والثقافي للفحص النقدي الصريح. حيث يتضح أن المرأة قد وضعت في رحم دوامة فلسفة مغلقة، تحتفظ بالأشكال التقليدية للأنوثة([3]).

 

وفي هذا السياق، من المنطقي القول، إنه لا يمكن الوصول إلى المساواة المجتمعية الجنسانية دون وجود خلفية فلسفية تعمل على تنوير العقول وتحريرها من القيود الذكورية. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك التحرر والتنوير إذا كانت القيم الفلسفية نفسها تعاني مشكلة جنسانية وشوفينية بارزة، والتي ترتبط (للأسف الشديد) بدونية المرأة في عالم الفلسفة؟

 

فعلى سبيل المثال، أشهر الفلاسفة الإغريق (أرسطو، أفلاطون، سقراط) كانت رؤيتهم للمرأة بشكل عام لا تتعدى عن كونها لا تصلح إلا للإنجاب، وأنه لا يمكنها أن تمارس الفضائل الأخلاقية كالرجال، وهي أدنى من الرجل في العقل والفضيلة. وهذه الرؤية للمرأة في عالم الفلسفة القديمة لم تختلف كثيراً مع عددٍ من كبار الفلاسفة الحديثين(جان جاك روسو، كانط، نيتشه)، فالمرأة وفقاً لرؤيتهم لم تُخلق لا للعلم ولا للحكمة، وإنما لإشباع غرائز الرجل، كما أن عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل وهي ليست مصنوعة للتفكير، وهي مصدر كل الشرور وتتآمر مع كل أشكال الانحلال ضد الرجال([4]).

 

يبدو من الواضح أن استمرار طُغيان الفلسفة الذكورية يعد عرضاً طبيعياً لذكورية الثقافة الإنسانية بشكل عام، والتي ما زالت مستمرة، على الرغم من المزاعم بالمساواة. وبالتالي، إذا كان هنالك من يعتقد أن هذه الاعتبارات الفلسفية الغارقة في الذكورية والمرتبطة بحقوق المرأة، لقد تجاوزها الزمن في ظل انتشار الايديولوجية النسوية، وتطور نسق الأفكار المتعلقة بالجنسانية. ولكن هنا، لا بد من طرح الإشكالية القائمة حول التساؤل فيما إذا تغيّرت فعلياً النظرة الذكورية تجاه المرأة على المستوى الفلسفي المعاصر، وفيما إذا كان هنالك حاجة ماسة للانتقال إلى المنظومة الفلسفية التنويرية الشاملة؟

 

بكل تأكيد عند محاولة الإجابة على تلك التساؤلات وتقييم تلك الإشكالية الهجينة (وفي حال تم تجاوز المنهج الاحصائي والكمي الذي يؤكد على قتامة المشهد) من أجل إيجاد تغيير جذري على مستوى الركائز الحيوية الضامنة لحقوق المرأة، يجب البحث عن الاسباب والخلفيات، التي تحول دون استطاعة المرأة حتى الآن، من ابتداع مدرسة فلسفية متكاملة أو إنشاء تياراً فكرياً يستطيع التأثير في الحقل الفلسفي.

 

وعدم الاستطاعة هذا، حتماً سيؤدي إلى طرح التساؤل الجوهري حول فيما إذا كان يوجد نساء فيلسوفات([5])؟ وهنا لا محالة، سوف يتم الاصطدام بقساوة ووطأة الجدليات المرتبطة بأهمية ومكانة ودور المرأة في التفكير والتفلسف.



([1])  ناهيك عن تزايد العنف ضد المرأة ، بالإضافة إلى الوهن الاقتصادي وعدم الاستقلالية المادية إلى حد ما، بما في ذلك الحواجز التي تحول دون الالتحاق أو الحفاظ على الوظائف، وتواجه النساء أيضا من ارتفاع ملحوظ في العنف المنزلي وتحديات الصحة والسلامة..الخ. راجع تقرير البنك الدولي المعنون:"المرأة والأعمال والقانون في 2021". والتقرير متوافر على الرابط التالي: https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/35094/9781464816529.pdf

([2])  إذ من المتسغرب والمستهجن تقبل بعض النساء لتلك المظاهر، بحجة أنهن اعتدنا على تلك الممارسات، ومن المؤسف أيضاً أن الكثير منهنّ لا تعرف شيئاً عن مجرد استغلالها. وهنا قد تطرح كثير من علامات الاستفهام حول فيما إذا كان يحق للمرأة (انطلاقاً من مبادئ حقوق الإنسان) قبول انتهاك إنسانيتها؟

([3])  وانطلاقاً من ذلك، يجب التدبر في كيفية استخدام مصطلحات مثل الأنوثة والهوية والشرف والرجولة...الخ.

([4]) ومن الجدير ذكره هنا أهمية عدم تعميم النظرة الذكورية للمرأة في الحقل الفلسفي، إذ على سبيل المثال قدم الفيلسوف العربي ابن رشد رؤيةً إنسانية لا تقل أهمية عن كل الطروحات المعاصرة المرتبطة بحقوق المساواة الجنسانية. حيث يؤكد على عدم وجود أي اختلاف بين المرأة والرجل سوى بالدرجة لا في الطبع(الاختلاف الجسدي)، وليس من الممتنع وصولُهن إلى الحكم، إذ أن المرأة والرجل نوع واحد، وأنه لا فرقَ بينهما في الغاية الإنسانية.

([5]) فإذا تم منهجياً تجاوز تأثير الرأي العام غير المنطقي، وفي حال تم التدقيق العلمي في التاريخ الفلسفي (القديم والمعاصر) وفقاً لخصائص وشروط محددة،  فإننا لن نجد فيلسوفة واحدة.


2020-03-08

المجتمع الذكوري وحقوق المرأة



سلام الربضي: مؤلف وباحث في العلاقات الدولية \ اسبانيا


بمناسبة يوم المرأة العالمي 8  آذار 

يجب التدبر في كيفية استخدام مصطلحات مثل الأنوثة والهوية والشرف والرجولة...الخ. فالقمع الأقصى الحقيقي، هو ما يعاني منه المجتمع الذكوري فاقد القوة الروحية ذات المغزى، والتي يتسنى للرجال من خلالها (قبل المرأة)، التحليق في سماء الحرية، والتوقف عن تحديد ما هو خير للمرأة وما ينبغي عليها فعله.

فإذا كان هنالك من رغبة جدية وصادقة في المجتمعات، للاعتراف للمرأة بحقوقها، بوصفها من الحقوق الأساسية للإنسان، هذا يعني إنه يتوجب علينا إعادة النظر، بكل ما له علاقة بثقافة المؤسسات المجتمعية، من أجل محاولة التفكير في تلك الحقوق، بشكل أخلاقي جدير بالاحترام، يختلف تمام الاختلاف عما كان يتم فهمه سابقاً. حيث لا يمكن الاعتراف بالعديد، من هذه الحقوق، من دون مواجهة بعض التحديات على مستوى مفهوم الحقوق بحد ذاته، أو الانتهاكات التي يكمن مجالها الحيوي في الحياة الأسرية. وهذا يتطلب بشكل حازم، أخضاع كلاً من الفكر الأسري والثقافي المتضمن البعد الديني للفحص النقدي الصريح. وانطلاقاً من ذلك يمكن لنا مقاربة هذا الواقع على هذا النحو:
1- هل من المنطق تبرير الانتهاكات بحق المرأة من خلال معايير ثقافية ودينية؟
2- إلى متى سوف يتم أتخاذ النساء كدليل على التكامل الثقافي والأخلاقي للمجتمع؟
3- ما هو المجال الحيوي الذي يُمكن المرأة من تجاوز منظومة التسلط والتهميش؟
يبدو أن المرأة قد وضعت في رحم دوامة تعريف الثقافات المغلقة، بوصفها ثقافات تحتفظ بالأشكال التقليدية للأنوثة، واعتبار انتهاك حقوقها أمراً مألوفاً ونمطاً شائعاً. فليس هناك من جديد، في حال رغبنا تقديم بعض المعطيات عن الواقع المرير للنساء العربيات، إذ تتزايد النزعة العسكرية إذا جاز التعبير، أو ما يسمى العنف ضد المرأة ( الأغتصاب المنزلي)، ناهيك عن ممارسات الختان في بعض المجتمعات، بالإضافة إلى الوهن الاقتصادي وعدم الاستقلالية المادية إلى حد ما. 
ولكن من المتسغرب والمستهجن تقبل بعض النساء لتلك المظاهر، بحجة أنهن اعتدنا على تلك الممارسات، ومن المؤسف أيضاً أن الكثير منهنّ لا تعرف شيئاً عن مجرد استغلالها. وبالتالي، بكل تأكيد عند محاولة تقييم تلك الإشكالية الهجينة والجدلية المركبة، سوف يتم الاصتطدم بقساوة ووطأة التساؤلات التالية:
1-  لماذا لا ترتبط وتكتمل رجولتنا إلا فقط بقمع نسائنا؟
2-  هل يجب أن يرتكز المجال الحيوي الضامن لحقوق المرأة على منظومة قانونية بدلاً من ثقافة المجتمع الذكورية؟
3-  هل يحق للمرأة انطلاقاً من مبادئ حقوق الإنسان قبول انتهاك إنسانيتها؟

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com