2009-06-15

كتاب: المقاربات والمتغيرات العالمية ....عصر الدولة وعصر السوق






للمؤلف : سلام الرّبضي

2009  \ دار المنهل\ بيروت







TO MY UNKNOWN

i
surrender
For you




فــهـــرس الكتاب

المقدمة :
الفصل الأول : استراتيجية الدول والقومية الاقتصادية.
المبحث الأول : قبضة الدول.
المبحث الثاني: مستوى العلاقة بين الرأسمال الاحتكاري والدولة.
المبحث الثالث : القومية الاقتصادية.
المبحث الرابع : الاستثمار الأجنبي المباشر والشفافية.
الفصل الثاني : عصر المساءلة: أيديولوجية جديدة للعبة السلطات والسلطات المضادة.
المبحث الأول : القرارات القضائية.
المبحث الثاني : النزاعات التجارية وحكم القانون.
المبحث الثالث : ثلاثية: القضاء,وسائل الاعلام,الرأي العام.
الفصل الثالث : القوة العظمى الثانية.
المبحث الأول:إمكانية إضافة صوت جديد لعملية صنع القرار العالمي.
المبحث الثاني : واقعية النموذج الجديد.
المبحث الثالث : إشكالية الانتقال من مفهوم الفرد كمواطن إلى مفهوم الفرد كمستهلك.
المبحث الرابع : مساءلة المنظمات غير الحكومية.
الفصل الرابع : عالمية فكرة مواطنة الشركات وممارسة المسؤولية الاجتماعية.
المبحث الاول : الاتفاق العالمي 2000 .
المبحث الثاني : توزيع المسؤوليات ومعايير حقوق الانسان.
المبحث الثالث : العلاقه التجريبية والاستثمار في قدرة الراسمال البشري.
المبحث الرابع : تجربة الدول النامية في منظمة التجارة العالمية.
المبحث الخامس : النموذج الفكري الجديد ومحورية الفرد.
الفصل الخامس : التحكم الاجتماعي والأمن المالي الإنساني.
المبحث الأول : النقابات العمالية وحق التفاوض الاجتماعي.
المبحث الثاني : الأمن المالي الإنساني والنموذج رقم 4 .
المبحث الثالث : التنمية المستدامة والوظائف الخضراء.
الفصل السادس : المقاربات والمتغيرات العالمية الجديدة.
المبحث الأول : التسوق صيغة سياسية جديدة.
المبحث الثاني : مبدأ الاستهلاك الاستثماري.
المبحث الثالث : صناديق الثروة السيادية.
المبحث الرابع: الإشكالية السياسية ولعبة المفاوضات.
المبحث الخامس: الجغرافيا المالية العالمية.
الخاتمة:
الملاحق:
المراجع:

مقدمة الكتاب

من الخطأ أن نرد الأزمة الراهنة لمفهوم السيادة إلى النفوذ العالمي للشركات عبر الوطنية وحدها، فالعولمة الإعلامية تلعب هي الأخرى دوراً لا يقل فاعلية، إضافة إلى رابطات حقوق الإنسان وحماية البيئة والمنظمات غير الحكومية وجلها مناهض للشركات عبر الوطنية، والتي لا تقيد نفسها في نشاطها بمفهوم السيادة، ولا بد من الاعتراف بأن حصانة الدولة وسيادتها المطلقة قد سقطت ولم تعد هناك حدود غير قابلة للاختراق لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا إعلامياً ولا ثقافياً ولا حتى أمنياً؟

فنظرية تآكل دور الدولة وانحسارها أمام نفوذ الشركات قابلة للنقاش، كما أن الانتقال من عصر الدول إلى عصر السوق يطرح علامات استفهام على ضوء المقاربات والمتغيرات العالمية الجديدة:

فالدولة ما تزال هي الحجر الأساس الذي يرتكز عليه أي نظام سواء كان نظاماً سياسياً أم اقتصادياً أم قانونياً ولم يعد مجدياً النظر إلى الاقتصاد من باب الزياده الرقمية للإنتاج القومي أو الدخل الفردي فحسب بل لا بد من بناء أساس مادي علمي وتقاني جديد قرين فكر وثقافة جديدين، ودعامة هذا الأساس الاستثمار في رأس مال القدرة البشرية بدلاً من رأس المال البشري كهدف وأساس للتنمية والتطوير.وذلك من أجل زيادة نطاق الخيار الإنساني وتهيئة أسباب سيطرة الإنسان على بيئته ومقدّراته وقدراته، لبناء حاضره ومستقبله نتيجة واقع الشعور بالمسؤولية الإيجابية الحرة، مسؤولية الانتماء الاجتماعي، كي يغدو المجتمع على طريق ممتد ويفضي إلى مزيد من الحريات والقدرة على المنافسة في عالم يحكمه منطق الصراع.

التعامل مع الشركات من معيار أيدولوجي قائم على امبرياليتها الاقتصادية والسياسية لم يعد يواكب التطورات الاقتصادية العالمية، فها هي شركات الدول النامية تزداد قوة، وظاهرة صناديق الثروة السيادية التي تملكها دول تجعل من إشكالية تحديد المعيار الموضوعي للفصل بين مصالح الدول واستراتيجيتها ونفوذ الشركات معقدة. وظاهرة الصناديق السيادية تعكس واقع ودور الدول الموسَّع التي تؤديه في الأسواق المالية والاقتصاد العالمي.

إن استمرار تصدير صافي رأس المال من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة الغنية برؤوس الأموال يؤدي إلى إثارة الشكوك حول مدى صلاحية نظرية التنمية التقليدية في السياق العالمي الجديد، مما يشير إلى ضرورة إعادة التفكير في أهم الافتراضيات فيما يتصل بالسياسات البديلة ومسارات اللحاق بالركب والتدفقات الرأسمالية والاستثمار.

لقد بات واضحاً أن الدول تتجه بوتيرة متزايدة نحو المزيد من التدخل ولا سيما في بعض القطاعات كالغاز والبترول ووسائط الإعلام والنقل الجوي।.وإن لعبة السلطات المضادة بصورة أو بأخرى، بشكل سلس أو بصدمات متتالية ستفرض نفسها في النهاية، وإن واقع السوق الذي تعمل الشركات عبر الوطنية في ظله والذي تستمد النفوذ منه يستدعي أدوات وآليات للضبط والتحكّم، وهذا هو ما يحصل على أرض الواقع.إذ توجد سلطات مضادة وهي في طور التبرعم وهذه السلطات المضادة تفرض نفسها رويداً رويداً في ظل فلسفة جديدة تطغى على المستويين المحلي والعالمي.


إذ في ظل هذا النظام المتبلور والقائم على حيوية القضاء والرأي العام لا بد من وجود سلطات تأخذ على حين غرة وبصورة قوية على عاتقها مواجهة الشركات عبر الوطنية وتكون القلب النابض والدينامو المحرّك لنشاط الثلاثيةالجديدة. والمنظمات غير الحكومية تعبّر عن واقعية النموذج الجديد الذي يتشكل ويعمل على الضبط والمراقبة لكل عملية سيطرة من قبل الشركات.

وبعيداً عن التنظير ومن منطلق جدلية السلطة والسلطات المضادة يمكن القول إنه من الأجدى على الذين يعارضون نشاط المؤسسات الدولية كمنظمة التجارة العالمية والصندوق الدولي والبنك الدولي أن يعملوا على عكس ذلك، أي المطالبة بتعزيز سلطاتها ويجب أن تدرك المنظمات غير الحكومية أيضاً وفقاً للتجارب أن تكون في مقدمة المطالبين بتعزيز المؤسسات العالمية القائمة لتصبح أكثر استقلالية حيال مساهميها الكبار وأن تطالب كذلك بإنشاء مؤسسات شبيهة تعتني بالبيئة والصحة والأغذية، وكل ذلك ينطلق من اعتبار أن هذه الطريقة أقصر وأنفع عملياً من مجرد الاعتراض والرفض لأي إصلاح من الداخل، وفي أضعف الأحوال تعتبر هذه الطريقة أفضل الممكن والمتاح في ظل هذا الوضع العالمي حتى يتسنى تغييره.

فبدل التكلُّم عن الامبريالية والرأسمالية المتوحشة لماذا لا يتم التكّلم عن النمط الجديد من التمييز العنصري العالمي البيئي الذي ترتكبه الدول الصناعية والشركات بحق البيئة والأفراد الفقراء، وإن استخدام تعبير التكيّف مع المتغيرات المناخية قد يكون عبارة عن مجرّد تعبير مُلَطَّف للتمويه عن غياب العدالة الاجتماعية وسوء توزيعها على الصعيد العالمي. فالتكيّف مع التغيّرات المناخية أمر قد يكون حصوله متعذّراً بالنسبة لسكان الكرة الأرضية الفقراء،

فكيف يمكن لمزارع فقير أن يتلاءم أو يتعايش مع التصحّر والفيضانات التي تهدد حياته وإنتاجه ومحصوله؟ وهل من المعقول أن يختزل الفقراء والجائعون مصادر التغذية وهم بالكاد يحصلون على القليل منها؟

إن مثل تلك المقاربة لقضايا العالم المعاصر ومثل هذه الثقافة هي الطريق الأفضل والأكثر واقعية وجدوى في حل مشاكل العالم، ومنها عملية ضبط نفوذ الشركات.

وفي ظل الواقع المتأزم لأسواق العمل العالمية خاصة في الدول النامية التي تعاني من إشكالية خلق الثروة وإشكالية توزيعها، وبين هاتين الإشكاليتين، اللتين يمكن مواجهتهما عن طريق إدخال القضايا العمالية في المفاوضات الدولية لمنظمة التجارة الدولية، فمن الأسباب الرئيسية لتعّثر مفاوضات جولة الدوحة هو الخلاف القائم بين الدول الصناعية والدول النامية حول تحرير المنتجات الزراعية، وذلك نتيجة عدم استعداد الدول الصناعية لمواجهة المتطلبات لمرحلتين تاليتين هما تحرير السلع الصناعية وتجارة الخدمات.

إذ إن تحرير تجارة الخدمات لا يمكن أن يتم من دون تحرير الانتقال للاشخاص بين الدول.ويعتبر ما قد أقدمت عليه الدول النامية في منظمة التجارة العالمية من اقتراح يهدف إلى الفوز بتنازلات تمنح عمالها حرية أكبر في عبور الحدود الدولية لعرض خدماتهم في أسواق الدول الصناعية المتقدمة خطوة في الاتجاه الصحيح لتحقيق الكثير من المكاسب، وهذا الاقتراح يحمل أسم النموذج رقم4.


النموذج 4 هو نوع جديد من المفاوضات والأساليب التي يمكن استعمالها واستخدامها في المفاوضات مع الدول الصناعية عبر منظمة التجارة العالمية. وموضوع الحقوق العمالية يعتبر من أكثر المواضيع حساسية للدول الصناعية التي ترفض تقديم تنازلات مهمة في ميدان العمل خشية الضرر الذي قد يلحق بسوق العمل المحلية.

والتغيرات العالمية على الصعيد الاقتصادي والمالي تطرح تساؤلات عدة حول العديد من المفاهيم والنقاشات الدائرة حول دور الشركات في السياسة الدولية أو الاقتصاد العالمي، في وقت لم يعد بالإمكان اعتماد المقاربات التقليدية في تحليل ودراسة هذه الظواهر الجديدة في عالمنا المعاصر كصناديق الثروة السيادية، والقوة الاقتصادية الصاعدة في الشرق، وزيادة الاعتماد على الدولة كوحدة سياسية وقانونية قادرة على مواكبة تلك التغيّرات العالمية.

وقضية صناديق الثروات السيادية لا تبدو استثمارية أو اقتصادية بحتة سواء أردنا أو لم نرد، فقد تمّ تسييسها وأصبحت ظاهرة من ظواهر العلاقات السياسية الدولية.لذا فإن التعامل والدراسة على صعيد هذه القضية لا ينبغي أن يقتصر على الفنيين العاملين في مجال الاقتصاد والاستثمار بل يجب أن تجنّد لهذه القضية أفضل الخبرات في مجال العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية الدولية. والصناديق السيادية التي تدير ثروات مملوكة لدول أصبحت تثير حفيظة الدول الكبرى، حيث الخوف من أن تسيطر هذه الصناديق على مفاصل أساسية في الاقتصاد والأمن وقد تُدار بطريقة تتعارض مع مصالح تلك الدول القومية
.فالخوفيزداد من تلك الصناديق التي تتمتّع بسيولة مالية هائلة جدّاً تصل إمكانياتها لدرجة شراء أسواق مالية بكاملها.

ولقد تبدّلت معالم الجغرافيا المالية العالمية، ولقد كشفت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة عن تغيّرات في مناخات الجغرافيا المالية العالمية .

المفارقة أن الأموال الشيوعية تنقذ المؤسسات المالية الرأسمالية.

والأزمة المالية رجّحت كفة بلدان الجنوب في الاقتصاد المعولم ففي أزمة 1997 المالية الآسيوية طمأنت الولايات المتحدة الأسواق المالية في البلدان النامية، وعلى خلاف هذه الأزمة، حملت أزمة النظام المالي الأمريكي في 2007 ـ 2008 بلدان الشمال على قبول مساعدة الدول النفطية وقوى الجنوب المالية العظمى. فالنفوذ المالي انتقل إلى بلدان الجنوب في مجال العمل والفوائض المالية.

الدولة لم تكن في يوم من الأيام أقوى مما هي عليه الآن بما تتمتع به من أدوات للتأثير في الحياة الاقتصادية سواء عن طريق وسائل التأثير عبر السياسات الاقتصادية أو من خلال دورها التنظيمي وتوفير الخدمات الرئيسية، وإن الانحسار الذي أصاب الدولة هو على صعيد الإنتاج في القطاع العام.

والاقتصاد كان على الدوام، باستثناء الفاصل السوفياتي، اقتصاد سوق وإنما طبيعة السوق في ظل العولمة هي التي تحولت، فمن قومية صارت عالمية، فيما الدولة كسيادة سياسية بقيت قومية ومن هذا المنطلق تم اختراق منطق السوق العابر للحدود إلى منطق سيادة الدول القومية.

إننا نعيش في ظل أيديولوجية جديدة للعبة السلطات والسلطات المضادة. فالمصلحة العامة كانت مبرر سلطة الدولة القوية، والتوازن كمبدأ لليبرالية، وها نحن اليوم في عصر المساءلة، كإطار لمجتمع السوق وكسلطة توازن مقابل تزايد نفوذ الشركات عبر الوطنية، والسلطات السياسية قبل غيرها تعي هذا التحولات والصدمة الناتجة عن التحالف الطبيعي بين القضاء والرأي.

إن لعبة السلطات المضادة بصورة أو بأخرى، بشكل سلس أو بصدمات متتالية ستفرض نفسها في النهاية، وإن واقع السوق الذي تعمل الشركات عبر الوطنية في ظله والذي تستمد النفوذ منه يستدعي أدوات وآليات للضبط والتحكّم، وهذا هو ما يحصل على أرض الواقع.

إذ توجد سلطات مضادة وهي في طور التبرعم وهذه السلطات المضادة تفرض نفسها رويداً رويداً في ظل فلسفة جديدة تطغى على المستويين المحلي والعالمي وفي سياق السباق المتواصل بين السعي لاحتلال مواقع احتكارية وبين الردع الذي تتولاه المؤسسات الراعية لحقوق المنافسة، فإن الشركات الرأسمالية باتت في وضعية ضعف نسبي لم تشهده سابقاً على عكس الكلام البليغ السائد حول عدوانية السوق وجنون الرأسمالية وعدم عقلانية الشركات عبر الوطنية.

فإن ما نشهده أمام أعيننا هو ولادة نظام مستقر من السلطات والسلطات المضادة حتى لو لم نتجاوز بعد تساؤلاتنا وشكوكنا إذ في ظل هذا النظام المتبلور والقائم على حيوية القضاء والرأي العام لا بد من وجود سلطات تأخذ على حين غرة وبصورة قوية على عاتقها مواجهة الشركات عبر الوطنية وتكون القلب النابض والدينامو المحرّك لنشاط الثلاثية الجديدة.

العالم مقبل على أشكال جديدة من المنافسة الاقتصادية التي كانت الدول المتقدمة تدعو إليها لسنوات طويلة مستخدمة في ذلك أداة مهمة متمثلة في منظمة التجارة العالمية، إلا أن قبول الكثير من البلدان النامية بتحدي المنافسة، أدى إلى قلب مفاهيم كثيرة وإعادة النظر فيها على المستوى العالمي.

كما أن ازدواجية المعايير الاقتصادية مسألة في غاية الأهمية وهي تختلف عن ازدواجية المعايير السياسية حيث لا مكان لاستخدام القوة هنا في معظم الحالات، والسنوات المقبلة ستكون حاسمة في العلاقات الاقتصادية الدولية فإمّا أن تكون هناك حرية اقتصادية قائمة على حرية المنافسة للجميع وتستخدم فيها تشريعات منظمة التجارة العالمية كحكم محايد، وإمّا العودة إلى أساليب الحماية ووضع القيود من جديد على حركة السلع والخدمات والتي بدأت ملامحها في البروز حالياً.

في هذا الكتاب عدة فصول نتناول فيها المؤشرات التي تعبّر عن الإمكانيات الموجودة فعلاً لدى الدول في كافة القطاعات الاقتصادية، ومقاربة دور ونشاط الأمم المتحدة في جعل مواطنة ومسؤولية الشركات عبر الوطنية عالميتين، وفي هذا المنحى إشارة إلى إيجابية المنظمات غير الحكومية التي تمثل القوى العظمى الثانية، والتركيز على عملية التحكّم الاجتماعي من خلال النقابات العمالية وأهمية عصر المساءلة الذي نعيش في كنفه ودور القضاء والرأي العام في إمكانية المراقبة، ودراسة المقاربات والمتغيّرات العالمية وتحليل الظواهر الجديدة في عالمنا المعاصر كظاهرة التسوّق السياسي ومبدأ الاستثمار الاستهلاكي، وصناديق الثروة السيادية والقوة الاقتصادية الصاعدة في الشرق.

خاتمة الكتاب


من الطبيعي أن يسمح الفوران الحالي لنمو الشبكات العالمية للاتصالات،سيل المبادلات، المبادرات،الاقتصاد الالكتروني الجديد، لمنظّري الليبرالية الحديثة أن يعلنوا بصيغة الحتمية التاريخية، كما يفعل "أنبياء" الماركسية، الانتصار النهائي للسوق,وليس هناك ما هو أكثر خطأ من ذلك؟

مع كل قفزة تقنية هناك انطلاقة شديدة للسوق لقد حصل هذا مع السكك الحديدية، ثم مع الكهرباء، وها هو يحصل الآن مع الانترنت ولكن مع فارق أنه ليست الدولة المنتجة، المستولية على شركات السكك الحديدية وشركات إنتاج وتسويق الكهرباء، هي مَن سيتولى تملُّك التنقنيات الجديدة، بل الدولة المنظّمة والمشرفة.

ومن هذا المنطلق يمكن لنا القول بأن اندفاعة الانترنت تسرّع في ولادة مجتمع السوق، ولكن هذا الاندفاعة ستخمد تدريجياً عبر معايير وآليات ضبط وتحكّم تحمي المصالح العامة وتعمل على إيجاد نوع من التوازن بين ما هو اقتصادي ومالي واجتماعي وسياسي.

وإذا كان يمكن، على سبيل المثال، توقّع الميول الأساسية لاقتصاد الاتصالات، ولكن:

هل يمكن توقّع نماذج المجتمعات التي سوف ترافقه؟

أليس هامش الحركة المتاح للمجتمع هو دائماً أوسع بكثير من ذلك المتاح للاقتصاد؟

وقد يكون هذا التصوّر بادرة أمل وارتياح، حيث إن مصير المجتمع هو بين أيدي أبنائه وقانون الجاذبية الاقتصادية يفعل فعله الطبيعي على صعيد النموذج الاجتماعي، فهو يكيّفه ولكنه لا يحدّده، ونحن الآن نعيش عصر الانترنت، ولكن مجتمع عصر الانترنت ما زال أرضاً مجهولة فعلينا نحن بناء هذا المجتمع.

وعلى عكس الكلام البليغ السائد حول عدوانية السوق وجنوح الرأسمالية، ولاعقلانية المؤسسات الكبرى، فإن ما نشهده أمام أعيننا، هو ولادة نظام مستقر من السلطات والسلطات المضادة، حتى لو كنا لم نتجاوز بعد لا تساؤلاتنا ولا شكوكنا والشركات تعرف أكثر من أيٍّ كان أن السباق المتواصل بين السعي لاحتلال مواقع احتكارية وبين الردع الذي تتولاه المؤسسات الراعية لحقوق المنافسة والسلطات المضادة، جعل الشركات عبر الوطنية الآن في ضعف نسبي لم تشهده سابقا.

من خلال السياق التاريخي لتتبّع حركة الرأسمالية وخاصة منذ التقـويم النقــدي الكامل، يلاحظ انه تمت الاستعاضة عن نظام التقويم النقدي لأسعار الصرف بنظام ضوابط جزئية من خلال إنشاء النظام النقدي الأوروبي "EMS" في1979 وبرام اتفاقيات بلازا واللوفر بين الدول الصناعية.

وهكذا لم يتم ولم يقم أحد باستعادة النظام القديم المتعدد الأطراف الذي كان جارياً بعد العام 1945 ولكن كل ذلك لم يمنع الوقوع في حمأة قوى السوق الفاتنة، من جهة، ولم يمنع التنافس السلبي بين الكتل التجارية من جهة أخرى.

ومنظمة التجارة العالمية التي تعمل على إبقاء النظام التجاري العالمي مفتوحاً، لكن أيضاً على الأقل قابلاً للخضوع إلى قواعد محسوبة، ومحاولة وضع اتفاقيات الاستثمار المتعدد الأطراف وإقامة المنظمات والوكالات العالمية التي تعمل على تنسيق وتنظيم الجهود والتعاون في قطاعات مختلفة سواء المصرفية منها أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وكلها تصب في هذه الخانة، بحيث تشيع الليبرالية في النظم القومية لضبط الاستثمار في كافة الأصعدة المصرفية والاقتصادية، هو مؤشر إيجابي جلي على أن مشروع إنشاء اقتصاد عالمي يعتمد على قوى السوق وحدها معلّق على الأقل، إن لم نقل بأنه تراجع بالكامل.

كما أن من أسباب الضغوط لإعادة الضوابط يرجع إلى أن معظم الأطراف اللاعبة في الاقتصاد العالمي لها مصلحة في الاستقرار، بما في ذلك كبرى الشركات عبر الوطنية التي ترى في تقليص الاضطراب والغموض فائدة جلية من ناحية تخطيط الاستثمارات ومن ناحية الإنتاج واستراتيجيات التسويق، أو على صعيد الأسواق المالية من خلال تثبيت استقرار النظام المالي العالمي بالضبط الحكومي.

وإن الفكرة الشائعة وسط غُلاة منظّري العولمة بأن الشركات ستنتفع كثيراً من وجود بيئة عالمية خالية من الضوابط تظل فكرة غريبة حقاً,
فالقواعد التجارية المحسوبة، وتسوية حقوق الملكية المنسّقة عالمياً واحتواء التقلّبات المفرطة في أسواق الأسهم المتنوعة، واستقرار أسعار الصرف تسهم جميعاً في تأمين مستويات أولية من السلامة التي تحتاجها الشركات للتخطيط للمستقبل، حيث إن من أهم مقوّمات رفع كفاءه الأسواق وجود عناصر ثلاثة:

أولاً: قوانين واضحة لحماية حقوق الملكية.

ثانياً: نظام قضائي كفوء عادل تُنشر جميع قرارته ليطلع عليها الجميع.

ثالثاً: وجود قوانين واضحة لمحاربة الغش والتقليد والتزوير ووجود آلية فاعلة لمحاربتها.

وهي شروط لتواصل الاستثمار والنمو ولا تستطيع الشركات أن تخلق هذه الشروط والظروف بنفسها ولنفسها حتى لو كانت عابرة للقوميات ومن هذا المنطلق لا يمكن تحقيق استقرار في الاقتصاد العالمي، إلا إذا اتّحدت الدول وأصحاب الشأن لكي تضبطه وتتفق على أهداف ومعايير تحكّم مشتركة.

ولقد أحدثت رياح العولمة، التي بدأت تهب منذ مطلع الثمانينات وأدت في مطلع التسعينات إلى تفكيك المعسكر السوفياتي، تحولاً جديداً في مفهوم السيادة أخذ شكل تغليب الاقتصادي على السياسي ـإلى حد ما ـ في سياق انتصار أيديولوجيا اقتصاد السوق.

والواقع أن الاقتصاد كان على الدوام، باستثناء الفاصل السوفياتي، اقتصاد سوق، وأنما طبيعة السوق في ظل العولمة هي التي تحوّلت। فمن قومية صارت عالمية، فيما الدولة كسيادة سياسية، بقيت قومية، ومن هنا اخترق منطق السوق العابر للحدود المنطق السيادي للدولة القومية، وهذا لا يعني أن الدولة قد انتفت، لكنه أيضاً يعني أنها لم تعد حرة اليدين وأصبح هناك تغيير في طبيعة وظائفها، ومن هنا نجمت الفعالية التي اكتسبتها الشركات عبر الوطنية والتي أدت إلى تزايد نفوذها، كذلك ظهور المنظمات غير الحكومية وجلّها مناهضة للعولمة وتدافع عن سيادة الدولة.

ولكن المفارقة أن تلك المنظمات لا تقيّد نفسها في نشاطها بمفهوم السيادة؟

وفي الوقت ذاته تطالب بوضع معايير ضبط وتحكّم على نشاط الشركات عبر الوطنية؟ وقد تكون تلك المنظمات هي من الذين هم بأمسّ الحاجة لوضع معايير لضبط عملهم ونشاطهم؟ وعلى الرغم من وجود علامات مشجّعة على صعيد معايير الضبط والتحكّم.

تبقى بعض التساؤلات مطروحة فيما يتعلق ببعض الوكالات والمؤسسات الدولية التي تحدّد جدارة الإقراض وتعمل على تنظيم الأسواق المالية بما فيها عمل البورصات المالية। ومن الواضح أن ممارسات تحديد المعايير هي جزء جوهري من نظام السوق الحر وهي تقرر مصير الفاعلين الاقتصاديين بطريقة تمنح سلطة سياسية فعلية.

وعلى الرغم من أهمية العمليات التي تقوم بها تلك المؤسسات والوكالات والتي تعتبر أهم جانب من جوانب العولمة والتدويل

ولكن ألا يحق التساؤل:

عن ماهيّة هذه الوكالات على وجه الدقة؟

هل هي منظمات تدّعي لنفسها وتمارس سلطة عامة حكومية، في حين أنها ليست خاصة بالكامل وليست عامة بالكامل؟

هل هي جزء من التغيير في النظام العالمي؟

هل هي أداة أو جزء من منظومة التحكّم الناشئة أم العكس؟

وهل يحق لنا الاعتقاد هنا بأنه يجب إعارة هذه المؤسسات والوكالات ـ أو هذه الحالة ـ الانتباه الأكبر من قبل الباحثين؟

لقد استطاعت الحركات المناهضة للعولمة أن تقطع شوطاً في مواجهة قوى السوق وجاء المنتدى الاجتماعي العالمي بمثابة الرد على منتدى دافوس الذي يهدف إلى إرساء الشرعية السياسية التي تتوافق مع مصالح الشركات عبر الوطنية ودولها وهو مؤشر إيجابي على إمكانية القدرة على العمل وإيجاد سلطات مضادة وموازية لسلطات السوق تكون قادرة على الضغط والتأثير وبالتالي المراقبة والضبط.

وليست كل الأخبار باعثة على التشاؤم، فحركة مناهضة العولمة، وعلى الرغم من كل ما يشوبها من التباسات، تبيّن أن من غير المبرر اقتصار هذه الحركات فقط على الاجتماع والاحتجاج بل لا بد من الانتقال إلى القيام بنشاط منظّم وبإمكانية إحياء وإيجاد استراتيجيات جديدة في العمل

وحركة المنتديات الاجتماعية تطرح إشكالية حول تغيير الأحداث:

فكيف يمكن لها أن تنتقل من طور الاحتجاج إلى بناء عولمة بديلة؟

وكيف في وسعها بلورة استراتيجية سياسية في هذا الاتجاه؟

إن الإختلافات داخل هذه المنتديات عمل حيوي لكن لا يمكن أن تكون الحيوية هدفاً بذاتها، إذ يجب أن تتبلور استراتيجية سياسية تتداخل فيها المسألة الوظيفية بالمسألة الاجتماعية؟؟؟

وعلى الرغم من التظاهرات الواسعة والمتزايدة ضد العولمة النيوليبرالية لم يتبلور بعد أي بديل استراتيجي منسّق ومتكامل يمكن أن يفتح الباب أمام نمط جديد من استغلال فرص الاندماج العالمي الذي تسمح به الثورة المعلوماتية.


فالحركات المعادية للعولمة يغلب عليها طابع الاعتراض والاحتجاج وبدون برنامج ملموس وبديل لتعزيز واقع وجود خيارات بديلة سوف نبقى في دوامة الرفض فقط وخطر العموميات في البرامج وفي حلقة مفرغة إذ أكثر ما يقلق قوى السوق وبالطبع الشركات هو أن يضطروا إلى تحديد موقفهم من مشروع عالمي اجتماعي وإذا كان المنتدى العالمي الاجتماعي بدا لنا كسلطة مضادة لسلطة منتدى دافوس، ولكن دون ترجمة هذا التوجه والنشاط من الشعارات إلى واقع.

يبقى البديل هو جوهر الخلاف وفي كل الأحوال فإن هذه الدينامية في الحركة المضادة لقوى السوق تبقى مهمة من حيث أنها تبيّن أن إمكانية الضبط والمراقبة وبزوغ فجر السلطات المضادة تبقى واردة أملاً في اجتراح نظام بديل يكون أكثر عدلاً أو أقل جورا.

وفي ظل التشابك والترابط نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي والذي انعكس على واقع الاقتصاد العالمي، أصبحت هناك صعوبات علمية تواجه كل مَن يريد معالجة أو تناول ظاهرة الشركات عبر الوطنية في سياق العولمة، فعندما تطالعنا الصحف بنبأ توقيع الحكومة الإماراتية لاتفاق مع شركة فولكسفاغن الألمانية بقيمة تصل إلى ملياري دولار تمتلك بموجبه الحكومة الإماراتية10% من أسهم فولكسفاغن، وضمن بنود الاتفاق بناء مصنع في مدينة أبو ظبي لإنتاج سيارات فولكسفاغن لبيعها في المنطقة.

فهل لنا أن نتساءل أين هو الحد الفاصل بين مصالح الشركات عبر الوطنية ومصالح الدول؟ وما هو المعيار هنا للتمييز بين ما هو عام وما هو خاص والذي على ضوئه يمكن التقييم؟

وهناك أيضاً مفارقة على الصعيد الديمقراطي عند التعرّض للعلاقة بين رأس المال والسياسة.

فهل يحق للأثرياء من أصحاب هذه الشركات مثلاً التطلع إلى المشاركة السياسية؟

هل هذا التطلع الديمقراطي حق مكتسب لهم؟

وما هو واقع الشركات عبر الوطنية في هذا الصدد؟

هل نحن أمام نُخَب مالية أكثر مما هي نُخَب سياسية؟

وهل تشكل هذه النخب طبقة حاكمة؟

وهل تحاول ممارسة نفوذ يتعدى ذاك الذي تتيحه الثروة؟

هل ديمقراطياً يحق لها ذلك؟

فإذا كان المموّل الأكبر لنشاط منظمة الصحة العالمية هو بيل غيتس مالك شركة مايكروسوفت الذي تفوق مجموع تبرعاته ما تقدمه الولايات المتحدة، فهل هذا التمويل يصب في خانة المسؤولية الاجتماعية للشركات؟أم في خانة الهيمنة والسيطرة؟

أقل ما يمكن قوله في تلك التساؤلات ـوهناك الكثيرـأنه يجب النظر لظاهرة العولمة بكل تجلياتها، ومنها الشركات عبر الوطنية، بمنظارٍ علمي بعيدٍ عن مبدأ الـ"مع" و"الضد"، حيث إن هذه الظاهرة سيف ذو حدين فهناك رابحون وخاسرون، فإذا كانت ألمانيا مثلاً خاسرة على صعيد فرص العمل ـ نتيجة نقل الشركات مصانع الملابس الجاهزة إلى الخارج بسبب العولمة ـ خلال العشرين سنة الماضية ما يقارب مليون ونصف المليون وظيفة، وهذا لصالح نسبة من نساء بنغلادش وجنوب شرق آسيا، فإنه وفي الأحوال جميعاً إن أسوأ نهج في التعامل مع ظاهرة هذا العصر (العولمة) هو نهج مَن يريد أن "يؤبلسها" أو أن "يؤمثلها" بأي ثمن.

في النهاية لا يسعنا التطرق إلى ظاهرة العولمة وتجلياتها بصفة الباحث والمراقب فقط، بل لا بد أن نتطرق إلى هذا الواقع بروحية الشخص المعني ذاتياً عناية عميقة وكاملة كشخص من العالم النامي يبحث عن أمل ومستقبل أفضل وسط التقنيات الجديدة واتساع المنافسة الدولية والذي لم يعد باستطاعتنا حتى الاختيار كما في السابق فالواقع يفرض نفسه والإبطاء والتسكع لم يعد مقبولاً.

فالنظام العالمي يشهد هذه الايام أزمة ثلاثية الأبعاد:

بعد اقتصادي يتصل با الأسباب المباشرة التي أدت إلى تفجيرها.

وبعد سياسي يتصل بهيكل وموازين وعلاقات القوة القائمة في النظام العالمي لحظة انفجار الأزمة.

وبعد إيديولوجي يتصل بتأثير الأزمة على المستوى الفكري.

ومن هذه الروحية يطرح التساؤل:


أن نكون موضوعاً للتاريخ أو فاعليين له، هذا هو السؤال؟

إنه مطروح دائماً ولكن هذه المرة سيكون الثمن الاقتصادي، السياسي، المؤسساتي، السيكولوجي أكبر في حال بقينا موضوعاً للتاريخ.ولم يعد مقبولا ً التعاطي مع هذا الواقع من منطلق أيديولوجي يعبّر عن مجرد موقف ضد هذه الظاهرة أو معها بدون وجود برنامج عملي.

والسؤال لماذا هناك الكثير من الأفكار عن كيفية توزيع الدخل وليس عن كيفية توليد الدخل؟

وإذا أردنا عالماً يملك "السوق" فأين نحن في هذا العالم فكراً وفعلاً، قدرة ومشاركة؟

وإذا قبلنا بسوق يملك هو "العالم" فأين نحن في هذا السوق موقعاً ودوراً، توجيهاً وتأثيراً؟

باختصار: أين نحن ؟

من هنا نرى أن ثمة أسئلة مطروحة على عالمنا المعاصر ولا يمكننا إلا أن نتفاعل معها في الصميم وأن نقدم أجوبة عليها تتلاءم مع تطورنا الإنساني والتاريخي، ومن هذه الأسئلة:

سؤال غائية العلم:

فهل سيقود التطور العلمي الراهن إلى سعادة الإنسانية ورفاهها أم سينقلب إلى مصدر لبؤسها وجعل الإنسان يدمر نفسه بنفسه في غياب أي طوبى إنسانية شاملة جامعة لكل الأمم والشعوب، جوهرها الارتقاء الإنساني الشامل، طوبى تعيد الحياة إلى مبادئ العقد الاجتماعي والاقتصادي والمواطنية والعقلانية والمساواتية والعدل الاجتماعي؟
وهل سيبقى التطور الاقتصادي والاجتماعي يؤدي إلى المزيد من مراكمة الثروة في جانب ومراكمة الفقر في الجانب الآخر، أم سيتجه لمصلحة البشرية بأسرها ورفاه الناس وخيرهم جميعاً؟

ومن هذه الأسئلة سؤال الطبيعة:

فهل سيبدّل الإنسان المعاصر في نظرته إليها باعتبارها امتداداً للوجود الإنساني وليست عالماً غريباً عنه قابلاً للتحكّم به دون أية ضوابط، ومهما كانت النتائج مسيئة إلى نواميسه وتطوّر أحيائه الحيوانية والنباتية؟

ومنها سؤال المعنى والقيمة:

فأي أفق يجري نحوه تطور الإنسانية وتقدمها؟ هل هو الإنسان الفرد بالمفهوم الليبرالي وباعتبارة القيمة الأولى والأخيرة والهدف النهائي للتطور أم هو المجتمع أم الأمة أو الإنسانية بأسرها؟ وهل الصراع والغَلَبة هما اللذان سيحددان مصير الإنسانية أم التكافل الاجتماعي والهم المشترك؟

ومنها سؤال الهوية:

فهل سيتجه التطور الإنساني نحو هوية كونية أممية أم سيكون التشبث بالهويات القومية والإثنية والطائفية هو الرد المضاد على ثورة التواصل العولمي؟

ومنها سؤال النهايات:

فهل يتجه التاريخ نحو نهاية معينة ليبرالية أو اشتراكية كما تصوّر فوكوياما وقبله ماركس أم أنه يجري في غير هذين الاتجاهين ؟
لقد أخفق الإنسان حتى الآن في إقامة علاقة عقلانية ومتوازنة، سواء بينه وبين أخيه الإنسان أو بينه وبين الطبيعة أو بينه وبين المستقبل.

قد يكون قدر الفكر الفلسفي أن يواجه هو بالذات الخلل الكامن وراء تلك التساؤلات وأن يقف دائماً في مواجهة الأسئلة المستحيلة؟
 
غلاف الكتاب

لقد أحدثت رياح العولمة، التي بدأت تهب منذ مطلع الثمانينات وأدت في مطلع التسعينات إلى تفكيك المعسكر السوفياتي ، تحولاً جديداً في مفهوم السيادة أخذ شكل تغليب الاقتصادي على السياسي ـإلى حد ما ـ في سياق انتصار أيديولوجيا اقتصاد السوق.والواقع أن الاقتصاد كان على الدوام، باستثناء الفاصل السوفياتي، اقتصاد سوق، وأنما طبيعة السوق في ظل العولمة هي التي تحوّلت. فمن قومية صارت عالمية، فيما الدولة كسيادة سياسية، بقيت قومية، ومن هنا اخترق منطق السوق العابرللحدود المنطق السيادي للدولة القومية.

الأمر قد يصدم على الصعيد المعنوي، فكيف باتت أموال البلدان الناشئة تتّجه نحو الشمال لتنقذه؟ فالصين تستثمر منذ أعوام في سندات الخزينة الأمريكية وتمول جزءاً مهماً من العجز الهائل لأكبر قوة اقتصادية عالمية وتستثمر في رؤوس أموال مؤسسات غربية، كذلك فإن الصين تسابق الدول المتقدمة الكبرى على الاستثمار في أفريقيا لتؤمّن منفذاً آمناً إلى المواد الأولية.

ومن مؤشرات تحوّل القوة المالية من الغرب إلى الشرق وتحديداً الصين التي تلعب الآن دوراً أساسياً على صعيد الاقتصاد والأسواق المالية، يكفي القول إن لدى الصين القوة لأن تقرر تكافؤ العملتين العالميتين: الدولار واليورو، فالصين قادرة بعبارة واحدة أن "تقضي" على الدولار إذا اختارت تحويل جزء كبير من الاحتياط المالي لديها إلى اليورو فهل صارت البلدان الفقيرة بنوكاً للعالم؟ إن النمو المشهدي للاحتياطات الآسيوية وتكديس البترودولار في بلدان الخليج وروسيا وسداد الديون الأرجنتينية والبرازيلية قبل استحقاقها، تحمل على الاعتقاد بأن البلدان النامية تموّل البلدان الصناعية.

لا بد من وجود نموذج فكري جديد وهذا النموذج لا يمكن أن يُبْنى حول نظام عالم آخر من نسج الخيال فالعالم معقّد جداً، والقضايا العالمية بأبعادها الإنسانية والسياسية والاقتصادية بحاجة إلى ثقافة جديدة وطريقة تفكير جديدة، كذلك يجب تخطّي النظريات المادية التي تتّبعها الدولة والسيادة الوطنية.


في حقبة من العولمة السريعة لم يعد من المناسب بعد، مواصلة الحديث عن العالم بمفاهيم الشرق والغرب، إذ القضايا العالمية مثل التجارة والتدفقات الرأسمالية والهجرة، وتجاوز المشاكل البيئية حدود القومية، بالإضافة إلى قضايا الإرهاب وحقوق الإنسان والتنوّع الثقافي، قد قضت على الفروق الحادة بين نصفي العالم وقد أصبح لزاماً طرح طريقة تفكير مختلفة في العالم.

والقضايا العالمية معقدة ولم تحسم بعد، فهل ستكون:

قوى السوق أم صنّاع السياسة هم رواد عوامل التغيير؟

أم أن الجاذبية السياسية والاقتصادية باتجاه الشرق تمثل تغييراً أكبر وأسرع مما تستطيع فهمه غالبية صنّاع السياسة في العالم الغربي؟

وهل طبيعة العلاقة الاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة والصين ودور كل من الاتحاد الأوروبي والهند بينهما كجسر بين الثقافتين والقوتين سوف يحدد طبيعة النظام العالمي القادم؟

هذه العلاقة قد تكون محور السياسة والاقتصاد العالميين لمدة ليست بالقصيرة ؟؟؟؟؟؟؟؟


For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com