2010-04-11

مبدأ حرية التجارة والاتجاهات الحمائية







سلام الربضي

صحيفة العالم العراقية
11-4-2010
 http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=6275


يقول المؤرخ الاقتصادي بول بايروك: "القول إن السوق الحرة أو التجارة الحرة مهّدت السبيل للتنمية والتطوّر هو الخرافة الأكثر غرابة, في ميدان العلم الاقتصادي".

منذ نيل الولايات المتحدة الأميركية استقلالها عام 1790 ارتفعت أصوات تطالب بحماية الصناعة، وقد اعتبر آنذاك أن السياسة الحمائية ضرورية لتصبح الولايات المتحدة الأميركية دولة عظمى. والمستغرب أن العهد الريغاني، الذي أصبح شعاراً للتجارة الحرة والانفتاح تبيّن أنه تميّز بتقليص الواردات الأميركية من المنتجات الصناعية بما يقارب الخمس5\1 نتيجة الإجراءات الحمائية، وإدارة ريغان كانت متخصصة في تقليص التبادلات وإغلاق السوق إلى درجة وصل معها تقليص الواردات إلى 23%, ويعتبر العهد الريغاني من حيث ما تم تقديمه من سياسات حمائية،يفوق في قيمته مجموع ما قدمه أسلافه في مجال الإعانات والدعم. 

على الرغم من ارتفاع ونمو حجم الاستثمار الأجنبي المباشر واستمرار عمليات التحرير الاقتصادي بيد أن هناك تحولات ملحوظة في الاتجاة المعاكس نحو الاتجاهات الحمائية، حيث يشتد القلق إزاء عمليات الشراء الأجنبية ـ مع أن الشركات عبر الوطنية تميل إلى دخول الأسواق عن طريق عمليات الاندماج والشراء عبر الحدود, وهو ميل كبير جداً في قطاع الخدمات على وجه التحديد - المقترحة في كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كالاحتجاجات الأمنية الأميركية على إدارة شركة موانئ دبي العالمية لإدارة بعض الموانئ في الولايات المتحدة، وكذلك الأمر في الاتحاد الأوروبي.

تتخذ الكثير من الإجراءات التنظيمية البارزة لحماية الاقتصادات من المنافسة الأجنبية أو لزيادة نفوذ الدولة في بعض الصناعات, فقرارات التأميم في اميركا اللاتينية تدخل في هذا الأطار ومن تلك الدول بوليفيا وفنزويلا حيث تم تأميم صناعة النفط والغاز وأيضاً كقيام الأرجنتين بتأميم قطاع المياه. والسياسة الاقتصادية الروسية في قطاع النفط والغاز لا تخرج عن هذا السياق.

أمام تلك التيارات الجارفة الحاملة عناوين حرية التجارة الدولية توجد سياسة حمائية واضحة ، مما يجعل هناك تضارباً في السياسات والمصالح ومما يلحق الضرر بمختلف الدول سواء كانت غنية أو فقيرة، ويطرح علامات استفهام حول حرية التجارة الدولية. وهذه السياسة لها آثارها على الدول الغنية والفقيرة، لكن تأثيرها يكون وقعه أكثر على الدول الفقيرة حيث هامش التحرك أمامها ضئيل مقارنة بالدول الغنية خاصة في ما يتعلق بالصادرات الزراعية والمنسوجات القادمة من الدول الفقيرة. ومن خلال متابعة جولات منظمة التجارة العالمية نجد مدى الصعوبة المترتبة على ذلك الوضع.

وتقوم الدول الغنية بعدة طرق لحماية تلك القطاعات منها تقديم المساعدات كالولايات المتحدة التي تقدم مساعدات تصل إلى حوالى 560مليار دولار في السنة. ومن حيث المبدأ لا يؤثر من هم المستفيدون سواء  هم  من أصحاب الشركات العملاقة أو الأفراد أو المؤسسات الصغرى، إذ ان الموضوع بالمطلق يطرح تساؤلاً حول التناقض بين مبدأ حرية التجارة والسياسة الحمائية من طرف آخر؟

في  ما يتعلق بالمستفيدين من تلك السياسات فكثيرون يعتبرون أن الشركات هي المستفيدة، ومثال على ذلك ما يحدث في الولايات المتحدة مع أباطرة الفول السوداني في ولاية جورجيا أو بارونات الحبوب في حوض باريس, أو ما تقدمه الحكومة الأميركية لزراعة القطن التي تبلغ ما يفوق 4 مليارات دولار سنوياً وهو ما يزيد على قيمة مجمل الإنتاج الأميركي من القطن ويؤدي ذلك إلى خفض سعر القطن في السوق العالمي بحوالى25% وما ينتج عن ذلك من أضرار على الدول الفقيرة، ولقد نتجت عن هذه السياسة أضرار تفوق 300 مليون دولار أميركي جراء السياسة الحمائية المتبعة في الولايات المتحدة دعماً لزراعة القطن في دول مثل باكستان والهند ومصر, وهذه المنافسة ليست بين الدول الغنية والنامية، بل أيضاً بين الدول الصناعية فيما بينها، 

وهذا ما يحدث على مستوى قطاع الزراعة أو الصلب بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أو المنافسة المحتدمة بين الولايات المتحدة وكل من اليابان والصين في ما يختص بعجز الميزان التجاري بين تلك الدول لمصلحة اليابان والصين. ولكن بالمجمل تبقى الدول النامية أكثر تضرراً من تلك السياسة الحمائية المتبعة من قبل البلدان الصناعية فيما بينها, مقارنة بما تفرضه من تعرفة على واردات الدول النامية التي تبلغ 4اضعاف, وتقوم تلك الدول بتقديم إعانات زراعية تصل إلى ملياري دولار يومياً، أي أن ذلك يتجاوز ما تنفقه الدول الصناعية على المساعدات الإنمائية الرسمية التي تقدمها إلى البلدان النامية 6 مرات.

من المفارقات أنه إذا كانت هذه السياسة مجحفة وغير عادلة، والشركات هي المستفيدة على حساب الدولة والمواطن، ولكن وفي المقابل أليست هذه السياسة نتيجة للاستراتيجية القومية للدول وهي تنتهجها لأسباب مختلفة وبمحض إرادتها، فمثلاً استثمارات الاتحاد الأوروبي لتشجيع البحث العلمي والتي تقدم بالمليارات كدعم للمؤسسات وخاصة الالكترونية منها، كا إقامة المركز الأوروبي العام للميكرالكترونيك في المانيا في مدينة درسدن وإقامة مشروع "جينو بوليس" مسافة 30 كلم تقريباً من باريس حيث تقع جامعة ايفري، حيث تتمركز عشرات المختبرات والشركات الخاصة والتابعة جزئياً للدولة لتصنيع البيوتكنولوجيات ومن بينها جنيوتون. إذ تعتبر هذه المشاريع رداً اوروبياً على التحدي الأميركي في مجال المعلوماتية, والسؤال هنا :

ألا يندرج هذا في خانة الحذر من مخاطر احتكار اليابان وأميركا لإنتاج المواد الأولية في عصر المعلومات؟

إذن هل يمكن اعتبار تبنّي هذه الخيارات ناتجاً وخاضعاً لاستراتيجية الدول أم أنه تعبير عن واقع سيطرة الشركات عبر الوطنية؟

إن التنافس الاستراتيجي السياسي الدولي من جهة وانعكاسه على المنافسة الاقتصادية الدولية من جهة أخرى وارتباطهما ببعضهما يطرحان إشكالية المعايير الموضوعية التي على أساسها ترجح كفة على أخرى.


هناك 7 تعليقات:

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com