2010-07-31

التهرب الضريبي بالمفهوم الاقتصادي





سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية

موقع جو فايننس الاقتصادي

http://jofinance.com/index.php?option=com_content&task=view&id=5003&Itemid=313

19\ 8 \ 2010.


التهرب الضريبي يترك آثاراً سيئة على موازنة الدولة نتيجة قدرة الشركات على ابتكار المهارات التي يصعب إلى حد ما وضع حد نهائي لها ومنها التسعيرة الإسمية والتسعيرة التحويلية، فالشركات عبر الوطنية، المنتشرة في كافة أنحاء العالم، تظم شركات وفروع تابعة لها، وبما أن الشركات تتعامل فيما بينها بالسلع الوسيطة وبالخدمات وبحقوق البراءة والاختراع أيضاً، فنتيجة لذلك فإن الشركة الأم والفروع التابعة لها قادرة على أن تحسب لنفسها تكاليف يكاد مستواها يكون اعتباطياً، ولهذا السبب تكون نفقات المشروعات الناشطة دولياً في أعلى مستوى لها في تلك البلدان التي تكون فيها المعدلات الضريبية في مستوى أعلى.

بالنسبة إلى الواحات الضريبية أو البلدان ذات المعدلات الضريبية المنخفضة نسبياً فالأمر عكس ذلك، فالشركات والفروع التابعة تحقق أرباحاً هائلة على نحو غير اعتيادي وهنا تكمن الصعوبة التي تواجه خبراء المالية والضرائب في الدول، حيث هم غير قادرين على مواجهة هذه الأساليب، فمن أين لهم إثبات ارتفاع الأسعار التي تحتسبها المؤسسات ذات الفروع التابعة في تجارتها البينية على نحو يجافي الواقع؟ خاصة في حال عدم وجود أسعار مقارنة في السوق لمثل هذه التجارة البينية إلا بالكاد؟

تبقى الطريقة الوحيدة هي ارتكاب تلك الشركات أو المؤسسات لمغالطات مفضوحة على نحو صارخ, ولكن حيّز المناورة يبقى واسع أمام تلك الشركات. وعلى صعيد الواحات الضريبة فقد انخفضت عائدات الدول جراء تلك السياسة بما يفوق 70%، فما هي الخسائر الحقيقية لخزائن الدول فيما لو تمت معرفة حجم التلاعب بالتسعيرة الإسمية أو حجم الخسائر الناتجة عن الاستئجار الثنائي التخفيض أو استغلال كل تشريعين ضريبيين في آن واحد؟

الاقتصاد العابر للحدود يستنزف أموال الدولة، ويبدو ذلك واضحاً على مستوى واردات الدولة من الضرائب، وهذا ينطبق على مستوى الإنفاق. ولا بدّ عند التكلّم عن التهرب الضريبي من الأخذ بعين الاعتبار التهرب الضريبي بالمفهوم الاقتصادي وليس بالمفهوم القانوني ويقصد بذلك التهرب الذي يترتب عليه فقدان وخسارة الدولة لجزء هام من إيراداتها نتيجة للكمّ الهائل من الإمتيازات والإعفاءات الضريبية بغضّ النظر عمّا إذا كان هذا التهرّب يشكّل انتهاكاً لأحكام القانون من عدمه.

فالتنافس الاقتصادي أفرز تطوراً جديداً في الدول المتقدمة، وهو يدعو إلى الاستغراب فعلاً، إذ أمست الحكومات تقدم الرشوة للشركات من أجل الاستثمار فيها أو البقاء فيها. كقيام طوني بلير رئيس الوزراء السابق في المملكة المتحدة بجهود لمنع إغلاق مصنع سيارات "Rover" وقدم دعم للشركة بشكل مساعدة قيمتها150مليون جنية استراليني بحجة إنقاذ 10000وظيفة. ومع هذا فقد انسحبت شركة "BMW" من المملكة المتحدة. فمن الأبعاد الخطيرة في هذه العملية انتقال التنافس من بين الدول إلى داخل الدولة نفسها. ففي الصين، تفرض كل حكومة من حكومات الأقاليم ضرائب على السلع غير المصنّعة فيها، وتقدم حوافز للشركات التي تعمل في أقاليمها. كذلك ألمانيا في قرية "nord friedrichs koog" لا تفرض ضريبة على الأراضي والمساكن ولا على الشركات مما شجع الكثير من الشركات على الهروب من مناطق أخرى في ألمانيا إلى تلك القرية, وجعل كثير من القرى تحذو حذوها.

هذا ما يحدث حالياً في الإمارات العربية بين إمارة دبي وإمارة أبو ظبي من منافسة شديدة على جذب الاستثمارات إلى داخل كل إمارة. كذلك أنفقت حكومة ولاية أركنساس الأمريكية ما يزيد على10 ملايين دولار في إنشاء بنية تحتية جديدة لإغراء شركة "Frito ـ lay" للمجيء إلى مدينة جونز بورد في الولاية على الرغم من وجود مناطق في تلك الولاية غارقة في المياه الصحية المبتذلة وتحتاج إلى بنية تحتية تكلفتها لا تتعدى750 ألف دولار. وأعفيت شركة "Wal martـ Spiegel" وشركة المخازن المتحدة في ولاية أوهايو من ضريبة العقارات، وضريبة العقارات في أمريكا هي التي تمول المدارس الخاصة.

التنافس بين الدول لتخفيض الضرائب، تستفيد منه الشركات، ولا تقتصر القضية عند هذه الحدود، كذلك الدول تتنافس على تقديم أسخى التبرعات والمساعدات لجذب الاستثمار والرساميل، فإذا أقدمت دولة مثل مصر على تقديم الأراضي مجاناً أو بأسعار رمزية بالإضافة إلى كل ما هو ضروري من خدمات كإنشاء الطرق والشوارع وإيصال الطاقة الكهربائية والماء بلا ثمن، فإن ذلك كله يعتبر حداً أدنى على المستوى الدولي. وإذا أرادت شركة من الشركات إنشاء مصنع للإنتاج فإن بوسع الساهرين على احتساب التكاليف أن يتوقعوا حصول الشركة على إعانات ومساعدات بمختلف الصيغ والأسماء، فعندما توافق شركة"Samsung"على استثمار مليار دولار في مصنع لها جديد منتج للأجهزة الالكترونية في شمال انجلترا لقاء حصولها على 100 مليون جنيه استرليني من وزارة الخزانة البريطانية تكون قد تساهلت وقبلت بسعر مناسب جداً. فما هو المطلوب إذا أرادت شركة المرسيدس تشييد مصنع لها؟ وفي ولاية "Alabama"، وهي ولاية فقيرة نسبياً في الولايات المتحدة، تحملت شركة المرسيدس ما نسبته 55% فقط من مجموع نفقات بناء مصنع جديد.

إن ما حدث في ألمانيا الشرقية بعد انهيار جدار برلين وتحقيق الوحدة لتشجيع الاستثمارات، يظهر إلى أي درجة كانت الحكومات الألمانية سخية من أجل تحقيق ذروة الاستقطابات الاستثمارية. كما إن تلك السياسات المتبعة في دعم الاستثمارات تستدعي مجموعة من الملاحظات، إذ من الممكن بعد كل تلك المساعدات أن لا يحقق المشروع أهدافه، وأن تتحمل الدول أعباء إضافية جديدة نتيجة فشل بعض هذه المشاريع _خاصة على المستوى المالي_ أصبح أمراً لا مفر منه.

من المنطقي مراجعة هذه السياسات وما يترتب عليها من هدر في الأموال العامة فحجم المنح والمساعدات وما تقدمه المصارف من قروض وضمانات لتلك المشروعات ينطوي على قدر من المخاطر والمجازفات، ويؤدي إلى استنزاف أموال الدولة، ويقع على كاهل دافعي الضرائب من المواطنين الذين يتحملون ثمن تلك المجازفات والمخاطر. ومن ذلك أيضاً توزيع وزارء البحث العلمي الأموال التي يعملون على إدراتها على تلك الشركات الكبرى والغريب في الأمر أن تلك الأبحاث التي تقوم بها تلك الشركات قد تستثمر نتائجها في مكان آخر بقصد الحصول على المزيد من الأرباح .


For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com