2015-03-15

إيران والتفاعل الأستراتيجي مع الأزمات








سلام الربضي : مؤلف وباحث في العلاقات الدولية \ اسبانيا

يمكن اعتبار إيران نموذجاً لكيفية التخطيط الاستراتيجي التي تقوم به الدول، سواء على صعيد التخطيط الداخلي أو في طبيعة خياراتها الاستراتيجية الخارجية، لأدارة الأزمات ومواجهتها. فمن الواضح، أن إيران تتبنى رؤية خلاصتها، إعادة البناء في مختلف المجالات، وهذا ما تحاول إيجاد الشروط الموضوعية لتحقيقه. وفي هذا الإطار، يمكن مقاربة واقع التفاعل الإيراني الأستراتيجي مع الأزمات وإدارتها من عدة جوانب:



1- الجانب العسكري:  

التخطيط الاستراتيجي العسكري الإيراني، قائم على أن يتم تصنيع احتياجات القوات المسلحة الإيرانية من التجهيزات محلياً، بالاعتماد على القدرات الذاتية. حيث تم إنتاج نوع جديد من المضادات الأرضية المصنعة محلياً، قادرة على إطلاق 1100 قذيفة خلال دقيقة. وإيران أصبحت واحدة من بين أربع دول، قادرة على صناعة هذا السلاح الجديد. وقامت إيران باختبار الجيل الثالث، من الطائرات الإيرانية الصنع بشكل تجريبي. وتوصلت إلى تقدم في مجال صناعة الطائرات المقاتلة منها طائرات "اذرخش" و"الصاعقة" ذات التقنيات العالية. والقوة الجوية الإيرانية، تخطط وتعمل على تطوير الطائرات المقاتلة في الداخل، من دون الاستعانة بخبرات أجنبية. كما ويتم تصنيع رادارات يمكنها رصد تحليق الطائرات مهما كان نوعها، وهذه الرادارات تعمل بتقنيات متقدمة جداً، صنعتها الكوادر المتخصصة الإيرانية. ناهيك عن تمتع إيران بإمكانات متميزة في مجال الحرب الالكترونية وامتلاكها مقدرات دفاعية وهجومية كاملة، لاسيما على صعيد إنتاج مختلف أنواع الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى.




2- الجانب العلمي:   

لقد تم تحقيق الهدف الاستراتيجي في أن يكون لها وجود فاعل في مجال البحث العلمي القائم على القدرات الذاتية الإيرانية. حيث احتل العلماء والباحثين الإيرانيين، مكانة بارزة في إصدار ونشر المقالات العلمية، وهي الآن من بين البلدان 45 الأولى من حيث نوعية تعليم الرياضيات والعلوم، ومن الدول الرائدة أيضاً، في أبحاث الخلايا الجذعية. كما أنها واحدة من البلدان القليلة، التي أرسلت قمراً صناعياً إلى الفضاء. وفي إطار تصورها المستقبلي للحاق بركب التقدم والتطور والتخطيط نحو مستقبل أكثر تقدماً، تقدمت بخطوة كبيرة على مسار التميز في مجال الفلك والفضاء وتكنولوجيا النانو، بحيث تخطط أن تقفز للمرتبه 15 مع حلول عام 2016 والوصول في حجم صادرات  النانو تكنولوجي، إلى مبلغ 20 مليار دولار سنويا، فيما لو استطاعت حيازة 1% فقط من حصة السوق العالمية. إذ يبدو أن الحكومة الإيرانية،  تخطط  لتكون  إيران مركزاً إقليمياً علمياً، في مجالات الطب والفضاء والطاقة النووية.

ومن الجدير ذكره، الدور الذي تلعبه المؤسسة الدينية للتشجيع على البحث العلمي وخلق المناخات المناسبة، حيث تم اصدار فتاوي من أعلى المراجع الدينية لأباحة إجراء أبحاث الاستنساخ على الحيوان لأغراض علمية، ويخطط العلماء الإيرانيون لإجراء المزيد من أبحاث الوراثة والاستنساخ.




3- الجانب الاقتصادي:   

على الرغم من سنوات الحظر التجاري والمالي الغربي وطبيعة الاقتصاد الإيراني المغلق تقريباً، سمحت  هذه الوقائع بحماية القاعدة الصناعية الإيرانية من المنافسة الأجنبية. واليوم، تصنّع إيران معظم احتياجاتها الصناعية والاستهلاكية، ومن أهمها صناعة السيارات والأدوية. وقد اعتمدت إيران في ردّها على العقوبات الأميركية والدولية (والتي ما زالت مستمرة ولو بأشكال مختلفة على الرغم من الانفراج الحاصل على هذا الصعيد حالياً) سياسة أكثر تحفظاً بشأن الاقتصاد الشمولي. وكنتيجة لذلك، فإن نظام العقوبات –المصمم لإحباط خطط البلد الاقتصادية- قد فشل في تقييد السياسة الخارجية لإيران.

ووفقاً لتقارير البنك الدولي، فإنّ "المؤشرات الاجتماعية في إيران مرتفعة نسبياً، مقارنة بالمعايير الإقليمية (على الرغم من الاعتراف بوجود سلبيات على صعيد مقاربة واقع الفقر في ايران ) كما تحسنت المستويات الصحية في البلد، وهي الآن تحتل المرتبة المتقدمة في معدلات المستويات الصحية لدول المنطقة. كما أن لديها نظام حماية اجتماعية واسع لنحو 28 نوعاً من التأمينات، واستناداً إلى تقارير البنك الدولي، اعتبر برنامج إيران لتنظيم الأسرة في العقدين الماضيين، من أفضل الممارسات العالمية.




4_ الجانب السياسي:  

لقد تمكّنت إيران نتيجة الاستراتيجية المُحكمة، من فرض سيطرتها ووجودها في أهمّ المحاور الإستراتيجيّة الحسّاسة على المستوى الدولي والإقليمي. فبالإضافة إلى القدرات العسكريّة الإيرانيّة، أصبحت من اللاعبين الأساسيّين في المنطقة، خاصّة في الملف العراقي. وتحديداً، بعد فشل الولايات المتحدة الأميركيّة من السّيطرة على الوضع الأمني والسّياسي في العراق. وكذلك، إيران على تحالف إستراتيجي مع سوريا، ومن الداعمين لحركات المقاومة، في فلسطين ولبنان. ولقد استطاعت إيران عبر انتصار المقاومة في لبنان (حزب الله) والمقاومة الفلسطينية في غزة  في وجه اسرائيل من إسقاط نظرية مطلقية إسرئيل ومن ثم ادخالها بالنسبية. ونتيجة الدعم اللامتناهي الحدود للدولة السورية في مواجهتها للعدوان المستمر منذ العام 2011، أصبح من المتعذر إنكار الدور الإيراني الحيوي، في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا واليمن والخليج، عند رسم  أية تسوية أو استراتيجية مستقبلية، لمنطقة الشرق الأوسط  .


5- الملف النووي الإيراني وكيفية التخطيط الاستراتيجي:   

إيران على مستوى التخطيط المستقبلي، باتت متيقنه، بأنها لا يمكنها الاستمرار في الحفاظ على مكانتها الإقليمية والدولية من دون ضمان أمن وتنوع الطاقة، لتأمين معرفة وقدرة نووية سلمية لأجيالها المقبلة.وكما هو معـروف، هناك أساليب عـديدة للتفاعل الأستراتيجي، مع الأزمات وإدارتها. حيث تحاول إيران عبر اتباع وتطبيق التخطيط المدروس زيادة مكاسبها وتخفيض خسائرها، إلى أقصى حد ممكن، وذلك عبر إستخدام استراتيجيات محددة، في إدارة الأزمات والمفاوضات، من خلال عدة خطوات :
أ- إتقان كيفية الإستفادة من إدارة الأزمة والمفاوضات لتحقيق تأثير ما تريده.
ب- الجمع في آن واحد بين كل من : التنازع والتحالف والتفاوض. وهذا ما نجده حاصل في طبيعة العلاقة مع أمريكيا والغرب، مما يعطى إيران القدرة على إيجاد تصور شامل فى أي عملية تفاوضية.

فمن الدروس المستفادة في كيفية التخطيط الاستراتيجي على صعيد أدارة المفاوضات مع المجتمع الدولي ومواجهة الأزمات، يمكن ذكر الآتي :

1-  أن الوضع الدولي الضاغط  ليس بالامر الحتمي للتنازل.
2-  القرار الاستراتيجي لا يعرف إلا الحسابات والخطط الاستراتيجية.
3-  إن التغييرات السياسية داخل المجتمع تبقى فى داخل نطاق الأهداف الاستراتيجية. 



وبالتالي يمكن الاستنتاج وبدون تحفظ، إن الإمكانيات البشرية والاقتصادية والجيوبوليتيكية والعسكرية المتوفرة في إيران، تلعب دوراً هاماً وفعالاً، بحيث تنتزع دور الشريك الفعال في تقرير مصير المنطقة، وذلك بغض النظر عن طبيعة الصراع السياسي داخل هذا البلد. فعلى سبيل المثال، مع وجود الرئيس الأصلاحي محمد خاتمي لفترة ثماني سنوات في الحكم، لم يغير ذلك شيئا في الاستراتيجية العليا لإيران، لا على صعيد برنامجها النووي، أو في علاقاتها الاستراتيجية. وهذا أيضا، ما يحدث حالياً مع الرئيس الدكتور محمد روحاني.

فالتاريخ يعلمنا أن الدول التى تستخدم مبدأ الدمج في التخطيط الاستراتيجي، هي الدول التي تنجح فى عدم الدخول فى الطريق المسدود. فالأزمة بين إيران والغرب، يمكن مقاربتها على صعيد التخطيط، من زاوية الدروس المستفاده فى كيفية إدارة الصراعات . إذ تبدو دلالات التجربة الإيرانية بالغة الأهمية فى مختلف المجالات، فهي من ناحية تجربة معاشة ليس فقط بالمعنى المباشر للتعبير، ولكن بالمعنى الاستراتيجي الذى يكشف أبعاد وملامح القوة فى الصراع العالمي الحالي، وفق نمط من الصراعات والمناورات بما يقدم النموذج العملي والمُدرك.  






For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com