2010-01-17

النظام الاقتصادي الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الحرب البارده (1)





سلام الربضي *

مجلة صوت العروبة \ واشنطن
/www.arabvoice.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=1829


تتعرض هذه الدراسة لأهم التطورات الاقتصادية على الساحة العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وهي بمثابة إلقاء نظرة على الخطوط الرئيسية لأهم التطورات الاقتصادية العالمية, غداة الحرب العالمية الثانية, وإعطاء صورة عن أوضاع العالم عند نهاية الحرب الثانية وأهم المشاكل التي كانت مطروحة آنذاك والحلول والسياسات المتبعة لمواجهة هذه المشاكل والظروف. كذلك متابعة التطور الاقتصادي العالمي في الربع الاخير من القرن العشرين توضيح كيفية عمل وتطور النظام الاقتصادي من خلال الزمن وكيفية التأقلم مع الاحداث المستجدة سواء كانت سياسية أو اقتصادية.


                                   المبحث الأول

     النظام الاقتصادي الدولي غداة الحرب العالمية الثانية:


الاوضاع الاقتصادية عند نهاية الحرب العالمية الثانية والمؤسسات الاقتصادية الدولية. فرضت نفسها وكان لها تأثير كبير في التطورات اللاحقة للنظام الاقتصادي العالمي ولقد ظهرت هذه الاحداث عندما وضعت الحرب أوزارها ولم تكن مطروحة في السابق ولهذه الاحداث أثر كبير في اتجاهات السياسات الاقتصادية اللاحقة وهي تمثل مع المؤسسات الدولية المنشأة نقطة بداية للنظام الاقتصادي الدولي المعاصر.

أولاً : الأوضاع الاقتصادية.

هناك عدد من الأمور التي فرضت نفسها وكان لها تأثير كبير في التطورات الاحقة للنظام الاقتصادي العالمي .

أ- إعادة التعمير، وقضايا النمو الاقتصادي:

حلفاء الحرب استفادا من الدروس السابقة وخاصة على مستوى كيفية التعاطي مع الخصم المهزوم وعدم إعادة تجربة فرض عقوبات على الدول المنهزمة كما حدث مع ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى. بالإضافة الى الخراب وحجم التدمير الكبير الذي حل بروسيا وألمانيا واليابان الذي يتطلب استثمارات هائلة لاستعادة النشاط الاقتصادي. كما أن الحرب جاءت بعد ذلك بخطر جديد كان لا بد من مواجهته وهو خطر الشيوعية الذي بات يهدد أوروبا المنهكة من الحروب. 

هذه الظروف الصعبة واستمرار الاوضاع الاقتصادية المنهارة لأوروبا هي بمثابة تدعيم للحركات الشيوعية التي وجدت في تلك الظروف المناخ الملائم لدعوتها، ومن هنا كان التحرك الأمريكي وأخذ زمام المبادرة من خلال ما يعرف بمشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا اقتصادياً بما فيها الدعوة أيضا الى الاتحاد السوفيتي للمشاركة، ولكن قد لا تكون هذه هي الاسباب الوحيدة وراء مشروع مارشال, ذلك أن الاقتصاد الأمريكي كان بحاجة لهذا المشروع خاصة أن الاقتصاد الأمريكي منذ 1929 يعاني ركود وجاءت الحرب لتنعش الاقتصاد الأمريكي حيث أضافت طاقة إنتاجية كبيرة .

على عكس معظم الدول المحاربة التي اضطرت الى تحويل جزء من اقتصادها المدني إلى المجهود الحربي، فقد نجحت الولايات المتحدة في أن تضيف إلى طاقاتها الإنتاجية طاقات جديدة لأغراض الحرب دونما أي تأثير ملموس في إنتاجها المدني القائم. وبعد نهاية الحرب، بدأت تصفية اقتصاد الحرب، ظهرت مخاوف الانكماش من جديد حيث كان لا بد من تحويل الموارد المستخدمة للأغراض العسكرية إلى الاغراض المدنية بالاضافة ألى أن خروج أوروبا محطمة من الحرب أضعفت كثيراً من قدرتها على الاستيراد من الولايات المتحدة .

أن الولايات المتحدة خرجت من الحرب باقتصاد قوي جداً مقابل عالم بالغ الضعف من حيث القدرة على الإنتاج والتبادل، ومن هذا المنطلق كانت الدعوة الى تعمير أوروبا خدمة للاقتصاد الامريكي.

بغض النظر من التجاذب ما بين البعض الذي يرى أن هذا المشروع قد حقق نجاحا لا مراء فيه والبعض الاخر الذي يرى أن سبب نجاح هذا المشروع يعود بالدرجة الاولى إلى القدرات الأوروبية, فهذا المشروع كان بمثابة النواة التي ساعدت على توجيه التطورات الاقتصادية اللاحقة لأوروبا في اتجاهات حرية التجارة والتعاون الاقليمي والاخذ باستراتيجية النمو الاقتصادية,

أهمية مشروع مارشال تكمن بما ترتب على تنفيذه من توجهات في السياسة والمؤسسات الاقتصادية، حيث كان من الممكن للدول الأوروبية أن تتجه نحو الاّخذ بسياسات التقييد والرقابة التي عرفوها أثناء الحرب ولكن جاء المشروع قائما على أساس النظام الاقتصادي العالمي القائم على حرية التجارة وحرية انتقال رؤوس الاموال .

ب- المواجهة الأيديولوجية والاستقطاب بين نظم التخطيط المركزي ونظم السوق:

أن نهاية الحرب العالمية الثانية كانت بمثابة خاتمة لمرحلة تاريخية انتهى معها النظام القديم القائم على الدولتين الصناعيتين الاستعماريتين في بريطانيا وفرنسا، وإحالتهما الى دولتين من الدرجة الثانية في حين قفز الى المقدمة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وتدعو إلى النظام الحر من ناحية والاتحاد السوفيتي ويدعو إلى الاشتراكية من ناحية أخرى.

من الظريف ذكر، أن قبل مائة عام من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعلى وجه التحديد في عام 1835 كتب المفكر الفرنسي (Alexis de Tocqueville) في كتابه "الديمقراطية في أمريكا" يقول: " إن الشعبان الروسي والأمريكي ومع بدايتهما المجهولة يحتلان فجأة مقدمة الصفوف وهما مع ذلك مختلفان فالأمريكيون في صراع مع الطبيعة وقيودها، والروس في صراع مع البشر. إحداهما يحارب الصحراء والبربرية والاخر يحارب بالسلاح، وهما على رغم اختلافهما مدعوان بدور حاسم في مستقبل العالم".

بغض النظر عن تفضيلات توكفيل فقد كانت كلماته وقبل أن يسمع العالم بماركس، أشبه بالنبؤة، التي تحققت بعد الحرب العالمية الثانية وبدأت المواجهة بين النظامين عند نهاية الحرب وكانت المواجهة الأولى بينهما حول أزمة ألمانيا وأزمة برلين ولم تلبث أن قامت مواجهة أخرى في الشرق الكوريتان. وأصبح على كل كتلة أن تمتد وتنتشر وتزيد من نفوذها، مما أدى الى قيام الحرب الباردة وانقسام العالم إلى كتلتين غربية رأسمالية وشرقية اشتراكية. ولقد كانت هذه الاحداث من أهم العوامل المؤثرة في التطورات الاقتصادية العالمية اللاحقة وساعد الاستقطاب بين المعسكرين على حركات التحرير السياسية، واستقلال العديد من المستعمرات القديمة وطرح قضايا التنمية الاقتصادية.

ج- الانقسام بين الشمال والجنوب وظهور قضية التنمية:

أن تاريخ الانسان قائم على الانقسام ما بين الأفراد والجماعات إلى أغنياء وفقراء. وهذا الانقسام هو قديم قدم المال، ففي كل عصر وفي كل مكان يوجد فقراء لا يملكون وعادة لا يعرفون وأغنياء يملكون وبعضهم يعرف أيضا. فتعايش الفقر والثراء والتقدم والتخلف والجهل والمعرفة هو تاريخ الإنسانية ولم يكن ذلك نقمة أو عذاباً دائما، بل كثيراً ما كان حافزاً للتغيير وأحياناً للتقدم كما كان في أحوال أخرى سبباً للحروب والدمار. 

في المجتمعات السابقة هذا التمايز والاختلاف ما بين المجتمعات كان محدوداً من ناحية القوة والثراء. وهذه المجتمعات كانت محدودة الاتصال فيما بينها وكانت متقاربة على مستوى أدوات الإنتاج، وجاء العصر الحديث فإذا بالفوارق بين الأغنياء والفقراء تصبح بالغة الخطورة حتى يمكن القول أنها تكاد تكون فروقا في الطبيعة وليس في الدرجة.

ازداد الوعي بهذه الفروق مع نهاية الحرب العالمية الثانية مما أدى الى البروز على السطح قضية الانقسام بين الدول المتقدمة والدول النامية أو المتخلفة ولقد طرحت القضية التنموية الاقتصادية نفسها على المجتمع الدولي وأصبحت أحد هموم الاقتصاد العالمي وقد تأثرت معالجة هذه القضية بالاوضاع السائدة لاسيما بالصراع الايديولوجي السائد بين الغرب والشرق وأصبحت جزءا من لعبة التوازن الدولي.

باحث في العلاقات الدولية*



يتبع (2)

هناك 12 تعليقًا:

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com