سلام الربضي :
باحث ومؤلف في العلاقات الدولية\ اسبانيا.
مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط 10 \ 08 \ 2014
بادئ ذي بدء، من البديهي القول،لا وجود لحقيقة موضوعية قائمة بذاتها.وهذا يتطلب مقاربة كثير من الأمور على أساس جدلي،وفتح المجال الفكري للمناقشات والآراء الجديدة. فالوقائع لا يمكن لها أن تتكلم عن نفسها، فهي على علاقة إشكالية، مع مفهوم وعي الذات. وانطلاقاً من ذلك، فالتواصل بين الباحث والمجتمع في مثل هذه الظروف، يفترض أن يكون قائم على أساس كشف الحقائق، وليس على أساس تغليفها بالشفافية المبتذلة أو المراوغة.
فالمعضلة الأكثر إلحاحاً في مجتمعاتنا هي جدلية وجودية، قائمة على مسألة
كيفية إقامة النظام الاجتماعي العام، إذ أن معظم الدول العربية، فشلت في خلق ثورة
تكاملية. بمعنى، أنها فشلت في ضم سكانها تحت مبادئ عامة، تؤكد مصلحة الوطن
والمواطن والعروبة،فوق المصالح الطائفية والإقليمية المبتذلة. بل إنها ونتيجة
لسياساتها،أضافت انقسام جديد إلى بنية المجتمع العربي وهو الانقسام الطبقي، من
خلال رسم استراتيجات اجتماعية واقتصادية تخدم فئات بعينها، حيث أخفقت في توطيد
مبادئ المساواة والعدالة والحرية الفردية.
وبالتالي،علينا التدبر في هذا الطرح، خصوصاً بالنسبة إلى الفكر العربي
والإسلامي المعاصر، الذي تأشكلت عليه مواضيع التراث والدين والثقافة. وتحديداً أحزاب
الإسلام السياسي والجماعات الدينية والراديكالية،بحيث يتم استدعاء كل ما هو ديني
ومذهبي وطائفي في هذا الصراع السياسي الاقتصادي الإنساني. فهذا الفكر، يحرم فئات
عريضة من فئات الآنا المختلفة، من أسس المواطنة أو حتى من المبدأ الإنساني (الحق
في الحياة). ومن أهم مظاهر تجلي هذا الصراع الفكري والسياسي مع هذه الأحزاب
والجماعات بروز، اتجاهين :
الأول: صراعهم مع الأنظمة السياسية للسيطرة والاستيلاء على السلطة والحكم.
الثاني:الصراع مع بنية المجتمع العربي بكافة أبعاده:الدينية،الإثنية،القومية،المذهبية،الثقافية.
فكل ما يحدث في: العراق،البحرين،لبنان،السودان،مصر،السعودية،ليبيا،تونس...إلخ،لا
يخرج عن هذين الاتجاهين؟ فلماذ لا نستطيع أن ننظر نحن جميعاً إلى بعضنا البعض،
بصفتنا بشراً؟ ولماذا يجب أن نؤكد الاختلافات؟ ولماذا نحتاج إلى النزعة
الشوفينية،ولا نكتفي بالنزعة الإنسانية؟فالحديث عن الطائفية والمذهبية والقوميات
والعنصرية والأعراق والديانات،لا فائدة منه، إلا في الإبقاء على المشكلة، والبقاء
فيها؟
وفي هذا السياق يمكن القول، أن أيدلوجيات ما بعد الثورات قد تشكلت وتميزت،
بمظاهر دينية وسياسية آحادية الفكر،بديلاً عن يوتوبيا الإنسانية المتفائلة، التي تروم
لبناء عالم عربي جديد، وتقترح لنا بدائل يمكن بها ،تجاوز الواقع المرير.فهذه
الأيدلوجيات المستحدثة،تبحث عن مشاكل جديدة غارقة في الآنا،وجميع حلولها غارقة في
حقبات ماضية مغايرة .
وهذه الأيدلوجيات،تستحق التدبر،خصوصاً بالنسبة إلى ارتباطها بالفكر العربي،الذي
أشكل عليه موضوع التراث، من زاوية النظر إلى الآنا والآخر. وهنا تكمن لأشكلة، لأن
البشر من واجبهم ومسؤولياتهم،طرح مشكلات زمانهم وتقديم حلولاً لها،وفق مفهومهم
وقدرتهم، ودون الحاجة لخلق تصادم مع "النحن" ومع الآخر "المختلف".
إذ إن المجتمع
الحديث،لا يمكن له أن يكتسب مقوماته،إلا من خلال خلق "النحن"،
وتقويتها باستمرار. وذلك عن طريق تعزيز فكر الضمير الجمعي، والإجماع على المبادئ
والقيم الإنسانية المشتركة. كما أن الأنا الأعلى في روحيتها الثقافية،ما هي إلا
تعبيراً عن الإحساس بضرورة تقوية "النحن".
وهي "نحن" التعددية والانفتاح وقبول الآخر، في مقابل صور التفكيك
والتشظي وفوضى الغرائز والأحقاد، الخارجة عن الأطر العقلية.وهي باتت تشكل المعضلة
الأساسية، التي تهدد كيان المجتمعات االعربية.
وهذا ما ينطبق،على حالة ما يسمى بالثورات العربية، حيث أننا قد انتقلنا من
حالة سابقة، كانت قد استنفذت إمكانيات الأمة العربية، في إشكاليات حوارية ثقافية
فكرية،حول ماهيتنا وعلاقتها بالآخر المختلف، وهو الغرب، لنصل إلى هذا المستوى من
التصادم مع ماهيتنا نفسها. وهنا تُطرح التساؤلات الاستراتيجية الإنسانية والأخلاقية
الأهم:
-
هل لا
يوجد أمامنا سوى تلك الجدلية المصيرية، في خضم هذه التغيرات والتحولات التي تشهدها
مجتمعاتنا؟
-
هل
هناك من خيارات فكرية متاحة لحل معضلة واقع الأمة ووجودها الغامض، غير ثنائية: إما التصادم مع الآخر أو
التصادم مع الآنا نفسها ؟