موقع yahoo الاخباري 27-5-2010.
سلام الربضي باحث في العلاقات الدولية
الميزان الديمغرافي لا يعمل لمصلحة إسرائيل لأنّ الانفجار السكاني الفلسطيني سيظل كفيلاً بتوفير القلق الوجودي الدائم لنظريّة الغالبيّة اليهوديّة. فالإحصاءات السكانيّة تتوقع زيادة سكانيّة يهوديّة في إسرائيل بنسبة 32% خلال ربع قرن مقبل بالمقارنة مع زيادة فلسطينيّة بنسبة 218% ضمن الحقبة الزمنيّة ذاتها. والإستراتيجيّة الإسرائيليّة تدور في فلك الإجابة على السؤال التالي :
كيف يمكن لإسرائيل مواجهة الخطر الديمغرافي العربي داخل حدود الدّولة
الإسرائيليّة وفي الأراضي الفسطينيّة التي تقع تحت سيطرتها منذ العام 1967؟
إذا كان السّلام خياراً متوقعاً للحدّ من هذا الخطر، إلا أنّ الإستراتيجيّة الإسرائيليّة تضع الأولويّة لخيار المواجهة ولكافة الاحتمالات من منطلق أنّ إسرائيل تتبنى خياراً على حساب خيار وفقاً لمبدأين إستراتيجيين يمكن تبني خيار السّلام في مواجهة التحدّي الخارجي، ولكن التحدّي الفلسطيني أو العربي داخل إسرائيل لا يمكن مقاربته إلا من خلال مواجهته.
ويأتي ذلك عن طريق المضايقة الاقتصاديّة، التهجير ضمن فلسطين التاريخيّة، إعادة التوطين في القرب من المدن الإسرائيليّة الكبرى كاستخدام أيدي عاملة رخيصة، نزع الجنسيّة والاكتفاء بحق الإقامة، الطرد كعلاج وحل نهائي لتعزيز الأمن القومي الإسرائيلي وضمان الملكيّة القوميّة على الأرض. ومخطط تكثيف الاستيطان يستهدف تكريس الاحتلال الإسرائيلي الحالي في الضفة وجنوب غزة والجولان، واستكمال تهويد الأراضي في هذه المناطق بما يخلق أمراً واقعاً يصعب تغييره في المستقبل، أو حتى التفاوض بشأنه. وبحيث تشكل هذه المستوطنات أرضاً رحبة لاستيعاب مزيداً من المهاجرين اليهود، وبما يخفف وطأة المشكلة الديموغرافية التي تعاني منها إسرائيل، ويخلق حافزاً للتدخل العسكري الإسرائيلي مستقبلاً ضد المناطق العربية، حتى في حالة انسحاب القوات الإسرائيلية منها في إطار التفاوض حول مستقبل الأراضي المحتلة، كما هو الأمر في مدينة الخليل والقدس الشرقية . ويرتبط بمخطط الاستيطان مخطط آخر هو مخطط الترانسفير والذي يسعى إلى تفريغ المناطق المحتلة التي تقرر ضمها لإسرائيل من سكانها العرب بأساليب الترغيب والترهيب، وبما يسهل ضمها لإسرائيل.
قد نكون أمام إعلان إسرائيل من جديد بصيغة معدّلة تكون أقل مساحة ممّا حققته إسرائيل وارادتها بفعل حروبها وتوسّعها واستيطانها كمجتمع مهاجرين. ولكنها بكل تأكيد ستكون أكثر يهوديّة في سياستها وعدد سكانها، وهذا ما يفيد طرح إشكاليّة الديمغرافيا. ويبدو أنّ الإسرائيليين الذين رضخوا للجغرافيا، ولو مؤقّتاً، وقبلوا مرغمين على الانكفاء عن أرض فلسطينيّة، يريدون تفويض أنفسهم عن المستوى الديمغرافي من خلال إخلاء إسرائيل اليهوديّة في حدودها بعد انسحاب الحدّ الأقصى من العرب.
إنّ إشكاليّة الديمغرافيا في المساحة بين النهر والبحر تعني أنّ هناك سيولة في ترسيم الحدود وحركة السكان بين الماءين. الترسيم يحمل لأوّل مرّة حركة باتجاهين، تحريك الخط الأخضر"حدود الرّابع من حزيران" شرقاً بحيث تضمّ إسرائيل نهائياً مراكز استيطانيّة كبيرة، مثل ضمّ إسرائيل الأحياء الفلسطينيّة حول القدس مثلاً، أو غرباً بحيث يتمّ التخلص من تجمّعات فلسطينيّة داخل إسرائيل متاخمة للضفة الغربية. والمسألة الديمغرافيّة تدخل الآن في أولويّات الأمن القومي الإسرائيلي فليس صدفة أن تبدي إسرائيل استعداداً للبحث في مسألة اللاجئين من زاوية التعويض المالي وذلك ليس نتيجة شعور مفاجئ بالمسؤوليّة التاريخيّة عن تهجيرهم، بل رغبة في اتقاء شرّ هذا الملف الديمغرافي. كما أنّ قابليّة إسرائيل للاعتراف بتقسيم القدس ليس نابعاً من اعترافها بمركزيّة القدس للفلسطينيين والعرب بمقدار الرّغبة لديها في إخراج أعداد أخرى من الفلسطينيين خارج حدود الدولة اليهودية.
وتهجير الفلسطينيين لا ينحصر في سكان المناطق المحتلة لعام1967بل تشمل المخططات الديمغرافيّة الفلسطينيّة داخل إسرائيل نفسها وهنا يتمّ تداول جملة من الأفكار السّاعية إلى الهدف ذاته، وهو تفريغ إسرائيل الجديدة من سكانها الفلسطينيين عبر تعديلات حدوديّة غربي الخط الأخضر. فمثلاً رسم الحدود غربي وادي عمارة في منطقة المثلث المتاخمة للضفة الغربية يتمّ من جانب واحد بإلحاق150ألف فلسطيني في إسرائيل بمناطق الكيان الفلسطيني الذي سينشأ.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن يمثل الإلحاح الإسرائيلي باعتراف العرب بيهودية الدولة العبرية كشرط أساسي لإطلاق عملية التفاوض وفقاً لنتائج مؤتمر انابوليس2007 هذا الإلحاح الإسرائيلي يعبر في العمق عن ارتفاع منسوب الهواجس والقلق الوجودي الذي بدأ يطفو على السطح الإسرائيلي تحت وطأة المتغيرات العاصفة التي تشهدها إسرائيل من عامل النمو الديمغرافي في إسرائيل بالإضافة إلى نتائج هزيمة إسرائيل في حرب تموز 2006 على لبنان وحرب غزة 2009 . ولا بدّ من الإشارة إلى أن إسرائيل تعرّف نفسها كدولة يهودية وهي ملك لأشخاص تعرفهم السلطات الإسرائيلية كيهود وبغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه. فالمعضلة الأساسية الأولى التي تواجهها إسرائيل منذ انتصاراتها السريعة والمفاجئة في حرب 67 تتمثل في إيجاد الصيغ العلمية الكفيلة بالاحتفاظ بالأراضي المحتلة، ودمجها في فضائها السيادي لغايات أمنية وإستراتيجية ودينية، مع تفادي المخاطر الجسيمة المنجرة عن منح المواطنة لسكانها . حيث يؤدي ذلك إلى خلق دولة مزدوجة القومية يصل فيها العرب نسبة 35% من السكان وسيصبحون بعد عقود أغلبية داخل إسرائيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق