سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية
صحيفة العالم \ بغداد \ 26-5-2010
http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=9572
نتيجة الانخفاض في الإيرادات العامة للدول سوف ينعكس ذلك سلباً على التقديمات الاجتماعية بكافة أشكالها بالإضافة إلى فرض ضرائب تطال الشرائح المتوسطة وما دون، وما ينتج عن ذلك من انقسامات داخل المجتمعات قد تكون بداية لصرعات لا يعرف أحد نتائجها أو آثارها على الصعيد السياسي والاقتصادي. ومن المنطقي أن تجري الشركات وراء كل دولار تستطيع الحصول عليه، ومن الطبيعي أن الشركات لا تعطي شيئاً مقابل لا شيء، فالمال يشتري الفعل ويشتري النفوذ. والحكومات في كثير من جوانب هذه القضية تتحمل المسؤولية واللوم والمال الذي ينفق على الشركات على شكل إعفاءات أو حوافز هو المال الذي يغدو غير متوافر للخدمات العامة. وجمع الضرائب هو أكثر حقوق الدولة القومية مبدئية وهو الوسيلة لتصحيح عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، فقد تكون الشركات هي التي تحدد قواعد اللعبة، ولكن الحكومات تمضي بعيداً في اجتذاب هذه الشركات إلى بلادها أو إبقائها فيها.
الإشكالية الأساسية تكمن في الدافع الذي يبرر الدعم المالي والضرائبي الذي تمنحه الحكومات للشركات؟ وإذا كان هذا الدعم بحجة تعزيز النمو الاقتصادي وزيادة فرص العمل فما هو السبب الذي يحول دون تخصيص هذه الموارد المالية الهائلة لخلق فرص العمل مباشرة وليس عبر النمو الاقتصادي؟ ولماذا لا يتم تقديم هذا الدعم للمرافق العامة مباشرة، بحيث يتم تمكين الفئات المحدودة الدخل من تكوين ثروة ورفع مستوى المعيشة مباشرة، أو استثمارها في مجالات تخدم الأجيال القادمة؟
فالمنافسة على تخفيض الضرائب وتقديم الحوافز تؤدي إلى تخفيض إيرادات الدول التي تنعكس سلباً على متطلبات التكافل الاجتماعي، ومقولة الضرائب الجمركية تخفض الإيرادات الحكومية مقولة قابلة للنقاش لأن الضرائب الجمركية تحمي المشاريع الداخلية وتصبح الحكومات ليست مضطرة لتقديم المنح والإعفاءات الضريبة. إذ لا بد من إيجاد تشريعات داخلية تواجه ظاهرة التهرّب الضريبي بمعناها الاقتصادي على المستوى الدولي وأن لا يقتصر الأمر على تشريعات دولية ثنائية أو إقليمية لمنع الإزدواج والتهرّب الضريبي وكذلك اتخاذ إجراءات تحول وتحد من هروب رؤوس الأموال إلى الخارج.
الدعم المقدم للشركات من خلال الأبحاث العلمية ونقل المعرفة والتكنولوجيا، يدخل في إطار استراتيجية الدول والبعد العلمي دخل إلى التوازنات الاستراتيجية الأساسية بين الدول، وتشير إلى ذلك الإخفاقات المتواصلة في محاولات نقل التكنولوجيا والمعرفة بين الدول المتقدمة والدول النامية. ويعتبر مشروع مكتبة غوغل المطروح منذ العام 2004 نموذجاً لتلك الصراعات المتشابكة. حيث ظهرت ردود فعل من قبل السياسيين والخبراء والمؤرخين على مشروع مكتبة غوغل من زوايا مختلفة، وهناك من اعتبر أن هذا المشروع يهدف إلى هيمنة اللغة الانجليزية والمصالح الأمريكية على العقول عالمياً، وهنالك مَن طالَب بردٍ استراتيجي من قبل فرنسا وأوروبا على مشروع مكتبة غوغل تحت شعار رقمنة فرنسا وأوروبا لمواجهة ثقل الحضور الأمريكي علمياً في الفضاء الافتراضي.
يجب على الدول تحمل مسؤولية السياسات التي أقرتها بوعي وإرادة، فهي التي توقع الاتفاقيات وهي التي تسن القوانين، وهي التي تلغي الحواجز والحدود وتمنح الإعفاءات وتقدم المساعدات، متمثلة بحكومات ومجالس تشريعية ورجال حكم، سواء في الدول الغنية أو الفقيرة. وهذا التناقض أيضاً قائم على صعيد السياسية الحمائية المتبعة من قبل الدول الغنية تحديداً في ظل العولمة، فهل تلك السياسات تخدم مصلحة الشعب أم تخدم مصلحة الشركات؟ وهل هناك تحالف بين الدول والشركات؟ أم قد يكون هنالك تقاطع مصالح يخدم استراتيجية الدول على الصعيد القومي؟
تلك السياسات تؤكد نظرية وجود دور فعال للدول وبأنها تسيطر وتفرض نفسها متى تشاء، وعالمياً يمكن القول بأن هناك منهجية لمنطق الاحتكارات قائم على قاعدة الشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة التجارة العالمية وأن قانون حماية حقوق الملكية الصناعية والفكرية في مكاناً ما قد يخدم الاحتكارات وخاصة ما هو لمصلحة الشركات عبر الوطنية.
فيما يتعلق بالسياسة الداخلية يمكن اعتبار تلك السياسة قائمة في إطار خضوع الدول لمصلحة الشركات وهو تحليل يتوافق مع نظرية الهيمنة المطلقة لتلك الشركات. لكن سواء كانت تلك السياسة تخدم مصالح أفراد أو المصلحة العامة أو تخدم مصالح الشركات الكبرى فأين الخلل في ذلك إن كانت تلك السياسات تأتي لخدمة الداخل ـ بغض النظر مَن هو المستفيد ـ في وجه الخارج من الدول؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق