مجلة صوت العروبة\ واشنطن\18\1\2010.
arabvoice.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=18327&mode=thread&rder
ثانياً: المؤسسات الدولية الاقتصادية.
هنالك أوجه اختلاف بين النظام المؤسسي الدولي السياسي من ناحية الأمم المتحدة، والنظام المؤسسي الدولي الاقتصادي من ناحية أخرى فالأول بدأ واستمر على اساس عالمي بينما النظام الدولي الاقتصادي الممثل بصندوق النقد والبنك الدولي قد تأثر بالانقسام الأيديولوجي بين الكتلتين، وبالتالي فإن الحرب الباردة كان تأثيرها في النظامين السياسي والاقتصادي مختلفاً، حيث الدول الاشتراكية استمرت في عضويتها في الأمم المتحدة بالمقابل قاطعت النظام الدولي الاقتصادي. كما ان النظام الدولي السياسي قائم على المساواة على الاقل نظرياً وبالمقابل فالنظام الاقتصادي الدولي بدأ منذ إنشائه وفقا للمبدأ الرأسمالي الذي يحدد أصوات الدول الاعضاء على أساس حصصها أو مساهماتها في المنظمة. مما فتح المجال أمام الدول الرأسمالية الكبرى لفرض سيطرتها لدرجة ما على النظام الاقتصادي الدولي.
ومؤسسات النظام الاقتصادي الدولي بعد الحرب العالمية الثانية هي :
أ- البنك الدولي للإنشاء والتعمير:
تم إنشاء هذا البنك بعد المشاورات البريطانية الأمريكية ولقد كان هذا النظام الاقتصادي وليد حصيلة التفاعل بين أراء كينز ووايت حيث كينز مسلح بخيال واسع وقدرة نظرية هائلة ووايت يستند إلى القوة الاقتصادية التي تمثلت ببلادة أمريكا, ولقد ظهر أن النظام الاقتصادي قد تأثر بآراء وايت أكثر من كينز مما يؤكد قوة السلطة في مواجهة الفكر في كثير من الاحيان. وقد كان تركيز هذا البنك على تمويل الجهود الرامية إلى إعادة بناء الاقتصادات المهدمة في أثناء الحرب ثم التركيز على جهود التنمية. ومنذ نهاية الخمسينيات بدأ البنك يركز عملياته على قضايا التنمية في دول العالم الثالث.
ومن خلال تتبع حقوق الدول الأعضاء فالمساواة غير موجودة حيث تستمد الحقوق بمدى مساهمتها في رأس المال مما يجعل الدول الصناعية أقوى، وإذا كانت الدول الأوروبية هي المستفيدة من نشاط البنك في 16 سنة الأولى ثم أصبحت دول العالم الثالث هي الأكثر استفادة بعدما تحولت عمليات البنك إلى التنيمة، وفي أثناء رئاسة روبرت ماكنمارا تحول الاهتمام الى قضايا التوزيع والعدالة ولم يعد النمو وحده كافياً وساد وقتها شعار النمو.
ومع إعادة التوزيع ومع ظهور أزمة المديونيات في الثمانينيات اتجه الاهتمام الأكبر إلى تمويل برامج الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي. ومن الملفت للانتباه أن قروض البنك الدولي تتم مع شروط للسياسة الاقتصادية حيث قروض البنك خاصة على صعيد الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي هي قروض لضمان تنفيذ سياسات اقتصادية محددة بأكثر مما هي قروض لتنفيذ مشروعات معينة.
وفي نفس الاطار تمخض عن هذا البنك مؤسسات شقيقة تعمل معه في إطار ما يسمى بمجموعة البنك الدولي وهي تشمل مؤسسة التمويل الدولي (IFC) وهيئة التنمية الدولية (IDA) والوكالة متعددة الأطراف لضمان الاستثمار (MIGA) .
ب- صندوق النقد الدولي :
عهد للصندوق الدولي أخطر مهمة في فترة ما بعد الحرب وهي العمل على استقرار أسعار الصرف وحرية التحويل العملات. كما أن الصندوق كان معني بأمور الدول الغنية بينما البنك الدولي كان منهمكا في أمور الدول النامية.ولقد تجاذب إنشاء هذا الصندوق تباين النفوذ الامريكي والبريطاني وما بين آراء كينز ووايت, أيضاً تم الآخذ بمقترحات وايت وأصبحت هي أساس النظام الجديد الذي تم الاتفاق عليه في بريتون وودز 1944 حيث تم اعتماد مشروع وايت القائم على أساس مبدأ الإيداع في حين كان مشروع كينز قائم على مبدأ فتح الاعتماد.
تم اعتماد ثبات أسعار الصرف ولكن هذا الثبات لم يكن مطلقا حيث أجيز تعديل هذه الأسعار إذا توافرت ظروف خاصة. ومع مرور الوقت تم تغيير هذا المبدأ, وإذا كانت أحكام الصندوق قد جاءت نتيجة للأوضاع الاقتصادية السائدة عند نهاية الحرب، فقد عرفت هذه الاوضاع تغيرات كبيرة لم تلبث أن انعكست على نظام الصندوق الذي أخذ بنظام مختلف منذ منتصف السبعينيات نظام أسعار الصرف المتغير.
ج- الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات)
تم إنشاؤها كحل مؤقت لحين إنشاء منظمة التجارة الدولية وقد تم توقيع اتفاقيتها عام 1947 ومن الجدير ذكره أن الجات لم تكن منظمة دولية بل مجرد اتفاق بين الدول الموقعة وقد كان الهدف المعلن من الجات زيادة حجم التجارة عن طريق تخفيف العقبات أمام التجارة الدولية ومع ذلك لجأ العديد من الدول وخاصة الصناعية إلى الاحتماء بنصوص "الوقاية" لوضع قيود على واردات الدول الاخرى وقد قدر عدد المرات التي تم استخدام فيها سلاح الوقاية 151 مرة حتى عام 1993 منها 136 مرة من الدول الصناعية المتقدمة ناهيك عن استخدام إجراءات مقاومة سياسات الاغراق مما أعادنا إلى الآخذ بالسياسات الحمائية.
على الرغم من الترتيبات الخاصة للدول النامية القائمة على توفير معاملة تفضيلية إلا أن الدول النامية قد عانت بشكل كبير جراء القيود الكمية التي فرضتها الدول الصناعية على الواردات الزراعية ، والمنسوجات وهما يمثلان أهم صادرات الدول النامية.
من الملاحظ أن الجات كتدبير مؤقت قد حكمت معظم العلاقات التجارية في النظام الاقتصادي الدولي خلال النصف الأخير من القرن العشرين، ومع نهاية الحرب الباردة تم إنهاء هذا التدبير المؤقت والانتقال إلى استكمال هذا النظام بمؤسسة منظمة التجارة العالمية.
د- مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد 1964)
بعد تحول الجات عملياً الى أداة في أيدي الدول الصناعية كما يرى المؤلف فقد جاء إنشاء مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 1964 كجهاز يضم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ويتبع الجمعية العامة وكان إنشاء هذا الجهاز كمسار جذب وإغراء بين الدول النامية. والصناعية ويلعب راوول بربيش R. Prebisch صاحب نظرية تدهور معدلات التبادل في غير مصلحة الدول النامية دوراً مهماً في بلورة أفكار هذا المؤتمر وأصبح أول سكرتير عام للجهاز.
ساهم جهاز الانكتاد في دعم جهود الدول النامية في الدفاع عن مصالحها التجارة مثل نظام التفضيلات المعمم 1971، والنظام العالمي للتفضيلات المعممة للتجارة 1989، وشبكة نقط التجارة 1994، وعلى الرغم من عدم وجود سلطات تنفيذية للمؤتمر إلا أنه ساعد على رفع صوت الدول النامية في أهمية ربط قضايا التجارة باحتياجات التنمية.
المبحث الثاني
تطور الاقتصاد العالمي في الربع الأخير من القرن العشرين
منذ بداية السبعينات تغيرت الأوضاع العالمية وبدأت الأزمات العالمية تتوالى منها ازمة الغذاء في 1970, وأزمة الطاقة في 1973, وأزمة الميونية في 1982, فضلا عن أزمة التنمية وأزمة الاشتراكية منذ السبعينات, واذا كان العالم قد عرف في معظم أجزائه مشاكل عدة منذ السبعينات فقد عمدت الدول الصناعية الغربية إلى إعادة النظر في هياكلها الاقتصادية والمؤسسية لاستعادة حيويتها منذ نهاية السبعينات, أما الكتلة الاشتراكية فقد أغفلت مواجهة مشاكلها حتى تفاقمت بشكل كبير.
تفاعلت تطورات اقتصادية وتكنولوجية بالغة الاهمية , ساعدت على إفراز العديد من مظاهر الخلل وعدم الاتساق بين مؤسسات ونظم بالية وبين حقائق جديدة, ومن أهم هذه التطورات الثورة التكنولوجية وما أدت إلية من تغير في المعطيات الاقتصادية للعالم المعاصر, وقد واكبت هذه التطورات التكنولوجية تغيرات أخرى لا تقل عنها أهمية في الؤسسات والسياسات العامة كان لها بدورها أثار بعيدة المدى.
أولاً : أزمات الاقتصاد الدولي 1970 – 1999
هناك دائماً سياسات في كل وقت لمواجهة المشكلات , والفارق بين ربع القرن الأول بعد نهاية الحرب الثانية وربع القرن التالي هو أن السياسات الاقتصادية السائدة كانت أكثر نجاحا في مواجهة هذه المشكلات خلال الفترة الأولى ومن هنا النجاح, في حين أنها كانت أكثر عجزاً وقصوراً في الفترة التالية ومن هنا تكون الأزمات فعندما نتكلم عن الأزمات فإننا نعني بشكل عام عجز الحلول والسياسات الاقتصادية وقصورها عن مواجهة تلك المشكلات،
أن وجود المشاكل والتحديات الاقتصادية هو قدر الإنسانية وحياتها ولا مفر منه، حيث لا يعرف الإنسان ولن يعرف حياة اجتماعية من دون مشاكل. والجديد منذ نهاية الستينيات هو أن المشاكل الاقتصادية بدت مستعصية على السياسات القائمة وظهرت بوادر فشل هذه السياسات وتفاقم المشاكل وعجز السياسات، ومن هنا الحديث عن عصر الأزمات.
من أهم مظاهرهذه الأزمات والتي توالت الواحدة بعد الأخرى حيناً أو تداخلت فيما بينها أحياناً وهذه الأزمات هي :
أ- أزمة نظام النقد الدولي:
مع نهاية الحرب العالمية الثانية انشغل العالم بوضع قواعد جديدة لنظام النقد الدولي في ضوء التجارب الماضية وفي الوقت نفسه كان الحنين لنظام ما قبل الحرب العالمية الأولى كبيراً وبالتالي لم يكن من الغريب أن يتجه واضعوا اتفاقية بريتون إلى الأخذ بنظام ثبات أسعار الصرف وأن السبب في أزمة النقد الدولي ترجع إلى أن النظام الذي تم اتباعه في ثبات أسعار الصرف كان قائم على عدم إخضاع الدول توازنها الداخلي للظروف الخارجية وبالتالي لقاعدة الذهب بعكس ما كانت عليه الحال قبل الحرب العالمية الأولى وبالتالي واجه النظام النقدي عقبات لم تعرفها قاعدة الذهب، ناهيك عن جمود أسعار الصرف الناتج عن النمو الكبير في حركات رؤوس الأموال مما جعل القيمون على النقد يؤكدوا على التشدد في تغيرات أسعار الصرف تجنبا للمضاربة.
ونتيجة زيادة المعاملات الدولية كان لا بد من توفير كميات كبيرة من السيولة الدولية وكان هناك عدة طرق للوصول لذلك:
1– عن طريق الذهب: ولكن إنتاج الذهب لم يكن كافياً لمواجهة احتياجات العالم من السيولة الدولية، كما إن فكرة رفع ثمن الذهب ومن ثم جمع السيولة الدولية لن تلقى القبول فلأسباب سياسية ترفض بعض الدول منح الدول المنتجة للذهب مكاسب مجانية (جنوب أفريقيا ، الاتحاد السوفياتي) كما أن منطق النظام القائم على ثبات أسعار الصرف بالنسبة للذهب كان يتعارض مع ترك ثمن الذهب يرتفع.
2 – الاتفاق على قيام سلطة دولية بإصدار نقود دولية.
3 – استخدام إحدى العملات الوطنية كنقود دولية.
ونتيجة للظروف التي لم تكن مواتية لإصدار نقود دولية على الرغم من أن كينز قد طرح هذا الموضوع في مشروعه فلم يكن هناك مناص من استخدام إحدى العملات الوطنية كنقود دولية الى جانب الذهب في تسوية المدفوعات الدولية ولقد كان الدولار أكثر العملات تهيئاً للقيام بهذا الدور. ولقد نتج عن ذلك الوضع أن حققت الولايات المتحدة وتمتعت بمكاسب احتكارية باعتبارها السلطة التي تصدر الدولار. حيث أن الدول لكي تحصل على الدولار يجب أن تتنازل عن أصول مختلفة في حين أن الولايات المتحدة لا تتكلف شيئاً في سبيل إصدار هذه الدولارات (الطبع والادارة فقط).
مع مرور الوقت أصبح هناك تعارض ما بين الدولار كعملة نقدية دولية وبالتالي هناك اعتبارات المسؤولية الدولية وبين احتياجات السياسة الداخلية الأمريكية مما يؤدي إلى الارتباك وخاصة مع تغليب المصالح الوطنية الأمريكية الذي يؤثر بالتالي على الاستقرار الدولي وكان أهمها قرارات الولايات المتحدة ما بين 1968 و1971 إلى منع تحويل الدولار الى ذهب.
أن تطور الاقتصاد العالمي وظهور ألمانيا واليابان على الساحة الدولية الاقتصادية طرح تساؤلات حول قيمة الدولار التي لم تعد معبرة عن حقيقة الاوضاع، مما ادى في عام 1972 إلى تشكيل اللجنة الوزارية لإصلاح النظام النقدي في جنيف.
ولكن مع الاستقرار النسبي نتيجة اتفاقية سميثونيان 1972 ما لبثت الأزمة أن تعود من جديد (المضاربات) مما جعل الولايات المتحدة أن تقوم بتخفيض الدولار في عام 1973 مما أدى إلى العودة الى تقويم العملات ومع بروز أزمة البترول ونتيجة الضغوطات تم في عام 1976 (جامايكا) تعديل اتفاقية صندوق النقد الدولي لتصبح الدول الحرة في اختيار نظام الصرف وهو الحل الوسط ما بين الطروحات الأمريكية والفرنسية.
أصبح النظام النقدي (هجين) غير معروف الهوية فهو نظام قائم على الدولار وهو نظام يعتمد أساساً على تعويم العملات، وهو نظام لا يضع ضوابط على الدولار الورقي بعد تحرره من القابلية للتحويل الى ذهب .
يتبع .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق