2009-10-31

مرتكزات النظام السياسي اللبناني







سلام الربضي ........ باحث في العلاقات الدولية

مجلة صوت العروبة \ واشنطن \ 31.10.2009.


www.arabvoice.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=1726




كل نظام سياسي في الأصل إنما هو مجموعة من الحلول اللازمة للمشكلات التي يثيرها قيام الهيئات الحاكمة. وجعلها في هيئة اجتماعية وقانونية موحدة، متوازية تعرف بالدستور، حيث تقف عنده الجماعة في لحظة معينة. والنظام السياسي اللبناني منذ نشأته عام 1926 قائم على دستور يرتكز على الوفاق الوطني، والعيش المشترك.




قد تكون الاشكالية المطروحة هي أين التوقف ؟ 

في الداخل اللبناني من خلال طبيعتة الطائفية أم عند الدستور اللبناني بقواعده ؟؟؟
 

أم في الخارج حيث الوقوف عند الحدود الخارجية وتقاطعاتها الاقليمية والدولية ؟؟؟
 

والتسأؤل هل كان على لبنان أن يصبح مثل هؤلاء الآخرين؟


أو أنه كان على هؤلاء أن يصبحوا مثله؟
 

هل على لبنان، أن يقوم بالخطوات تجاه غيره؟


 أم أن على غيره أن يحذو الخطوات تجاهه؟

عند البحث في المرتكزات الأساسية للنظام السياسي اللبناني لابد من تتبع الأحداث، منذ إعلان الجمهورية ودستورها الأول. (1926) وتناول الاستقلال والميثاق الوطني. الدستور غير المكتوب1943ومعالجة دستور الطائف1990.



ومن البديهي على كل باحث، يرغب في دراسة النظام السياسي القائم في لبنان، أن يلقي نظرة على الماضي، بعيداً كان أو قريباً، نظرة فاحصة يمر بها خلال الأوضاع الدستورية المختلفة، والاحداث السياسية المتعددة التي تعاقبت على لبنان. ولأن تعاقب الأوضاع الدستورية، والحادثات السياسية على لبنان، قد خلقت تراثاً متميزاً، وخلقت تقاليد خاصة به، ومن خلالها نتمكن من إدراك وإيضاح التطور الذي حصل للنظام السياسي اللبناني .






1- الممارسة السياسية في عهد الاستقلال






إن الكيان اللبناني لم ينشأ بالصدفة، ولا هو مصطنع، ولا جزء من أي بلد عربي آخر، لأن الدول العربية كلها نشأت حديثاً كدول مستقلة، أما بالنسبة للبنان عرف في تاريخة صيغة استقلالية ذاتية، ضمن الإمبراطورية العثمانية، أولاً عبر نظام الإمارة (1516-1840) ثم عبر المتصرفية (1861-1915) الذي أنشأ نظاماً للحكم الذاتي، في وقت كان الجميع خاضعين لنظام الولاية العثمانية.
 



تم إقرار نظام جبل لبنان، وأهم ما يميزه آنذاك إصدار أحكام جبل لبنان لعام (1864) كالآتي:

أ- يتولى إدارة جبل لبنان متصرف مسيحي تنصبه الدولة العثمانية.
 

ب- يكون للجبل مجلس إدارة مؤلف من 12عضواً،أربعة موارنة،ثلاثة دروز، واحد سني، واحد شيعي، واحد روم كاثوليك واثنان روم أرثوذكس.
 

ج- قسم جبل لبنان، إلى سبعة أقضية وكل قضاء إلى نواحي، ويعين الحكام المتصرف




لقد تميزت الحقبة الممتدة من (1926) إلى (1943) بوجود حياة سياسية ذات مستوى متقدم، أولاً بسبب وجود قضية أساسية هي قضية إنشاء الوطن والكيان، وثانياً بسبب وجود طبقة من السياسيين الأكفاء والمثقفين، من كل الطوائف والمناطق، تعاطت مع الأحداث والتطورات على مستوى القضية الوطنية. وقد تجلت الممارسة السياسية الوفاقية في عام 1937 حيث أقدم رئيس الجمهورية أميل إده، على تعيين السيد خير الدين الأحدب رئيس للوزراء من الطائفة السنية، وأصبح منذ ذلك الوقت عرف وتقليد سار عليه النظام السياسي في لبنان وقد كان من عوامل ولادة الميثاق الوطني 1943.
 



وفي إطار التوافق حمل الدستور اللبناني عام 1926 في طياته، إشارة واضحة إلى حقوق الطوائف وحرياتها مما يترجم الوفاق. ومن تلك المواد في الدستور المواد من 7 إلى 15 خاصة المادة 9 حيث تنص على:
 

"حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال الله تعالى، تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام..." 


كذلك المادة 95 من الدستور حرصت على مراعاة حقوق الطوائف وتمثيلها في تأليف الوزارة والوظائف العامة.




الممارسة السياسية الفعلية بدأت بعد الاستقلال، وفقاً لمبادئ الدستور المعدل، الميثاق الوطني، وقبل الاستقلال لم تكن الظروف مؤاتية، إذ كان اهتمام السياسيين وعملهم منصب بشكل أساسي على الاستقلال، وكيفية التعامل مع الانتداب، وبالتالي فإن الممارسة السياسية تفاعلت بوتيرة عالية في ظل الدستور المعدل في عام 1943، الدستور الغير مكتوب، وهو الأرضية التي ينطلق منها النظام السياسي في لبنان.
 



إن إعطاء السلطة التنفيذية صلاحيات تفوق صلاحيات السلطة التشريعية، وفق الدستور، هذا مبدأ كان سائداً ومكرساً في النظام اللبناني السياسي. ولكن لم يستعمل بصورة يمكن فيها اتهام السلطة التنفيذية بأنها طغت على السلطة التشريعية. وبالغت في حل مجلس النواب، بل على العكس من ذلك. فإن وقائع التاريخ الاستقلالي لم يشهد، إلا ثلاث حالات من حل مجلس النواب. وبسبب قلة حالات الحل، لم يكن هناك نزاعات خطيرة أو جدية بين المجلس والحكومة تستوجب الحل، لأن الأكثرية الساحقة من القوانين التي كانت المجالس النيابية تقرها هي مشاريع قوانين، مقدمة من الحكومة.




على صعيد إقرار القوانين، فإن الغالبية الساحقة من النصوص التشريعية التي أقرت، على طول التاريخ الاستقلالي، إنما كانت على شكل مشاريع قوانين، سواء عادية، أو معجلة ذات أصل حكومي أو مراسيم اشتراعية. فعلى سبيل المثال بين عامي 1958 و 1976، خلال 18 عاماً تم إقرار 1955 نصاً تشريعياً بينها 188 نصاً فقط نتيجة مبادرات من أصل برلماني.
 

الحكومات كلها كانت تنال الثقة، لأنها كانت ولا تزال حكومات ائتلافية، تمثل الطوائف والمناطق والكتل البرلمانية، وبعض الأحزاب التي تنجح في إيصال عدد من مرشحيها إلى المجلس. والحكومات حين كانت تستقيل، فإن ذلك لم يكن يحصل بسبب فقدان ثقة المجلس فيها، بل لأنها كانت تنفجر من داخلها إثر خلافات واعتبارات خاصة بالحكومة ولأسباب أخرى.
 



المادة 58 من الدستور القانون المعجل,من أهم مواد الدستور، وأكثرها ابتكاراً. وهي بالذات كانت من صنع المشترعين اللبنانيين، وحدهم في تعديلات 1927.وهذه المادة تهدف إلى إيجاد وسيلة للحؤول دون تلكئ المجلس النيابي أو بطئه في إقرار القوانين، وكانوا المشرعين واعيين أشد الوعي لما يقومون به، وللانعكاسات المحتملة للنص على العلاقة بين السلطتين، لذلك يجب موافقة مجلس الوزراء على القانون المعجل قبل إحالته إلى مجلس النواب، ويوافق على إصداره قبل أن ينشره رئيس الجمهورية. إن التشريع بطريقة المعجل كانت صلاحية مهمة جداً في يد السلطة التنفيذية، ففي عام 1957، في عهد كميل شمعون، تم اللجوء للمادة 58 من الدستور 22 مرة، وفي عهد فؤاد شهاب 81 مرة. وبين عام 1959 و1981 تم وضع 557 مشروع قانون موضع تنفيذ 235 في عهد فؤاد شهاب و81 قانوناً وضعت في عهد الرئيس شارل الحلو و191 مرة في عهد الرئيس سليمان فرنجية. ولكن تم تقييد صلاحية المادة 58 في تعديل الطائف1990.




إذاً لم تكن هناك خلافات بين الحكومة والمجلس النيابي بصفتهما مؤسستين، وبالتالي إذا كانت الحكومات كلها حازت على ثقة المجلس بدون صعوبة أو عناء يذكر، ومشاريع القوانين العادية والمعجلة، لا تلقى معارضة من قبل المجلس النيابي. فلما تلجأ الحكومة إلى حل المجلس النيابي؟
  


منذ إعلان الميثاق الوطني، أصبح رئيس الوزراء يقوم عرفياً بالتوقيع مع رئيس الجمهورية على كل  
القوانين والمراسيم والقرارات المتخذة. وهذا العرف والتقليد السائد، الهدف منه التلاحم الوطني 
والحفاظ على التوازن الطائفي.




 

في الدساتير الحديثة ساد مبدأ فصل السلطات، وقد اخذ الدستور اللبناني بهذا المبدأ، وهو من مرتكزات النظام السياسي اللبناني. وتم فصل السلطات على أساس التعاون فيما بينها، إلا أنه بالواقع ميز بعضها بسلطان مستمد من النص الدستوري، وخولها حقوقاً خاصة، من شانها التأثير إلى حد كبير على أعمال إحدى السلطات.






 2- أزمات الحكم في ظل الدستور






إن النظام اللبناني قائم على الدستور والوفاق الذي تجلى عام 1943، حيث عمل على إقامة توازنات بين الطوائف ومشاركتها في عملية مباشرة السلطة في لبنان. كما إن صلاحيات رئيس الجمهورية مهمة ويجب أن يلجأ إليها في بعض الظروف، ولكن الإصرار على استعمالها غالباً قد يؤدي إلى إضعاف المؤسسة الرئاسية نفسها، حيث الرئيس يشكل دور الحكم والوسيلة الوحيدة لاستمرار اللعبة، في بلد تتعايش فيه وتضطرم ضمن نظام الحرية السياسية أشد النزاعات تناقضاً.


ومع مرور الزمن أصبحت عملية اختيار رئيس جديد للحكومة تتخذ أبعاداً داخلية وإقليمية متزايدة، وكان على رئيس الجمهورية أخذها بالحسبان، وفي هذا الصدد نشرت مرة إحدى الصحف اليومية عام 1973 رسماً كاريكاتورياً يظهر المدير العام السابق لرئاسة الجمهورية – بطرس ديب- يقول لرئيس الجمهورية سليمان فرنجية: "فخامة الرئيس هل تريد رئيساً للحكومة يكون صديقاً لليمين ولليسار، لسوريا وللعراق، للسعودية ولواشنطن، ولموسكو؟ فأجاب الرئيس في الرسم الكاريكاتوري قائلاً : "أخشى أن تكون أنت هذا الشخص يا بترو...".وبصرف النظر عن سخرية الرسام، إلا أنه في ذلك الوقت كان رئيس الجمهورية، بالرغم من حرية الاختيار مبدئيا،ً مضطراً لمراعاة العديد من الظروف السياسية، الداخلية، والإقليمية .
 

نتيجة لهذا الواقع يمكن التساؤل:


هل كان على لبنان أن يصبح مثل هؤلاء الآخرين؟


 أو انه كان على هؤلاء أن يصبحوا مثله؟

سؤال عميق لا بد أن يطرح لكل باحث يحاول أن يعالج قضية لبنان ونظامة، وأن يفهم أسباب الأزمات التي دارت فيه...


ففي 8 أيار عام 1958، تنادت المعارضة بقيادة صائب سلام وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وسواهم إلى إعلان الإضراب، وثم وقعت أعمال عنف ونشبت ثورة مسلحة في بيروت وطرابلس والشوف وصيدا، ومن دوافعها اتهام الرئيس شمعون بالسعي إلى تجديد رئاستة بعد أن سقط زعماء المعارضة في الانتخابات النيابية، وتعاطفه مع مشروع أيزنهاور. ورفضه عام 1956 قطع العلاقات مع فرنسا وإنكلترا بعد الهجوم والعدوان الثلاثي على مصر، فعملت الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) إلى مؤازرة المعارضة بالسلاح والمال، ومن الطرف الآخر أي الاتحاد العربي (الأردن والعراق) أيدا الشرعية المتمثلة بالرئيس شمعون، ونتيجة انقلاب 14 تموز في العراق، تخوف الغرب من تحول المنطقة ضد مصالحها، فأنزلت الولايات المتحدة بناء على طلب الرئيس شمعون، قواتها في لبنان وأرسلت إنكلترا قواتها إلى الأردن اتقاء لأي مد ناصري. وانتهت الثورة بانتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.





إن رضى الطوائف إنما شكل الأساس الذي تقوم عليه السياسة اللبنانية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وإن عدم مراعاة تلك الحقائق عرض الوطن اللبناني والنظام إلى هزات عنيفة مثل أزمة .1958 . كذلك الحال بالنسبة إلى أزمة اتفاق القاهرة 1996,وأن العوامل التي أدت إلى نشوء تلك الأزمة ظاهرة للعيان منها ما هو داخلي، وما هو خارجي.
 

وأتفاق القاهرة أسس لمشكلة كبيرة جداً، من جراء تشريع العمل الفدائي، والانفجار الكبير عام 1975. إذ استطاع الاتفاق نقل الأزمة أو أن يؤجل الانفجار، والتأجيل بحد ذاته حل، هذا ما كان يردده دائماً الرئيس شارل الحلو ، حيث تم توقيع الاتفاق في عهده. ومن المفارقة إن مجلس النواب اللبناني  أقر اتفاقية القاهرة دون أن يطلع على مضمونها.
 

وبما إن الشرق الأوسط كما لبنان كانا يمران في أخطر مرحلة، منذ حرب 1967 حتى حرب 1973، وبعد نكسة 1968 تحولت بيروت إلى مكان للتعبير عن مردودات الهزيمة العربية وانعكاساتها. وبما أن لبنان لم يشترك في حرب حزيران 1967، فإن بعض النقمة، عن كل ذلك الهيجان السياسي ارتدت ضده، خصوصاً وأنه كان أول المستفيدين من المقاطعة العربية لإسرائيل منذ 1948 ناهيك عن الاختلاف بين نظام الحكم اللبناني الديمقراطي والأنظمة العربية الأخرى .



إن الحرب في لبنان لم تكن طائفية في المبدأ، إنما اتخذت وبتخطيط من بعض المستفيدين في مرحلة من مراحلها الطابع الطائفي. إن السلوك الانقسامي لأهل الحكم الذي قدم لغياب الدولة، وأفقدها لصلاحياتها، وحيث تناسى رئيس الجمهورية في أكثر من وقت ومناسبة صفته كحكم، وجهر بسياسات فئوية، فكان الرد عليه من رئيس الحكومة، بأنه يمثل كذلك مجموعة معينة، متجاوزاً الثقة الممنوحة له من المجلس النيابي على اختلاف طوائف أعضائه. وكان لهذا المنحنى الانقسامي أثره البالغ على عمل المؤسسات ولاسيما العسكرية منها. لقد بدأت حالة من الإفلاس الوطني، مرافقة لها أزمة اقتصادية، ناهيك عن التشرذم الثقافي في مناهج تعليمية متناقضة.
 



وخارجياً، لقد كان التواجد الفلسطيني المسلح على الأراضي اللبنانية وارتباط الفلسطينيين مع الدول العربية المنقسمة فيما بينها. بالإضافة إلى التدخل الإسرائيلي عام 1978، 1982،تقاطرت مجمل تلك الأحداث، ليغوص لبنان والنظام السياسي فيه، بالمأساة الأطول في تاريخه.
 

إن الامتحان القاسي والأقسى للنظام السياسي اللبناني حدث في سنوات الحرب والمحنة. وهي تجربة حاسمة كان يمكن لها ان تعيد فيما بعد على إرساء الحل على القاعدة السلمية والسليمة . ولكن الممارسة السياسة الداخلية للبنانيين بالإضافة إلى الممارسة الاقليمية المتمثلة بالسعودية وسوريا لم تكن على مستوى تلك المحنة وأبعادها الخطيرة.






3- تعديلات الطائف في مضمونها الأساسي






كثيرة الأسباب التي دفعت بالنظام السياسي اللبناني إلى الطريق المسدود وقادت إلى انفجار الوضع، واندلاع الحرب التي هددت مصير الوطن اللبناني، ولكن أكثر الأسباب رجوحاً كانت طائفية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية وخارجية. فالدستور بالرغم من كل شيء، ومن حالات الخروج على الشرعية، بقي مرجعية محاطة بالهيبة، لأن اللبنانيين، شأنهم في ذلك شأن جميع الخائفين على مصيرهم ومصير بلدهم الصغير.ربطوا الدستور بكيان البلد نفسه، وبالتالي مرتكز النظام السياسي الأساسي، واعتبر أن تلك المرجعية، إذا تعطلت نهائياً، تعطلت أسس ذلك الكيان والنظام، وقد تحققت المخاوف التي عصفت بنفوس اللبنانيين في سنوات الحرب الطويلة.وبخلاف بعض الحلول التي وضعت للحروب الداخلية، المعاصرة الأخرى، وبالنظر تحديداً إلى استحالة البحث في أي مشروع خارج وحدة الأرض والشعب والمؤسسات في لبنان .


المرور عبر الدستور هو المدخل الطبيعي لأي حل للأزمة اللبنانية، في شقها الداخلي على الأقل. وهو ما يجمع اللبنانيون على قبوله، بالنظر إلى منزلة الدستور لديهم، مرتكز نظامهم السياسي، الذي يجمعهم ويوحدهم، في إطار العيش والمصير المشترك.على الرغم من الاشكاليات التي يطرحها اتفاق الطائف اولها توقيعة خارج الاراضي اللبنانية وليس اخرها توقيعة تحت وطأة الاحتلال السوري انذاك. فتعديلات الطائف في مضمونها الأساسي قد تكون تجاوزت موضوع إعادة توزيع الصلاحيات، وكرست بصورة قوية وحاسمة التعديلات، المبادئ التواقفية، العيش المشترك، الخيار الديمقراطي، الحريات العامة والنظام البرلماني.




إن التوافق حول المبادئ العامة في مقدمة الدستور يجب النظر إليه، على أنه من أسس العيش المشترك، فالدستور أدرك مفهوم المواثيق ودورها الأساسي، إن في تطور لبنان التاريخي وإن في عمليات البناء لمؤسسات الدولة . فكانت مقدمة الدستور "بأن لا شرعية لأي صيغة تتناقض وميثاق العيش المشترك". لها معناها الكامل، لأنها اختصرت مفهوماً ليس لحياة لبنان فحسب، بل لكل شأن يفترض أن يرعى شؤونه العامة والوطنية .


من الصعب أن تنجح أي عملية بناء على الصعيد الوطني. إن لم تكن مستندة إلى مقتضيات الوفاق، الذي هو من سمات النظام اللبناني والاحداث التي مرت بلبنان منذ العام 2005 تعكس حقيقة هذا الواقع . إذ يجب النظر دائماً إلى ما هو مطلوب من زاوية تدعيم البناء، فإذا ابتعدت المطالب عن المصلحة الوطنية، المستندة على الوفاق، لظهر الوضع بأنه نزاع بين الطوائف أو الأشخاص وهو أخطر ما يهدد لبنان في بنائه الوطني ككل.




في الطائف قد تم إعادة توزيع الصلاحيات، فنقل قسم كبير من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء . بالرغم من أن عدداً من النواب الذين شاركوا في ذلك المؤتمر يرددون القول، بأن ما حصل بشأن التعديلات المتعلقة، بصلاحيات رئيس الجمهورية، ما كان إلا تكريساً لواقع الممارسة السياسية للسلطة التنفيذية، ولواقع العلاقة بين رئيس الجمهورية والحكومة، إلا أنه لا بد من الملاحظة، أنه على الصعيد الدستوري الصرف فإن النصوص تعدلت تعديلاً جذرياً، وبشكل خاص المادتان 17،53، وهما متلازمتان في مضمون ممارسة السلطة التنفيذية.
 

المادة 53 المعدلة، التي تنص على صلاحيات رئيس الجمهورية، ذكرت في فقرتها الثانية أن رئيس الجمهورية "يسمي رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلع رسمياً على نتائجها. لقد حصل تعديل جذري للحياة السياسية اللبنانية، فمهما كانت التفسيرات التي أعطيت أو التي ستعطى في المستقبل للفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور، فإن صلاحيات رئيس الجمهورية في هذا المجال باتت مقيدة سياسياً ودستورياً.


ومن الجدير التوقف عند وملاحظة ما حصل في 30 تشرين الثاني 1998 عندما اعتذر الرئيس رفيق الحريري عن تشكيل الحكومة وهو أيضاً ما حدث مع الابن سعد الحريري اثناء تشكيل حكومتة الاولى والتي اثارت اشكاليات مختلفة منها الفترة اللازمة لتشكيل الحكومة وكيفية التنسيق مع رئيس الجمهورية حول اختيار اعضائها بالإضافة إلى اشكالية حرية الاطراف السياسية في اختيار من يمثلها في الحكومة.


لقد طرحت العديد من التساؤلات الدستورية، علماً بأن ما قد يكون في ذلك الحدث ما يتجاوز الأشكالية الدستورية، إلى السؤال الأشمل والأعمق:.
 

أين هو موضع السلطة في لبنان؟؟؟؟؟


أن الطائفية واضحة في النصوص الدستورية. ولقد تم التطرق إلى الموضوع الطائفي في الدستور في مواد جديدة لم تكن واردة في الدستور القديم، علماً بأن في الدستور القديم أكثر من مادة متعلقة بالموضوع الطائفي ما تزال سارية المفعول. الطائفية موجودة في النصوص، كدليل على الواقع البشري والمجتمعي والسياسي الذي تميز به لبنان، وتلك النصوص تهدف إلى تأمين حقوق الجميع وخصائصهم، في إطار الوحدة الوطنية.
 

الفقرة (ي) من المقدمة والفقرة (ح) وفيما يخص إلغاء الطائفية، من أبرز التعديلات المنبثقة عن الطائف، من حيث التكريس السياسي لحل المشاكل أي جاءت لتكرس الحل السياسي وترسبه على أسس دستورية. والمادة (19) المتعلقة بإنشاء المجلس الدستوري لمراقبة دستورية القوانين، على حق "رؤساء الطوائف المعترف بهم قانوناً" بمراجعة المجلس حصراً، فيما يتعلق بالأموال الشخصية وحرية التعليم الديني، حيث كرس الدستور الصفة الرسمية لرؤساء الطوائف اللبنانية.


أي مراقب محايد للدستور اللبناني لا يمكنه إلا أن يتساءل عن مدى الانسجام بين المادة (19) والفقرة (ح) من المقدمة، حيث مادة تكرس حق رؤساء الطوائف من جهة، ومادة أخرى تنص على إلغاء الطائفية من جهة أخرى. ومن الملاحظ أن الدستور (الطائف) لم يتجاهل موضوع الطائفية، بل حاول أن يعالجه بروحية الخلاص من مشكلة تعترض الحياة السياسية منذ بداية ظهور لبنان ككيان، حتى قبل قيام الدولة.
 

موضوع إلغاء الطائفية السياسية كان ولا يزال موضوع شديد الدقة، لا تتم معالجته بسهولة، حيث أن إعادة تكوين الحياة السياسية بعد الحرب، وخلال الفترة الانتقالية التي تتبعها وما تزال قائمة. وفي ظل مخاوف عديدة، إزاء المستقبل على ضوء مشاريع السلام في الشرق الأوسط، ومن واقع الصراع القوى في الداخل، والقوى المطالبة بحقوقها طائفياً، فإن إلغاء الطائفية السياسية لا يتم في ظل أجواء من هذا النوع فهذا يعني أنه مؤجل؟؟؟؟؟.


على الرغم  ان كثر هم من يشكك في الكيان اللبناني، لكن أثبتت التجارب المتلاحقة عليه أنه كيان مستقل ووطن نهائي لجميع أبنائه في ظل دستور وفاقي يثريه تنوع المجتمع على اختلاف طوائفه ولبنان بطبيعة تكوينه، وبتحديات الأخطار التي أحاطت به وتحيط، بعناصره الخاصة جعلت منه كيان ذي تجربة فريدة لا يمكنه إلا أن يكون على موعد مع الغد. والتجربة اللبنانية تشبه نظرية الثورة الدائمة ولا يمكن للبنانيين، أن يقولوا في يوم من الأيام أن مشاكلهم قد انتهت، لأنه لا بد لعدد من المشاكل أن تبقى مرافقة لهم.....





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com